الفصل الخامس

الفتوح الأموية

قام الأمويون بفتوحهم العظيمة حينما استَتَبَّتْ لهم الأمور في البلاد، وهدأت نيران الثورات، واستظل الناس في بحبوحةِ العيش الرغيد، فأَقْدَمُوا على توسيع رقعة المملكة الأموية في ساحات ثلاث، هي الساحة البيزنطية والساحة الشرقية والساحة الإفريقية الأوروبية.

(١) الفتوح في الساحة البيزنطية

أطلقنا على الساحة الأناضولية اسم الساحة البيزنطية لأنها كانت تخضع للبيزنطيين في القسطنطينية، ويدعوهم العرب في مصنفاتهم بالروم، ولأن الأمويين أشعلوا لهم في هذه الديار حَرْبًا ضروسًا بقيت زمنًا طويلًا، ويمكننا أن نقول: إن هذه الحرب هي عبارة عن سلسلة من الغزوات المتقطعة امتدت من عهد معاوية الأول إلى سقوط الدولة الأموية في الشام، وقد تتابعت هذه السلسلة من الغزوات أيضًا على عهد العباسيين.

(١-١) ملطية، طرندة

فلما ولي معاوية الأول الشام فتح «ملطية» عنوة، ورتَّب فيها رابطة من المسلمين، وشحنها بالجنود الشامية والجزرية، وأكثر فيها العدة والسلاح، وكل همه من ذلك أن يجعلها محطة يضرب بها المسلمون الروم دائمًا، فتبقى طريقًا للصوائف العربية، وقد انتهز البيزنطيون الفرصة أيام الحركة الزبيرية فأغاروا عليها وشعثتها قواهم، وأنزلوها قومًا من الأرمن والنبط وغيرهم من النصارى، فبَذَلَت الجيوش الأموية جهدها في تثبيت أقدامها في الأناضول، فحصنت «طُرندة» سنة ٨٣ﻫ/٧٠٢م، وبنت بها المساكن وهي على بعد ثلاث مراحل من ملطية، وكانت الطوالع من جند الجزيرة والشام تقيم بها في الصيف، فإن نزل الشتاء وتساقطت الثلوج قفلوا عنها، ورحَّل عمر بن عبد العزيز أَهْل طرندة عنها وأباح لهم السكنى في ملطية، وحصَّنها وجهَّزها بالجند لاعتقاده أنها أكثر ثباتًا على مقاومة العدو، وذلك لمناعة موقعها الحربي، ولم يتهاون البيزنطيون في أَمْر ملطية، فخرج إليها منهم عشرون ألفًا سنة ١٢٣ﻫ/٧٤٠م فثبت العرب فيها واستقتلت النساء العربيات، فروى لنا البلاذري أنهن ظَهَرْنَ على السور وعليهن العمائم فقاتَلْنَ.

(٢) الثغور الشامية أو العواصم

وكانت لمسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد اليد الطولى في هذه الفتوح، فسقطت أمام جهودهما حصون طوانة وقسطنطين وغزالة والأخرم وأذرولية وغيرها كسمسطية وماسة والحديد، وكلها من ناحية ملطية، وفتحا كذلك حِصْنَي سُوسنة وبولس من أعمال المصيصة، وهي مدينة على شاطئ جيحان تُقَارِب طرسوس، ويقول عنها معجم البلدان: إنها «من مشهور ثغور الإسلام، وقد رابَطَ بها الصالحون قديمًا، وبها بساتين كثيرة يسقيها نهر جيحان، وكانت ذات سور وخمسة أبواب، ومن مصنوعاتها الفِرَاء تُحمل إلى الآفاق وربما بلغ الفرو منها ثلاثين دينارًا.»١
وبنى المصيصة على أساسها القديم عبد الله بن عبد الملك بن مروان، ووضع بها سكَّانًا من الجند فيهم ثلاثمائة رجل انتخبهم من ذوي البأس والنجدة المعروفين، ولم يكن المسلمون سكنوها قبل ذلك، وبنى فيها مسجدًا فوق تَلِّ الحِصْنِ.٢

والمهم من كل ما قدمناه أنه كان للمسلمين على الحدود الأناضولية السورية ثغور تُعْرَف بالثغور الشامية، وقد سمَّاها الرشيد العباسي فيما بعد «بالعواصم» وهي أنطاكية وما جاورها، فكانت الجيوش الأموية تسير منها إلى الحصون والمسالح البيزنطية فتنهبها وتُعمل فيها السيف والنار؛ خصوصًا في المنطقة الواقعة ما بين الإسكندرونة وطرسوس اليوم، وكان أهلها يخلونها بأيام الصوائف أو يصمدون للأمويين إن عاونتهم حكومة القسطنطينية وشحنتها بالمقاتِلة والذخيرة، وطالما كَمَنَ أهل هذه الديار للكتائب الأموية فأصابوا غرة المتخلفين والمنقطعين عنها، فخلف لذلك الولاة فيها الجند الكثيف إلى حين خروجهم.

(٢-١) معاملة الفاتحين لسكَّان سورية

ولا يغرب عن بالنا أن المسلمين لدى فتحهم البلاد السورية عامَلُوا أهلها معامَلة طيبة، وأسندوا إليهم المناصب الجليلة، ولم يتداخلوا في شرائعهم، فأبقوا لهم مَحَاكِمَهُم وقضاتهم، فاستفادت بعض العناصر المغلوبة على أَمْرِها من هذا التساهل وراحت تتواطأ مع الروم على المسلمين كالجراجمة واللبنانيين، أمَّا الجراجمة فهم من الجرجومة، وهي مدينة على جبل اللكام بين بياس وبوقا، فلما فَتَحَ أبو عبيدة بن الجراح أنطاكية ثانية بعد غَدْرِها ونَقْضِها عهوده الأولى غزا الجرجومة، فبدأ أَهْلُها بطلب الصلح والأمان ولم يقاتلوه، فعَقَدَ معهم صلحًا تَضَمَّنَ الشروط الآتية:
  • أولًا: يصالح المسلمون الجراجمة على أن يكونوا أعوانًا للمسلمين وعيونًا ومسالح في جبل اللكام.
  • ثانيًا: لا يأخذ المسلمون الجزية من الجراجمة.
  • ثالثًا: يَنْقِل الجراجمة أسلابَ من يقتلون من عدو المسلمين إذا حضروا معهم حربًا في مغازيهم.
  • رابعًا: يدخل من كان في مدينتهم من تاجر وأجير وتابِع من الأنباط وغيرهم وأهل القرى في هذا الصلح. وقد سُمِّي هؤلاء بالرواديف لأنهم تلوهم وليسوا منهم.٣

فنرى أن هذا الصلح لا يعقده غالبٌ مع مغلوب لما هو عليه من التساهل وحُسْن المعاملة، ولا شبهةَ أن الجراجمة كانوا أقوياء الشكيمة شديدي المراس، فأحبَّ أبو عبيدة أن يستفيد من صداقتهم، فعَقَدَ معهم هذا الصلح الشريف الضامن نوعًا لاستقلالهم، غير أنهم كانوا لا يستقيمون للولاة الأمويين، فيثورون المرة تلو المرة، ويُكاتِبون البيزنطيين ويمالئونهم، وإذا غزت الصوائف قطعوا على اللاحق والمتخلف من المسلمين وأعملوا فيه السيف، فأُجْبِرَ معاوية الأول — اتقاءً لِشَرِّهِم — أن ينقل إلى السواحل السورية قومًا من زط البصرة سنة ٤٩-٥٠ﻫ/٦٦٩-٦٧٠م، وقد وَهَبَ لهم الأرضين وبذل لهم في العطاء كيما يكونوا شوكة في عين الجراجمة.

الجراجمة

لما استفحل أَمْر ابن الزبير ودانت له الحجاز والعراق، وقام عمرو بن سعيد يطلب الخلافة، هاجم البيزنطيون جبل اللكام، فحالفهم الجراجمة وراحوا يساعدونهم ويبثون دعوتهم، وقد تمَّ لهم الفوز والغلبة حتى أخضعوا لبنان لسلطانهم وكادوا يستولون على دمشق، فاضْطُرَّ عبد الملك بن مروان يومئذٍ إلى أن يؤدي للجراجمة ألف دينار في كل جمعة، وأن يصالح البيزنطيين على مالٍ يؤديه لهم مخافةَ أن يخرجوا إلى عاصمته فيغلبون عليها.

عَرَفَ الأمويون أنه لا مناص لهم من التغلب على الجراجمة حِفْظًا للتخوم الشامية الشمالية، واستبقاءً للثغور التي افتتحوها في الساحة البيزنطية، فوجَّه إليهم الوليد بن عبد الملك أخاه مسلمة بن عبد الملك سنة ٨٩ﻫ/٧٠٧م، فأناخ عليهم وخرب مدنهم وقراهم وأَجْبَرَهُم على قبول الشروط الآتية:
  • أولًا: ينزل الجراجمة بحيث أحبوا من الشام ويجري على كل امرئ منهم ثمانية دنانير وعلى عيالاتهم القوت من القمح والزيت، وهو مُدْيان من قمح وقِسْطان من زيت.
  • ثانيًا: لا يُكره الجراجمة ولا أحدٌ من أولادهم ونسائهم على تَرْك النصرانية.
  • ثالثًا: يلبس الجراجمة لباس المسلمين.
  • رابعًا: لا يؤخذ منهم ولا من أولادهم ونسائهم جزية.
  • خامسًا: يغزون مع المسلمين فينقلون أسلاب من يقتلونه مُبَارَزَة.
  • سادسًا: يؤخذ من تجاراتهم وأموال موسريهم ما يؤخذ من أموال المسلمين،٤ فسكن بعضهم حمص وغيرها من الأمكنة المجاورة لها، واستجلب الوليد بن عبد الملك أيضًا بعض الزط فبعث بهم الحجاج إليه ومعظمهم من الأسرى الذين قَبَضَ عليهم محمد بن القاسم في السند، فسار بذلك على خطة معاوية الأول، ولا ريب عندنا أن جماعات النصيرية في بلاد العلويين من أعمال سورية قد وَرِثُوا كثيرًا من العقائد النصرانية والهندية لاختلاط الجراجمة والزط بهم، وإنَّا لنوجِّه أنظار من يدرسون العقائد النصيرية إلى هذه النقطة في أبحاثهم.

اللبنانيون

كان اللبنانيون يحالفون الجراجمة ويكاتبون البيزنطيين، ويرجع ذلك في اعتقادنا للرابطة الدينية التي تربط هذه الجماعات بعضها ببعض، فعامَلَهم الأمويون بالرحمة والعدل، فأخلدوا للسكينة، فلما قامت الدولة العباسية أَجْلَت الفئة الثائرة منهم عن بلادها، وكادت تبطش بالبقية الباقية، لولا نصيحة الإمام الأوزاعي ووساطته في حمايتهم، والأوزاعي مدفون في ضاحية بيروت.

قال البلاذري في هذا الصدد ما يأتي: «خرج بجبل لبنان قومٌ شكوا عامل خراج بعلبك، فوجَّه صالح بن علي بن عبد الله بن عباس مَنْ قَتَلَ مُقَاتِلَتَهم، وأقرَّ من بقيَ منهم على دينهم وردَّهم إلى قراهم، وأجلى قومًا من أهل لبنان …» فكتب الأوزاعي إلى صالح رسالة طويلة حَفِظَ منها: وقد كان من أجلاء هذه الذمة من جبل لبنان ممن لم يكن ممالئًا لمن خَرَجَ على خروجه مِمَّنْ قَتَلْتَ بعضهم ورَدَدْتَ باقيهم إلى قراهم ما قد عَلِمْتَ، فكيف يؤخذ عامة بذنوب خاصةٍ حتى يخرجوا من ديارهم وأموالهم وحكم الله تعالى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى،٥ وهو أحق ما وقف عنده واقتدي به، وأحق الوصايا أن تُحْفَظ وتُرْعَى وصيةُ رسول الله فإنه قال: «مَنْ ظَلَمَ معاهَدًا وكلَّفه فوق طاقته فأنا حجيره.»٦

(٢-٢) الحملة على القسطنطينية

صمم الأمويون مرارًا على مهاجمة البيزنطيين في عُقْر دارهم، فيستولون على الأناضول والقسطنطينية وينشرون لواء الإسلام في أوروبا، ويقطعون كل أَمَل للعناصر الثائرة في سورية كالجراجمة وغيرهم من التطلع إلى الحماية الأجنبية، فيحبطون بذلك كل المؤامرات والدسائس الداعية لقتل نفوذهم في الشام، فجرَّد معاوية الأول حملته المشهورة بقيادة سفيان بن عوف فكان نصيبها الفشل، وقد أسهبنا في وَصْفِها في كتابنا «معاوية بن أبي سفيان»، فعزم سليمان بن عبد الملك الخليفة الشاب على افتتاحها مهما كلفه الأمر، فجهَّز جيشًا بلغ مائة وعشرين ألفًا سنة ٩٨ﻫ/٧١٦م بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك، فعبر الخليج وحاصر المدينة وضيَّق على أهلها كل التضييق؛ حتى أَنَّهُم قَبِلُوا أن يعطوا عن كل رأس دينارًا إن رجع عنها فأبى إلَّا فتحها عنوة، فالتجأ أحد زعمائهم — البطريق لاوون — إلى الحيلة، فَوَعَدَ مسلمة أن يَفْتَحَ له أبواب المدينة إن تنحَّى عنهم بجيشه وأمدَّهم بالطعام، واستوثق منه الأمان لنفسه ولذويه، فأمدهم وتنحَّى عنهم جانبًا إلى بعض الرساتيق ليطمئنوا، وأعدَّ البطريق لاوون السفن والرجال فنقلوا في ليلةٍ ذلك الطعام ولم يتركوا منه إلَّا ما لم يذكر حسب رواية ابن العبري،٧ وأصبح لاوون محاربًا. وقد ذكر المؤرخون أن لاوون خدع مسلمة خديعة يُعاب عليها.

ومهما بالغ المؤرخون العرب في أَمْر هذه الحيلة، فالحقيقة كل الحقيقة أن البرد الشديد والثلوج الكثيفة والجوع وصعوبة المواصلات بين القيادة العامة للجيش والعاصمة دمشق والعصابات البلغارية التي استجاشها لاوون للفتك بالجند من ورائه والأسطول الذي سدَّ دونهم سبل البحار، كل هذه العوامل سببت فشل الحملة وأنهكت قواها، وقد نزل مسلمة بفِناء القسطنطينية ثلاثين شهرًا، فشتَّى وصاف.

ووصف لنا ابن العبري والطبري ما أصاب هذه الحملة من الآلام والشدائد، فقال الأول: «ولقي جُنْدُه ما لم يَلْقَه جيش آخر، حتى كان الرجل يخاف أن يخرج من العسكر وحده من البلغاريين الذين استجاشهم لاوون، ومن الإفرنج الذين في السفن، ومن الروم الذين يحاربونهم من داخل، وأكلوا الدواب والجلود وأصول الشجر والورق»،٨ وقال الثاني: «وأكلوا الدواب والجلود وأصول الشجر والورق وكل شيءٍ غير التراب.»٩

ولم يفكر الأمويون بعد هذا الفشل بغزو القسطنطينية لما أصاب البلاد من الإحن الداخلية التي سَبَّبَتْ سقوطهم وأدَّت إلى زوال مُلْكِهم، وظلوا محافظين على ثغورهم في الساحة البيزنطية إلى أيامهم الأخيرة.

(٣) الفتوح في الساحة الشرقية

كان للأمويين القدح المعلَّى في الفتوح شرقًا، فهم الذين مهَّدوا السبل لنشر المدنية العربية والتعاليم الإسلامية بين الأمم الفارسية والتركستانية والهندية والصينية، فسيَّروا جيوشهم إلى الشرق الأوسط والشرق الأقصى، وبذلوا الضحايا الجسيمة في سبيل الاستيلاء على هذه الأقطار، وقد نجحوا في استجلابهم قسمًا كبيرًا من هذه الأمم إلى الحظيرة الإسلامية نجاحًا باهرًا، غير أنهم لم يتمكنوا من التغلب على لغاتها المختلفة المتباينة تغلُّبًا عظيمًا، فلم تمتصها اللغة العربية كليًّا، ولعل هذا ناشئ عن كثرة عددهم وارتحال قبائلهم وراء الماء والكلأ، وقيام الدولة العباسية على سيوف الأعاجم أخيرًا، فإنها اهتمت بنشر الإسلام أكثر من اهتمامها بنشر العربية وتعميمها، ولم يقم الأمويون بهذه الفتوح إلَّا حبًّا بالموارد الاقتصادية ودفعًا لخطر الثائرين العراقيين وإعلاءً لكلمة الله.

(٣-١) فتح طبرستان وجرجان

أمَّا العراق فكان المركزَ العامَّ للجيوش الفاتحة والمحطةَ الحصينة لتسيير الحملات الواسعة الواحدة إِثْرَ الأخرى إلى الشرق، وكان بدءُ المغازي في هذه الساحة على عهد عثمان بن عفان، فإنه أرسل سعيد بن العاص والي الكوفة سنة ٢٩ﻫ/٦٤٩م إلى طبرستان فغزاها وصالَحَ أَهْلَها على مائتي ألف درهم، فكانوا يؤدونها إلى غزاة المسلمين، وكانت الجيوش الإسلامية لا تَنْفَك عن غزوها، فربما أعطوا الأتاوة عفوًا وربما أعطوها بعد قتال، وامتاز أهل طبرستان بالشجاعة وشدة البأس وممارسة القتال، فكانوا دائمًا يمتنعون من أداء الصلح، فظلُّوا يحاربون ويسالمون إلى أيام الدولة العباسية،١٠ فلما ولي معاوية بن أبي سفيان أراد تأديبهم، فأرسل مصقلة بن هبيرة على رأس جيش يَبْلغ عدده عشرة آلاف، فتوغَّل مصقلة بجيشه في بلادهم، فأخذ العدو عليه المضايق ورموا جنده بالصخور من أعالي الجبال، فهلكت الحملة عن بكرة أبيها وهلك مصقلة، فضرب الناس به المثل، فقالوا: حتى يرجع «مصقلة من طبرستان»،١١ فحذَّر قادةُ العرب من التوغل في البلاد الجبلية ذات المجاهل قبل التأكد من دراستها ومعرفة أحوالها معرفةً تَضْمَن لهم السلامة.

يزيد بن المهلب بن أبي صفرة

لم تزل طبرستان ثائرة حتى قدمها يزيد بن المهلب في جند كثيف من أهل المصرين وأهل الشام، فأقام عليها وحاصَرَ أهلها حصارًا شديدًا وقَطَعَ عنهم المادة والذخيرة، فكانوا يخرجون إلى يزيد ويقاتِلُونه قتال المستميت إلى أن عِيلَ صَبْرُهم فخضع دهقانهم المعروف «بصول» على أن يؤمِّنه على نفسه وأهل بيته وماله ويدفع إليه المدينة وما فيها وأهلها، فصالحه وقَبِلَ منه ووفى له، وقد أراد يزيد أن لا يقوم لسكَّانها الأتراك بعد هذا اليوم قائمةً، فقتل منهم أربعة عشر ألفًا دفعةً واحدةً،١٢ وغَنِمَ جميع أموالها وكنوزها وسَبْيها.
ثم أتى جرجان فاستقْبَلَهُ سكانها بالأتاوة التي كان سعيد بن العاص صَالَحَهُم عليها، فقبلها وهابوه وأظهروا له الطاعة والخضوع، وكان من رأي يزيد أن يضرب أهل طبرستان وجرجان ضربة قاضية، فجعل يمهِّد فيها الطرق ويصلحها ويقطع الأدغال التي تُعِيقُ سَيْرَ جنده ويتوغل في داخلها، فوَثَبَ به الجرجانيون ونقضوا عهودهم وغدروا به واستجاشوا بالديلم وحالفوا طبرستان فقطعوا عليه جميعُهُم مادَّتَه وطرق المواصلات بينه وبين العرب، فخرج منها وأصحابه كأنهم فلٌّ حسبما يذكر الطبري،١٣ ولا ريبَ أن هذه الحملة شتَّتَتْ شَمْل أهل طبرستان وجرجان، ولكنها لم تخضعهم إلى السلطة الأموية تمام الخضوع.
وكان أول من جدَّد البناء بجرجان يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، ونبغ بها رجالٌ اشتهروا بالعلم والأدب وكتب الحديث والفقه، ويقول ياقوت الحموي: إنه يرتفع منها الإبريسم وثياب الإبريسم ويُحمل إلى جميع الآفاق، كذلك الأحجار الكريمة.١٤

أمَّا يزيد بن المهلب بن أبي صفرة صاحِب هذه الفتوح فكان واليًا لخراسان بعد أبيه المهلب، وقد مَكَثَ فيها نحوًا من ست سنين، فعزله عبد الملك بن مروان برأي الحجاج لمنافَسة بين القائدين، وطالما خشيَ الحجاج من يزيد لما كان يرى فيه من النجابة والذكاء وعلو الهمة والكرم، وكيف لا يخافه وأهل العراق تميل إلى يزيد وتَرْغَب فيه وتوده لو يكون حاكمها وسَيِّدَها، فترصَّده بالمكروه فحبسه وعذَّبه، فتمكن من الهرب إلى الشام واستجار بسليمان بن عبد الملك فأجاره، وشفع له عند أخيه الوليد فأمَّنه وكفَّ عنه.

ولا ريبَ عندنا أن أهل العراق كانوا ينضمون دائمًا إلى صفوف يزيد بن المهلب لأنه كان يَكْرَه سيطرة أهل الشام على العراق ويرى وجوب الانفصال عن الشام أو التغلب على الأمويين ورَفْع الإحن والمظالم التي سامها الحجاج للناس، فحثَّ أهل المصرين مرةً على مُنَاصَبَة الشاميين العداء والتربص لهم، فقال من خطاب له بواسط: «… يا أهل العراق، يا أهل السبق والسباق ومكارم الأخلاق، إن أهل الشام في أفواههم لقمة دسمة قد رتبت لها الأشداق وقاموا لها على ساق، وهم غير تاركيها لهم بالمراء والجدال، فألبسوا لهم جلود النمور»،١٥ فيمكنك إذن أن تميِّز بين هذه الخطبة وخطب الحجاج في العراقيين وما لها من التأثير في النفوس إن سَيِّئًا وإن حسنًا.

قال ابن خلكان يصف المهلب: «وكان كريمًا جوادًا، فقال فيه الأخطل الشاعر:

فما لسرير المُلْك بَعْدَك بهجةٌ
ولا لجوَادٍ بعد جُودِكَ جودُ
وأَجْمَع علماء التاريخ على أنه لم يكن في دولة بني أمية أكرم من بني المهلب، كما لم يكن في بني العباس أكرم من البرامكة، وكان لهم في الشجاعة مواقف مشهورة»،١٦ وظل يزيد واليًا لخراسان إلى أن أفضت الخلافة لعمر بن عبد العزيز، وكان عمر يعتقد أن يزيدًا أصاب أموالًا كثيرة في فتوحه لجرجان وطبرستان ضمَّها لنفسه ولم يسلِّمها لبيت مال المسلمين، وقد مال إلى هذا الاعتقاد من قراءاته للرسائل التي بَعَثَ بها يزيد إلى سليمان، قال في بعضها: «قد فتحت طبرستان وجرجان ولم يفتحهما أحدٌ من الأكاسرة ولا أحدٌ ممن كان بعدهم غيري، وإني باعث إليك بقطارات عليها أحمال الأموال والهدايا.»١٧
ويظهر أن الخليفة عمر كان يكره آل المهلب ويقول: «هؤلاء جبابرة ولا أحب مثلهم»،١٨ وكان يزيد أيضًا يبغض عمر ويظنه مرائيًا، فترى أن البغضاء كانت متبادِلَة بين الطرفين، فحبسه الخليفة واستمر يزيد في سجنه إلى سنة ١٠١ﻫ/٧١٩م — أي إلى أيام عمر الأخيرة — ثم هَرَبَ مخافة أن يقع بين يدي يزيد بن عبد الملك المتزوج من آل أبي عقيل رهط الحجاج حَالَمَا يتسنم عَرْشَ الخلافة بعد وفاة عمر العادل، والحقيقة أن يزيد غالى في وصفه للغنائم وأَسْرَفَ في ذلك كل الإسراف حبًّا بإعلاء كلمة سليمان بن عبد الملك سيده وصديقه واكتسابًا للشهرة، فعاد هذا عليه بالوبال، وقد دَافَعَ يزيد عن نفسه بهذا المعنى دفاعًا مجيدًا، قال منه: «… كنت من سليمان بالمكان الذي قد رأيت، وإنما كتبت إلى سليمان لأُسْمِع الناس به، وقد عَلِمْت أن سليمان لم يكن ليأخذني بشيءٍ سمعت ولا بأمرٍ أكرهه.»١٩
ولحق يزيد بن المهلب بالبصرة فالْتف حوله العراقيون، وطَلَبَ الخلافةَ وخَلَعَ يزيد بن عبد الملك، وأطاعه أهل الأهواز وفارس، فخرج في مائة وعشرين ألفًا، فندبت له الحكومة الأموية مسلمة بن عبد الملك، فناجزه الوقيعة في عُقْرِ بابل، وهي قرية تقع بالقرب من كربلاء،٢٠ فَكَسَرَهُ وقَتَلَهُ وشتَّت شمْل جيشه، وقال يزيدُ بن عبد الملك لما حُمِل إليه رأسُ يزيد بن المهلب: إن يزيد طلب جسيمًا وركب عظيمًا ومات كريمًا،٢١ وهكذا قضى فاتح جرجان وطبرستان صريعًا في العقر وهو يتطلب الاستقلال للعراق والسلطان لذاته.
وكان الحسن البصري إمام البصرة يومئذٍ يثبط الناس عن يزيد بن المهلب ويدعوهم إلى السلام والطاعة للخليفة والكفِّ عن سَفْك الدماء ويُزَهِّدهم في النزاع والفتنة، وقد كان لأقواله تأثيرٌ كبيرٌ على الناس، فلم يُنْجِدُوا يزيد النجدةَ المطلوبة، بل أخذوا في إهمال أَمْره أخيرا، ومن أقوال الحسن البصري بهذا الصدد: «أيها الناس الزموا رجلكم، وكفوا أيديكم، واتقوا الله مولاكم، ولا يقتل بعضكم بعضًا على دنيا زائلة وطمع منها يسير ليس لأهلها بباقٍ وليس الله عنهم فيما اكتسبوا براضٍ، إنه لم يكن فتنة إلَّا كان أَكْثَر أهلها الخطباء والشعراء والسفهاء وأهل التيه والخيلاء، وليس يسلم منها إلَّا المجهول الخفي والمعروف النقي، فمن كان منكم خفيًّا فليلزم الحق وليحبس نفسه عمَّا يتنازع الناس فيه من الدنيا، فكفاه والله بمعرفة الله إياه بالخير شرفًا، وكفى له به من الدنيا خلفًا منكم، ومن كان معروفًا شريفًا فترك ما يتنافس فيه نظراؤه من الدنيا إرادة الله بذلك فواهًا لهذا ما أسعده وما أرشده وأعظم أَجْرَه وأهدى سبيله، فهذا غدًا — يعني يوم القيامة — القريرُ عينًا الكريمُ عند الله مآبًا.»٢٢

(٣-٢) فتح سجستان

وجَّه معاوية الأول ابن عامر واليًا على البصرة، فأرسل هذا عبدَ الرحمن بن سمرة إلى سجستان فافتتح بَعْضَ مُدُنِها عنوة والبعض الآخر صلحًا، حتى بلغ كابل فحاصرها أشهرًا ورمى حصونها بالمنجنيق فخضع أهلها.٢٣
وتشتهر سجستان برياحها الشديدة وطبيعتها الجبلية وجوِّها القاسي، ويمتاز أهلها بكبر الجثة والجلادة ومعظمهم من الفرس، وقد امْتَنَعُوا على بني أمية فلم يشتموا عليًّا على منابرهم ولم يَلْعَنُوه، ويقول معجم البلدان: «إن أهلها يعتمُّون بثلاثِ عمائم وأربع، كل واحدة لونٌ، ما بين أحمرَ وأصفرَ وأخضرَ وأبيضَ وغير ذلك من الألوان على قلانس لهم شبيهة بالمكوك، ويلفُّونهم لفًّا يُظْهِر ألوان كل واحدة منها، وأكثر ما تكون هذه العمائم إبريسم طولها ثلاثة أو أربعة أذرع، ولا تخرج لهم امرأة من منزلٍ أبدًا، وإن أرادت زيارة أهلها فبالليل، وبها كثيرٌ من الخوارج يُظْهِرون مذهبهم ولا يَتَحَاشَوْن منه ويفتخرون به عند المعاملة.»٢٤

(٣-٣) فتح خراسان

تشتمل خراسان على أمهات من البلاد أَشْهَرها نيسابور وهراة، ومرو — وكانت عاصمتها — وبلخ وطالقان ونسا وأبيورد وسرخَس وما يتخلل ذلك من المدن التي هي دون نهر جيحون، فلما انتشر الإسلام فيها رَغِبَ الناس في تعاليمه ومبادئه، فأَسْرَعُوا إليه ودخلوا في حظيرته وصالَحُوا عن بلادهم، فلم يَفْتَحْها العرب عنوة ولم يتكبَّد سكَّانها الخسائر الجمة التي تأتي بها الحروب عادة، ولم يصابوا بالويلات التي أصيب بها أهل جرجان وطبرستان، فخفَّ خراجهم ولم تُسفك دماؤهم.

دخل المسلمون خراسان سنة ١٨ﻫ/٦٣٩م في أيام الخليفة عمر بن الخطاب، وقد تملَّك الأحنف بن قيس مُدُنَها في مدة يسيرة، غير أن السيطرة الإسلامية لم يرسخ سلطانها في هذه الأصقاع إلَّا حينما وجَّه عثمانُ بنُ عفان واليَ البصرة عبدَ الله بن عامر بن كريز إليها سنة ٣٠ﻫ/٦٥٠م، ففتح ابن عامر «أبرشهر» عاصمة نيسابور صلحًا بعد أن أَمَرَ أَهْلَهَا وأكَّدوا له أن يؤدوا للخزينة كل سنة مليون درهم (١٠٠٠٠٠٠)، ثم احتل هراة وبادغيس وبوشنج وصَالَحَ أَهْلَها، وحَفِظَ لنا التاريخ نسخة من كتاب الصلح الذي عَقَدَهُ ابن عامر معهم وهو: «بسم الله الرحمن الرحيم … هذا ما أَمَرَ به عبد الله بن عامر عظيمَ هراة وبوشنج وبادغيس، أَمَرَهُ بتقوى الله ومناصحةِ المسلمين وإصلاحِ ما تحت يديه من الأرضين، وصالَحَهُ عن هراة سَهْلِها وجَبَلِها على أن يؤدي من الجزية ما صَالَحَهُ عليه، وأن يقسِّم ذلك على الأرضين عدلًا بينهم، فمن مَنَعَ ما عليه فلا عَهْدَ له ولا ذمة.»٢٥

وكان الصلح على وصائف ووصفاء ودواب ومتاع وأن يوسعوا للمسلمين في منازلهم … ولم يكن عند القوم يومئذٍ عين، ومضى بعد ذلك إلى طخارستان ومدينتها بلخ، ومرو الروذ فاحتلَّهما بعد قتال شديد ثم رمت الطالقان والفارياب والجورجان سلاحها وخضعت جميعها للمسلمين.

فلما كانت الحرب الأهلية المشهورة بين علي ومعاوية الْتَاثَ أَمْرُ خراسان وانتقضت على العرب، وغَدَرَ أَهْلُها بالحامية العربية في مختلف الحصون، ولم تزل كذلك حتى تمَّ الأمر لمعاوية فحارَبَ أرباب النكث وأخضعهم، وعمد إلى إرسال العيالات العربية إليها، فأمر زياد بن أبي سفيان أن يحوِّل من المصرين زهاء خمسين ألفًا إلى خراسان، فهدأت البلاد وأصبحت المَقَرَّ العامَّ للفتوح الإسلامية في الهند والسند والصين، وانتشرت المدنية العربية بين ظهراني سكَّانها، فكان منهم البرامكة والقحاطبة والطاهرية والساسانية وغيرهم من الجماعات المعروفة بالسخاء والجود، وقد نَبَعَ منهم رجال رفعوا للحديث والفقه والشريعة والأدب منارًا عاليًا كمحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج القشيري، وأحمد بن حنبل، وأبي حامد الغزالي، والفارابي، والزمخشري، وغيرهم من أرباب العلم والفضل.٢٦

(٣-٤) فتح ما وراء النهر

أسهب الجغرافيون العرب في وَصْف بلاد ما وراء النهر، وذكروا شيئًا كثيرًا مِنْ محاسنها وجمالها وأخلاق سكَّانها وطُرُق معايشهم، وفصَّلوا لنا تفصيلًا تامًّا عن عمارة بلدانها وصادراتها، ولم أَرَ وَصْفًا دقيقًا لهذه البلاد كوصف ياقوت لها، قال: «… ما وراء النهر مِنْ أَنْزَه الأقاليم وأخصبها وأكثرها خيرًا، وأهلها يرجعون إلى رغبة في الخير والسخاء واستجابة مَنْ دعاهم إليه … مع شدة شوكةٍ ومنعةٍ وبأس وعدة وآلة وكراع وسلاح.

فأمَّا الخصب فيها فهو يزيد على الوصف، ويَتَعَاظَمُ عن أن يكون في جميع بلاد الإسلام وغيرها مثلُه، وليس في الدنيا إقليم أو ناحية إلَّا ويقحط أهلها مرارًا قبل أن يقحط ما وراء النهر، ثم إن أصيبوا في حرٍّ أو بردٍ أو آفةٍ تأتي على زروعهم ففي فَضْل ما يَسْلَم في عَرْض بلادهم ما يَقُوم بأودهم حتى يستغنوا عن نقل شيءٍ إليهم من بلد آخر، وليس بما وراء النهر من موضع يخلو من العمارة من مدينة أو قرى أو مياه أو زروع أو مراعٍ لسوائمهم، وليس شيءٌ لا بدَّ للناس منه إلَّا وعندهم منه ما يقوم بأودهم ويفضل عنهم لغيرهم.

وأمَّا مياههم فإنها أَعْذَب المياه وأخفُّها، فقد عمَّت المياه العذبة جبالها ونواحيَها ومدنها، وأمَّا الدواب ففيها من المباح ما فيه كفاية على كثرة ارتباطهم لها وكذلك الحمير والبغال، وأمَّا لحومهم فإن بها من الغنم ما يُجلب من نواحي التركمان الغربية.

وأمَّا الملبوس ففيها من الثياب القطن ما يَفْضُل عنهم فيُنْقَل إلى الآفاق، ولهم القز والصوف والوبر والإبريسم، وفي البلاد من معادن الحديد ما يَفْضُل عن حاجتهم في الأسلحة والأدوات، وبها معادن الذهب والفضة والزئبق، وأمَّا فواكههم فإنك إذا تبطنت الصغد وأشروسنة وفرغانة والشاش رأيْتَ من كثرتها ما يزيد على سائر الآفاق.

وأمَّا الرقيق فإنه يقع عليه من الأتراك المحيطة بهم ما يَفْضُل عن كفايتهم ويُنقل إلى الآفاق، وهو خير رقيق بالمشرق كله.

وبها من المسك والزعفران ما يُنقل إلى الأمصار الإسلامية وكذلك الأوبار من السمور والسنجاب والثعالب وغيرها.

وأمَّا سماحتهم فإن الناس في أكثر ما وراء النهر كأنهم في دار واحدة، ما ينزلُ أحدٌ بأحدٍ إلَّا كأنه دخل دار صديقه، لا يجد المضيف من طارقٍ في نفسه كراهة، بل يستفرغ مجهوده في غاية من إقامة أوده من غير معرفة تقدمت ولا توقع مكافأة، بل اعتقادًا للجود والسماحة في أموالهم.

والغالب على أهل ما وراء النهر صَرْف نفقاتهم إلى الرباطات وعمارة الطرق والوقوف على سبيل الجهاد ووجوه الخيرات، وبما وراء النهر زيادة على عشرة آلاف رباط في كثير منها إذا نزل الناس أُقيم لهم علف دوابهم وطعام أنفسهم.

وأمَّا بأسهم وشوكتهم فليس في الإسلام ناحية أكبر حظًّا في الجهاد منهم، وذلك أن جميع حدود ما وراء النهر دار حرب، فمن خُوارزم إلى أقصى فرغانة هم القاهرون للأعداء يمنعونهم من دار الإسلام.

وهم أحسن الناس طاعةً لكُبَرَائهم وأَلْطَفُهم خدمة لعظمائهم؛ حتى دعا ذلك الخلفاء إلى أن استدعوا مِنْ وراء النهر رجالًا، وكانت الأتراك جيوشًا ذات بأس وإقدامٍ وحُسْنِ طاَعةٍ، فقدم إلى الخلفاء «العباسيين» منهم جماعة صاروا قوَّادًا وحاشيةً للخلفاء، ثم قويَ أَمْرُهم وتوالدوا وتغيَّرَتْ طاعتهم حتى غلبوا على الخلفاء مثل الأفشين وآل أبي الساج، وهم من أشروسنة والإخشيد من سمرقند.»٢٧
ويراد بكلمة ما وراء النهر في عُرْف العرب كل المقاطعة الواقعة شرقي نهر جيحون، فهي تشتمل على بلاد الصغد وأشروسنة وفرغانة وألشاس وبخارى وغيرها، وكان معاويةُ أوَّلَ من وجَّه وَجْهَه نحو بلاد ما وراء النهر، فاستعمل عبيد الله بن زياد على خراسان وأوصاه بغزوها، فعبر النهر وعُمْره خمس وعشرون سنة ومعه جيشٌ يتألف من أربعة وعشرين ألفًا، ففتح بخارى وصالَحَ أهلها على ألف ألف درهم (١٠٠٠٠٠٠)، ثم دخل بيكند — مدينة التجار — وتقع بين بخارى وجيحون ولها ذِكْرٌ عظيمٌ في الفتوح، قال صاحب كتاب الأقاليم: «… إن بها من الرباطات ما لا أعلم ببلدٍ من البلدان من وراء النهر أكثر منها، بلغني أن عَدَدَها نحو ألف رباط، ولها سورٌ عظيمٌ ومسجدٌ جامعٌ به محراب ليس أحسنَ زخرفةً منه.»٢٨

وولَّى معاويةُ سعيدَ بن عثمان بن عفان خراسان، فقطع النهر سنة ٥٥ﻫ/٦٧٤م، وأقبل إليه أهل الصغد وكس ونسف في مائة وعشرين ألفًا، فهزمهم وأفشى فيهم الجراح بمعركة بخارى، ودخل مدينة بخارى نفسها ظافرًا كما دخلها عبيد الله بن زياد من قَبْله، وصالح أهلها على سبعمائة ألف درهم، وأخذ رهنًا من أبناء عظمائهم لئلا يَنْقُضوا عهودهم.

المهلب بن أبي صفرة، وقتيبة بن مسلم

لما تولَّى الحجاج العراقين وخراسان بَذَلَ جهدًا عظيمًا في إتمام الفتوح المشرقية، وكان المهلب بن أبي صفرة ومحمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم الباهلي قوَّاده الكبار وسيوفه البتَّارة، فهم الذين نَشَرُوا لواء بني أمية حتى الصين، فغزا المهلب سنة ٩٩ﻫ/٧١٧م مغازِي كثيرةً، فأدَّت إليه الصغد الأتاوة وخضعت له كسْ ونَسف وخُجندة، وقد مات بزاغول من أعمال مرْو الروذ حزنًا على وفاة ابنه المغيرة، ولا نعلم تمامًا السنة التي وُلِدَ فيها، إنما يمكننا أن ندَّعي أن مولده كان قبل وفاة النبي بسنين، ولا شبهة أنك تذكر وقائعه مع الخوارج في البصرة والأهواز وما قام به من جليل الأعمال في الحركة الزبيرية، وأُسْنِدَتْ إليه ولاية خراسان قبل وفاته، ولم يزل واليًا بها إلى سنة ٨٣ﻫ/٧٠٢م، وهو من القادة المجرَّبين في الحرب، حتى إن ابن قتيبة في كتابه «المعارف» عابَهُ بالكذب، ولكن لنذكر أن الحرب خدعة كما قال الرسول ، وعُرِفَ بكلمات ووصايا تناقلها الأدباء من بعده؛ أَشْهَرُها:

أوصى المهلب ابنه يزيدًا بقوله: «يا بني استعقل الحاجب واستظرف الكاتب، فإن حاجب الرجل وَجْهُهُ وكاتبه لسان»، وله في حُسْن السمعة والثناء الجميل: «الحياة خيرٌ من الموت، والثناءُ الحسن خيرٌ من الحياة، ولو أُعْطِيتُ ما لم يُعْطَهُ أَحَدٌ لَأَحْبَبْتُ أن تكون لي أذنٌ أسمع بها ما يقال فيَّ غدًا إذا مت.»٢٩

ورثاه نهار بن توسعة الشاعر بقوله:

ألا ذَهَبَ الغَزْوُ المُقَرِّب للغنى
ومات الندى والجود بعد المُهَلَّبِ

لمع نجم قتيبة بن مسلم الباهلي بعد وفاة المهلب، فولَّاه الحجاج خراسان، فأتى بخارى وبيكند وغزاهما مع أنهما صَالَحَا قبل ذلك، فأصاب فيهما كثيرًا من آنية الذهب والفضة، فقوي جيشه واغتنى جنده وتنافسوا بشراء الخيل وحسن الهيئة والعدة وغالوا بالسلاح، فقال الكميت:

ويوم بَيكند لا تُحصى عجائبه
وما بخارى مما أخطأ العدد٣٠
ثم أرسل جيشًا يتألف من عشرين ألفًا بقيادة أخيه عبد الرحمن بن مسلم إلى الصغد، وأتاه بعد ذلك بنفسه مددًا، فتحالفت الشاش وفرغانة مع الصغد على العرب ففتك بهم فتكًا ذريعًا، ورمى عاصمة الصغد سمرقند — مدينة الفيل — بالمجانيق فَرَضَخَتْ وقَبِلت التسليم حسب الشروط الآتية:
  • (١)

    يقبض مسلم ألفَيْ ألف ومائتي ألف في كل عام (مليونَيْن ومائتي ألف).

  • (٢)

    يُعْطَى مسلم تلك السنة ثلاثون ألف رأس ليس فيهم صبي ولا شيخ ولا عيب.

  • (٣)

    يخلي الصغد مدينة سمرقند لقتيبة، فلا يكون لهم فيها مُقَاتِل، ويخلف فيها حامية من المسلمين.

  • (٤)

    يتخذ المسلمون بسمرقند مسجدًا.

  • (٥)
    يقبض قتيبة على بيوت النيران وحلية الأصنام.٣١
وحرق المسلمون معظم الأصنام وبيوت النيران وسلبوا حليها، ويُقال إنهم وَجَدوا مِنْ بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين ألف مثقال،٣٢ والمهم أن قتيبة كان لا يطمع من الغزو بالغنيمة فقط كما فَعَلَ أسلافه، بل جَعَلَ يشحن المدن التي يفتتحها بالعدة والرجال ويستخلف فيها آلات الحرب، ويعلن بها الأحكام العرفية؛ حتى إنه أوصى أخاه عبد الله بن مسلم حينما ولَّاه سمرقند بقوله: «لا تَدَعَنَّ مشركًا يدخل بابًا من أبواب سمرقند إلَّا مختوم اليد … وإن وَجَدْتَ معه حديدة سكينًا فما سواه فاقتله، وإن أَغْلَقْتَ الباب ليلًا فوجدت فيها أحدًا منهم فاقتله.»٣٣

ووصف الشعراء فتح سمرقند وما ناله المسلمون من الفوز فقال نهار الشاعر:

وما كان مُذْ كنَّا ولا كان قَبْلَنَا
ولا هو فيما بعدنا كابْنِ مُسْلِمِ
أَعَمَّ لأهل الترك قتلًا بسيفه
وأكثر فينا مقسمًا بعد مقسَمِ

وقال كعب بن الأشعري — ويَنْسِبُ بعضُهم هذه الأبيات لغيره وهي:

كل يوم يحوي قتيبة نهبًا
ويزيد الأموال مالًا جَدِيدَا
بَاهِلي قد أُلْبِسَ التاج حتى
شابَ منه مَفَارِقٌ كُنَّ سُودَا
دَوَّخَ السغد بالقبائل حتى
ترك السغد بالعراء قُعُودَا
فوليدٌ يبكي لِفَقْدِ أبيه
وأبٌ مُوجَعٌ يبكي الوليدَا
كلما حلَّ بلدةً أو أتاها
تركت خيلُهُ بها أُخْدُودَا
أمَّا بلاد الصغد فقصبتها سمرقند، وهي مشهورة ببساتينها ومزارعها وأرجائها، ويحيط بها سورٌ له اثنا عشر بابًا، من الباب إلى الباب فرسخ، وفي أعلاه الأبرجة للحرب،٣٤ وأُعْجِبَ الجغرافيون بجمال الصغد، ففضلها الإصطخري على الغوطة فقال: «إن صغد سمرقند أَنْزَه البلدان، وتشتبك في أوديتها الخضرة والبساتين، وقد حُفَّت بالأنهار الدائم جَرْيُها والحياض في صدور رياضها وميادينها، وهي أزكى بلاد الله وأحسنها أشجارًا وثمارًا، وفي عامة مساكن أهلها المياه الجارية والبساتين والحياض، قلَّ ما تخلو سكة أو دار من نهْرٍ جارٍ.»٣٥
ومن مدن الصغد مدينة كسْ (أو كش)، تقع بالقرب من سمرقند، وهي نحو ثلاثة فراسخ في مثلها، حصينة وتكثر فيها الأوبئة القتَّالة والحميات المخيفة لانخفاضها.٣٦
وأمَّا بقية بلاد ما وراء النهر فأشهرها أشروسنة، تقع بين نهر سيحون وسمرقند، وهي طيبة الهواء عذبة المياه كثيرة الجبال.٣٧
ومنها فرغانة، وهي كورةٌ واسعة كثيرة الخيرات عظيمة الرقعة تضم الرساتيق الكبيرة والبساتين الجمة، أكبر مدنها خجندة وبها الأعناب والجوز والتفاح والورد والبنفسج وأنواع الرياحين والفستق، وليس بما وراء النهر أكثر من قرى فرغانة، وربما بلغ حدُّ القرية مرحلة لكثرة أهلها وانتشار مواشيهم وزروعهم.٣٨

ومنها الشاش، وهي الثغر الكبير في وَجْه الترك، وبها الرباطات القوية، وتمتاز بعمران قراها ووفرة مساجدها.

وقد افتتح قتيبة كل هذه المدن التي وصفناها بعد عناءٍ شديدٍ، وكان ذلك سنة ٩٤ﻫ/٧١٢م، ولم يتمكن المسلمون من بلاد الصغد أو خوارزم إلَّا حينما اشتدت الحرب الأهلية بين سكَّانها، فذَكَرَ لنا كلٌّ من البلاذري والطبري أن شابًّا من العائلة المالكة يُعْرَف ﺑ «خرزاذ» أو «خرزاد»، أسَّس حزبًا قويًّا في البلاد، وراح يَظْلِم الشعب ويغتصب أمواله وأعراضه حتى ضاق المليك به ذرعًا، فأرسل إلى قتيبة يدعوه وبعث في ذلك رسلًا، وقد هيَّأ له أسباب الفتح، فتمكَّن من الانتصار وانتقم من الأحزاب المعارضة ورفع لواء الأمويين في تلك الجهات. والظاهر أن قبائل الصغد كانوا ينزلون خوارزم، فعُرِفَت خوارزم ببلاد الصغد، وتجد المؤرخين العرب لا يفرِّقون بين البلادين، فيقولون إن سمرقند هي عاصمة خوارزم، ويؤكِّدون أن الصغد كانوا نازلين بها.٣٩

(٣-٥) فتح الصين

عزم قتيبة بن مسلم بعد أن وطَّد نفوذه في بلاد ما وراء النهر على افتتاح الصين، فهيَّأ لذلك الأسباب وأرسل كتائبه الكشَّافة لتمهِّد له الطرق لاحتلال كاشغر، فتمَّ له فتحها وسبيها سنة ٩٦ﻫ/٧١٤م، ثم حالت الاضطرابات الداخلية في العاصمة دمشق — وسنفصِّل لك ذلك — دون التوغل في الصين، فرضيَ ابن مسلم — بعد المُفَاوَضة مع ملوكها — على قبول ما قدَّموه له من الأموال والهدايا، وكان من نتائج احتكاك الجيوش الإسلامية بجماعات الصينيين انتشار الإسلام في ربوعهم، وإني موردٌ لك ما يرويه الطبري بخصوص المفاوضات التي دارت بين قتيبة والصينيين، وهي كلها تؤكد لنا أن العرب لم يتقدموا في فتوحهم إلى أقاصي الصين كما يقول بعض الغلاة من المؤرخين، قال الطبري: «… وغل قتيبة حتى قرب من الصين، فكتب إليه ملك الصين أن ابعث إلينا رجالًا من أشراف من معكم يخبرنا عنكم ونُسَائِله عن دينكم، فانتخب قتيبة من عسكره اثني عشر رجلًا لهم جمالٌ وأجسامٌ وألسنٌ وشعورٌ وبأسٌ … فكلَّمهم قتيبة وفاطَنَهُمْ، فرأى عقولًا وجمالًا، فأمر لهم بعدة حسنة من السلاح والمتاع الجيد من الخز والوشي واللين من البياض والرقيق والبغال والعطر، وحملهم على خيول مطهمة تُقاد معهم ودواب يركبونها، وأَمَرَهُمْ بقوله: فإذا دخلتم فأعلموه أني قد حلفت أن لا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبي خراجهم، فدعا ملك الصين بصحافٍ من ذهب فيها تراب، وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجازهم فأحسن جوائزهم، فساروا فقدموا بما بعث به، فقبل قتيبة الجزية وختم الغلمة وردهم ووطئ التراب.»٤٠

أسباب نجاح قتيبة بن مسلم

مهما يكن من أمر هذه الرواية فإن فتوح قتيبة بن مسلم تكلَّلَتْ بأكاليل النجاح للأسباب الآتية:

السبب الأول: «القادة يبذلون الأموال»: كان قتيبة يبذل الأموال عن سعة لجنده فلا يبخل أبدًا، ويرجع الفضل في ذلك للحجاج، فإنه لم يتأخر يومًا عن إمداد المسلمين في دار الحرب بكل ما لديه من الوسائل الفعَّالة، ويَعْتَقِد الترك أن هذا هو السبب الأول في انتصاره عليهم، نستنتج ذلك من كلام أحد ملوكهم — المعروف برتبيل — لقومه، فقال لهم مرة: «كان الحجاج رجلًا لا يَنْظُر فيما أَنْفَقَ إذا ظَفَرَ ببُغْيَتِه، ولو لم يرجع إليه درهم، وأنتم لا تنفقون درهمًا إلَّا إذا طمعتم في أن يرجع إليكم مكانَهُ عشرة.»٤١
السبب الثاني: «الطلائع الكشَّافة تُعِينُه حربيًّا»: بعث قتيبة الطلائع الكشَّافة من أهل البلاد العجم والترك ممن يستنصح لدرس أحوال أعدائه درسًا مفصَّلًا، فكانت تأتيه التقارير عن جغرافية الأصقاع التي سعى لفتحها مع وصف شعابها ونجادها وطرقها ومدنها وأدغالها، كما لا يتوغل المسلمون فيقعون في أغلاط يمكنهم اجتنابها، وامتحن طلائعه هذه ليعرف درجة إخلاصها له في أعمالها، فذكر الطبري أنه إذا «بَعَثَ بطليعةٍ أَمَرَ بدَوْحٍ فنُقِشَ ثم يشقُّه شقتين، فأعطاه شقة واحتبس شقة لئلا يُمَثَّلَ مِثْلُها، ويأمره أن يدفنها في موضعٍ يصفه له من مخاضة معروفة أو تحت شجرة معلومة أو خربة، ثم يبعث بعده من يستبريها ليعلم أَصَادِقٌ طليعتُه أم لا.»٤٢
السبب الثالث: «الحث على الجهاد»: اعتمد قتيبة في فتوحه على إشعال نيران الحمية الإسلامية وإيقادها، فأشار لجنده في خُطَبِه عما يجده المجاهد في اليوم الآخر من الثواب الطيب والفوز العظيم، وما يلاقي عند ربه من العفو والرحمة والأجر، وما الجنات التي تجري تحتها الأنهار إلَّا مقرًّا للشهداء الأبرار، فكان يستنهض هممهم ويستثير عزيمتهم بمثل هذه الوعود، قال يحثهم على الجهاد: إن الله أحلَّكم هذا المحل ليعز دينه ويذب بكم عن الحرمات، ويزيد بكم المال استغاضة والعدو وقمًا، وَوَعَدَ نبيه النصر بحديث صادق وكتاب ناطق فقال: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ،٤٣ ووعد المجاهدين في سبيله أَحْسَنَ الثواب وأَعْظَمَ الذخر عنده فقال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ في سبيل الله إلى قوله: أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ،٤٤ ثم أخبر عمن قُتِلَ في سبيله أنه حي مرزوق فقال: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ،٤٥ فتنجزوا موعد ربكم ووطِّنوا أنفسكم على أقصى أَثَرٍ وأمضى ألم وإياي والْهُوَيْنَا.٤٦
السبب الرابع: «دربة قتيبة والقادة الذين سلفوه في الساحة الشرقية»: كان قتيبة والقادة الذين سلفوه في الفتوح المشرقية من الرجال العمليين، فإذا وجدوا فرصة سانحة تمكِّنهم من أعدائهم انتهزوها، وطالما وَعَدُوا ونقضوا وعودهم حينما رأوا القدرة في جانبهم والقوة في صفوفهم، فكان العجم يُعَيِّرُون قتيبة بالغدر فيذكرون أنه وَعَدَ بإخلاء سمرقند ولم يفِ بوعده، ووَصَفَ أحدهم المهلب بن أبي صفرة — وهو كقتيبة — بهذا المعنى بقوله: «كان إذا وجد الفرصة سار كما يسور الليث، وإذا دهمته الطخمة راغ كما يروغ الثعلب، وإذا ماده القوم صبر صَبْر الدهر.»٤٧

أغلاط القادة العرب

أمَّا الأغلاط التي وقع بها القادة العرب فأشدها فظاعة تشجيعهم روح العصبية بين القبائل، فطمع بها أهل البلاد المغلوبة على أَمْرها، وجعلوا يفرِّقون بين العرب ويوغرون صدور بعضهم على بعضٍ بالأحقاد، فتمكَّنوا بهذا من التضييق عليهم عندما تَضَعْضَعَتْ قواهم وتفرَّقت صفوفهم، ولو فرق القادة يوم افتتحوا هذه البلاد بطون القبائل في مختلف الأنحاء وشَجَّعُوها على الاختلاط لَمَا أُصيب العرب بما أُصيبوا به من التقتيل في أواخر الدولة الأموية في خراسان وما وراء النهر.

مأساة قتيبة بن مسلم

كان قتيبة سيفًا من سيوف الأمويين البتارة، فقضى عمره خوَّاضًا للمعارك رافعًا راية الجهاد حاملًا بذور المدنية الإسلامية شرقًا إلى الصين، فعقَّه جُنْدُه أخيرًا وقتلوه، وإليك تفصيل الحادث:

سعى الوليد بن عبد الملك في بيعة ابنه عبد العزيز من بعده، ودَفْع الخلافة عن أخيه سليمان بن عبد الملك، فدسَّ إلى القواد والشعراء وكبار الدولة لِيَنْشروا لعبد العزيز ذِكْرًا وليصفوا مَنَاقِبَه وما تحلَّى به من جميل الخصال، فأجابه الحجَّاج وقتيبة وغيرهما وجعلوا يبثُّون له الدعوة في البلاد، وقد طمع جريرٌ بالجوائز والهبات عند ذاك فقال يمدح عبد العزيز:

إذا قيل أيُّ الناس خيرُ خليفة
أَشَارَتْ إلى عبد العزيز الأصابِعُ
رَأَوْهُ أَحَقَّ الناسُ كُلُّهُمُ بها
وما ظلموا فبايِعُوهُ وسَارِعُوا

وقال يحضُّ الوليد على بيعة عبد العزيز:

إلى عَبْد العزيز سَمَتْ عيونُ الرَّ
عية إذْ تَحَيَّرَتِ الرُّعاءُ
إليه دَعَتْ دَوَاعِيه إذا ما
عمادُ الملكِ خَرَّتْ والسماءُ
وقال أولو الحكومةِ مِنْ قريشٍ
علينا البيعُ إنْ بَلَغَ الغلاءُ
رَأَوْا عبد العزيز وَلِيَّ عَهْدٍ
وما ظَلَمُوا بذاكَ ولا أساءوا
فماذا تنظرون بها وفيكم
جسورٌ بالعظائم واعتلاءُ
فَزَحلفها بأزفُلها إليه
أمير المؤمنين إذا تشاءُ
فإن الناس قد مدُّوا إليه
أَكُفَّهُمُ وقد برح الخفاءُ
ولو قد بايعوك وَلِيَّ عَهْدٍ
لقام الوَزْنُ واعتدل البناءُ٤٨
فتَأَلَّمَ سليمان من هذه الفئة وحقد عليها، وودَّ لو يوقع بها إذا أتاحت له الأيام ذلك، فلما قضى الوليد الأول اعتلى عَرْشَ الخلافة مخافة قتيبة، وأعلن خَلْعَه وجعل يذمُّه ويثير ضغائن العراقيين ضد بني أمية والشاميين، ودعاهم إلى الاستقلال والانفصال كما دعاهم يزيد بن المهلب من قَبْلِه، فلقَّب سليمان «بهبنقة العائشي»؛ وذلك لأنه كان يعطي ويصطنع أهل النعم واليسار ويدع من سواهم، وكان هبنقة وهو يزيد بن ثروان يؤثر سمان إبله بالعلف والمرعى ويقول: «أنا لا أصلح ما أفسد الله.»٤٩
وخطب مرة في أهل العراق بخراسان فقال: «… إن الشام أبٌ مبرورٌ، وإن العراق أبٌ مكفورٌ، حتى متى يتبطح أهل الشام بأفنيتكم وظلال دياركم؟ يا أهل خراسان انسبوني تجدوني عراقيَّ الأم عراقيَّ الأب عراقيَّ المولد عراقيَّ الهوى والرأي والدين … وقد أَصْبَحْتُم اليوم فيما تَرَوْنَ من الأمن والعافية، قد فَتَحَ الله لكم البلاد وآمَنَ سُبُلَكُم، فالظعينة تخرج من مرو إلى بلخ بغير جواز، فاحمدوا الله على النعمة»،٥٠ فأصْدَرَت الحكومة الأموية أوامرها حالًا للجيوش في الساحة الشرقية بالقفول وإعطاء الجند أعطياتهم والعفو التام عن المجرمين الذين كانوا في سجن قتيبة، وكان الناس قد سئموا القتال وودُّوا الرجوع إلى الأوطان وتطَلَّعوا إلى السلام فلم يُجِبْه أحدٌ إلى خَلْع سليمان، فشَتَمَ كبار الزعماء ونسبهم إلى الغدر والمكر، فثاروا به بقيادة وكيع بن حسَّان بن قيس التميمي وهو أعرابيٌّ جافٍ، واتحدت العجم معهم عليه لبلائه فيهم فقتلوه مع أهله واحتزُّوا رأسه وهو لا يتجاوز الخامسة والخمسين، فارتاح سليمان لمَقْتَلِه، لكنه فَقَدَتْ به بنو أمية بَطَلَهَا المغوار، فبكاه الشعراء وأَسِفَ لمقتله الناس، فقال عبد الرحمن بن جمانة يرثيه:
كأَنَّ أبا حفصٍ قتيبةَ لم يَسِرْ
بجيشٍ إلى جيشٍ ولم يعلُ منْبَرَا
ولم تُخْفِق الرايات والقومُ حَوْلَهُ
وقوفٌ ولم يَشْهَدْ له الناسُ عَسْكَرَا
دَعَتْه المنايا فاستجاب لِرَبِّه
وراح إلى الجنَّات عفًّا مُطَهَّرَا
وشهد بقتيبة أحد الأعاجم فقال: «يا معشر العرب، قَتَلْتُم قتيبة، والله لو كان قتيبة منَّا فمات فينا جعلناه في تابوت فكنا نستفتح به إذا غزونا، وما صنع أحدٌ قط بخراسان ما صَنَعَ قتيبة، ألا إنه قد غُدِرَ وذلك أن الحجاج كتب إليه أن اختلهم واقتلهم في الله.»٥١

(٣-٦) فتح الهند والسند

قلنا فيما تقدم أن الفتوح المشرقية بدأت على عهد عثمان بن عفان، وكان عبد الله بن عامر بن كريز والي العراق إذ ذاك ساعِدَهُ الأيمن ويدَهُ البطَّاشة، فأراد غَزْو الهند والاستيلاء عليها، فوجَّه كشَّافته إلى حدودها لاختبار أحوالها، فرجعوا وثبَّطوا هِمَّتَه اعتقادًا منهم أن البلاد لا تخضع إلَّا لجيشٍ قويٍّ متينٍ، فقالوا له: «إن قلَّ الجيش فيها ضاعوا، وإن كثروا جاعوا.»٥٢
ولم يقم بفتح الهند وتثبيت أقدام المسلمين فيها إلَّا محمد بن القاسم، وقد ولَّاه الحجاج في أيام الوليد الأول فارس، وعقد له على جيش يتألف من ستة آلاف وكلهم من الشام، وجهَّزه بكل ما يحتاج إليه، حتى الخيوط والمسال كما روى البلاذري.٥٣
وهنا يعدِّد لنا المؤرخون أسماء البلاد التي افتتحها، فيقولون: إنه سار مع «شيراز» المقر العام لجيشه إلى «مكران» ﻓ «قنزبور» ﻓ «أرمائيل» ﻓ «الديبل» ﻓ «البيرون» ﻓ «سهبان» ﻓ «مهران» ﻓ «برهمناباذ» ﻓ «ساوندري» ﻓ «الرور» ﻓ «الملتان»، ولا ريبَ أن أَشْهَرَ المعارك التي خَاضَ غِمَارَها محمد بن القاسم هي معركة الديبل، فإنه خندق حَوْل المدينة ورماها بالمنجنيق، فافتتحها عنوة، ومكث يقتل مَنْ فيها ثلاثة أيام، ثم اختط بها للمسلمين وبنى لهم مسجدًا وأنزلها أربعة آلاف مِنْ جُنْده، وقد امتازت الديبل بمنارتها العظمى وبها الأصنام المقدسة وكانت تُعرف عندهم «بالبد»، أمَّا الملتان من أعمال السند فهي أيضًا من المدن المقدسة عند الهنود، وكانت تُهْدَى إلى بدها الأموال وينذر له النذور، وتحجُّ إليه أهل السند فيطوفون به ويحلِّقون رءوسهم ولحاهم.٥٤

محمد بن القاسم

نَصَرَ محمد بن القاسم الوليد في دَعْوَتِه لابنه عبد العزيز، فعَزَلَه سليمان بن عبد الملك وعيَّن مكانه يزيد بن أبي كبشة السكسكي، وأَمَرَهُ بسجنه، فقَبَضَ عليه وعذَّبه ثم نَقَلَهُ إلى واسط العراق فأعدمه صالح بن عبد الرحمن والي المصرين، فقضى وهو يتمثل بهذا البيت:

أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثَغْرِ

وقال يتألم من سِجْنِهِ ويذكر ماضيه:

فلئن ثويْتُ بواسِطٍ وبأرضها
رَهْنَ الحديد مكبَّلًا مغلولَا
فلرب فِتْيَة فارس قد رُعْتُها
ولرب قرن قد تركت قَتِيلَا

وقال:

وما دَخَلَتْ خيلُ السكاسك أَرْضَنَا
ولا كان مَنْ عَكَّ عليَّ أميرُ
ولا كُنْتُ للعبد المزوني تابعًا
فيا لك دهرٌ بالكرام عثورُ

وبكى الهنود محمدًا لسماحته وعَدْله وكَرَم خُلُقِه، ورثاه حمزة بن بيض الحنفي بقوله:

إن المروءة والسماحة والندى
لمحمد بن القاسم بن محمَّدِ
سَاسَ الجيوش لسبع عشرة حجةٍ
يا قُرْبَ ذلك سوددًا مِنْ مَوْلِدِ٥٥

فترى أن ثلاثةً مِنْ قادة الفتوح المشرقية وهم يزيد بن المهلب وقتيبة بن مسلم ومحمد بن القاسم ذهبوا ضحيةَ المصالح السياسية، وهذا دليلٌ كافٍ لأن يبرهن لنا أن السياسة لا ترحم أحدًا.

(٤) الفتوح في الساحة الإفريقية، الأوروبية

(٤-١) إخضاع القبائل البربرية

كانت العراق هي المقر العام للفتوح المشرقية، أمَّا الثغور الشامية فظلت دومًا المحطةَ الرسمية للمغازي في الساحة البيزنطية، وأصبحت مصر بعد خضوعها للمسلمين المركزَ الحصين لجيشهم في اقتحام شمالي إفريقية.

فلما وُلِّيَ عبد الله بن أبي سرح مصر على عهد عثمان بن عفان كان يرسل جرائد الخيل ويبعث السرايا فيفرِّقها في الأطراف، فيغزو القبائل البربرية ويستاق مواشيها ويصيب أموالها، فلم يختط للمسلمين بها بلدًا بل كانت أعماله محصورة في الغزو والسلب، وكان ذلك بين سنة ٢٧ﻫ وسنة ٢٩ﻫ و(٦٤٧–٦٤٩م).

(٤-٢) القيروان

وفتح عقبة بن نافع الفهري إفريقية على عهد معاوية الأول — ونقصد بإفريقية البلاد التي كان يقطنها البربر حوالي القيروان اليوم — في عشرة آلاف من المسلمين، فاختطَّ القيروان وبنى بها الدور والمساكن، وشيَّد المسجد الجامع فيها وأنزلها جُنْدَه سنة ٥٠ للهجرة و(٦٧٠م)، وتابع عقبة فتوحه حتى تمَّ الاستيلاء على طرابلس، فأخضع قبائل لواته٥٦ ونشر بينها الإسلام.

(٤-٣) فتح تونس وطنجة

أسند عبد الملك بن مروان ولاية مصر إلى أخيه عبد العزيز بن مروان، فحَصَرَ هَمَّه في إتمام الفتوح الإفريقية، فأخضع تونس، ثم وجَّه موسى بن نصير إلى طنجة، ففتحها واختط فيها للمسلمين وحصَّنها تحصينًا تامًّا، وولَّاها طارق بن زياد مولاه، ووطئت جيوشه السوس الأدنى والسوس الأقصى، فأطاعت له قبائل هوَّارة وزناتة وكتامة وصنهاجة وسجوما،٥٧ وجعل ينشر الإسلام بينها بنشاط زائد وهمة لا تَعْرِف الملل، فكان يتقرب منهم ويصلي بهم ويخطب فيهم،٥٨ وبذل الأموال في سبيل ذلك، فروى ابن قتيبة: «إن موسى إذا أفاء الله عليه شيئًا اشترى مَنْ ظَنَّ منهم أنه يَقْبَل الإسلام وينجب، فيعرض عليه الإسلام، فإن رضى قَبِلَه مِنْ بَعْد أن يمحِّص عقله ويجرِّب فطنة فهمه، فإن وجده ماهرًا أمضى عتقه وتولَّاه»،٥٩ وقال ابن خلكان: «… وترك موسى خلقًا كثيرًا من العرب لتعليم البربر القرآن وفرائض الإسلام»،٦٠ ولذا لا نعجب أبدًا إن رأيناه بعد ذلك مادَّة جيشه في فتح الأندلس.

موسى بن نصير

أسَّس موسى بن نصير في تونس دارًا لصناعة السفن، وأجرى البحر إليها مسيرة اثني عشر ميلًا، فأقحمه إياها فصارت ملجأ للمراكب إذا هبَّت الأنواء والرياح في فصل الشتاء، وكانت هذه المراكب خفرًا للسواحل الإفريقية، وبلغ عددها نحوًا من مائة مركب حوالي سنة ٨٤ﻫ/٧٠٣م، وغزا بها سرقوسة من أعمال صقلية وسردانية وافتتح جزيرة ميورقة.

أمَّا فاتح إفريقية موسى بن نصير فقد وُلِدَ في خلافة عمر بن الخطاب سنة ١٩ﻫ/٦٤٠م، وكان أبوه مسيحيًّا من عين التمر، وهي بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة، تَقْرُب من قرية يُقال لها شفاثا ويُجلب منها التمر إلى سائر الأمصار، وفتحها المسلمون على يد خالد بن الوليد سنة ١٣ﻫ/٦٣٤م عنوة، وكان والده نصير على حرس معاوية بن أبي سفيان ومنزلته عنده مكينة،٦١ وقضى موسى مغضوبًا عليه منفيًّا في وادي القرى بالحجاز.٦٢
لسنا نبحث في كتابنا هذا عن الفتوح الأوروبية — فتوح إسبانيا وجنوبي فرنسا — فإننا أشبعناها درسًا في كتاب الدولة الأموية في قرطبة.٦٣

فتحت الدولة الأموية هذه الأصقاع الشاسعة فأخذت في عمرانها ونشرت العدل في ربوعها، وسنَّت القوانين المختصة بالخراج والجزية، وجعلت للمجتهد نصيبًا طيِّبًا في استثمار الأرضين، وحرمت الكسول مِنْ تملُّكها كما لا تلعب يد الفساد والدمار فيها فتصبح قفراء لا تزدهي بالزروع النضرة ولا تزدهر بالثمار الشهية، وإليك أحكام أراضي الخراج في البلاد التي افتتحها العرب:

قال تلميذ أبي حنيفة المشترع الإسلامي الكبير أبو يوسف ما نصه:
  • (١)

    إنما أرضٌ أخذت عنوة مثل السواد والشام وغيرهما، فإن قسَّمها الإمام بين من غلب عليها فهي أرض عُشْر وأهلها رقيق.

  • (٢)

    وإن لم يقسِّمها الإمام وردَّها للمسلمين عامة — كما فَعَلَ عمر بالسواد — فعلى رقاب أهلها الجزية وعلى الأرض الخراج وليسوا برقيق.

  • (٣)

    إذا أسلم كافر من أهل العنوة أُقِرَّت أرضُه في يده يعمرها ويؤدي الخراج عنها ولا اختلاف في ذلك.

  • (٤)

    إذا عَطَّلَ أرضه قيل له ازْرَعْها وأدِّ خراجها وإلَّا فادفعها إلى غيرك يزرعها، فأمَّا أَرْض العشر فإنه لا يقال له فيها شيء.

  • (٥)
    وإذا أصابت الغلاتِ آفةٌ أو غَرَقٌ سَقَطَ الخراج عن صاحبها، وزاد على ذلك مَالِكٌ والشافعيُّ بقولهما: «إذا كان في البلاد سُنَّة أعجمية قديمة لم يغيِّرها الإسلام ولم يُبْطِلها فشكاها قومٌ إلى الإمام لما ينالهم مِنْ مَضَرَّتها يغيِّرها وإن قدمت؛ لأن عليه نفي كل سنَّة جائزة سنَّها أحدٌ من المسلمين فضلًا عمَّا سنَّ أهلُ الكفر.»٦٤
١  معجم البلدان، ج٤، ص٥٥٨.
٢  البلاذري، ص١٧٢.
٣  البلاذري، ص١٦٦-١٦٧.
٤  البلاذري، ص١٦٨.
٥  سورة النجم، الآية ٣٨.
٦  البلاذري، ص١٦٩.
٧  انظر ابن العبري، ص١٩٦-١٩٧.
٨  المصدر نفسه، ص١٩٦-١٩٧.
٩  الطبري، S2 V2، ص١٣١٧.
١٠  البلاذري، ص٣٤٦.
١١  البلاذري، ص٣٤٢–٣٤٤.
١٢  المصدر نفسه، ص٣٤٣-٣٤٤. والطبري، ص١٣٢٠.
١٣  الطبري، S2 V2، ص١٣١٧–١٣٢٢.
١٤  معجم البلدان، ج٢، ص٤٨–٥٤.
١٥  البيان والتبيين، ج١، ص٢١٨.
١٦  ابن خلكان، ج٢، ص٢٦٤–٢٧٦.
١٧  المصدر نفسه، ج٢، ص٢٦٤–٢٧٦.
١٨  الطبري، S2 V2، ص١٣٥٠.
١٩  الطبري، S2 V2، ص١٣٥٠.
٢٠  معجم البلدان، ص٦٩٥-٦٩٦.
٢١  ابن خلكان، ج٢، ص٢٦٤–٢٧٦.
٢٢  الطبري، S2 V2، ص١٤٠٠-١٤٠١.
٢٣  البلاذري، ص٤٠٣-٤٠٤.
٢٤  معجم البلدان، ج٣، ص٤١–٤٥.
٢٥  البلاذري، ص٤١٢-٤١٣.
٢٦  معجم البلدان، ج٢، ص٤١٤.
٢٧  معجم البلدان، ج٤، ص٤٠١–٤٠٣.
٢٨  المصدر نفسه، ج١، ص٧٩٧.
٢٩  ابن خلكان، ج٢، ص١٤٦-١٤٧.
٣٠  الطبري، S2 V2، ص١١٨٥–١١٨٩.
٣١  الطبري، S2 V2، ص١٢٤٦. البلاذري، ص٤٢٧-٤٢٨.
٣٢  المصدر نفسه، S2 V2، ص١٢٤٦.
٣٣  المصدر نفسه، S2 V2، ص١٢٥٢.
٣٤  معجم البلدان، ج٣، ص١٣٣–١٣٨.
٣٥  المصدر نفسه، ج٣، ص٣٩٤–٣٩٦.
٣٦  المصدر نفسه، ج٤، ص٢٧٤.
٣٧  المصدر نفسه، ج١، ص٢٧٨.
٣٨  معجم البلدان، ج٣، ص٨٧٨-٨٧٩.
٣٩  البلاذري، ص٤٢٧-٤٢٨. الطبري، S2 V2، ص١٢٣٩.
٤٠  الطبري، S2 V2، ص١٢٧٧–١٢٨٠.
٤١  البلاذري، ص٤٠٨.
٤٢  الطبري، S2 V2، ١٢٨٠-١٢٨١.
٤٣  سورة التوبة، الآية ٣٣.
٤٤  سورة التوبة، الآية ١٢٠-١٢١.
٤٥  سورة آل عمران، الآية ١٦٩.
٤٦  الطبري، S2 V2، ص١١٧٩.
٤٧  كتاب الأمالي للقالي، ج١، ص٢٦٨.
٤٨  الطبري، S2 V2، ص١٢٨٣-١٢٨٤.
٤٩  البلاذري، ص٤٢٨.
٥٠  الطبري، S2 V2، ص١٢٩٩.
٥١  الطبري، S2 V2، ص١٣٠٠.
٥٢  البلاذري، ص٤٣٨.
٥٣  انظر ص٤٤١ من البلاذري.
٥٤  البلاذري، ص٤٤٥.
٥٥  البلاذري، ص٤٤٦.
٥٦  كتاب الولاة والقضاء ص٣٢-٣٣. والبلاذري ص٢٣٥-٢٣٦.
٥٧  ابن قتيبة ص١٠٤، ١٠٦، ١١٣ ج٣. والبلاذري ص٢٣٨.
٥٨  الدولة الأموية في قرطبة، ج١ ص١٩.
٥٩  ابن قتيبة، ج٢ ص١٠٩.
٦٠  ابن خلكان، ج٢ ص١٣٤-١٣٥.
٦١  ابن خلكان، ج٢، ص١٣٤-١٣٥. ومعجم البلدان، ج٣، ص٧٥٩.
٦٢  راجع تفصيل الحادث في الدولة الأموية في قرطبة، ص٣٨.
٦٣  راجع الفصل الأول من كتاب: الدولة الأموية في قرطبة.
٦٤  البلاذري، ص٤٥٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤