علي محمد الببلاوي

١٢٥١ﻫ–١٣٢٣ﻫ

هو السيد علي بن محمد بن أحمد المالكي الحسني الإدريسي، من قرية ببلاو التابعة لعمل ديروط الشريف من أعمال مديرية أسيوط، وُلِد بها في شهر رجب سنة ١٢٥١ﻫ، ونشأ بها فحفظ القرآن ومبادئ العلوم، وحضر للأزهر سنة ١٢٦٩ﻫ، فقرأ به على شيوخ وقته؛ كالشيخ محمد عليش، والشيخ منصور كساب، والسيد محمد الصاوي، والشيخ علي مرزوق، والشيخ إبراهيم السنجلفي، والشيخ أحمد الإسماعيلي، والشيخ محمد الإنبابي، والشيخ علي بن خليل الأسيوطي، وكان له به نوعُ اختصاص في الحضور، وصحِب مدة حضوره الشيخَ حسونة النواوي، فكانا يسكنان معًا، ويحضران معًا الدروس إلا في درس الفقه، فإن المترجَم كان مالكيًّا والشيخ حسونة النواوي حنفيًّا.

ولم يزل يجدُّ ويجتهد حتى تأهَّل للتدريس، فدرَّس بالأزهر والمسجد الحسيني الكتبَ المتداولة، وفي سنة ١٢٨٠ﻫ سافر للحجاز فحجَّ، ثم استُخدم بدار الكتب بالقاهرة مغيرًا، حتى كانت الثورةُ العرابية، واتجهت الأنظارُ لتنصيب المصريين في المناصب الكبيرة، فساعده صديقُه ومريدُه محمود سامي باشا البارودي على إقامته ناظرًا على هذه الدار سنة ١٢٩٩ﻫ فتمَّت له نظارتُها بعدما سعى كثيرون لها فلم يُوفَّقوا.

ثم لما هدأت الأمورُ وانتهت الثورة، كان المترجَم يتوقَّع القبضَ عليه كما فُعِل بكثيرين، للعلم بأنه من صنائع البارودي، ولكن الخديو السابق توفيق رأى الاكتفاءَ بفصله من دار الكتب وتعيينه خطيبًا في المسجد الحسيني، ثم جُعِل شيخًا لخدمة هذا المسجد في ثاني صفر سنة ٣١١ﻫ.

ولما غضب الخديو على السيد محمد توفيق البكري نقيبِ الأشراف وشيخِ الطوائف الصوفية، وأمره بالاستقالة من النقابة فاستقال، سعى للمترجَم صديقُه ورفيقه في الحضور الشيخُ حسونة النواوي وكان إذ ذاك رئيسًا لمجلس إدارة الأزهر قُبيل إقامته شيخًا عليه، فأمر الخديو بتعيين المترجَم نقيبًا للأشراف في ٦ شوال سنة ١٣١٢، فاعتنى بضبط مدخولها وجدَّد من أوقافها ستَّ دور بناها بجهة الحلمية، وصار يصرف الاستحقاقات في أوقاتها، وسُئل في رياسة الخدمة بالمسجد الحسيني. فقال: إن كانت النقابة تمنعني من خدمة سيدنا الحسين لا أقبلها، فأُبقيَ كما كان.

وأقام المترجَم في النقابة نحو ثماني سنوات يُجدِّد معالمَها ويُحيي ما درَس منها، حتى نُقل منها شيخًا للأزهر، وكان سبب ذلك أن الخديو انحرف عن شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري، وانتهى الأمرُ باستقالته يوم الأحد ٢ ذي الحجة سنة ١٣٢٠ﻫ، وأراد الخديو إعادةَ الشيخ حسونة النواوي أو تنصيب الشيخ محمد بخيت المطيعي فلم يوافق النظار على ذلك، فرشَّح الشيخ أحمد الرفاعي المالكي وأعلمه بذلك، وكادت تتمُّ له لولا عوارضُ اعترضتْ، ثم سعَى الشيخ علي يوسف — صاحب صحيفة المؤيد ومن أكبر المقربين من الخديو — للشيخ المهدي ابن العلَّامة محمد المهدي العباسي، فردَّ عليه بأنه لا يصلحُ لخموله وعدم توليته أمورًا قبل الآن، فأجاب بأنه وإن كان كذلك فهو من بيت علم وغنًى، تربَّى في نعمة فلا تطمح نفسُه لشيء مما في الأيدي، وتدرُّبُه على الأمور قريب مدرَك، فرضي الخديو به، ولكن النظار لم يوافقوه عليه لأمور نَقِمها عليه ناظرُ الحقانية مدة ما أقامه عضوًا بالمجلس الحِسبي، فحار الخديو وحنِق، وطلب دفتر أسماء العلماء فوقع نظرُه على اسم المترجَم فارتضاه وجنَح إلى توليته، ولم يكن خطَر على بال أحد، وساعد الشيخ علي يوسف على ذلك ليتمكن من ردِّ السيد محمد توفيق البكري إلى النقابة، فتمَّ له الأمر ورضي به النظارُ، وأُعيد البكري إلى النقابة مضافة إلى ما بيده من رياسة الطُّرق الصوفية، وصدَر الأمر في ٢ ذي الحجة بإقالة الشيخ سليم من الأزهر وتنصيب المترجَم، فلما ذهب لشكْر الخديو كالعادة استصحب معه ولدَه الأصغر السيد محمود، والتمس إقامتَه شيخًا على المسجد الحسيني بدله، كما أُقيم أخوه الأكبر السيد محمد قبله خطيبًا له، فقُبِل ملتمسه وأُجيبتْ رغبتُه.

وكان الخديو في ذلك الحين منحرفًا عن الشيخ محمد عبده مفتي مصر والعضو بمجلس إدارة الأزهر وصاحب الكلمة العليا فيه، فكان يظنُّ أن المترجَم يوافقه في معاكسة الشيخ ومعارضته وعرقلة مساعيه، فأخطأ ظنُّه؛ لأن المترجَم مالَ للشيخ كلَّ الميل، ووافقه في كل مشروع، واتحد به واندرج فيه، حتى لم يكن له من الرياسة غير رسومها، والكلمة كلمة المفتي.

ولما سُئل في ذلك، اعتذر بأن الرجل لا يريد غير الإصلاح فلا يرى وجهًا لمعارضته، فكان ذلك سببًا لمَيل الخديو عنه بعد إقباله عليه.

ولما اعتزم الإمامُ محمد عبده نفضَ يدِه من الأزهر، رأى المترجَم أن الأمور لا تجري على مرغوبه، فاستقال من الأزهر يوم الثلاثاء ٩ المحرم سنة ١٣٢٣ﻫ، فأُقيل يوم السبت ١٢ منه، وأُقيم بدلَه الشيخُ عبد الرحمن الشربيني الشافعي، واستقال أيضًا المفتي من مجلس الإدارة مرغمًا.

وأقام المترجَم بعد ذلك بداره التي بجهة المناصرة، بعد أن رتَّب له الخديو خمسة وعشرين دينارًا مصريًّا من الأوقاف الخيرية تُصرَف له كل شهر، وظل مواظبًا على تلاوة القرآن كعادته، مقبلًا على العبادة، حتى ازداد به المرض سنة ١٣٢٣ﻫ، وتوفَّاه الله في غروب يوم الجمعة الثالث من ذي القعدة من تلك السنة، فشُيعت جنازتُه بعد عصر يوم السبت، وصُلِّيَ عليه بالمسجد الحسيني وطِيفَ به حول المقام كوصيته، ثم دُفِن بقرافة المجاورين في بستان العلماء، رحمه الله رحمة واسعة.

وله من المؤلفات رسالةٌ اسمها: «الأنوار الحسينية على رسالة المسلسل الأميرية»، ورسالة فيما يتعلق بليلة النصف من شعبان، لولده السيد محمود تعليق عليها سمَّاه: «عروس العرفان في الحثِّ على ترك البدع وشوائب النقصان، على الرسالة الببلاوية المتعلقة بليلة النصف من شعبان».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤