تمهيد

ربما لا تدرك ذلك، لكنك تعتمد على الروبوتات في كل يوم. الروبوتات على الأرجح هي التي صنعت سيارتك والغسالة التي تستخدمها. وعندما تطلب سلعةً ما عبر الإنترنت، من المحتمل أيضًا أنَّ أحد الروبوتات يُحضرها من المخزن. ثَمَّة احتمال أيضًا في أن يكون الغاز الطبيعي الذي يشغِّل التدفئة المركزية في منزلك، قد استخرجته روبوتات من بئر غاز تحت سطح البحر. وحتى القطارات الكهربائية، التي تعمل دون سائق ويَستقلُّها المسافرون للتنقل بين مباني الصالات في أيٍّ من المطارات الدولية، تُعتبر مركباتٍ روبوتية. ولعل أكثر ما يثير الدهشة أن الحليب الموجود على طاولة مطبخك قد أتى على الأرجح من أبقار حلبتها روبوتات.

ما تشترك فيه هذه الروبوتات جميعًا هو أنها تعمل خلف الكواليس، بعيدًا عن الأنظار في معظم الأحيان. ولهذا، فعلى الرغم من أهميتها، لا يدرك معظم الناس دورها الرئيسي في العالم الحديث، وهم لم يروا قَط روبوتًا حقيقيًّا «معدنيًّا» يعمل.

لكن هذا يتغير الآن. فثَمَّة جيل جديد من الروبوتات يجري تصميمه في الوقت الحالي للتفاعل مع البشر وجهًا لوجه. وعلى عكس نظائرها الصناعية، ستكون هذه الروبوتات صديقة للإنسان وتتمتع بقدر أكبر من الذكاء؛ وهو أمرٌ ضروري لسلامتها. وسوف يصبح من الممكن لهذه الروبوتات أن توفر للبشر دعمًا ماديًّا مباشرًا، بوصفهم زملاءهم في العمل أو رفقاءهم.

يمكننا التنبؤ بأنه بحلول عام ٢٠٢٠، ستمتلك العديد من المنازل روبوتًا واحدًا أو أكثر، وربما سيارة من دون سائق، والعديد من روبوتات التنظيف، وروبوتًا تعليميًّا أو ترفيهيًّا. وبعد عدة سنوات، يمكن لروبوت البستنة أن يتولى أمر الأعشاب الضارَّة والآفات في الحدائق. وبحلول عام ٢٠٢٥، قد تصبح الروبوتات المحدودة الوظائف المصمَّمة للرفقة، حقيقة وأمرًا عاديًّا.

إذا طلبت اليوم من أي شخص أن يفكر في روبوت، فمن المحتمل أنه سيفكر في روبوت من فيلم: ربما «آر تو دي تو» أو «سي ثري بي أو» من أفلام «حرب النجوم» (ستار وورز)، أو سوني من فيلم «أنا، الروبوت» (آي، روبوت)، أو الروبوت من الفيلم الذي أنتجته ديزني بعنوان «وول-إي». المشكلة إذَن أن توقعاتنا عن ماهية الروبوتات، أو ما ينبغي أن تكون عليه، تعتمد على الخيال أكثر من الواقع. لقد مرَّ تسعون عامًا منذ المرة الأولى التي استخدم فيها الكاتب المسرحي التشيكي كارل تشابيك كلمة «روبوت» لوصف إنسان آلي في مسرحيته «روبوتات روسوم العالمية» (روسومز يونيفرسال روبوتس)، ولا تزال الكلمة في أذهان العديد من الأشخاص مُرادفًا لإنسان آلي ذكي.

لا يدور هذا الكتاب عن علم النفس أو الأنثروبولوجيا الثقافية للروبوتات، رغم أنها موضوعات مثيرة للاهتمام. لكنني مهندس وأخصَّائي روبوتات؛ لذلك أكتفي بدراسة تكنولوجيا الروبوتات المادية الحقيقية وتطبيقاتها. وفقًا لقاموس أكسفورد للغة الإنجليزية، يُعرَّف علم الروبوتات بأنه دراسة تصميم الروبوتات وتطبيقاتها واستخداماتها، وهذا بالضبط ما تتحدث عنه هذه المقدمة القصيرة جدًّا: ما تفعله الروبوتات وما يفعله علماء الروبوتات.

يبدأ هذا الكتاب بطرح السؤال الآتي: «ما الروبوت؟» في الفصل الأول، أقدِّم روبوتًا حقيقيًّا وأستخدمه لوصف الأجزاء المهمة في جميع الروبوتات، مثل: الاستشعار (عيون الروبوتات أو قدرتها على اللمس)، والحركة (أيدي الروبوتات، أو أذرعها، أو سيقانها)، والذكاء (أدمغة الروبوتات). يتيح لنا هذا الإطار تحقيق غرضَين. فهو يسمح لنا بتشييد ما يشبه شجرة العائلة التي يمكننا أن نضمَّ لها الروبوتات الحالية التي أعرضها في الفصل الثاني. ويساعدنا على فهم نقاط قوة الروبوتات الحالية وأوجه القصور لديها، إضافةً إلى فهم السبب في أنَّ إمكانية الحصول على روبوتات ذكية حقًّا في الوقت الحاضر محضُ احتمال مستقبلي.

لقد شهدت السنوات الخمس والعشرون الماضية تغييرًا جذريًّا في اتجاه البحث والتطوير في مجال علم الروبوتات، نتج عن التحدي المتمثل في تصميم روبوتات ذكية. يمكن وصف هذا التغيير بعبارة «الإلهام الأحيائي». وفي الفصل الثالث سأناقش الروبوتات المستوحاة من علم الأحياء وما يعنيه ذلك بالنسبة للروبوتات بشكل عام، موضِّحًا بالأمثلة الروبوتات التي تحصل على طاقتها من الطعام والروبوتات التي تستند في تصميمها إلى الجرذان.

صحيحٌ أن الغالبية العظمى من الروبوتات الموجودة في العالم اليوم لا تشبه البشر، إلا أن الروبوتات التي صُممت لتُشبِهنا تتمتع بسحر خاص. فهي أقرب إلى تصورنا عن الروبوت بوصفه إنسانًا آليًّا. وفي الفصل الرابع، أذكر الأعمال المكرَّسة للروبوتات التي تُشبِه البشر بوصفها رفاقًا أو مساعدين في مكان العمل، موضِّحًا ذلك بأمثلة من روبوتات تُشبِه البشر يتدرج شكلها من الرسوم الكارتونية إلى الشكل الواقعي للبشر. إضافةً إلى ذلك، أعرض الخطوط العريضة لمشكلات سلامة الروبوتات، وموثوقيتها، وأخلاقياتها.

وفي الفصل الخامس، أذكر عددًا من الاتجاهات السائدة في أبحاث علم الروبوتات الحالية. ولا يشمل ذلك أنواعًا جديدة من الروبوتات فحسب، بل يشمل أيضًا طرقًا جديدة جذرية لتصميم الروبوتات. سوف أصف أنظمة أسراب الروبوتات، وهي أنظمة متعددة الروبوتات مستوحاة من الحشرات الاجتماعية. بعد ذلك، أتناول الخطوط العريضة لعلم الروبوتات التطوري، وهو منهج جديد من مناهج التصميم يسمح بتطور الروبوتات اصطناعيًّا باستخدام عملية تشبه نظرية داروين للتطور.

أما السؤال الذي يحظى باهتمام كبير من الجمهور، فهو «إلى أين يتجه علم الروبوتات؟» ويتناول الفصل الأخير مسألة مستقبل علم الروبوتات من خلال تحليل المشكلات التقنية التي يجب حلها من أجل تصميم ثلاثة أنظمة روبوتية تعتمد على «التجارب الفكرية»: عالم كواكب مستقل، وسِرب من الروبوتات الطبية الدقيقة، وروبوت بشري رفيق.

ومثل أي تقنية تؤدي إلى تغيير كبير، يحمل علم الروبوتات في طيَّاته آمالًا واعدة ومخاطر كبيرة. ويكمُن أحد أهداف هذا الكتاب في تزويد القارئ بالفهم الكافي للوصول إلى رأي مستنير بشأن ما لا ينبغي أن تكون عليه الروبوتات، لا ما يمكن أن تكون عليه في الواقع فحسب.

إنَّ علم الروبوتات مجال كبير، وأنا على دراية تامة بأنَّ هذه المقدمة القصيرة لا تتضمن بعض الجوانب المهمة في علم الروبوتات. ولذلك أقدِّم اعتذاري إلى زملائي من المتخصصين في علم الروبوتات الذين لم أتحدَّث كثيرًا عن مجالات عملهم، أو تغاضيت عنها تمامًا. إنني أعلن بصراحة ودون خجل أنَّ هذا الكتاب يعرض وجهة نظري الشخصية؛ يعود هذا جزئيًّا إلى أن الأفضل لأن يكتب المرء ما يعرفه، لكن الأهم من ذلك أن الأسئلة المهمة في مجال علم الروبوتات لا تزال مثيرة للجدل. فما تزال الأسئلة الأساسية مثل «ما تعريف الروبوت؟» و«متى يمكن تصنيف الروبوت بأنه ذكي؟» بحاجة إلى إجابة. وبناءً على هذا، على الرغم من أنني آمل أن يقدِّم هذا الكتاب تمثيلًا حياديًّا للمجال، فإن القيم والأحكام التي قدَّمتها فيما يتعلق بالتطورات المختلفة في مجال الروبوتات نابعة من رأيي الشخصي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤