الفصل السادس

مستقبل علم الروبوتات

يتمثل تحدي تأليف كتاب مثل هذا في أن موضوعه، أي علم الروبوتات، لا يزال في طور النشوء. في الواقع، تتسارع وتيرة تقدم علم الروبوتات؛ لذلك من المحتمل أن تكون هناك تطورات مهمة في المستقبل القريب، بما في ذلك بعض المفاجآت الكبيرة. أعني بذلك إما وجهات نظر تم التغاضي عنها في أبحاث الروبوتات في الوقت الحاضر وتبين أنها مهمة، وإما تقنيات الروبوتات التي لم تُخترع بعد وسيكون لها تأثير كبير.

من المستحيل توقُّع هذه الاكتشافات؛ لذا بدلًا من ذلك، سيتناول هذا الفصل مسألة مستقبل علم الروبوتات من خلال تحديد ومناقشة المشكلات الفنية التي قد تحتاج إلى حل من أجل تصميم عدد من الأنظمة الروبوتية التي تعتمد على «التجارب الفكرية»؛ أولًا: عالم كواكب روبوتي مستقل؛ وثانيًا: سرب من الروبوتات الطبية الدقيقة؛ وثالثًا: روبوت رفيق يشبه البشر ويتمتع بذكاء بشري.

(١) عالم كواكب روبوتي مستقل

للروبوتات تاريخ طويل ومميز في استكشاف الفضاء. فمنذ إطلاق سبوتنيك ١ في المدار الأرضي في عام ١٩٥٧، سيطرت المركبات الفضائية الآلية على مجال استكشاف الفضاء. واقتصرت مهمة استكشاف الفضاء السحيق على المركبات الآلية؛ فكر في المركبتين الفضائيتين فوياجر ١ و٢ اللتين أُطلقتا في عام ١٩٧٧، ولا تزالان توفران بشكل ملحوظ بياناتٍ علميةً من حافة النظام الشمسي. قد يبدو من الغريب ذِكرُ هذه المركبات في كتاب عن علم الروبوتات، لكنني أزعم أنها في جوهرها روبوتات مُشغَّلة عن بعد. فهي منصات غنية بالمستشعرات ومزوَّدة بمشغلات، ودرجة عالية من التحكم البشري عن بعد لإجراء تصحيحات في المسار أو لضبط المعدات العلمية وتشغيلها.

من الروبوتات الأقل غموضًا مركبات الكواكب الجوالة التي قدمت خدمة استثنائية في استكشاف سطح كوكب المريخ، حيث تجاوزت المركبتان الجوالتان سبيريت وأوبورتيونيتي لاستكشاف المريخ العمر المحدد لمهمتهما وأهدافهما العلمية. ما من شك في أن الروبوتات ستستمر في قيادة مهمات استكشاف أسطح الأجسام الكوكبية، بما في ذلك الكواكب والأقمار والكويكبات والمذنبات، وربما تمهد الطريق لمهمات يقودها البشر. ولكن، كما اقترحت مقدمتي المختصرة في الفصل الثاني، تمثل مركبات الكواكب الجوالة الحالية الحد الأقصى للتشغيل العملي للروبوتات عن بعد. ويحد بشكل كبير التقييدَ المادي الذي لا مفر منه لتأخيرات الاتصال من سرعة انتقال المركبة الجوالة؛ مما يحصر المنطقة التي يمكن استكشافها؛ ومن ثَم المردود العلمي من المهمة في نهاية المطاف. ونظرًا للتكلفة العالية جدًّا لاستكشاف الكواكب (حتى بالمركبات الآلية)، فمن الواضح أنَّ تحقيق المزيد من الاكتشافات العلمية مقابل مستوًى معين من الإنفاق يُعَد محركًا مهمًّا، وإحدى طرق تحقيق ذلك هي زيادة مستوى الاستقلالية؛ بعبارة أخرى، تصميم عالم كواكب مستقل.

لنبدأ بالتفكير في عالم الكواكب الروبوتي المثالي. في الوضع النموذجي، سيكون مستقلًّا بشكل كافٍ بحيث إنه بمجرد توصيله بأمان إلى سطح الكوكب، سينفذ مهمته في الاستكشاف والمسح، ويتعهد بمجالَي علم الأرض وعلم الحياة الخارجية، ولا يتصل بالقاعدة الرئيسية إلا لإرسال تقارير الحالة والصور والبيانات العلمية. وسيكون الروبوت قادرًا على أن يقرر بنفسه كيفية استكشاف بيئته والمعالم التي تستحق الفحص الدقيق. وسيتمكن من تخطيط وتنفيذ أي حركات جسدية لازمة لتقريب نفسه من تلك المعالم، ثم تحديد أفضل طريقة لاستخدام معداته العلمية لاكتشاف أكبر قدر ممكن عنها. باختصار، عليه أن يتصرف وكأنه عالم بشري متخصص في علم الأرض وعلم الأحياء الخارجية في الوقت ذاته، ويلاحظ ويفحص أي شيء قد يجده نظراؤه من البشر مثيرًا للاهتمام.

ولكن، كأي مستكشف بشري وحيد بعيد عن وطنه، سيحتاج الروبوت إلى تَوخِّي الحذر. فقد يحتاج إلى إحساس مصطنع بالحفاظ على الذات حتى يتمكن من تحديد متى يجب ألا يتحقق من كثَبٍ من جسد معيَّن؛ لأن هناك احتمالية كبيرة جدًّا للتعرض للخطر (فكر في تشكيل صخري طويل يمكن أن ينهار على المركبة الجوالة إذا اقتربت منه، أو جسد في مكان خطير أو يتعذر الوصول إليه، أو ببساطة شيء غير متوقع على الإطلاق).

وكذلك يجب أن يكون المستكشف الروبوتي المثالي متكيفًا وفطنًا، مثل المستكشف البشري. ففي حالة تغير الظروف البيئية، على سبيل المثال، يجب أن يتمتع بالقدرة على تكييف نشاطه للتأقلم، ربما ﺑ «الدخول في وضع السكون» للحفاظ على الطاقة. ويجب أن تكون المركبة الجوالة قادرة أيضًا على الإصلاح الذاتي، حتى إذا تعرضت أجزاء من الروبوت للتلف، أو تعطلت بسبب البلى والثقب، يمكن للروبوت استبدالها بقطع بديلة. أو في حالة عدم وجود قطع بديلة، يكيف عمله لتعويض النقص.

بطبيعة الحال، تتمتع البيانات العلمية التي تجمعها المركبة الجوالة بقيمة كبيرة، وتُعتبر سبب وجودها؛ لذلك إذا فقد الروبوت كل الاتصالات وتعرَّض لعطل كارثي، فينبغي أن يكون قادرًا على إطلاق كبسولة بيانات، ربما باستخدام منارة لا سلكية؛ حتى تتمكن أي مركبة جوالة من العثور عليها في المستقبل، مثل المستكشف الذي تنتهي حياته ولكنه يترك مذكراته ودفاتر ملاحظاته ليعثر عليها من يأتون بعده.

(١-١) كيف ستبدو المركبة الجوالة وكيف ستتحرك؟

إن عالم الكواكب الروبوتي الذي يتمتع بهذا المستوى من القدرة والاستقلالية بعيدٌ كل البعد عن التقنيات الحالية، ولكن هل من الممكن صنع مثل هذا الروبوت، وماذا ستكون التحديات الرئيسية؟ فكر أولًا في شكل جسم الروبوت ووسائل تنقله. يعتمد كثير، بالطبع، على مقدار ما يُعرف عن طبيعة سطح الكوكب، وتركيبه الكيميائي، ودرجات حرارته، وقيم ضغطه. وإذا كان الغلاف الجوي يُخفي سطح الكوكب، فيجب تخمين ظروف السطح، ومع الهندسة الجيدة وكثير من الحظ، ستبقى المركبة لفترة طويلة كافية لإرسال البيانات المفيدة.

أُطلقَ مسبار هويجنز في عام ٢٠٠٤ من المركبة الفضائية كاسيني إلى سطح تيتان، قمر كوكب زحل، وكان من المستهدَف أن يهبط على ساحل مجهول التكوين؛ ولذلك صُمم المسبار للهبوط إما على سطح صلب وإما على محيط هيدروكربوني. لكن دعونا نفترض أن أرضية كوكبنا المستهدَف قيد الاستكشاف صلبة. أثناء تطوير مركبات المريخ الجوالة، بُذلت كثير من الجهود لتصميم أنظمة التنقل، وعلى نطاق واسع يُعتبر التصميم المزوَّد بستِّ عجلات تعمل بالطاقة على مركبات متأرجحة مثاليًّا لاجتياز التضاريس الصخرية الوعرة. وكما هو مُوضَّح في الشكل ٢-٣، يتيح نظام تعليق المركبات المتأرجحة للمركبة الجوالة القيادةَ بأمان فوق العوائق أو عبر الثقوب التي يزيد حجمها عن قطر العجلة (٢٥٠مم).

وقد صُممت مركبات المريخ الجوالة لاجتياز المناطق الصحراوية التي تحتوي على قليل من الصخور الكبيرة (مقارنةً بحجم المركبة الجوالة)، ولكن ماذا لو كانت خشونة سطح الكوكب غير معروفة؟ إذا كانت طبيعة سطح الكوكب غير معروفة تمامًا، ولكن يحتوي الكوكب على غلاف جوي، فسيكون أحد الخيارات هو الطيران فوق السطح، وربما الإقلاع والتنقل والهبوط بين المواقع المهمة. وللمركبات الطائرة المخصصة لاستكشاف الكواكب مشاكلها الخاصة، ولكن مع وجود غلاف جوي كثيف بدرجة كافية، لا شك في أن المركبات الأخف وزنًا من هواء الكوكب تقدم خيارًا جذابًا.

لنفترض أنه إما أن الكوكب ليس له غلاف جوي وإما أنه رقيق جدًّا بحيث لا يتحمل أي نوع من المركبات الطائرة. إذَن ما البدائل لدينا؟ أحد الخيارات، خاصةً إذا كانت الجاذبية منخفضة، ربما على كوكب أو كُوَيكِب، هو روبوت قادر على القفز. لكن هذا أيضًا لا يخلو من المشكلات؛ لأنك إذا قفزت فأنت لا تعرف بالضبط أين ستهبط، وسيكون من الصعب للغاية ضمان عدم الهبوط في أحد الصدوع. ولذلك يصبح الخيار الأكثر أمانًا هو الروبوت الذي يتدحرج أو يسير بحذر وفقًا لسيطرته الذاتية.

إن النهج الأساسي للتصميم المادي للروبوت العالم سيكون هيكلًا يشبه كائن السيمبراين، حيث يتكون الروبوت من عدد من وحدات شبه مستقلة تتجمع ذاتيًّا بحيث يمكن للروبوت أن يغير شكله بين التكوينات المختلفة، حسبما تتطلب احتياجات التضاريس، على سبيل المثال، شكل صغير الحجم بعجلات للتنقل السريع على أرض ناعمة، أو هيكل عنكبوتي بأرجل طويلة لاجتياز حقل صخري بحذر.

تتمثل إحدى المشكلات التي تواجه مُصمِّم أي مركبة كواكب جوالة في أنه، حتى مع وجود نظام استشعار أمامي ممتاز، لا يستطيع الروبوت معرفة ما إذا كانت الأرض التي يوشك أن يسير عليها مستقرة بدرجة كافية لتحمل وزنه. وسيعمل نهج سيمبراين مرةً أخرى على حل هذه المشكلة. فالوحدات الفردية يمكنها فصل نفسها، والمضي قدمًا لاستكشاف الأرض، وفحصها فعليًّا لتحديد ما إذا كانت آمنة، ثم العودة والتجمع مجددًا. وإذا فشلت وحدة الكشافة في العودة، فإن الخسارة ليست بالغة الأهمية بالنسبة للمهمة؛ لأن عالم الروبوت يتكون من مجموعة من مئات الوحدات.

(١-٢) كيف سيكون الروبوت عالمًا؟

دعونا ننتقل الآن إلى التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي للروبوت. فبصفته عالمًا متخصصًا في علم الأرض وعلم الأحياء الخارجية، ينبغي برمجته بقاعدة معرفية كبيرة في مجال علم الأرض وعلم الأحياء. ونظرًا لقدرة التخزين الكبيرة السعة، فإن إمكانية تخزين كل ما هو معروف في هذين المجالين داخل الروبوت كقاعدة بيانات يمكن البحث فيها هي فكرة قابلة للتحقيق كليًّا.

بالطبع، لتكون عالم كواكب جيدًا، الأمر لا يتعلق فقط بامتلاك عدد كبير من الحقائق. بل يتعلق بالقدرة على طرح السؤال الصحيح. وهنا، سيستفيد الروبوت بلا شك من أحد الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي من سبعينيات القرن الماضي، اسمه نظام الخبرة: وهو نهج لتسجيل العملية التي يستخدم فيها الخبير البشري تلك الخبرة. ويمكن للمرء أن يتخيل عالم الكواكب الروبوتي يمرُّ بمرحلة تدريب طويلة قبل الإطلاق، حيث يخضع لسلسلة من التجارب تحت إشراف خبير بشري؛ لذلك في كل مرة يتخذ فيها الروبوت قرارًا بشأن ما «يعتقد» أنه قد يكون معلمًا مثيرًا للاهتمام يستحق التحقيق بأمره، يقوم الخبير البشري إما بتصحيح الأخطاء وإما اقتراح البدائل؛ ومن ثَم «تدريب» الروبوت.

إذا كانت أنظمة الخبرة تسمح للروبوت ﺑ «تحديد» الأمور المثيرة للاهتمام، مما يمنحه «فضولًا علميًّا» اصطناعيًّا، فإنه يحتاج أيضًا إلى نظام لإضفاء الحذر على هذا الفضول، وهنا تأتي «غريزة الحفاظ على الذات» الاصطناعية لدى الروبوت. وأعتقد أن الروبوت سيحتاج إلى نظام لتقييم مخاطر كل فعل ذاتيًّا.

من الإمكانيات المتاحة أن يكون للروبوت، مثل كرونوس، نموذج لنفسه بداخله، حيث يكون قادرًا على إعداد نماذج المحاكاة وتشغيلها لكل خيار متاح له. وهذا يعادل قدرة الروبوت على «دراسة» مسارات العمل الممكنة وتحديد مخاطر كلٍّ منها.

يُبرمَج نظام المحاكاة الداخلي للروبوت مسبقًا بكل بيانات رسم الخرائط أو عمليات المسح التي توفرها الأقمار الصناعية المدارية. وبعد ذلك، أثناء عملية الاستكشاف، يملأ الروبوت التفاصيل الخاصة بتلك الأجزاء من الأراضي التي زارها، أو يمكنه فحصها أو استشعارها مباشرة؛ ومن ثَم يتحسن نموذجه الداخلي.

ويمكن جعل الروبوت قادرًا على التوصل إلى حلول جديدة للمواقف التي يجد نفسه فيها عن طريق إجراء خوارزمية جينية، كما هو موضَّح في الفصل الخامس، لتطوير سلوكيات جديدة. أو يطور شكل جسده، إذا كان روبوتًا من نوع سيمبراين، عن طريق اختبار عدد كبير من المتغيرات الخاصة به في نظام المحاكاة.

يمكن توسيع نطاق النهج ذاته لمنح الروبوت خصائص الإصلاح الذاتي. فالروبوت يمتلك نموذجًا خاصًّا به داخل نظام المحاكاة؛ لذا فهو قادر على البحث عن طرق للتغلب على الأعطال. وفي حالة عدم عمل عجلة معينة، على سبيل المثال، يمكن للخوارزمية الجينية البحث عن سلوك تحكم أو في واقع الأمر تصميم جديد للتعويض عن العطل.

بدراسة تقنيات الذكاء الاصطناعي هذه كلٍّ على حدة، لا يُعتبر أيٌّ منها متطرفًا أو غريبًا، ولكن ما قد يمثل تحديًا كبيرًا هو تجميعها معًا وجعلها تعمل. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الحلول الموضَّحة هنا لتصميم عالم كواكب مستقل ستطبق بالمثل على الروبوتات الموجودة على كوكب الأرض، ليس فقط لإجراء عمليات الاستكشاف أو الفحص أو المراقبة البيئية المستقلة، ولكن أيضًا لتُستخدم في التطبيقات الأكثر واقعيةً مثل استخلاص المواد من مكب النفايات.

(٢) سرب من الروبوتات الطبية الدقيقة

قد تبدو تجربتنا الفكرية الثانية خيالًا علميًّا خالصًا، وهي: سرب من الروبوتات المجهرية القادرة على العمل داخل جسم الإنسان وتنفيذ إجراءات طبية مباشرة. وقد تكون الرؤية الطويلة المدى سربًا يمكن حقنه في الأوعية الدموية. حينها سيسبح حرفيًّا سرب الروبوتات الدقيقة إلى مصدر المشكلة، إما بتوجيه من الجراح وإما دون تحكم بشري خارجي على الإطلاق. وبمجرد تحديد موقع المشكلة، ستتمكن الروبوتات الدقيقة بشكل مثالي من الإشارة إلى موقعها بالضبط وتوصيل العلاج أو إجراء جراحة مجهرية مباشرة.

يمكن لمثل هذه التقنية أن تحدث ثورة في الطب، وعلى نطاق أوسع، في مجالَي علم الأحياء والكيمياء الحيوية. فالقدرة على التحكم من خلال الروبوتات على مستوى الخلايا الفردية أو حتى الجزيئات سيفتح المجال أمام إمكانيات رائعة لعلم جديد. لكن هل هذه الرؤية خيالية، أم إنها شيء يمكن تطويره واقعيًّا في المستقبل المتوسط المدى (أي بعد عدة عقود)؟ وإذا كان ذلك ممكنًا فما المشكلات التقنية التي يجب حلها؟

يتمثل بالطبع التحدي الأكبر في تصغير الحجم. ولفهم مدى صعوبة هذه المشكلة، على الروبوت الدقيق القادر على الوصول إلى أصغر الشُّعيرات الدموية في الأوعية الدموية ألا يزيد حجمه عن ٢ ميكرومتر؛ أي جزأين من المليون من المتر. على النقيض، يزيد حجم أصغر روبوتات تقليدية يمكننا تصنيعها عن هذا الحجم بما يتراوح بين ألف و١٠ آلاف ضعف. لكن هناك تقدمًا ملحوظًا قد أُحرز نحو هدف تقليص حجم الروبوتات. واسمحوا لي أن أوضح بإيجازٍ هذا التقدم.

(٢-١) الروبوتات السنتيمترية

تنقسم الروبوتات المصغَّرة إلى ثلاث فئات عامة. تتضمن الفئة الكبرى روبوتات يبلغ حجمها بضعة سنتيمترات مكعبة. دعونا نُسمي هذه الروبوتات باسم الروبوتات السنتيمترية. وهي الآن شائعة نسبيًّا في مختبرات الأبحاث. أحد الأمثلة على ذلك هو الروبوت أليس؛ فحجم الروبوت أليس الأساسي دون المكونات الإضافية الموضَّحة في الشكل ٥-٤ أكبر قليلًا من مكعب السكر. ومثال آخر هو الروبوت «كيلوبوت» المنخفض التكلفة، المصمَّم في جامعة هارفارد لتجارب أسراب الروبوتات باستخدام حوالَي آلاف الروبوتات. ويبدو جسم الروبوت كيلوبوت على شكل قرص، قُطره نحوُ ٣سم وسُمكه ١سم، وهو مزوَّد بثلاث أرجل من الأسلاك الصلبة؛ ويؤدي اهتزاز الساقين إلى تحرك الروبوت.

إنَّ أليس وكيلوبوت مثالان للروبوتات المستقلة التي تتكون من عناصر مصغَّرة تقليدية (مثل: المحركات، والأجهزة الإلكترونية، والمستشعرات، والبطاريات). وهذه الروبوتات السنتيمترية، بالطبع، كبيرة جدًّا بالنسبة للتطبيقات الطبية داخل أجسام الكائنات الحية في تجربتنا الفكرية.

(٢-٢) الروبوتات المليمترية

يتطلب تقليل الحجم التالي تقنيات تصميم وتصنيع مطوَّرة من تصميم الشرائح. تُسمى هذه التقنية بالأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة، وتُسمى الروبوتات التي تعتمد على هذه التقنية باسم الروبوتات الدقيقة المعتمدة على الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة. وتستخدم الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة أساسًا تقنية الطباعة الحجرية الضوئية ذاتها المستخدَمة في صنع الدوائر المدمَجة (الشرائح الدقيقة) على نفس الشريحة، لكن المكونات الميكانيكية (أي المتحركة) تُصنع مع المكونات الإلكترونية. وعلى الرغم من أن المكونات الفردية في الروبوتات الدقيقة المعتمدة على الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة تُقاس بالميكرومتر (أي أجزاء من المليون من المتر)، فإن حجم الروبوت بأكمله يصل إلى عدة مليمترات. ولذلك يمكننا تسمية هذه الروبوتات بالروبوتات المليمترية.

من الصعب للغاية تصميم روبوت مليمتري كامل للعمل يعتمد على تقنية الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة. ففي وقت كتابة هذا الكتاب، لم ينجح أحد في تصميم وعرض سرب واسع النطاق من الروبوتات المليمترية، لكن مشروعًا أوروبيًّا حديثًا يُسمى آي-سوارم قطع شوطًا كبيرًا نحو تحقيق هذا الهدف. يبلغ حجم نماذج الروبوتات الأولية لمشروع آي-سوارم ٣٫٩مم × ٣٫٩مم × ٣٫٣مم. ومع الوقوف على ثلاث أرجل، اثنتان في المقدمة وواحدة في الخلف، بالإضافة إلى «هوائي» للاستشعار باللمس يمتد من المقدمة، يمكن بسهولةٍ الخلط بين الروبوتات وبين الحشرات الصغيرة.

تدمج روبوتات آي-سوارم جميع الأنظمة الفرعية الأساسية لأسراب الروبوتات على سطح مسطح ثنائي الأبعاد. وتُولد الطاقة من خلال خلية شمسية صغيرة أعلى الروبوت؛ مما يعني أن الساحة التجريبية بحاجة إلى إضاءة ساطعة. وتتواصل الروبوتات معًا باستخدام وحدة بصرية دقيقة بارعة. وقد دُمج مستشعر اللمس وإمكانية التنقل في جهاز واحد يعتمد على الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة، ويعمل أيضًا كهيكل للروبوت. وتميل ثلاثة من الأرجل إلى الأسفل لرفع الروبوت عن السطح؛ وتُشير الرابعة إلى الأمام مباشرة، وتعمل كهوائي للروبوت. تُشغل الأرجل والهوائي باستخدام بوليمر نشط كهربائيًّا؛ مما يؤدي إلى اهتزازها. ومن خلال التحكم في الرجل (أو الأرجل) التي تهتز، يمكن دفع الروبوت إلى الأمام أو الخلف، أو تدويره. ويعمل هوائي الروبوت من خلال استشعار التغير في تردد الاهتزاز عندما يلمس الهوائي شيئًا ما.

يتحكم في روبوتات آي-سوارم كمبيوتر صغير تقليدي ٨بت مدمج مع الأجهزة الإلكترونية للتفاعل مع الخلية الشمسية ووحدة التواصل والأرجل والهوائي، كل ذلك في دائرة متكاملة محدَّدة التطبيقات ومخصَّصة لاستخدام معيَّن. ومن الميزات المبتكَرة الأخرى طريقة برمجة الروبوتات. فكود التحكم يُنزَّل إلى الروبوتات عن طريق تعديل إضاءة الحلبة.

إن حجم الروبوتات المليمترية، مثل روبوتات آي-سوارم، أكبر من أن تدخل في الأوعية الدموية (على الرغم من أن الروبوتات بهذا الحجم قد تكون مناسبة لجراحات القلب الروبوتية). وبالطبع، سيحتاج أي تطبيق داخل جسم الكائنات الحية إلى حل العديد من المشكلات، مثل: كيفية التنقل، ومصدر الطاقة، والتغليف. تُستخدم بالفعل كاميرات لا سلكية بحجم حبة الدواء، يمكن ابتلاعها، للمساعدة في تشخيص مشكلات القناة الهضمية. ومن المرجَّح أن يشيع في المستقبل القريب استخدام الروبوتات بحجم حبة الدواء التي تُشغل عن بعد في حالات التدخلات الطبية في الأمعاء.

(٢-٣) الروبوتات الميكرومترية

تتطلب الخطوة الكبيرة التالية في مجال التصغير للوصول إلى روبوتات دقيقة حقًّا — أي روبوتات يبلغ حجمها بضعة ميكرومترات — حل المشكلات الصعبة للغاية، وعلى الأرجح، استخدام أساليب مختلفة في التصميم والتصنيع. ومن أجل الإحساس بمدى صعوبة هذه الخطوة، ضع في اعتبارك أن الروبوتات الميكرومترية تحتاج إلى أن تكون أصغر ألف مرة من الروبوتات المليمترية. ومع ذلك من اللافت للنظر أن العمل جارٍ بالفعل للتصدي لهذه التحديات.

من المستحيل تقليص حجم المكونات الميكانيكية والكهربائية، أو أجهزة الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة، من أجل تقليل الحجم الإجمالي للروبوت إلى بضعة ميكرومترات. وعلى أي حال، فإن فيزياء التنقل عبر السائل تتغير على المستوى الميكرومتري ومجرد تقليص حجم المكونات الميكانيكية من كبير إلى دقيق — حتى لو كان ذلك ممكنًا — سيفشل في حل هذه المشكلة. يهدف النهج الحديث إلى ترك المواد والمكونات التقليدية والانتقال إلى نهج يعتمد على الهندسة الحيوية، حيث يتم تعديل البكتيريا الطبيعية عن طريق إضافة مكونات اصطناعية. والنتيجة هي مزيج من المكونات الاصطناعية والطبيعية (الحيوية).

تحتوي البكتيريا على العديد من الخصائص المرغوب فيها بالنسبة للروبوت الميكرومتري. وباختيار بكتيريا ذات سوط، يصبح لدينا إمكانية تنقل مناسبة تمامًا للوسط. والسوط هو «ذيل» صغير يُدار عن طريق «محرك» جزيئي رائع مدمج في جدار خلية البكتيريا. وتتحرك البكتيريا وتُوجَّه من خلال تشغيل هذا المحرك الجزيئي وإيقاف تشغيله. وهناك خاصية أخرى مرغوب فيها بشكل كبير، وهي أن البكتيريا قادرة على البحث عن الطاقة بشكل طبيعي؛ ومن ثَم تتجنب المشكلة الخطيرة المتمثلة في إمداد الروبوتات الميكرومترية بالطاقة.

من خلال هندسة البكتيريا بمواد مغناطيسية إضافية، تمكَّن عالما الروبوتات سيلفان مارتل ومحمود محمدي من «توجيه» بكتيريا واحدة، باستخدام مغناطيسات كهربائية خارجية يتحكمان بها من خلال كمبيوتر، واستخدماها لدفع خرزة يبلغ حجمها ٣ ميكرومترات في الوسط السائل التجريبي. من الناحية العملية، سيكون الروبوت الميكرومتري الهجين الفردي عديم الفائدة. ولذلك، نحتاج إلى سرب، وفي تجربة مذهلة أخرى، تمكَّن مارتل ومحمدي من تصميم سرب مكوَّن من حوالَي ٥٠٠٠ بكتيريا ذات سوط موجَّهة مغناطيسيًّا، مرةً أخرى باستخدام الحقول المغناطيسية الخارجية. وفي عرض للتجميع والتحكم على المستوى النانوي، وُجه السرب لتحريك «المكعبات»، التي كان يبلغ طول كلٍّ منها ٨٠ ميكرومترًا، وتكوين هرم صغير.

ولكن، على الرغم من روعة هذه التجارب، فهي توضح نهجًا واحدًا فقط. ومن المحتمل ألا تمثل البكتيريا الهجينة أفضل طريقة لهندسة الروبوتات الدقيقة. وفي النهاية قد تكون الأساليب الأخرى التي تتمتع بنفس القدر من الغرابة أكثر فائدة: على سبيل المثال، الروبوتات الميكرومترية التي تُجمَّع باستخدام آلات نانوية جزيئية أصغر حجمًا، وهي فكرة اقترحها ريتشارد فاينمان وطوَّرها إريك دريكسلر في كتابه «محركات الخلق».

مهما كانت التقنية المستخدَمة لتصميم الروبوتات الميكرومترية، فلا بد من التغلب على مشكلات كبيرة قبل أن يصبح سرب الروبوتات الميكرومترية الطبية واقعًا ملموسًا. المشكلة الأولى تقنية، وتتمثل في كيفية تحكم الجراحين أو الفنيين الطبيين في السرب ومراقبته بشكل موثوق أثناء عمله داخل الجسم. أو، بافتراض أن بإمكاننا منح الروبوتات الميكرومترية ما يكفي من الذكاء والاستقلالية (وهو أيضًا تحدٍّ صعب للغاية)، فهل سنتخلى عن التحكم الدقيق والتدخل البشري تمامًا من خلال منح الروبوتات ذكاء الأسراب لتتمكن من القيام بالمهمة؛ أي العثور على المشكلة، وإصلاحها، ثم الخروج؟ في هذه الحالة، يمكن ببساطةٍ حقن سرب الروبوتات الميكرومترية في مجرى الدم وتركه للقيام بعمله، تمامًا مثل أي دواء: وبالفعل، سيكون عقارًا ذكيًّا يُجري العمليات الجراحية.

لكن هذه الأسئلة تقودنا إلى ما قد يُمثِّل بلا شكٍّ التحدي الأكبر، وهو: إثبات أن سرب الروبوتات الميكرومترية الطبية فعَّال ويمكن الاعتماد عليه، وقبل كل شيء آمن، ثم الموافقة على استخدامه والحصول على القبول العام. وهذا تحدٍّ يسلط الضوء على سؤال مثير للاهتمام لعلماء الروبوتات مثلي الذين يعملون في مجال سلامة الروبوتات. والسؤال هو: هل نتعامل مع التحقق من مدى صلاحية استخدام سرب الروبوتات الميكرومترية الطبية كمشكلة هندسية، ونحاول تطبيق الطرق ذاتها التي قد نستخدمها للتحقق من أنظمة السلامة الحرجة مثل أنظمة مراقبة الحركة الجوية؟ أم إننا بدلًا من ذلك نعتبر سرب الروبوتات الميكرومترية الطبية كدواء، ونتحقق من مدى صلاحية استخدامه من خلال العمليات التقليدية والموثوقة (عمومًا)، التي تتضمن التجارب السريرية؛ مما يؤدي إلى الموافقة وترخيص الاستخدام؟ أظن أننا سنحتاج إلى مزيج جديد من كلا النهجين.

(٣) روبوت رفيق يشبه البشر

بالنسبة لتجربتنا الفكرية الأخيرة، فكر في روبوت رفيق يشبه البشر. يُعتبر هذا المثال مهمًّا لأن الروبوتات التي تشبه البشر هي المكان الذي بدأت منه الروبوتات، ومن نواحٍ كثيرة، يُعتبر الروبوت الذي يتمتع بذكاء اصطناعي بشري المستوى حلمًا بالنسبة لعلم الروبوتات. ويرى العديد من علماء الروبوتات أن مثل هذا الروبوت أعظم محاكاة للحياة؛ ولذا يمكن القول إنه يُمثِّل هدف «المشروع الرئيسي» لعلم الروبوتات.

ماذا أعني بروبوت رفيق يشبه البشر؟ سيكون هذا الروبوت رفيقًا اصطناعيًّا. وسيكون قادرًا على التصرف إلى حدٍّ ما كخادم، وربما كمساعد شخصي. ولكن يجب أن يكون المساعد الشخصي الروبوتي قادرًا ليس فقط على خدمة سيدته البشرية ودعمها في المهام اليومية التي تتطلب مجهودًا، باعتباره خادمًا شخصيًّا، ولكن في الوقت ذاته كرفيق: أي مصدر للترفيه والراحة والمحادثة، مثل المساعد الشخصي الذي جسَّدته شخصية بي جي وودهاوس «جيفز»، أو «الروبوت أندرو» الذي لعبه روبن ويليامز في فيلم «رجل المائتَي عام» (بايسينتنيال مان). فهو كيان يمكن للمرء التفاعل أو التحدث معه أو حتى بناء علاقة صداقة معه.

يشير ويلكس، في كتابه «علاقات وطيدة مع الرفقاء الاصطناعيين»، إلى أن الخصائص المثالية للرفيق الاصطناعي المخصص للبالغين في منتصف العمر أو كبار السن (الذي يصفه بأنه رفيق كبير السن) قد تكون قريبة من مواصفات الرفيق المثالي في العصر الفيكتوري: «الأدب، والتعقل، ومعرفة مكانته، والاعتمادية، والسيطرة بقوة على العواطف، والتواضع، والفطنة، والبهجة، وحسن الاطلاع، والتسلية؛ وبالرغم من عدم أهمية الشكل، فلا بد من المظهر الجيد، وتكوين علاقات طويلة الأمد إن أمكن، والسماح بالتواصل الاجتماعي المحدود بين الرفقاء في غير أوقات العمل.» هذا يعني روبوتًا يتمتع بقدرات لغوية عالية لإجراء المحادثات، ولكنه ليس مفرطًا في المشاعر (المصطنعة). ويجب أن يكون حساسًا للغاية تجاه احتياجات سيدته ومشاعرها، ويُظهر درجة من التعاطف ولكن بدرجة مناسبة من الموضوعية، والأهم من ذلك أن يكون جديرًا بالثقة.

دعونا نضع جانبًا مسألةً ما إذا كان الروبوت الرفيق هذا مرغوبًا فيه (بالمعنى الأخلاقي الواسع لما إذا كانت هذه الروبوتات ستكون شيئًا جيدًا للمجتمع) ونقتصر على مسألة ما إذا كان ذلك ممكنًا تقنيًّا. وبافتراض أنه ممكن، فكم يبعد هذا الروبوت عن التنفيذ الفعلي؟ وما المشكلات التقنية التي يجب حلها من أجل الانتقال مما وصلنا إليه حاليًّا فيما يتعلق بتقنية الروبوتات إلى حيثما يجب أن نكون لتصميم مثل هذا الروبوت؟

أولًا: فكِّر في الشكل الذي يجب أن يبدو عليه الروبوت. نحن نفترض كفكرة مبدئية أنه يجب أن يكون بشريًّا، ولكن — كما أوضحت في الفصل الرابع — مصطلح «يشبه البشر» يشمل مجموعة واسعة جدًّا من الخصائص الجسدية. إذَن، هل يجب أن تتميز أجزاء من الروبوت فقط، ربما الرأس والذراعان، بمظهر عالي الدقة؟ أم يجب أن يبدو الروبوت بشريًّا بالكامل بحيث يشبه شخصًا ما على نحو تقريبي، مثل روبوتات الأكترويد أو الجيمينويد الخاصة بهيروشي إيشيجورو (وهي نسخ طبق الأصل من أناس حقيقيين)؟

هذه ليست مجرد مسائل تتعلق بالمنتجات التجميلية ولكنها اعتبارات مهمة. فالروبوت يحتاج إلى مظهر ليس مقلقًا ولا سخيفًا؛ نظرًا لدوره كخادم ورفيق: ربما شكل يجمع بين الروبوت البشري والروبوت الشبيه بالرسومات المتحركة.

من المرجَّح أن تكون ذراعا الروبوت، وخاصةً اليدين، أكثر ما يقترب من البشر — عند مناولة الطعام أو الشراب لسيدته، أو المساعدة في ارتداء الملابس أو الاغتسال — لذلك يجب إيلاء قدر كبير من العناية والاهتمام لمظهرهما ونعومتهما ومطاوعتهما.

بشكل عام، يجب أن يكون الروبوت صغير الحجم وخفيف الوزن بدرجة كافية بحيث لا يمكن أن يتسبب في أي ضرر حقيقي إذا اصطدم بإنسان أو حتى وقع عليه. هناك بعض الأدلة على أن الروبوت يجب أن يكون أصغر من سيدته البشرية حتى لا يبدو مخيفًا: ربما بحجم إنسان بالغ صغير الحجم، لنقُل حوالَي ١٫٥ متر وبكتلة جسم ٣٠كجم؛ أي ما يعادل وزن طفل يبلغ من العمر ١٠ سنوات تقريبًا. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون الروبوت ناعمًا ومطواعًا، على الأقل مثل إنسان بحجم مماثل.

(٣-١) كيف سيشعر بك الروبوت رفيقك؟

فكِّر الآن في المستشعرات التي سيحتاج الروبوت الرفيق إلى التزود بها. فنظرًا لوظيفته كخادم ورفيق شخصي، يجب أن يكون الروبوت قادرًا على استشعار سيدته البشرية بقدر كبير من الفطنة. وعلى أقل تقدير، يجب أن يكون الروبوت، أولًا، قادرًا على استشعار مكان سيدته وكم تبعد عنه. ويجب أن يكون الروبوت قادرًا على سماعها وتحديد موقع مصدر صوتها، وإدارة رأسه إذا لزم الأمر لمواجهتها استجابةً لطلب الانتباه شفهيًّا. ثانيًا: يجب أن يكون الروبوت قادرًا على رؤية سيدته وتتبع وضعية جسدها، بما في ذلك، والأهم على الإطلاق، اتجاه رأسها وموضع ذراعَيها ويدَيها من أجل «قراءة» إيماءات جسدها. ثالثًا: يجب أن يكون الروبوت قادرًا على رؤية وجه سيدته بدرجة كافية من الدقة حتى يتمكن من التعرف عليها وعلى تعبيرات وجهها؛ وبما أن البشر يستخدمون نظرات العين لتوجيه اهتمامهم، يجب أن يكون الروبوت قادرًا على تتبع نظرات العين.

يوجد بالفعل تقنية استشعار لتلبية هذه المتطلبات بدرجة من التطور. وفي الواقع، طُورت بالفعل تقنية تتبع الجسم والصوت لسوق ألعاب الفيديو التفاعلية على شكل الجهاز كينيكت من مايكروسوفت، وليس من المستغرَب أن علماء الروبوتات سارعوا إلى تجربة هذه التقنية المنخفضة التكلفة.

يجب أن يكون الروبوت الرفيق قادرًا أيضًا على الشعور بصحة سيدته العامة وسعادتها؛ لذا فإن التزود بأجهزة الاستشعار الإضافية لمراقبة الإشارات الحيوية الأساسية، مثل درجة الحرارة والتنفس، ستكون فكرة جيدة. وعلى الرغم من أنه ليس روبوتًا ممرضًا، يجب أن يكون الروبوت الرفيق المؤهل قادرًا بالتأكيد على الشعور بما إذا كانت سيدته تعاني من خَطبٍ خطير وطلب المساعدة.

على الرغم من أن حواس الروبوت الرفيق تحتاج إلى التركيز على سيدته البشرية، يحتاج الروبوت أيضًا، بالطبع، إلى أن يكون قادرًا على استشعار بيئته والأجسام الموجودة فيها بدقة كافية ليتمكن من التحرك بأمان في جميع الأنحاء. ولدعم وظائف الخادم الخاصة به، يجب أن يكون الروبوت قادرًا على استشعار الأشياء والتعرف عليها جيدًا بما يكفي ليكون قادرًا على الإمساك بها، بما في ذلك مناولتها لسيدته (مثل الطعام أو الشراب)، أو مشاركة سيدته في مسك الأشياء (مثل الملابس، على سبيل المثال، أثناء المساعدة في ارتدائها أو خلعها).

(٣-٢) كيف سيعرفك الروبوت رفيقك؟

دعونا ننتقل الآن إلى ما هو بلا شكٍّ التحدي التقني الرئيسي الذي نواجهه في تصميم الروبوت الرفيق، وهو: ذكاؤه الاصطناعي. في البداية، أشرت إلى أن الروبوت يتطلب مستوى ذكاء بشري، وبالطبع، للتمتع بقدرة حوارية تكافئ قدرة المساعد الشخصي/الرفيق البشري (من حيث الفطنة، والبهجة، وحسن الاطلاع، والتسلية)، يحتاج الروبوت بالفعل إلى مستوى ذكاء بشري أو محاكاة مقنعة. ولسوء الحظ، فإن وضع قائمة منطقية ﻟ «وحدات» البرامج على غرار الطريقة التي استخدمتها مع جهاز استشعار الروبوت هو ببساطة أمر غير ممكن. فنحن لا نفهم بنية الذكاء البشري جيدًا بما يكفي لنكون قادرين على تصميم محاكاة اصطناعية منطقية.

يمكننا تقسيم الذكاء الاصطناعي للروبوت إلى قسمين رئيسيين: أحدهما للتعرف على الأجسام والتحكم بها، والآخر لقدرته على التحاور مع البشر.

(٣-٣) مناولة الأجسام والتحكم بها

كما أوضحت في الفصل الثاني، يمكن برمجة الروبوتات بمهارة معينة: على سبيل المثال، صب السائل في كوب أو طي الملابس. ولكن ليس من المنطقي برمجة الروبوت بكل احتمالية ممكنة لمناولة الأجسام؛ فببساطة هناك الكثير. وسيكون من الأكثر منطقية أن يكون الروبوت قادرًا على التعلم، عن طريق التقليد، من العرض البشري للمهمة (راجع الفصل الثالث للحصول على شرح عام لتعلم الروبوتات). حينها يُدرَّب الروبوت على عدد كبير من المهام والمهارات الأساسية قبل أن يغادر المصنع.

لكن تطوره لن يتوقف عند هذا الحد. فعلى الروبوت أن يكون قادرًا على مواصلة تعلم مهارات جديدة خلال عمره التشغيلي. وهذه طريقة جديدة للتفكير بشأن الآلات: حيث تُصنَّع الروبوتات، ثم تمرُّ بمرحلة التطور (وهذا مجال فرعي جديد يُسمى علم الروبوتات التطورية) حيث تتعرف على أجسادها، ثم تمرُّ بمرحلة تدريب تتعلم فيها مهارات وقدرات، وبعد ذلك — بوصفها روبوتات عاملة — تستمر في التعلم والتطور طوال عمرها التشغيلي.

من المثير للاهتمام أن ندرك أن الروبوتات، بمجرد تدريبها، ستكون قادرة على نقل مهاراتها إلى روبوتات أخرى من نفس النموذج بطريقة لا يستطيع البشر القيام بها. ومن ثَم، فمن المحتمل أنه في حالة نموذج معين من الروبوتات الرفيقة، لن يحتاج سوى الروبوت الأول فقط إلى الخضوع لنظام التدريب الكامل. وببساطة تُحمَّل مسبقًا الروبوتات اللاحقة بالمهارات المكتسَبة من الروبوت الأول (المُعاير لمحركات وأجهزة استشعار وغيرها من المكونات التي تحتوي على اختلافات طفيفة). يثير هذا أيضًا الاحتمال المثير للاهتمام أنه إذا واجه الروبوت الرفيق أثناء الخدمة مهمة لا يمكنه إكمالها، فقد يكون قادرًا على البحث في قاعدة بيانات عبر الإنترنت وتنزيل الإمكانية الجديدة ببساطة.

يجب أن تتطور إمكانيات الروبوت الرفيق الحالية في التحكم في الأجسام تطورًا ملحوظًا. فمن المدهش أن تكون قدرته الحوارية أقرب بكثير إلى الواقع من مهاراته في التحكم في الأجسام.

(٣-٤) نحو ذكاء اصطناعي بشري المستوى: روبوتات الدردشة

دعونا نفكر فيما يمكننا بناؤه الآن، ونحاول تقييم مدى اقترابه من تحقيق هدف الذكاء الاصطناعي بشري المستوى. أولًا: هناك مدخلات ومخرجات المحادثة التي تتطلب التعرف على الكلام وتركيب الكلام، وكلاهما الآن تقنيتان متطورتان بشكل معقول. ونظرًا لقدرة برنامج التعرف على الكلام على تعلم أنماط الكلام وعادات المتحدث البشري ومجاراة الكلام الطبيعي، يمكن القول بأنه يشتمل على بعض وظائف الذكاء الاصطناعي المتخصصة.

تتواجد برامج الذكاء الاصطناعي للمحادثة منذ بداية الذكاء الاصطناعي تقريبًا. كان البرنامج الأول برنامج العلاج النفسي الشهير، إلايزا، لجوزيف فايزنباوم عام ١٩٦٦. وتتميز روبوتات الدردشة الحديثة على الإنترنت بأنها مسلية بشكل مدهش. جرِّب، على سبيل المثال، الكمبيوتر اللغوي الاصطناعي المتصل بالإنترنت (المعروف اختصارًا باسم أليس). يمكن الوصول إلى روبوت محادثة مثير للاهتمام اليوم من خلال دمج خاصية التعرف على الكلام، وبرنامج لروبوتات الدردشة، وخاصية تركيب الكلام، ووحدة للتحكم في شفتَي الروبوت وتعبيرات وجهه، بحيث يبدو الروبوت كأنه يتحدث وتعكس تعابير وجهه ما يقوله.

هناك مثالان على هذا النوع من الروبوتات، التي طوَّرتها شركة هانسون روبوتكس: الروبوت فيليب كيه ديك والروبوت بينا ٤٨. ويثير الروبوت الأخير الاهتمام بشكل خاص لأن بينا روثبلات، وهي شخص حي، طلبت أن يحاكي رأس روبوت المحادثة رأسها. فالروبوت بينا ٤٨ (أو على وجه الدقة، برنامج المحادثة الخاص بالروبوت) «تدرَّب» حينها على ساعات من المحادثات بين بينا الحقيقية وبينا الروبوت. وقد أجْرَت مراسِلة صحيفة «نيويورك تايمز» إيمي هارمون مقابلةً شهيرة مع الروبوت بينا ٤٨ في عام ٢٠١٠. ومن الواضح أن المقابلة كانت محبطة للآمال بالنسبة لهارمون، ولكن كان يتخللها لحظات «نادرة (لكنها دومًا مثيرة) من الترابط». ويُبشِّر هذا الارتباط بين روبوتات الدردشة ذات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الروبوتات بتحقيق الكثير.

لكن المحادثة بين شخصين ليست مجرد تبادل للكلام. ولذلك يجب أن يكون الروبوت الرفيق قادرًا على قراءة وتفسير الإيماءات غير اللفظية ولغة الجسد وتعبيرات الوجه ونظرات عينَي سيدته، واستخدام تلك الإشارات التي غالبًا ما تكون مبهَمة كمدخلات إضافية تساوي كلماتها المنطوقة في الأهمية أو تزيد عنها.

تنتمي العديد من هذه الإيماءات ومعانيها على وجه الخصوص إلى لغة وثقافة إقليمية، لكن العديد منها فريد من نوعه بالنسبة للفرد وعلى الروبوت أن يتعلمها. ولذلك سيحتاج الروبوت الرفيق المؤهل إلى التعرف على سيدته جيدًا، وللقيام بذلك نحتاج إلى تقنيات تفوق تقنية روبوتات الدردشة. يقودني هذا إلى اقتراح اكتشاف مهم سيكون ضروريًّا لجعل الروبوت الرفيق أقرب إلى الواقع، وهو: نظرية العقل الاصطناعية.

(٣-٥) نظرية العقل الاصطناعية

إن نظرية العقل هي المصطلح الذي يطلقه الفلاسفة وعلماء النفس على القدرة على تكوين نموذج تنبُّئي للآخرين. فمن خلال نظرية العقل، من المفترَض أن نكون قادرين على فهم الكيفية التي يتصرف بها الآخرون في ظروف معينة. ويمكننا التعاطف مع الآخرين لأن نظرية العقل تسمح لنا بتخيل أنفسنا في مواقف يتعرضون لها؛ ومن ثَم نشعر كما يشعرون.

ومع ذلك، فإن فكرة نظرية العقل ضعيفة تجريبيًّا؛ ونرى أنها، وما يشبهها، يجب أن تكون موجودة، ولكننا لا نملك سوى فهم مُبهَم للعمليات العصبية أو الإدراكية التي قد تشكل نظرية العقل. توفر الروبوتات الذكية نهجًا مثيرًا للاهتمام لنظرية العقل؛ لأنها تسمح لنا بطرح السؤال الآتي: «كيف يمكننا تطبيق نظرية العقل الاصطناعية في الروبوتات؟»

عندما وصفت الروبوت كرونوس في الفصل الرابع، أوضحت أن كرونوس لديه نموذج داخلي خاص به. والغرض من هذا النموذج الداخلي، وهو محاكاة بالكمبيوتر، هو السماح لكرونوس بتعلم كيفية التحكم في نفسه. ولكن إذا كان بإمكان الروبوت أن يمتلك نموذجًا داخليًّا لنفسه، فمن الناحية النظرية يمكنه أن يكوِّن نماذج للآخرين، بما في ذلك البشر. الآن يجب القول إن هذه خطوة كبيرة جدًّا. في الواقع، إنها تحتوي خطوة على عدة خطوات.

نحتاج أولًا أن ننتقل من روبوت لديه نموذج داخلي لنفسه إلى روبوت لديه نماذج داخلية لروبوتات أخرى تشبهه تمامًا. سيسمح مثل هذا النموذج للروبوت بالتنبؤ (من خلال تشغيل محاكاته) بأفعال الروبوت الآخر، وتعديل نموذجه إذا كان الروبوت الآخر يفعل شيئًا مختلفًا بالفعل. والخطوة التالية هي الانتقال من روبوت لديه نموذج داخلي لروبوتات أخرى إلى روبوت لديه نموذج داخلي لكيان آخر. وبالنسبة إلى الروبوت الرفيق، يجب أن يكون هذا الكيان الآخر، بالطبع، إنسانًا.

مرةً أخرى هذه خطوة كبيرة للغاية. (ربما تكون الروبوتات ذات النماذج التنبُّئية للحيوانات البسيطة مرحلةً متوسطة مفيدة.) والأكثر من ذلك أنه ليس هناك ما يضمن أن الروبوت الذي يمتلك نموذجًا داخليًّا لإنسان معين سيثبت أنه «يعرف» ذلك الشخص. فما يُسمى ﺑ «محاكاة» نظرية العقل هي مجرد نظرية.

على الرغم من الصعوبة غير العادية لذلك الأمر، أعتقد أن الروبوت الرفيق المؤهل يجب أن يتمتع بنوع ما من نظرية العقل حتى يتمكن من إظهار تعاطف قابل للتصديق (أو مجاراة حقيقية). وقد يكون الروبوت الرفيق المزوَّد بنظرية العقل الاصطناعية محاورًا أكثر معرفة وتعاطفًا من أي شيء يمكن تصميمه باستخدام تقنية روبوت الدردشة.

من المثير للاهتمام التكهن بما سيكون عليه الروبوت الرفيق المزوَّد بنظرية العقل الاصطناعية. أعتقد أنه سيكون مقنعًا للغاية: فإيماءات الروبوت وتعبيرات وجهه وقدرته على قراءة لغة الجسد وتعديل سلوكه واستجاباته ليس فقط وفقًا لما تقوله سيدته والكيفية التي تقوله بها، ولكن أيضًا وفقًا للنموذج الخاص بها بداخله، يمكن أن يكون مزيجًا قويًّا وجذابًا (وكذلك خطيرًا).

وهنا يظهر السؤال الآتي: هل سيتمتع الروبوت الرفيق بذكاء اصطناعي بشري المستوى؟ إجابتي هي لا. فأنا لا أرى أي سبب يجعل الروبوت، على سبيل المثال، مبدعًا أو بديهيًّا، أو قادرًا على الخداع، أو الفرح، أو اليأس، أو أيٍّ من الصفات التي نربطها بالإنسان. وبالطبع، بعض هذه الصفات غير مرغوب فيها في الرفيق المثالي، ولكن الجانب السلبي هو أنه ربما لن يكون قادرًا على أن يكون فطنًا أو مُسليًا بشكل إبداعي. وربما يكون مملًّا بعض الشيء، لكنه من المحتمل جدًّا أن يكون روبوتًا رفيقًا مؤهلًا.

(٤) المغزى من علم الروبوتات

بالنسبة لي، تُعتبر الروبوتات وممارسة علم الروبوتات أمرًا في غاية الروعة؛ لأن الروبوتات تجسد ثلاث أفكار؛ أولًا: أن الروبوتات يمكن أن تكون «آلات مفيدة»؛ ثانيًا: أن الروبوتات يمكن أن تكون «نماذج عملية» من الحياة أو الذكاء أو التطور أو حتى الثقافة؛ وثالثًا: أن الروبوتات «تُحاكي» الحياة. تمثل الأفكار الثلاثة على التوالي وجهات نظر مختلفة حول علم الروبوتات — الهندسة والعلوم والفلسفة — ومن الأمور التي تبعث على الرضا العمل على الروبوتات التي قد تقدم رؤًى من جميع المنظورات الثلاثة.

لقد ركَّز جزء كبير من هذا الكتاب على المنظور الأول المتمثل في كيف تُستخدم الروبوتات الآن وكيف يمكن أن تكون ذات فائدة متزايدة في المستقبل، والتحديات التي يجب التغلب عليها، والتقنيات التي يجب اختراعها، قبل أن يتمكن علم الروبوتات من تحقيق إمكاناته غير العادية. ولقد تطرقت إلى جوانب من المنظور الثاني أيضًا، لكنني لم أُطِل الحديث عنها لأن مدى مساهمة الروبوتات — كنماذج عملية — في الفهم العلمي لا يزال محدودًا. ومن الصعب العثور على أمثلة لا جدال فيها لعلم أحياء جديد، على سبيل المثال، ناتج عن نماذج روبوتية لعمليات حيوية.

ومع ذلك، يمكنني قول إن فكرة أن تكون الروبوتات نماذج عملية في مجال العلوم بدأت بجدية مع دبليو جراي والتر وسلاحفه الروبوتية عام ١٩٥٠. فليس هناك مثال أفضل من أن يصمم عالم للفسيولوجيا العصبية روبوتات لاختبار أفكار بشأن اتصالات المخ. وتظل هذه الفكرة تتسم بالجدية وتستحق الاستكشاف. في بعض الأحيان، أصف الروبوتات بأنها «محاكاة مجسدة»، وبنفس الطريقة التي تُعرف بها المحاكاة الآن، كأداة جادة للبحث العلمي مزودة بعلم محاكاة ناشئ؛ لذلك يجب أن نبحث عن نهج قائم على المبادئ لكيفية استخدام الروبوتات كنماذج عملية في مجال العلوم.

لكن اسمحوا لي أن أُنهي هذا الكتاب بالتفكير في الفكرة الثالثة، وهي: الفكرة الفلسفية عن الروبوتات بوصفها محاكاة للحياة. ربما يكون لهذه الفكرة صدًى أكبر في الثقافة الشعبية: فكر في عدد المرات التي نقرأ فيها عناوين أخبار عن الروبوتات التي تفكر أو تتعلم أو تشعر. فهذه العناوين تُغذي خيالات الخيال العلمي لدينا، لكننا نتفاعل أيضًا مع إثارة الخوف؛ حيث يبدو أن عالم الروبوتات الخيالي المرير أصبح أقرب قليلًا إلى الواقع. لكن إذا نحَّينا جانبًا موضوع الروبوتات المثير للاهتمام في الثقافة الشعبية، فهل سيكون للفكرة الفلسفية أي ميزة جادة؟ والإجابة هي نعم؛ لأن الروبوتات التي تتصرف كما لو كانت على قيد الحياة بطريقة ما تطرح أسئلة وجودية عميقة حول ما يعنيه أن تكون على قيد الحياة، وما يعنيه أن تختبر العالم بوعي ذاتي وأن تتمتع بقوة واستقلالية في العالم.

لم أتطرق في هذا الكتاب إلى أسئلة مثل ما إذا كان بإمكان الروبوتات التفكير أو الإدراك الذاتي أو حتى الوعي. فهذه أسئلة علمية وفلسفية مثيرة للجدل، ويبدو أنه حتى نتمكن من حل لغز كيف (أو هل) يمكن للحيوان أو الإنسان أن يكون واعيًا، فلا فائدة من محاولة تصميم روبوت واعٍ. وفي النهاية، إذا كنا لا نعرف ما الوعي، فكيف سنقيس ما إذا كان الروبوت يمتلكه أم لا؟

لكنني أرى أن علم الروبوتات يجب ألا يكتفي بالانتظار حتى تُحل هذه الأسئلة الصعبة. بل أعتقد أن علم الروبوتات يمكن أن يكون جزءًا من الحل. فمن خلال تصميم الروبوتات التي تُظهر محاكاة أكثر إقناعًا للقدرة على التصرف والتكيف والوعي الذاتي، يمكننا، كما أعتقد، النظر إلى هذه الأسئلة الفلسفية من زاوية مختلفة. على سبيل المثال، في وصفي الموجَز للروبوت الرفيق البشري المستقبلي، اقترحت أنه سيحتاج إلى نظرية العقل الاصطناعية. ولكن هل سيكون مثل هذا الروبوت مدركًا لذاته، أو حتى واعيًا؟ برأيي قطعًا لا، لكنني أرى أن نظرية العقل الاصطناعية المجسدة يمكن أن تكون خطوة أولى مهمة نحو بناء الوعي الاصطناعي وفهم الوعي الطبيعي.

إن روبوتاتنا الحالية البشرية والحيوانية الشكل هي محاكاة بدائية زائفة في أحسن الأحوال، ولكن مع تقدم ممارسات علم الروبوتات ستصبح أقل بدائية. وفي مرحلة ما في المستقبل البعيد، سيصبح من الصعب استمرار الحجج القائلة إن الأشياء الاصطناعية المصممة لا يمكن أن تكون واعية. فكر في الروبوت البشري الخيالي داتا من «ستار تريك: الجيل القادم» (ستار تريك: ذا نكست جينيريشن): وهو روبوت يمكنك أن تعزف معه الموسيقى وتناقش الفلسفة وتبني علاقةَ صداقة تدوم لسنوات عديدة وتحزن عندما يختفي من الوجود. والسؤال هو: هل مثل هذا الروبوت ممكن نظريًّا؟

نعم، أعتقد أنه لا يوجد سبب من حيث المبدأ لعدم إمكانية تصميم الروبوتات البشرية أو تطويرها للتصرف كما لو كانت واعية بشكل مقنع لدرجة أنه يجب اعتبارها واعية بالفعل، في جميع المقاصد والأغراض. وبالطبع قد تجادل بقوة مثل هذه المحاكاة المثالية مع فيلسوف بشري بأنه مجرد روبوت وليس واعيًا حقًّا، ومن الأرجح أن يوافق الفيلسوف على ذلك. ولكن وفقًا لأي معايير بشرية عادية (مستنيرة)، سيكون مثل هذا الروبوت قادرًا أيضًا على كسب الثقة أو الاحترام أو حتى الهوية البشرية. ومن المؤكد أن مثل هذا الروبوت سيتحدى مفاهيمنا الراسخة حول معنى أن تكون إنسانًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤