الطعن مرفوض

لا بد أن هناك قضاة آخرين في برلين: أوجستين، وإنجلهارت، وجالشكه من محكمة العمل، وكوستر، وشيلينج، وشميت من محكمة العمل في الولاية، وبرتهولد من المحكمة الابتدائية، وبيدرمان، وكلاوس، وكلمروت، وبرويس، وشيفر من المحكمة الإدارية، وبيترس، وبلومكه، وفون شتاين، وتسفايجرت من المحكمة الإدارية العليا، وبلاكوشر، وريشرس، وفالديك، وتسولسدورف من محكمة الولاية، ٢١ قاضيًا من ست محاكم أصدروا خلال تسع سنوات أحكامًا ضد السيدة الدكتورة جروسكورت. الاستثناء الوحيد هم السادة المختصون بالعقوبات الجنائية في محكمة الولاية، هؤلاء هم الوحيدون الذين حكموا وفق الوقائع لا الأحكام المسبقة. هناك إذن قضاة في برلين.

لا تستطيع أن تقبل أن يَصِموها بالنازية. ولا حتى بالشيوعية أو محاربة النظام الديمقراطي الليبرالي، لا لشيء إلا لأنها قالت عددًا من الجمل ضد النازيين والحروب. ناهيك عن أن يكون السبب تشويه سمعة جيورج ومقاومته للنازية.

إذن، الاستئناف لدى محكمة برلين العليا. مبناها يقع بعد ثلاثة مَبانٍ من بيتها في «فيتسليبن-بلاتس». تَخيَّلتْ أناليزه كيف سيكون الأمر لو ذهبتْ ببساطة إلى المحكمة ودَعتِ السادة المسئولين إلى الجلوس معها على دكة في المُتنزَّه المُطل على بحيرة «ليتسن»، والنقاش حول كل شيء بهدوء. أن تقوم بلطف بتوعية رجال القانون، وأن تُحدِّثهم عن النازية والمقاوَمة والسلوك التآمري الحذر. أن تُحدِّثهم عن الأنشطة الكثيرة الصغيرة، عن المشاوير التي قامت بها، عن الحصول على أموال، الشهادات الطبية، المخابئ. أن تقترح على القضاة دعوة شهود آخَرِين بعد هافَمان، أي الأعضاء الآخَرِين من الاتحاد الأوروبي الذين نجوا من الموت، مثل: السيدة رينتش، والسيدة جروجر، والزوجين اليهوديين الوحيدين اللذين يمكن تحديد هويتهما بين مَن نجوا من اليهود. لكن القضاة لا يريدون الجلوس على دكك في المُتنزَّه، ينبغي عليهم أن يقرءُوا مذكرات قانونية، وأن يلتهموا دومًا المزيد من المذكرات.

مساءً، في طريقها إلى المَرضى الساكنين في منطقة البحيرة، كانت ترفع بصرها في ذلك الشتاء إلى النوافذ العالية للمبنى الرمادي الضخم. لا يمكن أن تسكن إحدى الأفاعي خلف هذه النوافذ المُطلَّة على البحيرة. سينتهي الأمر على خير، تسعة أعوام والأفعى تسرح وتمرح، هذه المرة سينتهي الأمر على خير. تعتقد أنها نجت: قريبًا ستحصل على نقودها، وسيستطيع الابنان أن يغادرَا المنزل ويبدآ الدراسة، سيُعيدون لجيورج اعتباره، قريبًا ستحتفل مع محاميتها وتنسى المذكِّرات والأحكام نسيانًا تامًّا ونهائيًّا.

الإجراءات في محكمة ولاية برلين العليا تسير بسرعة، تحدد الموعد في التاسع من مارس ١٩٦٠م. لا تريد المحكمة النظر في قضية الاتحاد الأوروبي، بل إنها تصدق السيدة جروسكورت في أقوالها بشأن المقاوَمة الفعلية التي قامت بها، وأنها للتمويه انضمَّت إلى الرابطة النازية للنساء. تشهد الأفعى لها بسخاء أنها — كما شرحت — ساهمت بنصيبها في مقاوَمة الاشتراكية القومية. ومن هذا المنظور لا يمكن إنكار وجود ملاحَقة نازية للمُدَّعِية. تتلطف الأفعى معها، ولا تلومها حتى بسبب مُساهمتها المتواضعة في الاعتراض على إعادة تسليح ألمانيا. لكن نفحة السم توجِّهها الأفعى إلى مَن قام بهذه الأفعال ضد الجمهورية الاتحادية، رغم أن المنطقة الشرقية أعادت تسليح نفسها أيضًا. انطلاقًا من ذلك يمكن — على الأقل — استشفاف موقف المُدَّعية السلبي تجاه النظام الديمقراطي الليبرالي للجمهورية الاتحادية.

لأن السيدة جروسكورت عملَت على التوصل إلى هدف يتبناه حزب الاتحاد الاشتراكي أيضًا، فإنها — حسب رأي الأفعى — تُمثِّل خطرًا على نظام البلاد. إن المواطنين الراشدين الذين قد يتصرفون انطلاقًا من روح الديمقراطية لا يعرفون رءوس أفعى محكمة برلين العليا. إن الطبيبة التي فاتَها أن تنتقد في أبريل ١٩٥١م إعادة تسليح المنطقة الشرقية لا يمكنها أن تتوقع الحصول في ربيع عام ١٩٦٠م على تعويض من الغرب بسبب الأضرار التي لحقت بحياتها وحريتها خلال النازية.

انتهى الكلام. ويتم رفض طلب الاستئناف.

رغم ذلك يتجرأ المحامي كاول — رجل القانون البرليني الشرقي الذي أنقذها من السجن، والذي يلقى تقديرًا مهنيًّا كبيرًا رغم عضويته في الحزب الاشتراكي الموحد — ويرفع شكوى إلى المحكمة الاتحادية العليا للسماح لموكِّلته بالاستئناف. في ديسمبر ١٩٦٠م يتم رفض الشكوى. لا يختلف القضاة الخمسة في كارلسروه في أحكامهم عن القضاة الأربعة والعشرين في المحاكم الأقل درجة.

شكوى دستورية لدى المحكمة الدستورية العليا، مارس ١٩٦١م، محاوَلة المحامي الأخيرة لتصحيح أخطاء القضاة التسعة والعشرين السابقِين. يختار لهجة منبرية: السلام بدلًا من الحرب، الصداقة بين الشعوب بديلًا عن الكراهية، التطلع إلى المساواة بدلًا من الزعم بوجود جنس متفوق وجنس مُتدَنٍّ. هذا لا يعني على الإطلاق تَبنِّي كافة الأهداف السياسية للاشتراكية، وهو ما يظهره العدد الكبير من الذين يختلفون اختلافًا بيِّنًا في مواقفهم، الذين يوافقون على مبادئ عديدة إنسانية من مبادئ الاشتراكية دون أن يكونوا اشتراكيين. ولهذا فإن الشاكية ليست عضوًا في حزب اشتراكي. إن تَبنِّي هذه القناعة علنًا — والأمر سواء أين، وفي أي هيئة، وفي أي اجتماع — هو وفقًا للدستور حق من حقوقها التي لا تُمَس. إن منْعَها من التعبير عن قناعتها، عبْر تعريضها للعقوبة وإلحاق أضرار مختلفة الأشكال بها، يعني اعتداءً أساسيًّا على كرامتها الإنسانية ومساسًا بها.

هل تتوقع أناليزه، هل يتوقع أي شخص أن ينقلب الأمر لصالحها؟ الكرامة الإنسانية؟ حرية التعبير عن الرأي؟ أمام أعلى هيئة قضائية؟ في عام بناء سور برلين؟ ما المتوقَّع، إذن؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤