النتيجة: ٣١

عندما تعلَّقت عينا «أحمد» باللمبة الحمراء فوق باب حجرته، كانت أعين الشياطين جميعًا تتعلَّق بلمبات مُماثلة، داخل حجرة كلٍّ منهم. وفي لمحِ البصر، كانوا يأخُذُون طريقهم إلى قاعة الاجتماعات. لقد عرفوا أنَّ رقم «صفر» يدعوهم إلى اجتماع هام؛ ففي معظم الأحيان تكون الدعوة إلى الاجتماع عن طريق موسيقى هادئة، تَنبعِث من تلك الأجهزة السرية المثبتة في أسرَّة الشياطين … لكن، عندما يكون الاجتماع شديد الأهمية، فإن اللمبة الحمراء هي إشارة الدعوة …

التقَوا عند باب القاعة، غير أنَّ أحدًا منهم لم يَنطِق بكلمة، لقد كانت الجدية تُغطِّي وجوههم تمامًا، وعندما أخذوا أماكنهم في القاعة الواسعة، تعلَّقت أعينهم بذلك المكان، الذي يأتيهم منه صوت رقم «صفر».

فجأة، أضيئت الخريطة المُثبتة أمامهم، وظهرت التفاصيل، كانت الخريطة لبحر الشمال، وما حوله من دُوَل؛ المملكة المتَّحدة (إنجلترا)، وبلجيكا، وهولندا، والدانمارك، والنرويج … ومن مياه بحر الشمال الأزرق، خرج سهم أحمر رسم دائرة تركزت أمام الشاطئ الشرقي لإنجلترا، فعرف الشياطين أن مغامرتهم سوف تكون في تلك المنطقة، إلا أنَّ سهمًا أصفر خرج من اليابسة، ليرسم دائرة أخرى حول مدينة «ليدز» الإنجليزية، ثم فجأة، اختفَت تفاصيل الخريطة، وأصبحت المساحة رمادية …

التقت أعين الشياطين، وقبل أن يفكر أحد منهم في أي تعليق، ظهرت مباراة في كرة القدم، فوق الشاشة الخالية، ومعها ظهرت علامات الاستفهام على وجوه الشياطين، إلا أن صوت رقم «صفر» قطع عليهم حيرتهم قائلًا: إنها مباراة أقيمت منذ يومين على أرض ملعب مدينة «ليدز»، بين الفريق الدولي «جولدن ستارز» أو «النجوم الذهبية» وبين منتخب إنجلترا، وانتهت المباراة بفوز «الجولدن ستارز» بثلاثة أهداف، لهدف واحد، إنها مباراة تستحق المشاهدة، غير أن الظروف لا تسمح الآن بمشاهدتها كاملة، وسوف أترككم تشاهدون ثلث الساعة الأخير، ثم ما أعقبه بعد ذلك، وهو يستغرق عشر دقائق فقط، أرجو أن تكونوا متيقظين للدقائق العشر الأخيرة؛ فهي مهمتكم في النهاية!

صمت رقم «صفر»، واستغرق الشياطين في مشاهدة الجزء الأخير من المباراة، وكان فريق «الجولدن ستارز» يَلبس فانلات ذهبية اللون. ويلبس مُنتخَب إنجلترا فانلات زرقاء. كانت المباراة سريعة، مثيرة … وإن كان «الجولدن ستارز» يُهاجمون معظم الوقت، ويُحاصِرون المنتخب في نصف ملعبه، وظهرت النتيجة في الركن العلوي للشاشة، وكانت ثلاثة أهداف، للا شيء، وكان هذا يعني أن هناك هدفًا في الطريق. لكن، كيف يتحقق الهدف و«الجولدن ستارز» يُحاصِرون المُنتخَب!

لحظة، ثم أرسل قلب هجوم المُنتخَب كرة طويلة إلى الجناح الأيمن المتقدم، فتلقاها، وانطلق كالسَّهم في اتجاه مرمى «الجولدن ستارز»، وحانت لحظة التسجيل، لقد خرج حارس المرمى من مرماه، ليغلق الزاويتين أمام الجناح المتقدم، إلا أن الجناح كان أكثر ذكاء منه؛ فقد أرسل الكرة عالية من فوق رأس حارس المرمى، مُسجِّلًا هدف المنتخب الوحيد، وبسرعة انطلقت الكاميرا، تُسجِّل هياج المتفرجين الذين يشجعون منتخب بلادهم، كانت الكاميرا تقدم لقطة استعراضية بطيئة، لتُظهِر المدرجات، بحركة الجماهير فيها، ولفت نظر الشياطين تلك الحقائب البيضاء المرصوصة عند حافة أرض الملعب، إلَّا أن الكاميرا لم تتوقَّف فقد استمرت في حركتها … تنقل انفعالات المتفرجين، ثم انتقلت بسرعة إلى الملعب، لتسجل هجومًا سريعًا لفريق «الجولدن ستارز» على مرمى فريق المنتخب، وعندما أوشك الهجوم أن يصل إلى المرمى، أطلق حكم المباراة صفارته، فتوقف كل شيء.

أعقب ذلك مباشرة، تجمع فريق «الجولدن ستارز» في منتصف الملعب، ثم أخذ طريقه في شكل طابور إلى حيث المدرَّجات، ومرة أخرى ظهرت الحقائب البيضاء المرصوصة، وقف الفريق أمامها ثم رفع أياديه، يُحيِّي المُتفرِّجين، وفي نفس اللحظة ظهر رجل مُمتلئ الجسم، تقدم في اتجاه الحقائب، واقتربت الكاميرا أكثر لتنقل صورته بوضوح … كانت تعلو وجهه ابتسامة عريضة، وتوقف الرجل عند أول حقيبة، فأخذها وقدمها إلى أول لاعب … في نفس الوقت كان المذيع يصف اللحظة، إلا أنَّ صوته ضاع وسط ضجيج المتفرجين، فلم يسمع الشياطين شيئًا … تتالت عملية تسليم حقيبة إلى كل لاعب، واستطاع «أحمد» أن يقرأ ثلاثة حروف على الحقائب، كانت الحروف هي: «ي. ل. س» بالإنجليزية، وعرف أنها اختصارٌ لثلاث كلمات لم يشغل تفكيره فيها مؤقتًا. فقد ظلَّت عيناه معلقتَين بحركة تسليم الحقائب حتى إذا سلم الرجل إحدى عشرة حقيبة، انتهى الفيلم.

أضيئت القاعة، التي كانت قد أظلمت في البداية، فالتقَت أعيُن الشياطين تحمل علامات استفهام كثيرة، وكانت القاعة صامتة، تغرق في ضوء هادئ، وتَململَت «زبيدة» في مقعدها، ثم تنفست في عمق.

كان الشياطين ينتظرون صوت رقم «صفر»، إلا أنَّ الصوت لم يأتِهم، ومرَّت دقائق، كان كلٌّ منهم غارقًا في تفكيره، يُحاول أن يستعيد ما شاهده. وكان «أحمد»، قد أخذ يُفكِّر في الأحرف الثلاثة «ي. ل. س»، التي كانت مكتوبة بالإنجليزية ويُحاول أن يجد مُقابلها بالعربية.

فكر «أحمد»: إنَّ الحقائب تبدو هدية من إحدى الهيئات أو الشركات الإنجليزية، وهذه الأحرُف اختصارٌ لاسم الشركة، لكن أيُّ شركة هي، أو ما مجال عملها؟ ونظر حوله لحظة، يَرقُب تعبيرات وجوه الشياطين، وعاد مرةً أخرى يُفكر في تلك الهيئة أو الشركة التي قدَّمت الحقائب، وقال في نفسه: إنَّ أيَّة شركة، عندما تُقدم هدية، فلا بُدَّ أن تكون في مجال اختصاصها، ومن الضروري أن تكون هذه الحقائب هديةً من شركة تَعمل في نفس المجال، مجال تصنيع الحقائب مثلًا، أو صناعة الجلود!

بدأ يُفكِّر في اسم الشركة، إلا أنَّ صوت رقم «صفر» قطَع عليه تفكيره. قال رقم «صفر»: بعد دقيقة واحدة سوف أكون في الطريق إليكم!

أُطفئت القاعة مرةً أخرى، وظهرت الخريطة من جديد، وكانت الدائرة الحمراء فوق بحر الشمال، والدائرة الصفراء حول مدينة «ليدز»، وفكرت «إلهام»: لا بُدَّ أن هناك علاقة ما بين مدينة «ليدز» وبين المباراة، ليس لأنها أقيمت هناك، ولكن لأنَّ حَدَثًا ما قد وقع! وفكر «مصباح»: ترى، ما علاقة بحر الشمال بمدينة «ليدز»؟!

كان كلُّ واحد منهم يُحاول أن يجد علاقة بين تفاصيل الخريطة وبين مباراة كرة القدم، إلا أن «أحمد» كان يُفكِّر في علاقة من نوع آخر؛ علاقة الحقائب بالخريطة.

ارتفع صوت أقدام رقم «صفر» يقترب، ولم تَمضِ لحظات حتى توقَّف صوتُ الأقدام، وجاء صوت رقم «صفر»: لقد شاهدتُم الجزء الأخير من المباراة، وشاهدتم عملية تسليم تلك الحقائب البيضاء للاعبي «الجولدن ستارز». إنَّ الحقائب كما رأيتم إحدى عشرة حقيبة، وقد يُفكِّر أحدكم لماذا لم تُقدَّم حقائب إلى احتياطي الفريق؟! الطريف أن هذا الفريق ليس له احتياطي، إنهم أحد عشر لاعبًا فقط، وهم يلعبون هكذا منذ خمس سنوات دون أن يُصاب أحد منهم. هذه مسألة ليست هامة بالنِّسبة لنا في النهاية … إن المهم هو الحقائب التي قُدِّمت للفريق، والتي قدمتها شركة «اليونايتد ليدز كومباني» أو الشركة المتحدة للجلود!

صمت رقم «صفر»، قليلًا، في نفس الوقت الذي ابتسم فيه «أحمد»، وهو يقول لنفسه: تمامًا كما فكرت، إنَّ «ي» هي الحرف الأول من يونايتد، و«ل» هي الحرف الأول من «ليدز»، و«س» هي الحرف الأول من «كومباني»، هو «سي» بالإنجليزية.

قطع تفكيرَ «أحمد» صوتُ رقم «صفر» يقول: أعتقد أن ما تُفكر فيه صحيح. إن ابتسامتك تقول إنك توقَّعت ذلك عندما قرأت الأحرف الثلاثة على الحقائب! وسكت لحظة، كانت كافية لينظر الشياطين إلى «أحمد»، وقال رقم «صفر»: إن المقر الرئيسي لفريق «الجولدن ستارز» هو مدينة «ليفورنو» الإيطالية، التي تقع على خليج «جنوة»، والفريق يُغادِر مقره حسب تعاقداته، فيلعب في الدول التي تطلبُه ثم يعود إلى مقرِّه مرةً أخرى، ولقد خرج الفريق من مدينة «ليدز» الإنجليزية يَحمل تلك الحقائب التي قُدمت له هدية من «اليونايتد ليدز كومباني»، وغادر إنجلترا كلَّها بحقائبه، وعندما نزل في مطار «جنوة» الإيطالي اكتشف ضياع إحدى هذه الحقائب، وفي نفس الوقت أبلغَت «الفوتشر سيتيز كومباني»، أو شركة «مدن المستقبل»، أن خطتها لإقامة أول مدينة في قاع بحر الشمال قد نُقِلت عن طريق تصويرها!

أضيئت لمبة زرقاء في طرف شاشة الخريطة، فصمت رقم «صفر» لحظة ثم قال: هناك رسالة ما! وأخذت أقدام رقم «صفر» تَبتعِد شيئًا فشيئًا حتى اختفت تمامًا. وظل الشياطين يتأملون خريطة بحر الشمال، لكن الخريطة لم تستمر طويلًا، فقد اختفت لتظهر مكانها خريطة أخرى تضم أوروبا كلها، ومن «إنجلترا» خرج سهم أحمر يُحدِّد رحلة الطائرة التي أقلَّت فريق «الجولدن ستارز» إلى مدينة «جنوة»، ومضت الدقائق ثقيلة بطيئة حتى عاد رقم «صفر» ليقول: لقد جاءنا تقرير شديد الأهمية الآن يقول: إنَّ خطة «الفيوتشر سيتيز» قد هُرِّبت في الحقيبة التي اختفت في مطار «جنوة».

صمت قليلًا، ثم عاد يقول: إنَّ عصابة «الورلد ماسترز» أو سادة العالم استطاعت أن تقوم بتصوير الخطة التي ظلَّت شركة «الفيوتشر سيتيز» تعمل فيها أكثر من عشر سنوات، وحتى تضمن خروج الفيلم الذي صوَّرته كانت قد أعدَّت خطةً كاملة، فاستدعت فريق «الجولدن ستارز» ليلعب في «ليدز»، ثم قدَّمت له تلك الحقائب الجلدية البيضاء التي تُشتهر بها شركة «ليدز يونايتد»، وفي جيب سرِّي في إحدى هذه الحقائب أخفَتِ الفيلم ثم قدَّمت هداياها. وفي نفس الوقت كان هناك فريق من المراقبين. يتتبَّعون «الجولدن ستارز»، وبالطبع إن الشرطة الدولية وشرطة المطارات في أي دولة من دول العالم لا تشكُّ لحظة في فريقٍ رياضي، لذلك خرج الفيلم من «إنجلترا» دون أن يلفتَ نظر أحد، ثم اختفت الحقيبة وبها الفيلم، وقد يكون اختفاؤها في الطائرة وقد يكون بعد نزول الطائرة مطار «جنوة». إن الجريمة قد ارتُكبَت أمس، والآن تستطيعون أن تقوموا بمهمتكم قبل أن تجد العصابة فرصة أوسع للتصرُّف.

صمت رقم «صفر» قليلًا، وأخذ يقلب بعض الأوراق التي كان صوتها يصل إلى الشياطين، ثم قال: إنَّ مقرَّ شركة «اليونايتد ليدز» في مدينة «ليدز» يقع في الشارع السادس والخمسين، والرجل الذي قدَّم الحقائب والذي شاهدتُموه في الفيلم يُدعى «بول كاتيفي»، ويعمل مديرًا للشركة. إن التقارير التي وصلت إلينا من عملائنا تقول إنَّ أحد رجال العصابة قد اتَّفق مع «كاتیفي» على تقديم هذه الحقائب، ولذلك فإنَّ «كاتیفي» يُعتبَر عاملًا هامًّا في التوصُّل إلى بداية الخيط، ولهذا فإنه يخضع لحراسة مشدَّدة من شرطة «ليدز» خوفًا من اغتياله بيد العصابة التي لا تتراجع طبعًا عن تنفيذ ذلك، ما دام يُمكن أن يُؤدِّي إلى شيء!

مرةً أخرى أضيئت اللمبة الزرقاء، كانت هذه المرَّة شديدة التوهُّج، حتى إن رقم «صفر» قال: إنها رسالة على جانب كبير من الأهمية!

تباعد صوت أقدام رقم «صفر»، وغرق الشياطين في الصمت، وكانت الخريطة لا تزال مضاءة، وكانت أعينهم معلَّقة بها. لقد كان كلٌّ منهم يُفكِّر بطريقته في تلك المغامرة الجديدة. وانقضَت دقائق دون أن ينطق أحدٌ بكلمة حتى أخذت أصواتُ أقدام رقم «صفر» تظهر شيئًا فشيئًا حتى توقفت، ومرَّت لحظة قبل أن ينطق بكلمات قليلة: للأسف خبر سيِّئ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤