الفصل السادس

في تاريخ سورية الديني في القرن الرابع عشر

(١) في بطاركة أنطاكية وأورشليم في هذا القرن

إن تاريخ هؤلاء البطاركة في هذا القرن أيضًا سقيم وغامض، أما في أنطاكية فذكر السمعاني في جدول بطاركتها أنه كان على كرسيها في أوائل هذا القرن يوحنا السادس، ومرقس الأول، ثم قام أغناتيوس الثاني، وكان في أيامه شقاق البالاميين عند الروم، وحرم هذا البطريرك إيسدورس محدثه سنة ١٣٤٤، وعُقد حينئذٍ مجمع التأم فيه اثنان وعشرون أسقفًا، ورأسه البطريرك القسطنطيني وهذا البطريرك، فنبذوا ضلال هؤلاء الملحدين فتحاملوا على هذا البطريرك، وأودعوه السجن وأذاقوه مر العذاب حتى توفي، وفي الجدول الواتيكاني أن بخوميوس الأول خلف أغناتيوس، ثم حط عن كرسيه وانتخب ميخائيل الأول سنة ١٣٧٠، ثم توفي فعاد بخوميوس إلى كرسيه ثانية ولم يمكث طويلًا، وروى بعضهم أن خليفته مرقس الثاني توفي سنة ١٣٧٨، والذي في جدول السمعاني أن أغناتيوس الثاني خلفه ميخائيل الأول، ثم مرقس الثاني ثم بخوميوس ثم فيلبوس ثم ميخائيل الثاني الذي كان في أيام تيمور لنك في مبادي القرن الخامس عشر، وكان بطاركة أنطاكية على الموارنة في هذا القرن سمعان المار ذكره، وتوفي سنة ١٣٣٩ وخلفه يوحنا التاسع ثم داود المسمى يوحنا أيضًا، ويظهر من آثار أنه استمر على كرسيه إلى سنة ١٣٩٧ بل إلى سنة ١٤٠٢.

وأما في أورشليم فكان بعد تاوي الفرمي السابق ذكره صفرونيوس الثاني على ما روى نيكوفور كاليستوس (فصل ٣٩)، وقال: إن خلفه أتناسيوس أسقف قيصرية فيلبوس، فغصب جبرائيل برولا هذا الكرسي ثم عُزل أو اعتزل عنه، وعاد أتناسيوس إليه، وبعد وفاة أتناسيوس انتخب العاذر فعزله يوحنا البطريرك القسطنطيني، ونصب مكانه جراسيموس الذي كان قد حضر إلى القسطنطينية للشكوى على أتناسيوس، فشكى الأورشليميون جراسيموس إلى سلطان مصر، فعزله وسار ليبرر نفسه بمصر فمات في طريقه، وعاد العازر إلى كرسيه بأورشليم، وكتب البابا أدريانوس الخامس رسالة سنة ١٣٦٧ إلى العازر هذا وإلى بطريركي قسطنطينية وأنطاكية يستحثهم بها على الاتحاد بالكنيسة الرومانية، ويظهر منها أن هذا البطريرك كان يرغب في الاتحاد بالكنيسة الرومانية، وقام بعد العازر صفرونيوس الرابع وكان بعد صفرونيوس دوروتاوس الأول، وخلفه ابنه وسمي توافيلوس، وكان في أيام الملك عمانوئيل الثاني بالالوغوس الذي استولى على منصة الملك سنة ١٣٩٢، وفي أيام ابنه يوحنا السابع الذي شاركه في الملك سنة ١٣٩٩.

(٢) في بعض المشاهير الدينيين في القرن الرابع عشر

كان من هؤلاء المشاهير محبوب بن قسطنطين مطران منبج اليعقوبي، وله تاريخ عام ابتدأ فيه من سنة تجسد المخلص، وأوصله إلى القرن الرابع عشر وضمنه ما جاء في تاريخ اليعاقبة المشهور، وزاد عليه أولًا تاريخ أعمال الملوك الرومانيين من أغوسطوس قيصر إلى سنة ١٢٨٣، ثانيًا تاريخ الملل الشرقية أي: الملكية والنساطرة والموارنة وسماهم هراطقة لمخالفتهم بدعته اليعقوبية، ثالثًا تاريخ سبعة مجامع بحسب معتقد اليعاقبة، رابعًا مختصر تاريخ المسلمين العرب والفرس والإفريقيين والآسيويين والسوريين من سنة ٦٢٢ إلى سنة ١٣١٢، وهذا التاريخ لا يعرف له نسخة إلا التي في المكتبة الماديشية بفيرانسا.

وكان في هذا القرن عبد يشوع مطران نصيبين النسطوري، وكان طائر الشهرة بقلمه حائزًا على مرتبة بين قومه وسائر السريان، رقَّاه يهب الله بطريرك النساطرة إلى مطريبوليطية نصيبين سنة ١٢٩٠، وكانت وفاته سنة ١٣١٨ وهو غير عبد يشوع الذي جحد بدعة نسطور، وسار إلى رومة وصار بطريركًا على الكلدان الكاثوليكيين في القرن السادس عشر، ولعبد يشوع الذي نكتب ترجمته مصنفات كثيرة جليلة ذكرها لنفسه في آخر قصيدته في المؤلفين الآتي ذكرها، منها تفسير الأسفار المقدسة في العهدين، والكتاب الجامع في التدبير العجيب أي: في تجسد المخلص وأعماله، ومنها ديوان سماه فردوس عدن، وينطوي على خمسين قصيدة سريانية ضمنها كثيرًا من أنواع البديع، كما يقرأ طردًا وعكسًا وما التزم في قوافيه لزوم ما لا يلزم إلى غير ذلك من البديع اللفظي، وله كتاب يتضمن مختصر القوانين، وكتاب في أعمال الشاه أي: الملك مروان في خراسان كتبه بالعربية، وكتاب الدرة في حقيقة الإيمان وكتاب في أسرار البيعة، وكتاب في فلسفة اليونان وآخر في دحض البدع وله قصائد أخرى كثيرة أعظمها قصيدته التي عدد فيها أسماء المؤلفين ومؤلفاتهم مبتدئًا من موسى والأنبياء إلى أيامه، ولا سيما المؤلفون النساطرة، وقد شرح هذه القصيدة كثيرون منهم إبراهيم الحاقلي الماروني، ثم العلامة السمعاني الذي جعل المجلد الثالث من مكتبته الشرقية شرحًا لهذه القصيدة، ولعبد يشوع أيضًا رسائل كثيرة في موضوعات متنوعة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤