اليوم الحادي عشر (الاثنين ٢٣ أبريل سنة ١٩٠٠)

هذا هو يوم شم النسيم في مصر، ولكن ليس له أثر في پاريس وسائر بلاد الإفرنج، ولكوني لا زلتُ حافظًا لصفتي المصرية وصبغتي الشرقية، لا بد للقراء من أن يمنحوني الراحة، حتى أشاركهم في نعيمهم، كما أشركتهم في كل أحوالي، «فواحدة بواحدة سواءُ».

لذلك قصدت الخلاء فذهبت إلى قرية صغيرة تبعد بالإكسپريس بين القاهرة وبنها، والأجرة لا يمكن أن تذكر بجانب ما نغرمه في مصر، بل أخجل إذا قلت: إنها عبارة عن أربعة فرنكات ونصف، أي أقل من ثمانية عشر غرشًا صاغًا ببضعة ملاليم، وذلك عن الذهاب والإياب في الدرجة الثانية، وهذه القرية تسمى تريل (Triel) فلله ما أبدع هذه المناظر الشائقة، ولله ما أجمل تلك الأشجار والأزهار والجبال والقيعان، كلها بساط من السندس النضير قد نقَّطوه بالدنانير.

ونحن في مصر لا يمكننا أن ندرك جمال هذه الخلوات؛ لأن أرضنا منبسطة، وليس فيها أشجار ولا غابات، ولا جبال بَرْقَشَتْهَا يد العناية على أجمل مثال، فلما وصلت هذه القرية شاقتني وراقتني، وعزمت الإقامة والاستراحة من ضوضاء پاريس وملاهيها، وسأصفها وأصف خلواتها، وكل آتٍ قريب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤