الفصل السادس

العدل والإصلاح في الدولة الأموية

(١) عبد الملك بن مروان

ثبت الأمويون عرشهم على الجماجم، فأَعْمَلوا السيف والنطع، وراحوا يَفْتِكون بأعدائهم فتكًا ذريعًا، وليست الأعمال الرهيبة التي قام بها مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان في العراق والحجاز والشام عنا ببعيدة، فلما اسْتَتَبَّتْ لهم الأحوال جعلوا يبسطون الحق في الجهات المختلفة، ويحذِّرون من ارتكاب الأغلاط الإدارية الفاحشة التي قد تكلِّفهم نتائجُها أضرارًا جسيمة ومسئولية عظيمة، فكان عبد الملك يأمُرُ بالرفق والتريث في الأحكام والاهتمام بالمشاورة وطلب النصيحة.

ذكر لنا المؤرخون أنه أوصى أخاه عبد العزيز حين مضى إلى مصر أميرًا عليها فقال له: «ابسُطْ بِشْركَ وأَلِنْ كنفك وآثِرِ الرفق في الأمور فإنه أَبْلَغُ بك، وانظر حاجبك فليكن من خير أهلك فإنه وَجْهُك ولسانك، ولا يقفن أحدٌ ببابك إلا أَعْلَمَكَ مكانه لتكون أنت الذي تَأْذَن له أو ترده، وإذا خرجت إلى مجلسك فابدأ بالسلام يأنسوا بك، وتَثْبُت في قلوبهم محبتك، وإذا انتهى إليك مُشْكِل فاستظهِرْ عليه بالمشاورة فإنها تفتح مغاليق الأمور، وإذا سَخِطْتَ على أحدٍ فأخِّر عقوبته، فإنك على العقوبة بعد التوقف عنه أقدر منك على ردِّها بعد إمضائها.»١

(١-١) قطع دابر الرشوة والتخلص من الموظفين الخونة

وقَطَعَ دابر الرشوة فعزل الموظفين الخائنين الذين لا يعرفون من الوظيفة إلا إملاء جيوبهم وتأخير مصالح الناس وعدم قضائها في أوقاتها، فكان بذلك شديد اليقظة كثير التعاهد لولاته شديدًا في أحكامه عليهم، روى الجاحظ: «بلغه أن عاملًا من عمَّاله قَبِلَ هدية، فأمر بإشخاصه إليه، فلما دخل عليه قال له: أَقَبِلْتَ هدية منذ وليتُكَ؟ قال: يا أمير المؤمنين بلادك عامرة وخراجك موفور، ورعيتك على أفضل حال، قال: أجب فيما سألتك عنه، أقبلت هدية منذ وليتك؟ قال: نعم، قال: لئن كُنْتَ قَبِلْتَ ولم تُعَوِّض إنك لَلَئِيم، ولئن أَنَلْتَ مُهْدِيَك — لا مِنْ مالك — أو استكْفَيْتَه ما لم يكن يُستكفاه إنك لَجائِرٌ خائن، ولئن كان مَذْهَبك أن تُعَوِّضَ المُهْدِي إليك مِنْ مالك وقَبِلْتَ ما اتَّهَمَكَ به عند من استكفاك وبَسَطَ لسان عائبك وأَطْمَعَ فيك أَهْل عملك إنك لَجاهل، وما فيمن أتى أمرًا لم يخلُ فيه من دناءة أو خيانة أو جَهْل مصطنع نحَّيناه عن عمله.»٢

(١-٢) اهتمامٌ بكل صغيرة وكبيرة

ولم يَكِلِ الأمور في أعدائه وأهل حربه ومنافسيه إلى غيره حتى يباشِرَها بنفسه، وإن اهتمامه بكل صغيرة وكبيرة جَعَلَتْه يركب الخطأ في بعض الأحيان، لكن ذلك أثار في جمهور الموظفين رُوح اليقظة والاهتمام بالمسئولية، فسار على سياسة الشدة التي اتَّبعها يزيد الأول ابن معاوية من قبله، فأمر ابنه الوليد وهو على فراش الموت ألَّا يتهاون في أَمْر بَيْعَتِه، وأَنْ يلبس جِلْدَ النمر لخصومه، وأن يتدرع بالصبر، فقال له: «يا وليد، لألفينك إذا وَضَعْتَنِي في حفرتي أن تقتصر عينك كالأمة الورهاء، بل ائتزر وشمِّر والْبَسْ جِلْدَ النمر، وادعُ الناس إلى البيعة ثانيًا، فمن كان برأسه كذا فقل بالسيف كذا.»٣

(١-٣) شخصية عبد الملك

توفى عبد الملك بن مروان سنة ٨٦ﻫ/٧٠٦م، فكانت خلافته ثلاث عشرة سنة وخمسة أشهر تقريبًا، وقد قضى وواروه التراب خارج باب الجابية في دمشق، ويحقَّق أنه وُلِدَ سنة ٢٦ﻫ/٦٤٦م في خلافة عثمان بن عفان، وشهد يوم الدار مع أبيه وهو غلام لا يتجاوز العاشرة من عمره، وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية، وعُرِف منذ صغره برجاحة عقله وصلابة رأيه وقوة عزيمته، فكان يعتقد اعتقادًا تامًّا حينما نازَعَ أنداده في تَطَلُّب الخلافة أنه هو القادر دون سواه على ضبط زمام الدولة وتسيير دفتها نحو الإصلاح والعمران والسلام، فقال مرة: «ما أعلم مكان أحد أقوى على هذا الأمر مني … وإن ابن الزبير لطويل الصلاة كثير الصيام، ولكن لبخله لا يصلح أن يكون سائسًا.»٤
وكان عبد الملك شابًّا أديبًا ذكيًّا فاضلًا، له إلمام واسع بعلوم الشريعة والحديث والفقه واللغة، قال الشعبي: «ما ذاكرت أحدًا إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك بن مروان، فإني ما ذاكرته حديثًا إلا زادني فيه وشعرًا إلا زادني فيه»، واشتهر بمواقفه الخطابية، فقيل لعبد الملك: لقد أسرع إليك الشيب، قال: «شَيَّبَني صعود المنابر والخوف من اللحن»،٥ ويُروى أنه لما اشتد مرضه وقارَبَتْه الوفاة قال: أصعدوني على شرف فأصعدوه إلى موضع عالٍ، فجعل يتنسم الهواء ثم قال: «يا دنيا ما أطيبك، إنَّ طَوِيلَكِ لَقصير، وإن كثيرك لحقير، وإن كنَّا منك لفي غرور»،٦ والخلاصة أنه كان معروفًا بالصدق مشهورًا بالفضل والعلم، لا يُختلف في دينه ولا يُنازع في ورعه.٧

(٢) الوليد الأول

خَلَفَ عبْدَ الملك ابنُه الوليد الأول، وكانت ولاية العهد لعبد العزيز بن مروان، فأراد عبد الملك خَلْع أخيه وتولية الوليد لتصبح الخلافة في ولده، فراح يُنَشِّط الناس على استخلافه فتمَّ له ذلك، وإنَّا لن نَبْحَث لك عما أصاب الدولة من المحن من تسمية الخلفاء لمرشحين أو ثلاثة للخلافة يتلو الواحد منهم الآخر في ولاية العهد، إنما نحب أن نُلْفِتَ نظرك إلى هذه المسألة التي لعبت دورًا مهمًّا في انحلال جسم المملكة الأموية، ولو لم يعجل القدر فيموت عبد العزيز في أيام أخيه عبد الملك لما تَنَاوَل الوليد الخلافة بسهولة.٨

(٢-١) الوليد تهون عليه الدماء في سبيل مصلحة الدولة

نهج الوليد على منهج أبيه عبد الملك، فحمل سيف النقمة والشدة في يد، وغار العدل والرحمة في اليد الأخرى، وكان عظيم السطوة، تهون عليه الدماء في تنفيذ مَصالِح الدولة.٩
ولما كان الخلفاء الذين تَقَدَّمُوه قد مهَّدوا له طرق الأمن، وأمَّنوا له سبل الطاعة؛ الْتَفَتَ إلى الفتوح والعمران وتشييد صرح العدالة على أُسُس متينة، فافتتح معظم المغرب والأندلس، واجتازت جيوشه نهر جيحون حتى بلغت ما وراء النهر، واختلط مع أفراد شعبه، فمنع الفقهاء والمجذمين من سؤال الناس وأعطى كل مُقْعَد خادمًا وكل ضرير قائدًا.١٠
ولم يكن الوليد خطيبًا فصيحا يُحْكِم قواعد اللغة كأبيه، بل عُرِفَ بأنه لحَّان لا يحسن النحو، روى الطقطقي أن أباه عبد الملك عاتَبَه وقال له: إنه لا يلي العربَ إلا مَنْ يُحْسِن كلامهم، فدخل الوليد بيتًا وأَخَذَ معه جماعة من علماء النحو وأقام مُدَّة يشتغل فيه، فخرج أَجْهَلَ مما كان يوم دخوله، فَلَمَّا بَلَغَ ذلك عبد الملك قال قد أعذر.١١
ويذكرون أنه كان مُغْرَمًا بنشر القرآن، فبذل الأموال في سبيل ذلك، قال الطبري: «أتاه رجل من بني مخزوم يسأله في دَيْنه، فقال نعم إن كنت مستحقًّا لذلك، قال: يا أمير المؤمنين وكيف لا أكون مستحقًّا لذلك مع قرابتي؟ قال: أقرأت القرآن؟ قال: لا، قال: ادْنُ مني، فَدَنَا منه، فنزع عمامته بقضيبٍ كان في يده وقرعه قرعات بالقضيب، وقال لرجل: ضُمَّ هذا إليك فلا يفارقْكَ حتى يقرأ القرآن … وقام إليه عثمان بن يزيد فقال: يا أمير المؤمنين إن عَلَيَّ دينًا، فقال: أقَرَأْتَ القرآن؟ قال: نعم، فاستقرأه عشر آيات من الأنفال وعشر آيات من براءة فقرأ، فقال: نعم، نقضي عنكم ونصل أرحامكم على هذا.»١٢
وكان كريمًا جوادًا محبوبًا من شَعْبه، حتى لَيُقال: «إنه كان يَمُرُّ بالبَقَّال فيقف عليه فيأخذ حزمة البقل فيقول بكم هذه، فيقول: بفلس، فيقول: زِدْ فيها.»١٣
وامتاز بعقل راجح وصَدْر رحب، فكان يسمع للناصحين نُصْحَهم ولا يتأخر عن طلب المشاورة، فقال له أسيلم بن الأحنف قبل أن يُسْتَخْلَف: «أصلح الله الأمير، إذا ظننت ظنًّا فلا تُحَقِّقْه، وإذا سألت الرجل فسلهم عما نعلم، فإذا رأوا سرعة فهمك كما تعلم ظنوا بك ذلك فيما لا تعلم، ودس من يسأل لك عما لا تعلم»،١٤ وتوفي في دمشق سنة ٩٦ﻫ/٧١٤م وهو لا يتجاوز السادسة والأربعين.
قلنا إن أيام الوليد كانت أيام فتوح وتوسُّع وعمران، فعقبه أخوه سليمان بن عبد الملك وأتمَّ تلك السلسلة من الفتوحات العظيمة في الساحات الثلاث؛ البيزنطية والشرقية والإفريقية الأوروبية، وقد شعر الناس أنهم في بحبوحة من العيش في عهده فقالوا: «سليمان مفتاح الخير، وَلِيَ فأطلق الأسارى، وخلى أَهْلَ السجون وأحسن … واسْتَخْلَف عمر بن عبد العزيز»،١٥ وذكر ابن العبري أنه ردَّ المظالم وأخرج المُحْبَسِين.١٦

(٣) سليمان بن عبد الملك

نشأ سليمان بالبادية عند إخوانه بني عبس، فشبَّ فصيح اللسان كثير الأدب، ولا ريبَ أنه كان من أجلِّ شبان بني أمية، فيصفه المؤرخون بقولهم: «… وكان طويلًا أبيض جميلًا قضيفًا جعد الشعر … شديد العجب بشبابه وجماله»،١٧ واعتنى بلباسه وهندامه، وتأنق في ذلك كثيرًا حتى لقَّب نفسه «بالملك الفتي» «والملك الشاب.»

(٣-١) عيوبه

ويُعاب سليمان بأمرين: الأول لغَيْرَته وحَسَده، ففَتَكَ بموسى بن نصير فاتح المغرب والأندلس، وقد ذكرنا ذلك في فصل الفتوح، وعذَّب غيره من كبار الرجال أصحاب الخدمات الباهرات لمجرد سوء الظن أو لبادرة حَسَدٍ تطرأ عليه، والثاني لكثرة نهمه وشغفه بالنساء، روى الفخري: «… وكان نهمًا، فيُقال: إن الطباخ كان يأتيه بالشواء فلا يَصْبِر حتى يبرد فيأخذه بكمِّه …»

قال الأصمعي: كنت مرة أفاوض هارون الرشيد، فجرى حديث أصحاب النهم، فقُلْتُ كان سليمان بن عبد الملك شديد النهم، وكان إذا أتاه الطبَّاخ بشواء تلقَّاه فأخذه بأكمامه، فقال الرشيد: ما أَعْلَمَك يا أصمعي بأخبار الناس؟ لقد اعترضت منذ أيام جباب سليمان فوجدت أثر الدهن في أكمامها فظننته طيبًا، قال الأصمعي: ثم أَمَرَ لي بجبةٍ منها،١٨ وقال الطبري: «وَلِيَ سليمان فكان صاحب نكاح وطعام، فكان الناس يسأل بعضهم بعضًا عن التزويج والجواري.»١٩
ويبالغ المؤرخون في رواياتهم عن نهمه، غير أنها تُظهر لنا ولا شبهة حقيقة ناصعة، وهي أن الخليفة الفتي أو الشاب كان يحب أن يتمتع بجميع الشهوات الجسمانية، وقد أَسْرَفَ في تمتعه بها إسرافًا زائدًا؛ حتى إنها قضت عليه وعجَّلت في وفاته، قال ابن عبد ربه: «وكان سبب مَوْت سليمان بن عبد الملك أن نصرانيًّا أتاه وهو بدابق — بالقرب من حلب — بزنبيل مملوء بيضًا وآخر مملوء تينًا، قال: قشروا، فقشروا فجعل يأكل بيضة وتينة حتى أتى على الزنبيلين، ثم أتوه بقصعة مملوءة مخًّا بسكر فأكله فأُتْخِم فمرض فمات.»٢٠

(٤) عمر بن عبد العزيز

لم يتمكن عبد الملك بن مروان والوليد الأول وسليمان من بَسْط العدالة بسطًا تامًّا ترتاح له النفوس وتطمئن له القلوب، وكان ذلك لِقَسْوة الظروف أولًا، ولِتَغَلُّب بعض الصفات الرديئة عليهم ثانيًا، فألمعنا إلى ما اشتهر به سليمان من الغيرة والحسد، وإلى ما عُرِف به الوليد من إراقة الدماء في سبيل المصلحة، وإلى ما تغلَّب على عبد الملك من طَبْع السيطرة على كل صغيرة وكبيرة، وهذا لا ينفي أننا نُنْكر على هؤلاء الرجال ما تحلَّوْا به من المزايا الشريفة والخصال الحميدة والمواهب العالية، والحق أن العدالة الأموية لم تَظْهَر بمظهرها الجليل الكبير إلا في عصر عمر بن عبد العزيز خليفة سليمان بن عبد الملك.

(٤-١) نشأته

نشأ عمر في المدينة وتأدَّب بها على أشهر أساتذتها المتضلعين بعلوم القرآن والحديث والفقه والشريعة كصالح بن كيسان وعبيد الله بن عبد الله، ودَرَسَ العربية وتفَرُّعاتها فأصاب منها سهمًا وافرًا، وكان شابًا ولوعًا بتزيين نفسه، فتأنَّق في ملبسه، وتغلبت عليه الخيلاء فَزَهَا واستكبر في بعض الأحايين على الناس، قال ابن الجوزي بإسناده: «حَدَّثَنِي علي بن جذيمة قال: رأيته في المدينة وهو أحسن الناس لباسًا، ومن أطيب الناس ريحًا، ومن أخيل الناس في مشيته»،٢١ ثم لم تَطُلْ به الحال على هذا المنوال، فنراه قد خَلَعَ عنه ثَوْبَ الصلف وارتدى رداء التواضع لَمَّا أُسْنِدَت إليه المناصب الإدارية، وقد وُلِّيَ الحجاز وهو ابن خمس وعشرين سنة، وكان ذلك في أيام الوليد الأول، فبَرْهَنَ على اقتداره في تدبير الأمور وتثبيت دعائم الحق والانتصار للضعيف، وأَوْسَعَ المجال لعقلاء المدينة وفقهائها لأن ينبِّهوه على أغلاطه وأن ينيروا سبيله في إحقاق الحق وإزهاق الباطل، فدعا مَرَّةً عشرة نَفَرٍ من علمائها وقال لهم: «إني دعوتكم لأمرٍ تؤجرون فيه وتكونون فيه أعوانًا على الحق، إن رأيتم أحدًا يتعدى وبلغكم عن عامل لي ظلامة، فأحرج بالله على أَحَد بلغه ذلك إلا أَبْلَغَني.»٢٢
ولم يقبل عمر بن عبد العزيز منصب الولاية على الحجاز إلا بعد أن أقرَّ له الوليد السلطة التامة ليقتص من أرباب العدوان وأهل الظلم وإن أُجبر ألا يرفع للخزينة درهمًا واحدًا، قال ابن الجوزي: «استعمل الوليدُ بن عبد الملك عُمَرَ بن عبد العزيز على الحجاز — المدينة ومكة والطائف — فأبطأ عن الخروج، فقال الوليدُ لحاجبه: ويلك ما بالُ عمر لا يخرج إلى عمله؟ قال: زعم أن له إليك ثلاث حوائج، قال: فعَجِّلْه عليَّ، فجاء به الوليد فقال له عمر: إنك استَعْمَلْتَ من كان قبلي، فأنا أحب أن لا تأخذني بعمل أهل العدوان والظلم والجور، فقال له الوليد: اعمل بالحق وإن لم تَرْفَعْ إلينا درهمًا واحدًا.»٢٣

(٤-٢) عمر شاب إداري عادل

اتصف عُمَر بشجاعته الأدبية وصراحته النادرةِ المثالُ، فكان ينتقدُ أعمالَ الخلفاء الذين سَلَفُوه ويسلقهم بقوارص الكلام ولا يخاف في التنديد على من يشذُّون عن أحكام القرآن والسنة لومة لائم، فتألَّمَ منه بنو أمية، حتى لَيُقال: إنهم هم الذين دبَّروا الدسائس للخلاص منه، وهاك مثالًا حيًّا على ما قَدَّمْنَاه: «دخل عمر بن عبد العزيز على سليمان بن عبد الملك وعنده ابنه أيوب، وهو يومئذٍ وليُّ عهده وقد عقد له من بعده، فجاء إنسان يطلب ميراثًا من بعض نساء الخلفاء، فقال سليمان: ما أخال النساء يَرِثْن في العقار شيئًا، فقال عمر بن عبد العزيز: سبحان الله، وأين كتاب الله؟ فقال: يا غلام اذهب، فأتني بسجل عبد الملك بن مروان الذي كتب في ذلك، فقال عمر: لكأنك أرسلت إلى المصحف، قال أيوب: والله ليوشكن الرجل يتكلم بمثل هذا عند أمير المؤمنين ثم لا يشعر حتى يفارقه رأسه، فقال له عمر: إذن أفضي الأمر إليك وإلى مثلك مما يدخل على أولئك أشدُّ مما خشيت أن يصيبهم من هذا، فقال سليمان لأيوب: مه، لأبي حفص تقول هذا؟ فقال عمر: والله لئن جَهِلَ علينا يا أمير المؤمنين ما حلمنا عنه.»٢٤

(٤-٣) عمر صريح الآراء، لا يخاف من النقد لومة لائم

وكان من الذين يقدسون الحرية الفكرية ويَرَوْن وجوب تشجيعها والمحافظة عليها، فجادل الخوارج من الحرورية وراسَلَهُم، وطلب إليهم أن يحجوه ويُقْنِعوه بالبراهين إن كانوا — في زعمهم ومبادئهم — صادقين، روى الطبري: «كتب عمر إلى بسطام بن يشكر وهو شوذب زعيم الحرورية في العراق يسأله عن سبب مَخْرَجه، فكان في كتاب عمر إليه: بلغني أنك خرجت غضبًا لله ولنبيه، ولَسْتَ بأولى بذلك مني، فهلم أناظِرْكَ، فإن كان الحق بأيدينا دَخَلْتَ فيما دَخَلَ فيه الناس، وإن كان في يدك نَظَرْنَا في أمرنا»،٢٥ فجاءه وَفْدٌ منهم إلى الشام فأمَّنهم وطيَّب قلوبهم وجَلَسَ وإياهم وجهًا لوجه يتجادل معهم، ومما يَبْتَهِج له الخاطرُ أن المؤرخين حفظوا لنا أحاديثهم معه وهي كما يأتي:
رسولا الحرورية : أَخْبِرْنا عن يزيد، لِمَ تُقِرُّه خليفةً بعدك (يزيد بن عبد الملك)؟
عمر : صَيَّرَه غيري.
رسولا الحرورية : أفرأيت لو وُلِّيتَ مالًا لغيرك ثم وكلته إلى غير مأمون عليه، أتراك كنت أَدَّيْتَ الأمانة إلى مَن ائتمنك؟
عمر : أنظراني ثلاثًا.
وعلَّق الطبري على هذا الحديث بقوله: «خاف بنو مروان أن يُخْرِج ما عندهم وفي أيديهم من الأموال وأن يَخْلَع يزيدًا، فدسُّوا إليه من سقاه سمًّا.»٢٦

تسنَّم عمر بن عبد العزيز عَرْش الخلافة بعد وفاة سليمان بن عبد الملك، فجمع الناس في المسجد الجامع بدمشق وصرَّح لهم أنه أُسْنِدَ إليه الأمر دون أن يستشيروه أو يستشيروا الشعب فيه؛ ولذا فهم أحرار في خَلْع بيعته وانتخاب سواه، فصاح الناس صيحة واحدة: «قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك»، فلما هدأت الأصوات ولم يَعْتَرِض أحد على ولايته الخلافة خَطَبَ خطبته العرش، قال مِنْ جُمْلَتِها: أوصيكم بتقوى الله … وأصلحوا سرائركم يُصْلِحِ الله الكريم علانيتكم، وأكثروا ذِكْر الموت وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه هادم اللذات … وإني والله لا أعطي أحدًا باطلًا ولا أمنع أحدًا حقًّا.

يا أيها الناس، من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أَطَعْتُ الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.٢٧

(٤-٤) الاحتفال بتنصيب الخلفاء على العرش

ثم أرادت الحكومة الاحتفال بتنصيبه رسميًّا كما جَرَت العادة، فهيأت موكب الخلافة وهو يتألف من كبار رجال الدولة وعظمائها، وقد يَرْكَبون وراء الخليفة على البراذين والخيل والبغال، ولكل دابة سائس، فلما رأى تلك الأبهة قال: ما هذا؟ قالوا: مركب الخلافة، قال: دابتي أوفق لي، وركب دابته وصرف تلك الدواب، ثم أقبل سائرًا فقيل: منزل الخلافة، فقال: فيه عيال أبي أيوب، وفي فسطاطي كفاية حتى يتحولوا، فأقام في منزله حتى فرغوه،٢٨ نحن لا نرى دليلًا أكبر من الذي قدمناه على ديمقراطية عمر وشدة تواضعه واستخفافه بمظاهر الحياة الفارغة.
ويُذْكر أن جاءه صاحب الشرطة يسير بين يديه بالحربة فقال: «تنحَّ عني ما لي ولك، إنما أنا رجلٌ من المسلمين»،٢٩ ولم يكد يستلم زمام الأحكام حتى أَمَرَ بستور دار الخلافة فهُتِكت، والثياب التي كانت تُبسط للخلفاء فحُمِلت، وأَمَرَ ببيعها وإدخال أثمانها في بيت مال المسلمين،٣٠ وسرح عمر حرس الخلافة وكانوا حوالي ستمائة وقال لهم: إن بي عنكم لغنى، كفى بالقَدَر حاجزًا، وبالأَجَلِ حارسًا، ولا أطرحكم من مراتبكم، من أقام منكم فله عشرة دنانير، ومن شاء فليلحق بأهله،٣١ وكان عمر يقعد للناس على الأرض فقيل له: لو أَمَرْتَ ببساطٍ يُبسط لك فتجلس ويجلس الناس عليه كان ذلك أهيب لك في قلوب الناس، فتمثَّل:
قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى
له صبوة إحدى الليالي الغوابرِ
ولولا التقى من خشية الموت والردى
لعاصيت في حب الصبا كلَّ زاجرِ٣٢

(٤-٥) إصلاحات عمر

قام عمر بإصلاحات جمَّة عقب توليه الخلافة، فأصدر أمرًا إلى قادة جيوشه في جميع الساحات والتخوم يطلب إليهم به أن تكون الرحمة من شعائرهم والشفقة قبلة أنظارهم، كتب عمر إلى الجرَّاح أحد قادَتِه: إنه بَلَغَنِي أن رسول الله كان إذا بعث جيشًا أو سريةً قال: «اغزوا بسم الله وفي سبيل الله تقاتلون مَنْ كَفَرَ بالله، لا تغلوا ولا تغدروا ولا تُمَثِّلوا ولا تقتلوا امرأةً ولا وليدًا»، فإذا بَعَثْتَ جيشًا أو سريةً فمُرْهُم بذلك.٣٣

(٤-٦) الحرص على أموال المسلمين

وحرص حرصًا زائدًا على دماء المسلمين، فأبى أن يجازِف بأرواحهم أو أن يجشمهم من المشاق ما لا طاقة لهم به، فعَهِدَ إلى بعض رجال الحرب بهذه النصائح الثمينة: «أرفِقْ بمن معك في مسيرهم، ولا تجشمهم مسيرًا تُتْعِبهم، ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم، فإنكم تسيرون إلى عدوٍّ جام الأنفس والكراع، فلا ترفقوا بأنفسكم وكراعكم في مسيركم يكن لعدوِّكم فضلٌ عليكم في القوة، أَقِمْ بمن معك في كل جمعة يومًا وليلة ليكون لهم راحة يَجْمَوُن بها أَنْفُسَهم وكراعهم، ولتكن عيونك من العرب وممن تطمئن إلى نُصْحِه من أهل الأرض، فإن الكذوب لا ينفعك خَبَرُه وإنْ صدق في بعضه، وإن الغاشَّ عينٌ عليك وليس بعينٍ لك.»٣٤
والغريب أن عمر بلغت به العدالة إلى حدِّ أنه أَمَرَ أن لا يُكسى البيت الحرام، وأن تُبذل الأموالُ المخصصة للكسوة في سبيل الفقراء والمحتاجين، «كَتَبَت الحجبةُ إلى عمر أن يأمر للبيت بكسوةٍ كما كان يفعل مَنْ كان قبله، فكتب إليهم: إني رأيت أن أجعل ذلك في أكبادٍ جائعةٍ فإنه أولى بذلك من البيت.»٣٥

(٤-٧) امتحان الحكَّام والولاة

وسعى لأن يمتحن نزاهة الرجال الذين أراد توليتهم حكَّامًا وولاةً على البلاد الإسلامية ليطمئن ضميرُه وليتخلص من جور الطغاة وعسفهم، فذكر ابن الجوزي أنه لمَّا «ولي عمر الخلافة وفد عليه بلال بن أبي بردة فهنَّأه … فجزاه عمرُ خيرًا، ولزم بلال المسجدَ يصلِّي ويقرأ ليله ونهاره، فهمَّ عمر أن يولِّيه العراق، ثم قال: هذا رجلٌ له فضل، فدسَّ إليه ثلة له فقال له: إن عملت لك في ولاية في العراق ما تعطيني؟ فضَمِنَ له مالًا جليلًا، فأُخبِر بذلك عُمَرُ فنفاه وأخرجه»،٣٦ وأَبْعَدَ الولاة القساة السفَّاكين عن استلام زمام البلاد لئلا يُفْسِدوا في الأرض، فكَتَبَ عمر إلى الجرَّاح بن عبد الله عَامِلِهِ على خراسان: «بلغني أنك استعملت عمارة، ولا حاجة لي بعمارة ولا بضرب عمارة، ولا بِرَجُل قد صبغ يده في دماء المسلمين فاعزله.»٣٧
وكان عمر لا يفتأ يذكِّر عمَّاله بواجباتهم، وما عليهم تجاه الله والأمة والبلاد من المسئولية الكبرى، فطلب إليهم أن يجمعوا الخراج الطيب الحلال، فلما كَتَبَ ميمون بن مهران أحد الولاة إلى عمر بن عبد العزيز أن يستعفيه من الخراج أجابه: «يا ابن مهران، إني لم أكلِّفك بغيًا في حُكْمك ولا في جبايتك، فاجْبِ ما جَبَيْتَ من الحلال، ولا تجمع للمسلمين إلَّا الحلال الطيب»،٣٨ ثم أَمَرَهُم أن يلوا أرباب الخبرة وأهل الفضل في المناصب، وأن يرفعوا السنن الخبيثة التي أنهكت العامل والفلَّاح، وأن لا يعجلوا في أحكام الإعدام والصلب قبل استئذانه، وأن لا يستوفوا الضرائب التي لا يخوِّلهم القانون حقَّ استيفائها، وأن يسهِّلوا على التجَّار والمسافرين مصالحهم فيبنون لهم الخانات ويضيِّفونهم،٣٩ وإليك وثائق تثبت لك كل هذه الحقائق التي ذكرناها:
كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الرحمن بن نعيم والي خراسان: «أمَّا بعد … فكن عبدًا ناصحًا لله في عباده، ولا يأخُذْك في الله لومة لائم، فإن الله أولى بك من الناس، وحقُّه عليك أعظم، فلا تولين شيئًا من أمراء المسلمين إلَّا المعروف بالنصيحة لهم أو التوفير عليهم وأداء الأمانة فيما استرعى، وإياك أن يكون ميلك ميلًا إلى غير الحق فإن الله لا يخفى عليه خافية، ولا تَذْهَبَنَّ عن الله مذهبًا فإنه لا مَلْجَأَ من الله إلَّا إليه.»٤٠
وكتب إلى زرعة الكاوي وكان قد ولَّاه خراج خراسان: «إن للسلطان أركانًا لا يثبت إلَّا بها، فالوالي ركنٌ، والقاضي ركنٌ، وصاحب بيت المال ركنٌ، والركن الرابع أنا، وليس من ثغور المسلمين ثغرٌ أهم إليَّ ولا أعظم عندي من ثغر خراسان، فاستوعب الخراج وأحرزه في غير ظلم، فإن يكُ كفافًا لأَعْطِيَاتِهِم فسبيل ذلك وإلَّا فاكتب إليَّ حتى أحمل إليك الأموال فتوفِّر لهم أعطياتهم.»٤١
وكتب رسالة إلى أمير الكوفة عبد الحميد … وهذا نصها: «من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبد الحميد … سلامٌ عليك … أمَّا بعد … فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاءٌ وشدةٌ وجورٌ في أحكام الله، وسُنَّة خبيثة سنَّها عليهم عمَّال السوء، وإن قوامَ الدين العدلُ والإحسان، فلا يكونن شيءٌ أهم إليك من نفسك فإنه لا قليل من الإثم، ولا تحمل خرابًا على عامرٍ ولا عامرًا على خرابٍ، انظر الخراب فخُذْ منه ما أُطْلِق وأصلحه حتى يعمر، ولا يؤخذ من العامر إلَّا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض، ولا تأخذن في الخراج … أجور الضرَّابين ولا هدية النيروز والمهرجان ولا ثمن الصحف ولا أجور الفتوح ولا أجور البيوت ولا دراهم النكاح، ولا خراج على مَنْ أسلم من أهل الأرض فاتبع في ذلك أمري، فإني ولَّيتك من ذلك ما ولَّاني الله، ولا تَعْجَل دوني بقطع ولا صَلْب حتى تراجعني فيه …»٤٢

(٤-٨) الاستئذان في أحكام الإعدام

وقال عمر في القصاص لولاته: «ادرءوا الحدود ما استطعتم في كل شبهة، فإن الوالي إذا أخطأ في العفو خيرٌ من أن يتعدى في العقوبة.»٤٣

(٤-٩) الاهتمام بمصالح الشعب

ونَصَبَ نَفْسَه للعدل فضرب على أيدي المغتصبين بيد حديدية، وجعل يضيِّق عليهم الخناق، فبدأ ببني أمية أنفسهم وأخذ ما كان تحت سيطرتهم من الغصوب، فردَّها على أهلها دون إبطاء ولا تأخير، فحمده الناس وشكروا له سَعْيه إذْ سَتَرَ بيوتات كثيرة كان الظلم قد فضحها، وعائلات عديدة كان الفقر قد أخذ ينال مِنْ شَرَفِها، وأطفال يتامى كان الجهل قد بدأ يهيئ لهم مستقبلًا مظلمًا، وتمادى في تحرِّي المغتصبين والظالمين والتفتيش عن سيئاتهم حتى خاف بعضُ خاصَّتِه عليه من الاغتيال والاعتداء، فقالوا: «يا أمير المؤمنين … ألا تخاف غوائلَ قومك؟ فقال: أبيوم سوى يوم القيامة تخوفونني، فكل خوفٍ أتقيه قبل يوم القيامة لا وُقِيتُه»،٤٤ وخاطَبَ مرةً أفراد الأسرة المالكة يؤنِّبهم على تمتعهم بالأموال الحرام والأملاك المغتصَبة بلهجةٍ شديدةٍ فقال: «يا بني مروان، إنكم قد أُعطيتم حظًّا وشرفًا وأموالًا، إني لأحسب شَطْر أموال هذه الأمة أو ثُلُثَيْها في أيديكم.»٤٥
وأصدر عمر قانونًا خوَّل به الموظفين البارعين الأوفياء حق الزيادة في رواتبهم إن قاموا بما يَفْرِضه عليهم الواجب خير قيام، وكان ذلك ليقطع دابر الرشوة ويجعل للمأمور مجالًا للتقدم، فيعمل بنشاطٍ وهمة ويسعى لاكتساب رضى رؤسائه بالإحسان إلى أرباب المصالح وقضاء حاجاتهم بسرعة ودقة، فانتقده أحد أخصائه على ما يتقاضاه عمَّاله من المعاشات الباهظة بقوله: «تَرْزُق الرجلَ من عمَّالك مائة دينار في الشهر ومائتي دينار في الشهر وأكثر من ذلك»، فأجابه: «أراه لهم يسيرًا إن عملوا بكتاب الله وسُنَّة نبيه، وأحبُّ أن أُفَرِّغ قلوبهم من الهم بمعايشهم وأهليهم»،٤٦ ولا ريبَ أنه متى كان المأمور مرتاحَ البال من جهة العيال فلا يفكر بخيانة الحكومة، بل يُجَرِّب أن يحافِظَ على مركزه جهد الطاقة.

(٤-١٠) إصلاح القضاء

وأصلح القضاء بصورة خاصة، فاشترط على القاضي أن يكون عالمًا بما نَصَّتْ عليه السنَّة، حليمًا، ذا أمانة، عفيفًا، مشاوِرًا.٤٧

(٤-١١) محارَبة المسكرات

ثم وجَّه عمر وجهه إلى تقويم الأخلاق ومحارَبة العادات الفاسدة المبنية على التعصب والرذيلة، فنهى شَعْبه عن تعاطي المسكرات، وأبان لهم ما يصيبهم من الآفات والنكبات بواسطتها، وما يتكبدونه من الآلام والعذاب بما تَحْمِله إليهم من المضار والفضائح، فهي هتَّاكة للأجسام مضنكة للعقول مضيعة للأموال.

كتب عمر إلى عدي بن أرطاة وأهل البصرة: «أمَّا بعد … فإنه قد كان في الناس من هذا الشراب أمرٌ ساءت فيه رعيتهم، وغشوا فيه أمورًا انتهكوها عند ذهاب عقولهم وسفه أحلامهم بلغت بهم الدم الحرام والفرج الحرام والمال الحرام، وقد أصبح جلُّ من يصيب من ذلك الشراب يقول شربنا شرابًا لا بأس به، ولعمري إن ما حُمل على هذه الأمور وضارع الحرام لبأس شديد، وقد جَعَلَ الله عنه مندوحة وسعة من أشربة كثيرة طيبة ليس في الأنفس منها جائحة: الماء العذب الفرات واللبن والعسل والسويق … وقد بلغنا أن رسول الله نهى عن نبيذ الجر والدباء والظروف المزفتة، وكان يقول: «كل مسكرٍ حرام»، فاستغنوا بما أحل الله عما حرَّم، فإنَّا من وجدناه يشرب شيئًا من هذه بعدما تقدمنا إليه أوجعناه عقوبة شديدة، ومن استخفى فالله أشد عقوبةً وأشد تنكيلًا، وقد أردْتُ بكتابي هذا اتخاذ الحجة عليكم اليوم وفيما بعد اليوم، أسأل الله أن يزيد المهتدي منَّا ومنكم هُدًى، وأن يُراجع بالمسيء منَّا ومنكم التوبة في يسرٍ وعافيةٍ، والسلام.»٤٨

(٤-١٢) منْع الناس من شتْم علي

ومَنَعَ الناس مِنْ شَتْم علي بن أبي طالب، وكان بنو أمية يسبُّونه علنًا على المنابر منذ عَهْد معاوية الأول، ويرجع ذلك للخلاف الذي قام بين الأمويين والعلويين، وجعل مكان السب في خطبة الجمعة: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ،٤٩ فمدحه الشعراء على ذلك، قال كُثير عزة:
وليتَ فلم تشتم عليًّا ولمْ تَخَفْ
بريًّا ولم تَتْبَع مَقَالَةَ مُجْرِمِ
وقُلْتَ فَصَدَّقْتَ الذي قُلْتَ بالذي
فَعَلْتَ فأضحى راضيًا كُلُّ مُسْلِمِ
وقد لبست لَبسَ الهلوك ثيابها
وأبدت لك الدنيا بِخَدٍّ ومعْصمِ
وتومض أحيانًا بعينٍ مريضةٍ
وتبسم عن مثل الجمان المنظمِ
فأعرضت عنها مشمئزًا كأنما
سَقَتْكَ مذوقًا من سمام وعَلْقَمِ
وقد كُنْتَ منها في جبال أرومها
ومِنْ بَحْرِها في زاخر السيل مفعمِ

وقال الشريف الرضيُّ يرثيه ويَذْكُر مَنْعَه شَتْم علي:

يا ابْنَ عبد العزيز لو بَكَت الْعَيْـ
ـنُ فَتًى مِنْ أُمَيَّةٍ لَبَكَيْتُكْ
أَنْتَ نزَّهْتَنَا مِنَ السَّبِّ والشَّتْـ
ـمِ فَلَوْ أَمْكَنَ الْجَزَاءُ جَزَيْتُكْ
غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ إِنَّكَ قَدْ طِبْـ
ـتَ وَإِنْ لَمْ يطبْ ولم يزكُ بَيْتُكْ
ديرِ سمعان لا عَدَتْكَ الغوادي
خيرُ مَيْتٍ مِنْ آلِ مَرْوَانَ مَيْتُكْ٥٠

(٤-١٣) الرفق بالحيوان

وكان عمر يرفق بالحيوان ولا يأذن البتة في التثقيل عليه بالأحمال، وناشد مأموريه وخواصه وشعبه أن يهتمُّوا بالعجماوات وأن يرحموها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ولم يَغُضَّ النظرَ عن أولئك القساة الذين يُسْرِفون في ضَرْبها وتعذيبها، قال ابن الجوزي: «كان لعمر بن عبد العزيز غلامٌ على بغلٍ له يأتيه بدرهم كل يوم، فجاءه بدرهم ونصف، فقال ما بدا لك، قال: نفقت السوق؟ قال: لا، ولكنك أَتْعَبْتَ البغل، أجمَّه ثلاثة أيام.»٥١

(٤-١٤) العوامل التي دَفَعَتْ عمر للإصلاح والعدل

أمَّا وقد عَدَدْنَا لك ما قام به عمر من الإصلاحات الجمة فلنذكر العوامل التي دَفَعَتْه للعمل الصالح واتِّباع سُنن الخير والعدل والإحسان.

أمَّا العامل الأول فهو تقريبه للعلماء والفقهاء أصحاب الورع والتقوى وأهل النصح والغيرة على العرب والإسلام، أمثال محمد بن كعب القرظي وميمون بن مهران والحسن البصري، وكان دائمًا يُكَاتب رجال الفضل ويستشيرهم ويَطْلب معرفة آرائهم في المسائل الحقوقية والتشريعية والسياسية، أرسل عمر إلى محمد بن كعب القُرَظي يسأله أن يَصِفَ له العدل فأجابه: «… كُنْ لِصَغير المسلمين أبًا، ولكبيرهم ابنًا، ولِلْمِثْل منهم أخًا، وعاقِبِ الناسَ بِقَدْر ذنوبهم على قَدْر أجسامهم، ولا تضربن لفضلك سوطًا واحدًا فتتعدى فتكون عند الله عزَّ وجل من العادين.»٥٢
وقال القرظي ينصح عمر أيضًا: «لا تصحب من الأصحاب من خطرك عنده على قَدْر قضاء حاجته، فإذا انقطعت حاجته انقطعت أسباب مودته، اصحب من الأصحاب ذا العلى في الخير والأناة في الحق، يُعِينك على نفسك ويَكْفيك مؤنته.»٥٣
وقال عمر لميمون بن مهران: كيف لي بأعوانٍ على هذا الأمر أَثِقُ بهم وآمَنُهم، قال: «يا أمير المؤمنين لا تَشْغَلْ قلبك بهذا، فإنك سوق، وإنما يُحْمَل إلى كل سوق ما يُنْفَق فيها، فإذا عُرِفَ أن النافق عندك الصحيح لم يأتوك إلَّا بالصحيح.»٥٤
ووَعَظَ الحسن البصري عمر فقال له: «أمَّا بعد … اعلم يا أمير المؤمنين أن الدنيا دار ظَعْن وليس بدار إقامة … ولها في كل حين صرعة … هي تُهِينُ مَنْ أَكْرَمها وتذلُّ مَنْ أَعَزَّها … ولها في كل حين قتلى، فهي كالسم يأكله مَنْ لا يعرفه وفيه حتفه … فكن يا أمير المؤمنين كالمداوي جَرْحَه بصيرًا على شدة الدواء مخافةَ طول البلاد، يحتمي قليلًا مخافةَ ما يَكْرَه طويلًا، فإن أهل الفضائل كان منطقهم فيها بالصواب ومشيهم بالتواضع، ومطعمهم الطيب من الرزق، مغمضين أبصارهم عن المحارم، فخَوْفُهم في البَرِّ كخَوْفِهم في البحر، دعاؤهم في السرَّاء كدعائهم في الضرَّاء … واعلم يا أمير المؤمنين أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به، وأن الندم على الشر يدعو إلى تَرْكه، وليس ما يُغْني — وإن كان كثيرًا — بأهلٍ أن يُؤْثَر على ما يَبْقَى — وإن كان طلبه عزيزًا — واحتمال المئونة المنقطعة التي تَعْقُب الراحة الطويلة خيرٌ من تعجيل راحة منقطعة تَعْقُب مئونة باقية وندامة طويلة … وانظر يا أمير المؤمنين الدنيا نَظَرَ الزاهد المفارق، ولا تنظر نَظَرَ المبتلى العاشق …»٥٥
وقل له أيضًا: «يا أمير المؤمنين إن استقمت استقاموا، وإن مِلْتَ مالوا، يا أمير المؤمنين لو أن لك عُمْرَ نوح وسلطان سليمان ويقين إبراهيم وحِكْمة لقمان ما كان لك بدٌّ من أن تَقْتَحِم العقبة، ومن وراء العقبة الجنة والنار، ومَنْ أخْطَأَتْه هذه دَخَلَ هذه.»٥٦

وأمَّا العامل الثاني فيرجع إلى فلسفة عمر في الحياة، تلك الفلسفة التي تقول بالزهد وتخاف حساب الله واليوم الآخر مخافةً عظمى … وتسعى لاجتناب الشر واتباع الخير والاهتمام بالمصالح العامة قبل الاهتمام بالمصالح الخاصة، وكانت فلسفة عمر توحي إليه بالقناعة والتضحية والتعبد والنسك واحتقار الدنيا والنظر إليها نَظَرَ الراحل عنها، فهو يخاف الساعة الأخيرة ويَرْهَب عذاب الله، وكلُّ شيءٍ لديه في سبيل مرضاة الله سَهْل حلو المذاق.

وهاك بعض فقرات من خطبة ترينا مذهبه في الحياة: «أيها الناس … إنكم لم تُخْلَقوا عبثًا ولن تُتْرَكوا سدًى، وإن لكم معادًا ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم، وقد خاب وخَسِرَ مَنْ خَرَجَ من رحمة الله التي وَسِعَتْ كل شيء، وحُرِمَ الجنة التي عَرْضها السموات والأرض، ألا واعلموا إنما الأمان غدًا لمن حذر الله وخافَهُ وباعَ نافذًا بباقٍ، وقليلًا بكثير، وخوفًا بأمان، وسَيَخْلُفها بَعْدَكُم الباقون، كذلك حتى تُرَدَّ إلى خير الوارثين، وفي كل يوم تشيِّعون غاديًا ورائحًا إلى الله قد قضى نحبه وانقضى أَجَلُه، فتغيِّبونه في صَدْع من الأرض، ثم تَدَعونه غير مُوسَد ولا مُمَهَّد، قد فارَقَ الأحبة وخَلَعَ الأسباب فسَكَنَ التراب ووَاجَهَ الحساب، فهو مُرْتَهَن بعمله، فقيرٌ إلى ما قَدَّم غنيٌّ عما ترك، فاتقوا الله قبل نزول الموت وانقضاء مراقَبَتِه، وايم الله إني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحدٍ منكم من الذنوب أكثر مما عندي، فأستغفر الله وأتوب إليه، وما منكم من أحدٍ تَبْلُغنا عنه حاجة إلَّا أَحْبَبْتُ أن أسدَّ مِنْ حَاجَتِه ما قَدَرْتُ عليه، وما منكم من أحدٍ يسعه ما عندنا إلَّا وددت أنه ساواني ولحمتي حتى يكون عيشنا وعيشه سواء، وايم الله أن لو أَرَدْتُ غير هذا من الغضارة والعيش لكان اللسان مني به ذلولًا عالمًا بأسبابه، ولكنه مضى من الله كتابٌ ناطقة وسنَّة عادلةٌ يدلُّ فيها على طاعته وينهي عن معصيته.»٥٧
ومن خُطَبِه: «مَنْ وَصَلَ أخاه بنصيحة له في دينه، ونَظَرَ له في صلاح دنياه، فقد أحسن صلته وأدَّى واجِبَ حَقِّه، فاتقوا الله فإنها نصيحةٌ لكم في دينكم فاقبلوها، وموعظةٌ منجيةٌ في العواقب فالْزَمُوها، الرزق مقسوم فلن يُغْدَر المؤمن ما قُسِم له، فأجملوا في الطلب فإن في القنوع سعةً وبلغةً وكفافًا، إنَّ أَجَلَ الدنيا في أعناقكم وجهنم أمامكم وما ترون ذاهبٌ، وما مضى فكأن لم يكن، وكلٌّ أموات عن قريب، وقد رأيتم حالات الميت وهو يسوق وبعد فراغه وقد ذاق الموت والقوم حوله يقولون قد فَرَغَ رحمه الله، وعايَنْتُم تعجيل إخراجه وقسمة تراثه، ووَجْهُه مفقود، وذِكْرُه مَنْسِيٌّ، وبابُه مهجور، كأن لم يُخَالِط إخوانَ الحفاظ ولم يُعَمِّر الديار، فاتقوا هولَ يومٍ لا تحقر فيه مثقال ذرةٍ في الموازين.»٥٨
وله أيضًا: «مَنْ عمل على غير عِلْم كان ما يُفْسِد أَكْثَر مما يُصْلح، ومن لم يَعُدَّ كلامَه مِنْ عَمَلِه كَثُرت ذنوبه، والرضا قليل، ومعول المؤمن الصبر، وما أَنْعَمَ اللهُ على عبدٍ نعمةً ثم انْتَزَعَهَا منه فأعاضَهُ مما انتزعَ منه الصبرَ إلَّا كان ما أعاضه خيرًا مما انتزع منه، إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ٥٩
وغلبت على عمرَ خصالٌ طيبةٌ، فكان صَفوحًا حليمًا كريمًا، حتى لَيقال إنه عرض له رجل بيده طومار «فظن القوم أنه يريد أمير المؤمنين فخاف أن يُحْبَس دونه، فرماه — الرجل — بالطومار والْتَفَتَ أمير المؤمنين فأصابه في وجهه فشجَّه، فنظرت إلى الدماء تسيل على وجهه وهو في الشمس، فقرأ الكتاب وأَمَرَ له بحاجته وخلَّى سبيله.»٦٠
ولطالما أَكْرَمَ ضيوفه وجلساءه وعامَلَهم معاملةَ الأخ للأخ والصديقَ للصديق، روى ابن الجوزي أنه «سمر ضيفٌ عند عمر فاعتلَّ السراج فَذَهَبَ الضيف ليصلحه، فأمره عمر بالجلوس ثم قام فأصلحه، ثم عاد فجلس فقال: قُمْتُ وأنا عمر بن عبد العزيز وجلسْتُ وأنا عمر بن عبد العزيز، ولُؤْمٌ بالرجل أن يَسْتَخْدِمَ ضَيْفَه.»٦١

ولما رأى الناس كَرَمَ خُلُقه وشدة غيرته على مصالحهم واهتمامه بتثبيت دعائم العدل في مختلف الأقطار راحوا يطمئنون للحكم الأموي، فدخل الأعاجم زرافات ووحدانًا في الإسلام حتى قلَّ خراج الدولة، ورمى الثوارُ والخوارجُ والعصاةُ في البلاد سلاحهم وقالوا: لا يجوزُ قِتَال الإمام العادل.

توفيَ عمر بدير سمعان من أَعْمال حمص مسمومًا كما أجمع المؤرخون سنة ١٠١ﻫ/٧١٩م، ويقال: إن بني أمية هم الذين دبَّروا له هذه المكيدة؛ لأنه ضيَّق عليهم ووضع يده على ما اغتصبوه من الأموال والأملاك، فحزنت الأمة عليه ورثاه شعراؤها وأدباؤها كالفرزدق وغيره، قال الفرزدق:

كم مِنْ شريعةِ حَقٍّ قَدْ شَرَعْتَ لَهُمْ
كانت أُمِيتَتْ وأخرى مِنْكَ تُنْتَظَرُ
يا لُهْفَ نفسي ولُهْفَ اللاهفين مَعِي
على العدول التي تغتالها الحفرُ
لم يَبْكِ عمرَ المسلمون فحسب، بل بكاه المسيحيون من رَعِيَّتِه وأعدائه، قال أحد الأنباط: «أبكي على نورٍ كان في الأرض فطُفئ»، وقال أحد كبار البيزنطيين: «إني لست أَعْجب من الراهب أنْ أَغْلَقَ بابه ورَفَضَ الدنيا وترهَّب وتعبَّد، ولكن أعجب ممن كانت الدنيا تحت قدميه فرفضها وترهَّب.»٦٢
نَهَجَ بعض الخلفاء من أمويين وعباسيين منهج عمر؛ لأنه أصبح المثل الأعلى في العدل عندهم، وقد اشتهر من بني أمية بَعْدُ هشامُ بن عبد الملك، فراقَبَ أمور الدولة مراقَبةً شديدة، ووَضَعَ العيون والأرصاد في سائر الأمصار، فأحصى أعمال ولاته وحَفِظَ أقوالهم وأخبارهم، قال ابن قتيبة مبالِغًا: «فلا خبر يكون ولا قصة تَحْدُث في مَشْرِق الأرض ولا مَغْرِبها إلَّا وهو يُتَحَدَّث به في الشام وينظر فيه هشام، وقد أَقْصَرَ نَفْسَه على هذه الحال وحُبِّبَت إليه هذه الأفعال، فكانت أيامُه عند الناس أَحْمَدَ أيام.»٦٣
وكان هشام رجلًا عاقلًا مفكِّرًا، لا يَبُتُّ في أمرٍ قَبْل فَحْصه واختباره ومَعْرِفة ما يرمي إليه من النتائج، وقد وَصَفَ عقالُ بنُ شبَّةَ هشامًا بقوله: «دَخَلْتُ على هشام فَدَخَلْتُ على رجلٍ محشوٍّ عقلًا»،٦٤ وقال الطبري: «لم يكن أحدٌ من بني مروان أَشَد حصرًا في أَمْر أصحابه ودواوينه ولا أشد مبالغةً في الفحص عنهم من هشام»،٦٥ ويمتاز بدقة نظره وحُبِّه المفرط لجَمْع الأموال والاحتفاظ بها، حتى إنه نُعِت بالبخيل، تلك هي إصلاحات بني أمية، وكلها ترمي إلى العدل وإعلاء كلمة الحق كما رأيناه. ا.ﻫ.
١  الفخري، ص١١٥.
٢  البيان والتبيين، ج٣، ص٢٣٠.
٣  الأخبار الطوال، ص٣٢٨.
٤  الطبري، S2 V2، ص١١٧٧.
٥  الفخري، ص١١٣.
٦  المصدر نفسه، ص١١٤.
٧  ابن قتيبة، ج٢، ص٢٥.
٨  الطبري، S2 V2، ص١١٦٧.
٩  التنبيه والإشراف، ص٣١٧.
١٠  الطبري، S2 V2، ص١٢٧١. الفخري ص١١٥-١١٦.
١١  الفخري، ص١١٥-١١٦.
١٢  الطبري، S2 V2، ص١٢٧١.
١٣  المصدر نفسه، ص١٢٧١.
١٤  البيان والتبيين، ج١، ص٢١١.
١٥  الطبري، S2 V2، ص١٣٣٧.
١٦  ابن العبري، ص١٩٦.
١٧  التنبيه والإشراف، ص٣١٨.
١٨  الأصمعي، ص١١٦.
١٩  الطبري، S2 V2، ص١٢٧٣.
٢٠  العقد الفريد ج٣، ص١٦٨.
٢١  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص٣٢.
٢٢  المصدر نفسه، ص٣٢.
٢٣  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص٣٣.
٢٤  المصدر نفسه، ص٣٨.
٢٥  الطبري، S2 V3، ص١٣٤٨-١٣٤٩.
٢٦  المصدر نفسه، S2 V3، ١٣٤٨-١٣٤٩.
٢٧  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص٥٣-٥٤.
٢٨  الطبري، S2 V3، ص١٣٤٤-١٣٤٥.
٢٩  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص٥٣.
٣٠  المصدر نفسه، ص٥٤.
٣١  المصدر نفسه، ص٩٨.
٣٢  الأخبار الطوال، ص٣٣٣.
٣٣  العقد الفريد، ج١، ص١٦.
٣٤  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص٢٠٥.
٣٥  المصدر نفسه، ص٧٦.
٣٦  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص٩٣.
٣٧  المصدر نفسه، ص٨٦.
٣٨  المصدر نفسه، ص٩٥.
٣٩  وكتب عُمَرُ إلى سليمان بن أبي السري أن اعمل خانات في بلادك، فمن مرَّ بك من المسلمين فأَقْرُوهم يومًا وليلةً وتعهدوا دوابهم، فمن كانت به علة فأقروه يومين وليلتين، فمن كان منقطعًا فقَوُّوه بما يصل به إلى بلده. الطبري، S2 V3، ص١٣٦٤.
٤٠  الطبري، S2 V3، ص١٣٥٧.
٤١  المصدر نفسه، ص١٣٦٦.
٤٢  الطبري، S2 V3، ص١٣٦٦-١٣٦٧.
٤٣  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص١٠٣.
٤٤  الأخبار الطوال، ص٣٣٤.
٤٥  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص١١٥.
٤٦  المصدر نفسه، ص١٦٤.
٤٧  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص٢٣٨.
٤٨  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص١٠١-١٠٢.
٤٩  سورة النحل، الآية ٩٠.
٥٠  الفخري، ص١١٦–١١٩.
٥١  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص٧٩.
٥٢  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص١١.
٥٣  المصدر نفسه، ص١١.
٥٤  المصدر نفسه، ص٧١.
٥٥  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص١٢١–١٢٣.
٥٦  المصدر نفسه، ص١٢٥.
٥٧  الطبري، S2 V3، ص١٣٦٨-١٣٦٩.
٥٨  الطبري، S2 V3، ص١٠٧٠.
٥٩  المصدر نفسه، S2 V3، ص١٣٧١. وسورة الزمر الآية ١٠.
٦٠  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص١٧٧.
٦١  المصدر نفسه، ص١٧٣.
٦٢  سيرة عمر بن عبد العزيز، ص٢٨٩.
٦٣  ابن قتيبة، ج٢، ص٢٠٤–٢٠٦.
٦٤  الطبري، S2 V3، ص١٧٣١.
٦٥  المصدر نفسه، ص١٧١٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤