سهرة … في ملهى الويست

فكَّر «أحمد» بسرعة: هل نَدخل الفيلَّا الآن أم ننتظر؟! غير أن «فهد» أوشك أن يتحرك فأمسك «أحمد» بيده قائلًا: ليس الآن! وظلَّا يرقبان الفيلَّا من بعيد.

مرت لحظات ثم ظهر «رشيد»، كان يَمشي في خطوات بطيئة، وفجأة ظهر رجل في الشارع متجهًا إلى «رشيد»، الذي ظل يتقدم دون أن يعيره أي اهتمام، واقترب الرجل أكثر، وشاهدت المجموعة «أ» ما جعلها تُفكِّر في الحركة، إلا أن «رشيد» أشار إشارة سريعة جعلت الاثنَين لا يتحرَّكان، كان الرجل يتحدث إلى «رشيد»، فقال «أحمد»: يبدو أنه أحد رجال الشرطة السرِّيِّين!

جاءت رسالة سريعة من «قيس»: يَنبغي أن تبتعد عن المكان. إنني أُحاول أن أخرج دون اشتباك! فنقل «أحمد» الرسالة إلى «فهد»، ثم بدَآ يتحركان، وفي نفس الوقت كان الرجل قد أنهى حديثه مع «رشيد»، الذي أخذ طريقه مبتعدًا عنهما.

كان «أحمد» يرقب «رشيد» بطرف عينَيه حتى يعرف اتجاهه بالتحديد، واختفى «رشيد» فأسرع «أحمد» و«فهد» في سيرهما، وعندما دخلا شارعًا جانبيًّا كان «رشيد» يبدو في الضوء وهو يتحرَّك في هدوء، فأسرعا إليه حتى لحقا به، فأسرع يقول: إنه أحد رجال الشرطة السريين! ولم يُعلِّق أحدٌ منهما، وساروا في اتجاه المقر السري.

نظر «أحمد» في ساعته وكانت تقترب من العاشرة، وسأل «رشيد»: هل نترك «قيس» وحده؟! فأخبره «أحمد» بالرسالة التي وصلتْه.

ظل الثلاثة يتقدمون، غير أن «أحمد» توقف فجأة وقال: استمرَّا إلى المقر، وسوف أذهب إلى ملهى «الويست»! فسأل «رشيد» عن السبب، فأخبره «أحمد» بما دار مع «موجا».

كان ملهي «الويست» يقع في نفس الحي، فتركهما «أحمد» وأسرع إلى المَلهى، ولم يمشِ كثيرًا حتى ظهرت الأضواء الساطعة، وقرأ اللافتة التي تعلو الملهى، وكان الرواد قليلون حوله، وقال «أحمد» في نفسه: إن معظمهم من خارج المدينة، وهم في الغالب من السياح!

اقترب في هدوء ثم دخل، وكانت هناك طرقة طويلة هادئة الضوء، ظل يمشي فيها وكانت هناك موسيقى صاخبة تصل إليه. فوقف عند باب دخول الصالة لحظة، كان يُحاول أن يرصد المكان جيدًا فربما حدث شيء … وخطا أول خطوة إلى الداخل. كانت سحبُ الدخان تملأ الصالة حتى إنها كانت تُؤثِّر على درجة الإضاءة.

أسرع أحد الجرسونات إليه وهو يبتسم ابتسامة واسعة، ثم سأله: أنت وحدك يا سيدي!

أجاب «أحمد»: أريد السيد «موجا»! وتغيَّرت تعبيرات الرجل. حتى إن «أحمد» حاول أن يُخفي ابتسامته.

قال الرجل بعد لحظة: تفضَّل. ومشى أمامه حتى وقف عند منضدة مُنفردة، ثم قال: تفضَّل سوف أتغيب لحظة واحدة. وانصرف الرجل، فجلس «أحمد».

كانت هناك فرقة راقصة فوق «البيست» تَرقُص رقصًا غريبًا على موسيقى صاخبة جدًّا. وكان الروَّاد يَملئون المكان … وفجأة سمع «أحمد» صوتًا قريبًا من أذنه، حتى إنه التفت بسرعة. وكان الصوت لفتاة جميلة قالت مُبتسِمة: هل تشرب شيئًا؟

ابتسم «أحمد» وقال: إنني في انتظار السيد «موجا»، ولم يرفع عينيه عن وجهها؛ لقد كان يريد أن يعرف ماذا يفعل اسم «موجا»؛ فقد انسحبت ابتسامتها وقالت: إذن سوف تَشرب شيئًا!

قال في هدوء: أريد كوبًا من العصير.

قالت بصوتٍ هادئ تمامًا: هل تُفضِّل نوعًا معينًا؟

ابتسم وهو يقول: لا، أي نوع تختارينه! ولم يَكد ينتهي من جملته حتى ظهر الرجل الأول وكان يقترب بسرعة، حتى إن الفتاة ظلت في مكانها حتى وقف أمام «أحمد» مُنحنيًا، وقال بجدٍّ شديد: إن السيد «موجا» في انتظارك.

وقف وهو يُفكِّر بسرعة، إن الطريقة التي تحدث بها الرجل، ثم كلمة السيد «موجا» قد دلت على شيء؛ إن «موجا» شخصية هامة في الملهى، وتبع الرجل حتى خرج من الصالة ومشى في طُرقة طويلة انتهت بطريقة غير متوقَّعة؛ لقد توقف الرجل أمام جدار الطرقة … ثم ضغط زرًّا غير واضح فانفتح الجدار وظهر ضوءٌ شاحب. وأشار الرجل ﻟ «أحمد» بالدخول فدخل، ثم أغلق الجدار ولم يتبين «أحمد» شيئًا في بداية الأمر، غير أن صوتًا خشنًا جاءه يقول: تفضَّل أيها السيد «بوجامي».

فكَّر «أحمد» بسرعة: كيف عرَف اسمي؟! وتقدم في هدوء خلف الرجل؛ فقد بدأ يتحقَّق مما حوله. كان الرجل الذي يسير أمامه ضخمًا بطريقة لافتة للنظر، في نهاية الخطوات القليلة التي مشاها فُتح بابٌ فظهر ضوء قويٌّ جعله يَفقِد القُدرة على النظر للحظة، فتوقَّف مكانه وقد أغمض عينيه، إلَّا أنَّ ضحكة مرتفعة جعلته ينتبه وفتح عينيه وتقدم … كان «موجا» يقف أمامه. أنيقًا تمامًا، حتى إنه لم يعرفه في البداية.

ضحك «موجا» وقال: ما رأيك؟ أشكُّ أنك عرفتني. فابتسم «أحمد» وقال: هذا صحيح!

موجا: أين الزملاء؟ إنني لم أَدعُكَ وحدك! ابتسم «أحمد» وقال: إنهم في انتظار دعوتي لهم!

ضحك «موجا» بعنف وقال: مِن الضروري أنك ظننتَ أنني أحد العُمال هنا! واستمر في ضحكِه، ثم قال: إنني مدير «الويست»، ولا يتحرَّك شيء هنا بدون إذن مني!

ابتسم «أحمد» ثم قال: الحقيقة أنني لم أكن أتوقع ذلك!

موجا: تمامًا كما فكرت. هيه. ما رأيك؟ ثم بعد لحظة وقبل أن يفتح «أحمد» فمه قال: هيَّا اجلس، سوف تقضون سهرة مُمتعة!

جلس «أحمد» في مقعد وثير، وفي نفس اللحظة دق جرس التليفون، فرفع «موجا» السماعة وبدأ يتحدث. وكانت هذه فرصة حتى يلمَّ «أحمد» بتفاصيل المكان. كانت حجرة مكتب غريبة، مزدحمة بأجهزة غير مفهومة، يتوسطها جهاز تليفزيون ضخم، وكانت مُضاءة بطريقة غير مباشرة، حتى إن «أحمد» ظلَّ يبحث بعينيه عن مصادر تلك الألوان المختلطة من الضوء … واستغرق «موجا» في الحديث التليفوني بصوتٍ مُرتفِع، واستطاع «أحمد» أن يستمع لبعض الكلمات ثم انصرف عن سماع ما يقال. لقد كانت كلمات خاصة بالعمل.

فجأة لمعت شاشة التليفزيون، وظهرت صالة مزدحمة بالناس، وفرقة راقصة، ولفت نظر «أحمد» أن الفرقة كانت ترقص نفس الرقصة التي شاهدها عندما دخل. ظلَّ يرقب الشاشة، ثم ملأت الدهشة وجهه؛ فقد رأى الرجل الذي تحدَّث إليه عند أول دخوله، ثم ظهرت الفتاة وهي تمرُّ بسرعة تحمل طلبات الزبائن. عرف أن «موجا» يُشاهد ما يدور في الصالة من خلال دائرة تليفزيونية خاصة بالملهى.

وعندما انتهى «موجا» من محادثته قال ﻟ «أحمد»: ما رأيك؟!

ابتسم «أحمد» قائلًا: رائع!

قال «موجا»: أريك شيئًا آخر، وضغط زرًّا فانقسمَتِ الشاشة أمامه إلى قسمين؛ كانت الصالة في قسم، وكان باب الملهى في القسم الآخر. وضحك «موجا» وقال: من هنا أستطيع أن أرى كل شيء! وضغط زرًّا ثانيًا فظهر المطبخ، ثم زرًّا ثالثًا فظهرت غرف الفنانين. وقال «موجا»: ما رأيك؟! ألَّا تدعو الأصدقاء الآن؟!

فكر «أحمد» بسرعة ثم قال: نعم سوف أدعوهم!

موجا: إليك التليفون!

قال «أحمد» بسرعة: أُفضِّل أن أذهب إليهم فأُبدِّل ملابسي للسهرة!

فكر «موجا» قليلًا ثم قال: كما تُحب. هل تحتاج سيارة؟

رد «أحمد» بسرعة: لا داعي!

تحدَّث «موجا» بكلمات سريعة فانفتح الباب، وقال: إنني في انتظاركم!

خرج «أحمد» بسرعة فوجد الرجل العملاق يقف عند الباب فمشى وراءه، لكن الرجل لم يمش في نفس الطريق الذي دخل منه؛ لقد اتجه إلى اتجاه آخر. ثم فجأةً وجد نفسه أمام باب صغير، فُتح فظهر الشارع، وانحنى العملاق أمام «أحمد»، الذي خطا إلى الخارج وأسرع مبتعدًا؛ فقد كان يشعر أن هناك عيونًا خلفه ترصُد خطواته.

ما إن وصل إلى أحد الشوارع الجانبية حتى اختفى داخله، كان يُفكِّر بسرعة؛ لقد فهم الآن كيف عرف العملاق اسمه؛ إن «موجا» قد رآه على الشاشة فعرفه، لكن ما هي حكاية «موجا»! هل يكون واحدًا من عصابة «سادة العالم»؟ وإذا كان منهم فكيف يُظهِر كل شيء أمام «أحمد»؟ كانت عشرات الأسئلة تدور في رأسه وهو لا يصل إلى إجابة فيها.

أخيرًا قال لنفسه: إن الليلة سوف تَكشِف كل شيء!

كان يمشي بخطوات بطيئة حتى يعطي نفسه فرصة التفكير في الموقف كله، فكَّر هل يذهب إلى المقر السري؟ خشيَ أن يكون هناك من يرصده! هل يتصل بالشياطين ويطلب منهم أن يُقابلوه في مكان ما؟ في النهاية قرر أن يذهب إلى المقر بعد أن يدور حوله فيسلك طرقًا مُختلفة.

وفجأة وصلته رسالة: من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س». الذراع لم تَصِل بعد! فهمَ ماذا يقصد الشياطين، فأرسل رسالة لهم: إنني في الطريق إلى هناك!

أخذ طريقه إلى شارع «١٣»؛ حيث يوجد بيت «بول كاتیفي». فإنَّ «قيس» لم يَعُد بعدُ، وهو المقصود بكلمة الذراع.

كانت الشوارع تكاد تكون خالية، حتى إن صوت حذائه كان يقطَع الصمت الذي تغرق فيه، فأبطأ من خطواته قليلًا … كانت الفيلَّا تظهر من بعيد. وكانت بقعٌ من الضوء تتحرَّك في حديقتها، ففكَّر بسرعة ثم أسرع في مشيته، وعن طريق صوتِ خطواته فوق أسفلت الشارع أرسل رسالة إلى «قيس». كانت الرسالة تقول: إنني قريبٌ منك؛ النسور مُستعدُّون!

أبطأ في خطواته ليعطيَ فرصة ﻟ «قيس» إن كان يستطيع أن يردَّ، واقترب أكثر من الفيلَّا حتى أصبح أمامها تمامًا، ثم انحنى وكأنه يَربط حذاءه، وبطرف عينيه كان يحاول أن يرصد حركة الأضواء في الحديقة، وفي نفس الوقت يُحاول أن يسمع شيئًا. إلَّا أنه في النهاية لم يصل إلى شيء، حتى سمع وقع خطوات تقترب فظلَّ يتصنَّع ربط حذائه. توقفت الخطوات بجواره تمامًا، فرفع عينيه ثم وقف في هدوء حتى أصبح وجهُه ملاصقًا لوجه الرجل الذي سأله: ماذا تفعل؟

ابتسم «أحمد» وهو يقول: كما رأيت!

فسأل الرجل: هل معك ما يُثبِت شخصيتك؟

ودون أن يرد أخرج بطاقته فأخذها الرجل وقرأها، ثم سلمها إليه وقال: شكرًا، تفضَّل!

انصرف «أحمد» بهدوء، وعرف أنه لن يستطيع عمل أيِّ شيء الآن بعد أن عرف أن رجال الشرطة السرِّيِّين يَحُوطون الفيلَّا، وأسرع إلى المقر السري، وما إن دخل حتى التفَّ حوله الشياطين يسألونه، فقصَّ عليهم كل شيء، ثم قال في النهاية: ينبغي أن نسهر الليلة في ملهى «الويست» ونترك رسالة بمكانِنا ﻟ «قيس»!

أسرع الشياطين يرتدون ملابس السهرة، ثم انصرفوا بسرعة، وعندما وصلوا إلى ملهى «الويست» كان أحد الرجال في انتظارهم، فتقدمهم إلى الصالة حيث وجدوا منضدة محجوزة في انتظارهم، وكان فوق المنضدة ورقة بيضاء مكتوب عليها: مرحبًا بالأصدقاء إمضاء «موجا» … جلس الشياطين وأشار «أحمد» إلى الرجل: وهل يُمكن أن أرى السيد «موجا»؟ فابتسم الرجل وهو يقول: إن السيد «موجا» سوف يأتي بنفسه ليُرحِّب بكم!

انصرف الرجل فأسرع أحد الجرسونات إليهم، وانحنى عند أذن «أحمد» يهمس: العشاء!

فرد «أحمد»: سوف نَنتظِر حتى يأتي السيد «موجا»!

انصرف الجرسون واستغرق الشياطين في مشاهدة الاستعراض الذي يقدم في هذه اللحظة، ومرَّت نصف ساعة والبرنامج الفني مُستمرٌّ، غير أن «موجا» لم يظهر بعد.

فجأة اقترب الجرسون بسرعة وانحنى عند أذن «أحمد» وهو يقول: هناك مَن يسأل عنك!

فقال «أحمد» بسرعة: دعه يتفضَّل!

انصرف الجرسون وتبعته عينا «أحمد» الذي أبصر «قيس» يَدخُل ورآه الشياطين جميعًا، وظهر الارتياح على وجوههم. اقترب «قيس» في هدوء، ثم جلس على كرسي بجوار «رشيد» ولم تمضِ لحظات حتى كان «موجا» يأخذ طريقه إلى حيث يجلس الشياطين.

وقف «أحمد» يُحيِّيه ويُقدِّم إليه بقية الشياطين، غير أنَّ الدهشة ملأت وجه «قيس»، حتى إن «أحمد» الذي لاحظ ذلك تساءل بينه وبين نفسه: ترى هل اكتشف «قيس» شيئًا؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤