تمهيد

لعبت الصدفة دورًا كبيرًا في ظهور هذا الكتاب إلى النور؛ فمنذ ثلاثة عشر عامًا، كانت سو سكوت تبحث عن أَبْرَشِيَّة مناسبة تُجري فيها دراسة ديموغرافية متعمقة، واستقرت على بلدة بنريث بمقاطعة كمبريا. ولدى تحليلها سجلات الأَبْرَشِيَّة، توصلت إلى أن هذا المجتمع كان يعاني من أحد الطَّوَاعِين التي انتشرت نهايةَ القرن السادس عشر. إن نظرة واحدة إلى الحقائق كانت كافية لأن يدرك أي عالم بيولوجيا أن هذا لم يكن نوبة تَفَشٍّ لطاعون دَبْليٍّ (طاعون الغُدَد الليمفاوية) بحَسبِ الرأي التقليدي السائد عن سبب الطَّوَاعِين في أوروبا. بَيْدَ أنه كان لدينا برامج بحثية أخرى تحتاج إلى التعامل معها، ولم نَعُدْ إلى سؤال «ما سبَّبَ الطَّوَاعِين؟» لسنوات عديدة. هكذا بدأ التعاون بين باحثة في علم السكان وعالِم حيوان بارز، كُلٌّ بخبرته الخاصة. وقد أذهلَنا ما اكتشفناه ونحن نَسْبُر الأغوارَ أكثر فأكثر؛ إذ تأكدَتْ بقُوَّةٍ معتقداتُنا الأولية، وكانت أصداؤها واسعةَ التأثير.

كتبنا دراسة أكاديمية مفصلة باسم «بيولوجيا الطَّوَاعِين» غطَّت جوانب كثيرة خاصة بالموضوع، ولكَمْ أذهَلَنا ردُّ فعل وسائل الإعلام لدى نشر هذه الدراسة؛ فقد نُشِرَت التقارير في الصحف في كل أنحاء العالم، ودُعينا إلى لقاءات في محطات إذاعية في الكثير من البلدان المختلفة، وهاتَفَتْنا محطات التلفاز للاستفسار عن إمكانية تصوير فيلم، وانهالت علينا المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني التي تطرح أسئلة وتقدِّم اقتراحات. وكان من ضمن مراسلينا فتاة في الثانية عشرة من العمر، قالت إن أمها اقترحت عليها أن تراسلنا لتتأكد من أن الموت الأسود لن يعاود الظُّهور. اتصل أحد المحاربين القدامى من الشرق الأقصى ليقول إن كتيبته قد ضُربت بحمى نزفية فيروسية ولم يَنْجُ سِوَاهُ. يا لها من رواية مذهلة لتجربة شخصية مع هذا المرض اللعين! ووصف مراسل من مقاطعة كِنت انهيار الطريق الرئيسي على موقع مدفن الموت الأسود في بلدة بلاكهيث، فما كان من الشُّرطة المسلحة إلا أن أخلَتْ في عُجالة المنازلَ المجاورة من قاطِنيها بعد أن أعلنت عن وُجود خطر بيولوجي في المنطقة المتاخمة مباشرة. وكان لنا مراسَلات مطوَّلة مع كاتب سيناريو يعد سيناريو لفيلم روائي طويل يتناول فيروسًا تخيليًّا يطيح بمعظم البشرية. وقد رأى أن الطاعون النزفي «سيكون المرض الأمثل لموضوع قصته»، وأراد الحُصول على توقعات مفصلة لكيفية انتشار مثل هذا الوباء.

كل هذا كان في غاية الإثارة، وحفز قناعتنا بأن ثمة اهتمامًا عامًّا هائلًا على مستوى العالم بموضوع الطَّوَاعِين. وهذا الكتاب هو محاولتنا لسرد القصة وإشباع هذا التعطش للتعرف على أَشهر أمراض الماضي وأكثرها بشاعة، وعن أصدائه المحتملة في المستقبل.

نعترف بكل امتنان بالدعم والتشجيع اللذين نلناهما من أشخاص كثيرين جدًّا.

ونوجه التحية لدكتور جراهام تويج، أول من تعرف على أن الموت الأسود لم يَكُنْ طاعونًا دَبْلِيًّا؛ فقد كان دكتور جراهام صديقًا وفيًّا لسنوات عديدة.

دعمت الدكتورة ديبورا ماكنزي، المحرر الأوروبي لمجلة نيو ساينتيست، فكرتنا بأن الطَّوَاعِين كان سببُها من البداية في الواقع فيروسًا نزفيًّا، وقد ساعدتنا على أن نظل على علم بالتطورات الحديثة.

نوجه الشكر لحشد غفير من المراسلين في أنحاء العالم بعثوا إلينا برسائل عبر البريد الإلكتروني وخطابات ثمينة تحتوي على أخبار وتقارير وتعليقات وبيانات غير منشورة واقتراحات.

أطلعنا دكتور ستيفن دنكان بجامعة أكسفورد على تعقيدات (ومباهج) تحليل المتسلسلات الزمنية ثم أعدَّ كافة النماذج الرياضية في عملنا، ودون هذه المساعدة الجوهرية، ما كان ليخرج أي برنامج بحثي إلى النور.

قدمت السيدة جنيفر دنكان مساعدة لا تُقدر بثمن في قراءة وثائق مكتوبة بأسلوب للكتابة بخط اليد كان مُستَخدَمًا في القرنين السادس عشر والسابع عشر في أوروبا وفي ترجمة مقالات أصلية.

نُكِنُّ تقديرًا خاصًّا لسالي سميث، محرر نشر أول بمؤسسة وايلي للنشر، لدعمها هذا المشروع بكل إخلاص وحماس. نتقدم بالشكر أيضًا إلى كل من نيكي ماكجير، وجوليا لامبام، وجيل جيفريز لدعمهن المتَّقِد بالحماس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤