نصف ساعة فقط!

اختفت مدينة «جنوة»، وأصبح واضحًا أنهم يتجهون إلى منطقة زراعية … كانت الحقول ممتدة حتى آخر البصر، واللون الأخضر يلمع تحت أشعة شمس الصباح، كان الشياطين يفكرون، غير أن كُلًّا منهم كان ينظر في اتجاه مختلف … فجأة جاء صوت «موجا»: معذرة أيها الأصدقاء سوف نفترق الآن ونَلتقي آخر النهار.

لم يكد ينتهي من جملته حتى ظهر تقاطُع في الطريق استمرَّت فيه سيارة «موجا»، بينما دخلت سيارة الشياطين طريقًا جانبيًّا، وما إن تقدَّمت السيارة قليلًا حتى ابتسم «أحمد»، ولاحظ الشياطين ذلك … ظلَّت السيارة في تقدمها حتى لاحت من بعيد فيلَّا بيضاء اللون يُحيطها اللون الأخضر من كل اتجاه.

ابتسم «أحمد» مرةً أخرى، ثم قال: إنه مكان رائع، أرجو أن نقضي فيه وقتًا ممتعًا … ولم يفهم الشياطين ماذا يقصد «أحمد».

ظلَّت الفيلَّا تَقترِب حتى أصبحت السيارة أمام بابها تمامًا، فضغط السائق الذي لم يَنطِق بكلمة منذ أن ركبوا معه كلاكس السيارة، فانفتح الباب وحده، تقدمت السيارة حتى دارت فوق طريق علويٍّ يُؤدِّي إلى باب الفيلَّا مباشرة ثم توقَّفت، وفي لحظة كان أكثر من رجل قد ظهر … وعندما نزل الشياطين اقترب «أحمد» من السائق ليشكرَه، إلا أن الرجل انطلق بالسيارة، وقال أحد الرجال: إنه أصمُّ أبكم!

دخل الشياطين الفيلَّا، وكانت فاخرة الأثاث. تقدم منهم رجل وقال: إنني «مودي» المسئول عن الفيلَّا. لقد وصلتنا أوامر السيد «موجا». إنني تحت أمرِكم!

شكره «أحمد» وقال: هل نستطيع أن نأخذ الشاي في الشرفة؟ فظهرت الدهشة على وجه «مودي»، حتى إن الشياطين نظروا إلى «أحمد»، وقال «مودي»: هل تعرف الطريق يا سيدي؟

ابتسم «أحمد» وقال: طبعًا لا. غير أنني أعرف أن أيَّ فيلَّا لا بُدَّ أن تكون لها شرفة!

فهزَّ «مودي» رأسه مُبتسمًا ثم قال: تفضَّلوا! وتقدَّمهم فساورا خلفه حتى دخلوا شرفة واسعة. أخذ كلٌّ منهم مكانه، فقال «مودي»: لحظة واحدة!

عندما انصرف تحدث «أحمد» بلغة الشياطين: إنني أعرف كلَّ مكانٍ هنا، لقد جئتُ هذه الفيلَّا قبل ذلك، ويبدو أن «موجا» عضوٌ جديد في العصابة، إنه حظنا الحسن في النهاية!

فهد: يجب أن نتحرَّك.

قيس: إن الوقت يمر وليس هذا في صالحنا.

ريما: أعتقد أن «أحمد» قد توصل إلى شيء.

رشيد: لماذا هذا الصمت؟

ابتسم «أحمد» قائلًا: إنني أنتظر اقتراحاتكم!

كانت هناك خُطوات تَقترِب، فغيَّر «أحمد» موضوع الحديث قائلًا: سوف أكون سعيدًا إذا خرجنا في جولة حرَّة بين الحقول! وكان «مودي» قد وصَل وسمع طرفًا من الحديث، فابتسم قائلًا: يُمكن أن نرسل معكم أحد المرشدين!

صمت «أحمد» قليلًا ثم قال: لا بأس.

جاء الشاي فشربوه بسرعة، ثم استعدُّوا للخروج … عندما بدءوا ينزلون السلم ظهر رجل رشيق قدمه «مودي»: إنه «كيد» … الذي سوف يصحبكم.

اتجهوا إلى الخارج، وكانت السيارة واقفةً أمام الفيلَّا، فرفع «أحمد» يده بالتحية للسائق فابتسم … قال ﻟ «كيد»: هل تصحبُنا السيارة؟ فربما طال بنا السير!

قال «كيد»: مُمكن طبعًا!

ساروا وسارت السيارة خلفهم، كان الجو ممتعًا، نظر «أحمد» إلى «قيس» ثم قال: هل تُسابقني؟ فهِم «قيس» ما يُريده «أحمد»، فقال: يُمكن أن نتسابق نحن الأربعة بينما «ريما» تركب السيارة!

اصطفُّوا بجوار بعضهم، ثم قال «كيد»: سوف أُشير إليكم ببداية السباق عندما تَنزل يدي! ورفع يده ثم أنزلها، فانطلَقَ الشياطين. وركبت «ريما» في الكرسي الخلفي، بينَما جلس «كيد» بجوار السائق … كان الشياطين ينطلقون بسرعة، فأسرعت السيارة حتى أصبحت خلفهم. كان «أحمد» في المقدِّمة يليه «رشيد»، ثم «قيس» و«فهد» معًا … لم يكن هذا الترتيب لسُرعة «أحمد» و«رشيد» في الجري، لقد كانوا يُرتِّبون عملية أخرى.

فعندما ابتعدوا عن الفيلَّا وأصبحوا قريبين من مُفترَق الطرق الذي اختفت فيه سيارة «موجا» وقع «فهد» على الأرض صارخًا، حتى إن السيارة لحقت به بسرعة فنزل «كيد» والسائق و«ريما»، بينما اقترب «قيس». وعندما انحنى «كيد» والسائق ليَحملا «فهد» الذي كان يصرخ من ألم في رجله قفَز قفزةً قوية وضرب الرجلين معًا. في نفس اللحظة كان «قيس» يتلقى «كيد» ثم لكمه لكمةً قوية جعلته يترنَّح، بينما كان «فهد» يدور دورة كاملة ثم يضرب السائق بشدة حتى صرخ، وفي لمح البصر كان «كيد» والسائق مربوطَين بالحبال، وبسرعة جر «فهد» السائق كما جرَّ «قيس» «كيد» وأخفوهما بين الزرع. وعندما ظهرا مرة أخرى كان «أحمد» يجلس إلى عجلة القيادة بينما قفز بقية الشياطين إلى داخل السيارة التي انطلقت تُسابق الريح.

قال «أحمد»: إننا نقترب من لحظة الصدام! لم يردَّ أحد بكلمة. لقد كانوا جميعًا في حالة انتظار لهذه اللحظة التي سوف تُنهي المغامرة. ومن بعيد ظهرت قلعة قديمة ذات أبراج عالية قال «أحمد»: سوف نَنزل الآن. فمن المؤكَّد أنهم يراقبوننا!

أوقف السيارة ثم نظر حوله. كانت هناك مجموعة من الأعشاب الطويلة فاتجه ناحيتها ثم دار حولها وأوقف السيارة فغادرها الشياطين وأسرعوا في طريقهم إلى حيث تقع القلعة. قال «فهد»: ينبغي أن نتفرق حتى نستطيع الحركة أكثر. فتفرقوا في شكل قوسٍ، طرفاه «أحمد» و«قيس». وكانت النباتات العالية في الطريق فرصة طيبة حتى يستطيعوا التقدم دون أن يَنكشفُوا.

فجأةً لاحظ «أحمد» أن هناك أسلاكًا ممتدة بين النباتات توقف أمامها ثم أرسل رسالة سريعة إلى «ش. ك. س»: أمامكم أسلاك إنذار. واستمر في التقدم، ولم يكن يظهر أحد … فلقد أصبحت القلعة قريبة حتى رأى الشياطين تفاصيلها الخارجية، فجأةً فُتحت الأبواب، غير أن أحدًا لم يخرج منها. توقف الشياطين لحظة ينتظرون ما سوف يحدث. خرج بعض الرجال واختفوا خلف القلعة. فكر «أحمد»: من المؤكَّد أن هناك أجهزة للرصد.

أرسل رسالة سريعة: علينا بالدوران حول القلعة. فنفَّذ الشياطين الرسالة. وعندما أصبحوا خلفها شاهدُوا الرجال يتَّجهون إلى أعماق المزورعات، فأخرج «أحمد» نظارته المكبِّرة ثم استعرض الاتجاه الذي يتجه إليه الرجال، كان هناك مطار صغير تقف فيه طائرة هليكوبتر. لحظة ثم بدأت مروحة الطائرة في الدوران بينما كان الرجال يقتربون منها. أرسل «أحمد» رسالة سريعة: علينا بالهجوم قبل أن يَركبوا الطائرة. وجاءته الرسائل مباشرة: نحن على نفس الخط!

تقدم الشياطين بسرعة، وكان الرجال الأربعة يتقدمون في هدوء. تجاوزهم الشياطين وأصبحوا يقطعون الطريق مُختفِين وسط النباتات المرتفعة. كانوا قد تجمَّعوا في مجموعتين على جانبي الطريق، وأرسل «أحمد» رسالة: الهجوم عند الإشارة!

اقترب الرجال أكثر، فأرسل «أحمد» إشارة الهجوم.

وفي لحظة كان أربعة من الشياطين يَطيرُون في الهواء ثم ينقضُّون فوق الرجال، بينما كانت «ريما» تقف في انتظار النتيجة، ووقَع الشياطين بالرجال على الأرض. ضرب «قيس» الرجل ضربةً جعلته يدور حول نفسه. وفي نفس الوقت كان «رشيد» قد ضرَب الرجل الآخر، بينما كان «فهد» قد أمسك أحدَهم بقوةٍ فضرَبَه، إلا أنه استطاع أن يفلت من الضربة.

استمرت المعركة عنيفة، ووضَح أن رجال العصابة قد شعروا بالتعب، وفجأةً صاحت «ريما»: هناك مجموعة أخرى! وكانت المجموعة مكوَّنة من ثمانية رجال.

تصرَّفت «ريما» بسرعة، فأخرجَت مسدَّسها، ثم أطلقت طلقة مخدِّرة أصابَت الرجل الذي يُصارع «أحمد» فسقط مباشرة. فعل «أحمد» نفس الشيء مع بقية الرجال، وأصبح الشياطين على استعداد للقاء المجموعة الجديدة.

كان من الضروري أن يعطوا لأنفسهم فرصة الصراع، فاستخدموا الطلقات المخدِّرة، فسقط ثلاثة وتوقَّف الباقون في فزع … فجأةً، انهالت طلقات الرصاص كالمطر، فأسرع الشياطين يُلقُون بأنفسهم بين النباتات حتى اختفوا، لكن الطلقات لم تتوقَّف، وابتعدوا عن أماكنهم، فسمع «أحمد» صوتًا يقول: المُهم أن نجد الفيلم!

زحف في هدوء يقترب من الصوت، فشاهد اثنَين يقتربان في حذر. ظلَّ يَرقُبُهما وتوقف صوت طلقات الرصاص، غير أن أصواتًا أخرى شدَّت سمعه. لقد كانت أصوات كلاب، وقال في نفسه: إنه لقاءٌ شَرِس! فأرسل إلى الشياطين: عليكم أن تتصدَّوا للكلاب.

زحف مقتربًا أكثر، وكان الرجلان يقتربان وهما يبحثان عن زميلهما الذي يَحمل الفيلم، وكان صوت الكلاب يقترب.

سأل أحد الرجلين: «ديك»، يبدو أن «جيم» قد اختفى نهائيًّا.

رد «ديك»: لا أظنُّ. لا بُدَّ أنه أصيب إصابة خطيرة يا «دان».

ظلَّا يزحفان، و«أحمد» يُراقبهما، ولاحظ «أحمد» أن صوت الكلاب بدأ يَتناقَص حتى انتهى، فقال «دان»: ما هذا؟ إنَّ الكلاب قد اختفت! ولم يردَّ «ديك» غير أنه فجأةً صاح: هذا هو «جيم»، اقترب «أحمد» بسرعة منهما، أخذا يُقلِّبان جيم ويبحثان في جيوبه، ثم صاح دان: لقد وجدتُه!

أخرج «أحمد» مسدَّسه، ثم أطلقَ طلقةً أصابت «دان»، ونظر إلى زميله، ثم سقط دون حركة. نظر «ديك» حوله كان يَبدو عليه الفزع. مدَّ يده وأمسك بعلبة الفيلم الصغيرة، إلَّا أنه ما كاد يفعل ذلك حتى كانت طلقة أخرى مُخدِّرة تأخُذ طريقها إليه. نظر لحظة ثم سقط.

زحف «أحمد» بسرعة حتى اقترب منهما، وأمسك بعلبة الفيلم فوضعها في جيبه، ثم أرسل رسالة إلى الشياطين: لقد استعدتُ الهدية!

فجاءه الرد: ولك عندنا هدية! ابتسم ثم زحف متجهًا إلى الشياطين. وعندما اقترب منهم همس: لا بُدَّ أن هجومًا شاملًا سوف يحدث الآن، لا بد أن نتحرك بسرعة!

فهد: اتجاهنا إلى القلعة في مصلحتنا!

قيس: هذا ما فكرتُ فيه!

بدأ الشياطين يزحفون، وتناهى إلى سمعهم صوت طائرة، فرفعوا وجوههم إلى مصدر الصوت. كانت هناك طائرة هليكوبتر تَقترب بسرعة دارت دورة كاملة فوقهم، ثم أخذت طريقها إلى القلعة. أسرعوا في زحفهم، غير أن «رشيد» قال: ينبغي أن نقطع الطريق جريًا. إننا بعيدون عن الأعين الآن!

ما كادوا يرفعون قاماتهم حتى عاد صوت الطائرة. فقال «أحمد»: الموقف صعب بالنسبة لنا. يجب أن نتفرَّق على أن نلتقي عند النقطة «ل»! وتفرق الشياطين مبتعدِين عن بعضهم!

إلا أن الطائرة أصبحت فوقهم تمامًا، وظلَّت تدور دون أن تَبتعِد عنهم. فجأةً سمعُوا صوتًا يقول: أيها الشباب، يجب أن تستسلموا، إنني أستطيع أن أنسفكم حيث كنتم! سوف أعطيكم فرصة أخيرة. إنكم لن تستطيعوا الخروج عن دائرة القلعة. سوف أمنحكم نصف ساعة للتفكير ثم أعود إليكم!

أخذ صوت الطائرة يبتعد شيئًا فشيئًا، رفع «فهد» عينيه في اتجاه القلعة، ثم قال: لقد نزلت الطائرة فوقها!

عقد الشياطين اجتماعًا وسط النباتات. كان لا بُدَّ من قرار سريع. قالت «ريما»: نتصل برقم «صفر»!

قيس: فلنأخُذ الاتجاه الآخر!

فهد: هذه فكرة طيبة!

رشيد: أعتقد أن الاتجاه الآخر مكشوف. إنَّ الموقف يحتاج إلى حيلة ما.

استغرق الشياطين في التفكير. إن أمامهم نصف ساعة يُقدِّرون فيها خطتهم. أخيرًا قال «رشيد»: ما رأيكم في مواجهتهم؟ إنَّ القاعدة تقول: إن الهجوم خير وسيلة للدفاع، فلماذا لا نفعل ذلك؟

لم يردَّ أحد من الشياطين مباشرة، غير أن أعينهم التي التقَت كانت تحمل الاتفاق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤