المقدمة

الأسس الجديدة لفلسفة التاريخ

تتألَّف فلسفة كل علمٍ من مبادئه العامة، وإذا تحوَّل هذا العلم تحولت فلسفته أيضًا.

ويعاني التاريخ هذه السُّنَّة العامة، وإذ تزول المبادئ التي كانت سندًا له مناوبةً فإنه يبحث عما يَعْتاض به من أُسسه السابقة في التفسير.

وإذ يقتصر التاريخ على عرضٍ بسيطٍ للوقائع التي كان العالم مسرحًا لها يَلُوحُ كُدسًا من الملتبسات الصادرة عن مصادفاتٍ مفاجئة، وتُبسَطُ أهم الحوادث فيه من غير صلةٍ بَيِّنة، ويؤدِّي أدقُّ العلل وأصغرها إلى نتائج عظيمة جدًّا.

ويُعدُّ عدم وجود صلة منظورة بين تَفَه العِلَل وعِظم النتائج من أكثر حوادث حياة الأمم وَقفًا للنظر، ومن ذلك أن ظهر في صميم بلاد العرب سائق إبلٍ اعتقد اتصاله بالرب فأبدع بأخيلته دينًا، فأُقيمت بفعل الإيمان الجديد إمبراطورية عظيمة في سنين قليلة، وتمضي بضعةُ قرون فيؤدي ما صدر عن مُلْهَم جديد من كلامٍ ناريٍّ إلى انقضاض الغرب على الشرق، فتُقلَب بذلك حياة الأمم. وفي أيامنا تصطرع دولة بلقانية حقيرة وإحدى الدول العظمى، فتُخَرَّب أوربة بأدمى الحروب التي سجَّلها التاريخ.

ويواصل هذه السلسلةَ للحوادث غير المنتظرة نَفَرٌ من المتهوسين الذين أعمتهم أوهامٌ سياسية مجردة، كذلك، من الأسس العقلية تجرُّد المعتقدات الدينية القديمة، ويقبضون على زمام روسية، ولم تلبث هذه الإمبراطورية العظيمة أن غرقت في بؤسٍ عميق.

ووقائع مثل هذه مما يُبلبل العقل، ولا ريب في أن لها عللها (ولعدم السياق عِلله)، ولكن تعيين هذه العلل هو من البعد والتعقيد أحيانًا ما يُوضَع معه فوق وسائل التحليل.

•••

تنشأ الحوادث التي يتألف منها التاريخ عن عوامل مختلفة، ومن هذه العوامل ما هو ثابت كالأرض والإقليم والعِرق، ومنها ما هو عارضٌ كالأديان والغَزَوات، إلخ …

ومبدأ العلة هذا هو من أكثر ما يشغل بال الفلاسفة، ويجدُ أرسطو أربعة معانٍ مختلفة لكلمة: «العلَّة». وإذا ما نُظر إليها من الناحية العملية وُجد أنها تدل على حادثة تؤدي إلى أخرى، بَيْدَ أن المعلول لا يُعتِّمُ أن يصبح علةً بدَوره، ويُرى العالم قد تألَّف من شبكة ضروراتٍ يُمَثِّلُ كلُّ واحدة منها معلولًا وعلةً معًا.

وفي التاريخ تَبلغ الحوادث من الانتظام ما يجب أن يُرجَع معه إلى مَدًى بعيد جدًّا أحيانًا، وذلك لتعيين تعاقُب العوامل التي أدت إليها.

ومن أعظم ما في معرفة التاريخ من مصاعب كون الحاضر الذي يكتنفنا، ونراه جيدًا، صادرًا عن ماضٍ بعيد لا نراه، فيقتضي حُسن إدراك الحوادث أن يُرجَع إلى سلسلة طويلة من العلل السابقة.

وقليلٌ من الوقائع ما يمكن إفراده في التاريخ، فمن الحوادث التاريخية وما تُشْتَقُّ منه تتألَّفُ سلسلة متصلة يتعذَّر فصلُ حلقاتها عنها، فلولا الحروب الأهلية في رومة لاستحال ظهور القياصرة.

وكان سببَ حرب سنة ١٨٧١ المباشر برقيةٌ دِبْلُمِيَّة، وكانت مصادرَها البعيدةَ معركةُ يِنَا التي هي نتيجة الثورة الفرنسية، هذه الثورة التي هي نتيجة سلسلة طويلة من الحوادث السابقة، ولولا يِنَا ما كنا لنعرف الوحدة السياسية الألمانية على ما يُحتمل، هذه الوحدة التي أوجبت سِدَان. وهكذا نجد أن نابليون الأول أعدَّ الصراع إذا ما رجعنا إلى سلسلة العلل، وكان إنذار النمسة إلى صربية — الذي هو حادثٌ أوَّليٌّ للحرب العظمى — نتيجة سلسلة طويلة من الوقائع لا يُمكن إدراكه بغيرها، وكانت عللها المباشرة، وهي ما حدث من جدلٍ بين صربية والنمسة، وما تبع ذلك من إعلان النفير العام في روسية، إلخ، من قلة الأهمية ما كان الدبلميون يأملون معه منع وقوع الصراع، ولم تكُ جهودهم مُجدية؛ وذلك لأنه كان ينتصب خلف العلل الحاضرة الضعيفة عامل القوى المتراكمة نحو غرضٍ واحد منذ زمنٍ طويل والتي كانت من شدة الوطء ما لا تُذَللهُ جهود التسكين.

وإذا ما اقتصر المؤرخ في البحث عن مصادر الحرب الأوربية على المفاوضات الدبلمية التي أسفرت عن انقضاض بعض الأمم الأوروبية الكبرى على بعض، لم يُدرك شيئًا من تكوين هذه الكارثة الهائلة، وهو يقول في نفسه سائلًا بلا ريب: إذا كان جميع هؤلاء الأقطاب قد انتهوا إلى الحرب على الرغم من جهودهم الواضحة التي تهدف إلى حفظ السلم، أفلا يكونون قد أُصيبوا بجنون؟ لقد نشأ عن سلسلة من العلل البعيدة وجودُ قُوًى أشدَّ من إرادتهم، ومن العبث أن تحرَّكوا لإبقاء سلمٍ كانت تفرُّ منهم سريعًا، ومن العبث أن أبدوا يأسًا عميقًا عندما ظهرت هُوَّة مُقدَّرة مفتوحة أمامهم، فما كانوا ليسيطروا على الحال ما داموا غير مؤثِّرين في الماضي.

ويغدو التاريخ أمرًا مستحيلًا إذا ما وجبت دراسة تعاقب العلل البعيدة التي تُعيِّن كلَّ حادثة؛ ولذلك يجب أن يُسلَّم بدراسة العلل مباشرةً، ثم ببحثٍ موجَزٍ في العوامل العامة التي كانت ذا أثرٍ في تكوينها زمنًا طويلًا، أجل، تتألف حوادث التاريخ من الوقائع غير المنتظرة، كقيام أديان عظيمة قادرة على تغيير الحضارة، وخضوع أوربة لضابط بسيط صار إمبراطورًا. ولكنه يُشاهَد بجانب هذه الانقلابات العارضة تسلسلٌ على شيء من الانتظام في تطور الأمم وتتبُّع العناصر الأساسية للحياة الاجتماعية، كالنظم السياسية والتملُّك والأسرة، إلخ، سيرًا وثيقًا كالذي تتحول به الخلية الدنيا إلى بَلُّوطة خضراء، فحال الأمة الحاضر يُعَيَّن بتعاقُب أحوالها السابقة، ويخرج الحاضر من الماضي كما يخرُج الزهر من البَذر.

•••

وفي دَورٍ بعيدٍ قليلًا حين لخَّص بُوسُّويه مبادئ زمنه في الكون والإنسان في رسالة مشهورة، كان يُمكن فلسفةَ التاريخ أن تُصاغ في بضعة أسطرٍ فيُقال: إن قدرةً صمدانيةً قاهرةً كانت توجِّه مجرى الأمور وتُنظِّم مصير المعارك، فلا تقع أية حادثة خارج إرادتها.

وقد عدل العلماء عن هذا المبدأ على العموم ومع ذلك لا يزال منتشرًا؛ ومن ذلك أن صرَّح أحد رؤساء الوزارة البريطانية، منذ سنين قليلة من فوق المنبر، بأن الحكمة الربَّانية قضت علانيةً بأن تحكم إنكلترة في العالم، وقبل ذلك بقليل كانت هذه الحكمة الربانية قد فَوَّضتْ إلى ألمانيا تمثيل هذا الدور كما قال إمبراطورها.

ومع أن تأثير العزائم الربانية الموجِّهة لسَير العالم لا يزال حيًّا في حياة الأمم، يزول بالتدريج أمام الجبرية التي تُبصر في الضرورة ما يُسيِّر الأمور من روح.

وبما أن التاريخ ليس علمًا، بل مُركَّب من علوم مختلفة، فإن مبدأه يختلف بين جيلٍ وجيل بحكم الضرورة، وتتضمن فلسفته الحاضرة بفضل مبتكرات العلوم بعض المبادئ الجوهرية في تطوُّر العالم وطبيعة الإنسان، وهكذا حُمِلنا على درس موضوعاتٍ لا تُرى في كتب التاريخ عادةً، وإن كانت أُسسَه الحقيقية.

•••

وإلى دَورٍ حديثٍ نسبيًّا — ما دام لا يفصلنا عنه غير قرنٍ ونصف قرن تقريبًا — كانت معارفنا فيما خلا منطقة الرياضيات والفلك لا تُجاوز على الإطلاق ما يُعلِّمه أرسطو تلميذه الملكي الإسكندر منذ ألفَي عام، فكان يُعَدُّ الهواء والنار والتراب والماء دائمًا عناصر مُكوِّنة للعالم، وكان لا يخطر ببالٍ أمرُ الكهربا والبخار وجميع القوى التي تسيطر على النشاط الحديث، وكان يظلُّ مجهولًا عالم الكمية الصغرى، وكان يبقى غير معروف أمر الموجودات التي ظهرت على الكرة الأرضية قبل الإنسان، وألوفُ ما قبل التاريخ من السنين التي مضت قبل فجر الحضارات. وكانت الكتب الدينية تُبَسِّطُ تاريخ كُرَتنا تبسيطًا عظيمًا، فتقول مؤكِّدَة إن إلهًا قادرًا أخرج الأرض منذ ستة آلاف سنة فقط من العدم بغتةً مع جميع الموجودات التي تسكنها، وكان الفلاسفة يجهلون وحشية جيل الكهوف، فيُعجَبون بكمال المجتمعات الفطرية الخيالي، وكان نظريُّو الثورة الفرنسية يزعمون إعادتهم العالم بعنفٍ إلى دَوْر السعادة الوهمية ذلك.

بدَّد العلم جميع هذه الأوهام، وجدَّد تجديدًا تامًّا أفكارنا حول أصل الأرض والبشر، وحول حوادث الحياة وتطورها، وحول قرابة الإنسان من الحيوان وأصلهما المشترك.

•••

وسرعة تحوُّل الأفكارِ العجيبةُ من خصائص الجيل الحاضر؛ فتُولَد هذه الأفكار وتنمو وتدور وتموت بسرعةٍ خارقة للعادة، وتُلاحَظ هذه الدورة في جميع حقول المعرفة.

وفي علم الحياة تُترك مبادئ تَحَوُّل الموجودات بتطور مستمر بعد أن كانت تؤثر في عالم العلم تأثيرًا عميقًا منذ نصف قرن تقريبًا، ويَحُلُّ محلها مبدأ التحوُّلات المفاجئة.

وظهرت التحولات في الفيزياء أبعد مدًى، فقد أصبحت ذرَّة قدماء الفِزيويِّين الجامدة نظامًا شمسيًّا مُصغَّرًا، ويخسر الأثير، الذي عُدَّ عنصرًا جوهريًّا لنقل النور، وجوده، وتُسْتَبْدَل به مؤقتًا معادلاتٌ لا تُظْهِر شيئًا من الجوهر الذي يصلح سندًا لها.

وتَحَوَّل علم الفلك الثابت تحوُّلًا عظيمًا، فبعد أن كان يعتقد بلوغه حدود الأشياء يُظهِر اليوم خلف هذا الكون المحدود ألوف العوالم البالغة الاتساع.

•••

ومن أهم اكتشافات العلم الحديث إقامة مبدأ التقلُّب مقام مبدأ الثبات، وقد خسرت الأرض والموجودات التي تسكنها ثباتهما الموهوم، وهما يمثلان مباني تخرب وتتجدَّد، وأُبْدِيَ تقلُّب العالم الدائم هذا من سنن وجوده الأساسية.

ولم تكن التحوُّلات في التاريخ بالغةً ذلك العمق، ولكنه إذا ما نُفِذَ في منطقة الأسباب المظلمة ظهر أن أسباب الحوادث الحقيقيةَ تختلف كثيرًا عن التفاسير الوهمية التي عُدَّتْ عقائد قرونًا طويلة.

ومع ذلك لا يمكن أن يُطالَب التاريخ بضبطٍ كالذي أخذت العلوم تُحقِّقه. وإذا ما نُظِرَ إلى طبيعة ذكائنا وُجد أننا لا نبصر هذا العلم إلا على شكل حوادث منفردة، ولا يُمكنه أن يُدرَك على وجهٍ يختلف عن ذلك إلا من قِبَل ذكاءٍ يكون من السُّمُو ما يبصِر معه كل حادث تاريخي، محاطًا بسلسلة من العِلل التي أوجدته، ومن النتائج التي عقبته، وبما أن دماغنا لم يُكوَّن لإدراك مثل هذا المجموع فإنه لا بد من التسليم بإدراك نُبَذٍ من الأمور.

•••

وُجد التاريخ بترجيعاتٍ من الروح البشرية متأثرةٍ بعوامل شتى، غير أن طبيعة هذه الروح لا تكاد تكون معروفة حتى الآن، ولم يُوَفَّق علم النفس — الذي هو أساسٌ جوهريٌّ لمعرفة التاريخ — لغير إيضاح داراتها حتى الآن.

ومن بين النتائج التي أوجبت تحويل إدراكنا للتاريخ يجب أن يُذكر على الخصوص إدراك الحياة الباطنية التي بحث فيها علم النفس الحديث.

ومع أن هذا العلم لا يزال ابتدائيًّا إلى الغاية فإنه يساعد بالتدريج على تغيير الآراء التي عُدَّت حقائق فيما مضى.

ومما كشفه هذ العلم كون اللاشعوري الموروث أو المكتسب يُعيِّن عوامل السير غالبًا، وكون القوى الدينية والعاطفية، التي هي أعلى من القوى العقلية، تُهيمن على هذه المنطقة المظلمة، وكون الوحدة الذاتية ليست غير أمرٍ ظاهر، فهي تنشأ عن تراكيب موقتة تُجَهِّزنا بذاتيَّات متعاقبة يسيطر كلُّ واحد منها تبعًا للحوادث، وهكذا يكون ثبات الذاتيَّات مرتبطًا في ثبات البيئة.

ويدلُّ علم النفس أيضًا على أن خطأ الحكم في الحوادث التاريخية ينشأ على العموم عن كونه يُعزى إليها تكوينٌ عقليٌّ، مع أنها تنشأ عن عوامل عاطفية ودينية خاصة بكل أمة، عن هذه العوامل التي يظلُّ العقل غير مؤثرٍ فيها، وعلى أن المعتقدات الدينية والمعتقدات السياسية ذات الصبغة الدينية لا تقوم على العقول، وعلى أن النفسية الجَمعية تختلف عن الذاتيَّات التي تتألف منها اختلافًا تامًّا، فلا يكون للعوامل المؤثرة في الكائن المنفرد أي تأثير في عين الفرد عندما يكون جزءًا من زمرةٍ لوقتٍ ما، وعلى أن الأغاليط التي عُدَّتْ حقائق مَثَّلَتْ في حياة الشعوب دورًا يُجاوز أحيانًا دور الحقائق الأكثر استقرارًا.

وإذا عدوتَ قصة الحقائق التي تؤلِّف ناحية الحضارات المادية وجدت التاريخ يشتمل كذلك على دراسة الأوهام الدينية والسياسية التي وجَّهتها، وما فتئ تأثير هذه الأشباح العظيمة يكون وطيدًا في العالم الحديث كما في العالم القديم، وقد قُلِبَتْ إمبراطوريَّات قوية، وستُقلب أخرى لا ريب، إيجادًا لها أو قضاءً عليها.

ولا ينبغي لتقدم العقل أن يَحمِل على نسيان شأن الأوهام البالغ في حياة الأمم، فالأوهام قد أوجدت آمالًا مُعَزِّية ومنحت الإنسان قوة سيرٍ لم يؤدِّ إليها أيُّ عامل عقلي، وهكذا ظهر غير الحقيقي موجِبًا كبيرًا للحقيقي.

•••

وإذا لم تكن فلسفة التاريخ غير آخرِ فصلٍ لفلسفة الكون العامة فإننا انتهينا إلى عرضٍ سريع لبعض المبادئ الجديدة التي يَسمح تقدم العلوم بصوغها.

وإننا، بدلًا من عزل الإنسان عن الماضي العظيم الذي هو إزهارٌ له، ربطناه بمجموع الموجودات التي سبقته في سيَّارتنا، فأظهرنا أن العالم المعدني والعالم النباتي والعالم الحيواني مراحل متعاقبة لمجموعٍ واسع، فمادة الأزمنة الأولى الجامدة، التي هي تكاثُفٌ بسيط للطاقة، تحوَّلت تحوُّلًا بطيئًا، وبانتقالات غير محسوسة، إلى مادة حيَّة، وإلى مادة مفكرة في آخر الأمر.

وبيانٌ مثلُ هذا كان ضروريًّا لعرض التحولات العميقة التي تتم في الفكر البشري حول مبادئ عُدَّت خالدة فيما مضى، فكانت تصلح أُسسًا لتفسير التاريخ.

وربما أنني لا أستطيع أن أُبيِّن في هذا الكتاب جميع عناصر فلسفة التاريخ فإنني أردُّ دراسته إلى الأقسام الأربعة الآتية، وهي:
  • (١)

    مباحث علمية مؤدية إلى تغيير الأفكار القديمة، حول حوادث الحياة وأصل الإنسان وتطوُّر العناصر التي تكوَّن منها، تغييرًا تامًّا.

  • (٢)

    مبادئ متعاقبة للمؤرخين حول مختلف وقائع التاريخ.

  • (٣)

    مناهج تصلح لتمثل حوادث الماضي وعللها.

  • (٤)

    مباحث في شأن عوامل التاريخ العظيمة، كالمعتقدات الدينية والسياسية والمؤثرات الاقتصادية، إلخ، وحول تقلبات الذاتية.

وإنَّا إذ ندرس الفرضيات التي يُسوِّغ العلم صوغها حول القُوَى المبدعة للكون وحول أصل العالم وعدم ثباته، وطبيعة الإنسان وحوادث الحياة، وأصل نشاط الموجودات والحياة الغريزية، إلخ، نُبصر المذاهب القديمة التي عاشت الروح بها حتى الآن فازدهرت مناوبةً، ثم استُبدلت بها مبادئ جديدةٌ تمامًا.

والتاريخ إذ يقوم على هذه الأسس العلمية ينطوي على فائدة غير مُنتظرة، فهو يعرض مُرَكَّبًا لجميع المعارف حول الكون والإنسان، وهكذا نساعد على وضع فلسفةٍ للطبيعة، ومن ثمَّ للتاريخ، تختلف عن الفلسفات التي سبقتها اختلافًا تامًّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤