إنهاء الحرب الباردة

ما لم أكن أعرفه: في تلك الأشهر تحديدًا التي كنتُ أقتفي فيها آثار حكايات جروسكورت، تجرَّأتْ أناليزه على محاوَلة أخيرة لاستعادة كرامة زوجها وسُمْعته، وللحصول على راتِب التقاعد والتعويض. مرَّت تسع سنوات منذ عام ١٩٦٠م؛ أي منذ صدور حكم محكمة الولاية في برلين، وفي تلك الأثناء أصبح المجتمع ينظر إلى النازِيين نظرة أكثر نقدية، كما شَرَع في احترام حركة المقاوَمة، وأمسى يَتقبَّل الآراء المخالِفة على نحو أسهل.

نصحها المحامي كاول بأن تُكلِّف مكتب محاماة في مدينة إسن بكتابة تقرير عن الحكم الذي أصدرته محكمة ولاية برلين، وعن فضائح القضاء خلال سنوات الخمسينيَّات. لماذا إسن؟ كلَّا، ليس لأنها وُلِدَت هناك، بل لأن هناك مكتب محاماة في إسن، هكذا فكَّروا، عِملَ فيه يومًا غوستاف هاينَمان الذي أصبح منذ عام ١٩٦٦م وزيرًا للعدل في ألمانيا الغربية. كل السبل القانونية كانت قد استُنفِدت، ولم يَعُد من الممكن رفع دعوى أخرى. ولكن التقرير من إسن كان مُرفقًا بالتماس مُوجَّه إلى مصلحة التعويض في برلين ووزارة الشئون الاجتماعية في بون. وقد كتب الالتماس — وهذه فكرة تكتيكية أخرى — محامٍ مشهور من برلين.

حدث ذلك في الوقت الذي أُتيحت لي فيه فرصة التحدث مع السيدة جروسكورت ودراسة ملفاتها. لم تَقُل لي كلمة واحدة عن المحاوَلة الجديدة، ولماذا تفعل؟ ربما لم تُرِد بعد هذه السلسلة من الإحباطات التي ضيَّقَت الخناق عليها أن تثير في نفسها أو في نفس الآخَرِين أي بصيص من الأمل. في مارس ١٩٦٩م، ما زلت أتذكر، فوجئَتِ السيدة جروسكورت (لن أقول: شعرت بالبهجة؛ لأن ذلك سيكون أكثر من الواقع، فالبهجة فقدتها بسبب كل الأحداث السياسية) عندما تم انتخاب هاينَمان — الرجل الذي كانت دومًا تشير إلى موقفه بخصوص إعادة تسليح ألمانيا — رئيسًا لجمهورية ألمانيا الاتحادية: أول رجل شريف في هذا المنصب.

لا بد أن أناليزه كانت في ذلك الأحد من شهر يوليو تعرف محتوى تقرير الخبراء. لا بُدَّ أنها بعد أن قرأَت الحجج المكتوبة شعرَت بأن أحدًا يفهمها، يُقدِّرها حق قدرها: إن أفعالها وأقوالها لم تُعبِّر أبدًا عن ارتباط سياسي حزبي، كما أنها لم تكن يومًا موجَّهَة ضد دستور برلين. إن موقفها من إعادة التسلح كان عاطفيًّا وتلقائيًّا، انطلاقًا من بُغضها للحرب والعنف، وليس بهدف ممارَسة السياسة؛ فليس معنى أن يعمل أحد على الوصول إلى هدفٍ يتبَنَّاه أيضًا الحزب الاشتراكي الموحَّد، أن يُحسب فورًا على المعارِضين لنظام البلاد، هذا هو أكبر أخطاء محكمة ولاية برلين. لقد كان هدف الصحافة والمصالح الحكومية في الغرب لسنوات عديدة — بل وكادت تصل إلى هذا الهدف — تدمير حياة الطبيبة عبْر تشويه سُمعتها واغتيالها معنويًّا، ولهذا لم يكن أمامها اختيار آخر غير البحث عن سند لها في لجنة جروسكورت.

تمَّت صياغة هذه الحجج، إضافةً إلى جمل أخرى من المذكرات القانونية السابقة، بنبرة موضوعية، ولكنها حاسمة في توجهها الليبرالي. يا للعزاء الذي لا بُدَّ أنها شعرت به عندما قرأت هذه الجملة الطويلة المعقدة البشعة والتي يصل الالتماس بها إلى ذروته:
إن تَبنِّي كل هذه الأهداف يُعتبر اليوم أمرًا مشرِّفًا للغاية. ولهذا نلتمس؛ إذ إنَّ تهمة انتهاك نظام البلاد الديمقراطي الليبرالي لا يمكن الاعتداد بها من منظورِنا اليوم؛ ولأن السيدة جروسكورت قد تصرَّفتْ على الدوام باعتبارها مواطنة رشيدة انطلاقًا من المفاهيم الديمقراطية، متبنيةً في ذلك أهدافًا سياسية كان يتبناها آنذاك أفراد آخرون أيضًا (وكما نرى في موقفها بشأن إعادة التسلُّح الذي تبنَّاه الرئيس الحالي لجمهورية ألمانيا الاتحادية هاينَمان)، كما أن هذه الآراء أصبحت اليوم محل إجماع من عدد كبير من المواطنين والسياسيين — نلتمِس الموافَقة على طلبها بشأن تعويضها وفقًا لقانون تعويض الموظَّفين المتضرِّرِين من النازيَّة، وهو ما قد يُنهي هذه الحرب الباردة السائدة أيضًا في الإدارات الحكومية والقضاء، هذه الحرب التي عبَّرت عن نفسها في صورة تكاد تكون نموذجية في الأحكام الصادرة ضد موكلتنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤