حكاية «لوزة»

خُطفت «لوزة»! …

رنَّت الكلمتان في آذان الأصدقاء كالصاعقة … وأسرعَت الدموع إلى عينَي «نوسة»، وكان «محب» أول من تمالك نفسه قائلًا: من الذي خطفها؟

تختخ: لا أعرف طبعًا!

محب: وما المطلوب؟ فدية؟

تختخ: لا طبعًا … من أين نأتي بالفدية؟! إن الذين خطفوها يُطالبون منَّا شيئًا عجيبًا … سيتم بعد خمس دقائق!

عاطف: ما هو؟

تختخ: ستأتي سيارة سوداء وتسير في الجانب المظلم من الشارع … وسأخرج إليها بدرَّاجتي وحيدًا وأسير بجوارها … سيُناولني شخص في داخلها حقيبةً صغيرة، أُسرع بها فورًا إلى نادي «الجود شوط» … وهناك سأجد شخصًا يجلس وحده قرب النيل، ويضع وردةً حمراء في عروة الجاكتة … وعليَّ أن أذهب للسلام عليه، ثم أطلب منه كلمة السر … وبعدها سيُسلِّمني حقيبةً مماثلةً للحقيبة التي أحملها … فأُسلِّمه الحقيبة التي معي، ثم أخرج إلى الكورنيش … فأُسلِّم الحقيبة التي أخذتها من حامل الوردة … فتعود «لوزة» إلى المنزل …

محب: هل تتوقَّع أن يكون هذا الطلب يُخفي شيئًا مخالفًا للقانون؟

تختخ: لا شك … بل إنه يُخفي أشياء كثيرة جدًّا … ولكن الوقت ضيِّق للتفكير، ويجب أن أخرج فورًا.

عاطف: حاول أن تعرف رقم السيارة … و…

ولم ينتظر «تختخ»؛ فقد كان ما يقوله «عاطف» … بديهيًّا جدًّا … فهو سيهتم بمعرفة رقم السيارة، ونوعها، وماركتها، وسيُحاول بكل ما استطاع أن يرى من بداخلها … وقفز «تختخ» على درَّاجته وانطلق خارجًا، و«زنجر» … خلفه. وبعد ثوانٍ قليلة كان يسير متمهِّلًا في الجانب المظلم من الشارع … وسمع سيارةً تأتي خلفه مسرعة، ثم ثلاث دقَّات من النفير، وعرف أنها السيارة المتفق عليها، فالتفت … ورأى شبح سيارة سوداء من طراز غريب يُشبه العنكبوت. وخرج ذراع رجل من نافذة السيارة … وبيده الحقيبة … وتظاهر «تختخ» أنه يُحاول أن يتمالك توازنه … ثم نظر إلى داخل السيارة … ولكن كان راكبَا السيارة يلبسان ملابس سوداء أيضًا … وكانَت أضواء السيارة مطفأةً تمامًا … فلم يستطِع أن يلمح من وجهَيهما شيئًا سوى أنه قد خُيِّل إليه أنهما وجهان عجيبان … لم يرَ مثيلًا لهما من قبل … فقد كانَت ملامحهما منبعجة … كأنما مرَّت على الوجهَين سيارة!

وفي لمحة قصيرة طارَت السيارة السوداء التي تُشبه العنكبوت … ثم دارَت في أول ملف، وخلفَت «تختخ» وحده وبيده الحقيبة.

أسرع «تختخ» يقود درَّاجته بعد أن علَّق الحقيبة الصغيرة في المقود … ولم تمضِ دقائق حتى كان عند كازينو «الجود شوط»، وسمع ضجة موسيقى مرتفعة كموسيقى الأفراح ترتفع من الكازينو … فأسند درَّاجته إلى الحائط، وحمل الحقيبة ودخل وخلفه «زنجر»، وكما توقَّع وجد فرحًا لعروسَين … وفرقةً موسيقيةً تعزف بعض الألحان الراقصة المرحة.

نظر حوله فلم يرَ أحدًا … ولكنه لاحظ رجلًا ينسحب بين المدعوِّين … ويتجه إلى قرب النيل، ويختار مائدةً منعزلةً جلس عندها … وكانَت بيده حقيبة صغيرة، وفي عروة جاكتته وردة حمراء …

اتجه «تختخ» فورًا إلى المائدة … وقال للرجل: وردة نادرة!

كانَت هذه كلمة السر، وردَّ الرجل: ومن بلاد بعيدة!

قال: «تختخ» وهو يُحاول أن يطبع صورة الرجل في ذهنه: لقد كُلِّفتُ بمقابلتك، وإعطائك الحقيبة، وأخذ حقيبة مماثلة!

لم يردَّ الرجل، بل مدَّ يده تحت المائدة، وأحسَّ «تختخ» بالحقيبة تصطدم بركبته، وفهم أنه سيُبادله الحقيبة تحت المائدة، فمدَّ يده بحقيبته، ولم تكد أصابع الرجل تلمس الحقيبة حتى قام واقفًا … ودون كلمة واحدة غادر الكازينو … ووجد «تختخ» نفسه وحيدًا مرةً أخرى … مُحدِّقًا خلف الرجل … وقد ضايقَته آلة التصوير التي كان مُصوِّر الفرح يُطلق ضوءها ناحيته منذ جلس.

وأخذ «تختخ» يُركِّز تفاصيل وجه الرجل في ذهنه … رفيع … حاسم … شعره مصبوغ، وجهه جامد كأنه وجه غير إنساني … يتحدَّث من بين أسنانه … شاربه الكبير لا يتناسب مع ملامح وجهه المرهفة … ملابسه بسيطة … وإن كانَت أنيقة … ساعته من نوع غير شائع … فوجهها مغلق … أصابعه تُشبه المخالب … وفي مشيته عرج خفيف.

قام «تختخ» مسرعًا حسب التعليمات … وخرج من الكازينو، ثم ركب درَّاجته وسار بمحاذاة الكورنيش … وأخذَت أضواء الكازينو تخف شيئًا فشيئًا حتى وصل إلى بقعة مظلمة حسب التعليمات وتوقَّف … ومضَت فترة من الوقت أكثر ممَّا يتوقَّع … فقرَّر أن يفتح الحقيبة ويرى ما بها … ورفعها وأخذ يتأمَّلها ويَزِنها … كان وزنها نحو ثلاثة كيلوجرامات، فإذا كان وزنها فارغةً نحو كيلوجرام … ففيها شيء أو أشياء تزن كيلوجرامَين … وأخذَت أصابعه تعبث بالقفل … وكاد يفتحها.

ولكن قبل أن يتمكَّن من فتحها سمع صوت محرِّك السيارة العنكبوت تقترب مسرعةً منه … وتوقَّفَت بجواره تمامًا … وامتدَّت يد أخذَت منه الحقيبة … وسمع صوت باب السيارة يُفتح … وشاهد بقلبٍ سعيد «لوزة» تندفع منه نازلة.

وفي ثوانٍ كانَت السيارة تندفع مرةً أخرى وتُغادر المكان، وأسرع «تختخ» يحتضن «لوزة»، التي ألقَت بنفسها بين ذراعيه.

ركبَت «لوزة» أمام «تختخ» … واندفعَت الدرَّاجة تشق طريقها نحو حديقة منزل «عاطف» … حيث كان الأصدقاء في الانتظار … وعندما وصل «تختخ» إلى بداية الشارع شاهد المغامرين الثلاثة يقفون أمام باب الحديقة … فلمَّا اقترب منهم ارتفعَت الصيحات … واندفع الثلاثة إلى «لوزة».

جلس المغامرون الخمسة ومعهم «زنجر»، وكانَت «لوزة» شاحبةً قليلًا ولكنها كانَت تبتسم … لقد مرَّت بمغامرة، وليس أحبَّ إلى قلبها من المغامرات، مهما كانَت النتائج، وقد كانت النتائج مشجعة … ولم يحدث شيء … وها هي ذي أيضًا عندها قصة ترويها.

وقد كانَت جميع آذان المغامرين مصغية لها … ولم يكَد «عاطف» يسألها عمَّا حدث حتى اندفعَت تروي القصة.

خرجتُ لشراء باكو من اللبان … ولم أجِد النوع الذي أُريده عند أول محلٍّ ذهبتُ إليه، وهو المحل القريب منا … والشيء العجيب أنني أحسستُ أن أحدًا يُراقبني … ولكنني بالطبع لم أستجِب لهذا الإحساس … فنحن لسنا مشتبكين في مغامرة حتى أكون مراقَبةً أو متبوعة!

ونظرَت «لوزة» إلى وجوه الأصدقاء المتلهِّفة، ثم مضَت تروي: وعندما قرَّرتُ أن أذهب إلى المحل الذي يقع قرب منزل «تختخ»، وأمر ﺑ «تختخ» … ونعود معًا … ولكن قبل أن أخطو بعيدًا عن المحل بأكثر من خطوتَين، سمعتُ سيارةً تقف بجواري، وسمعتُ سيدةً تُحدِّثني، فالتفتُّ إليها، ووجدتُ سيارةً زرقاء ماركة «بونتياك»، يُطل منها وجه سيدة جميلة سألَتني هل تعرفين منزل الأستاذ «خليل توفيق»؟ بالقرب من هذا المكان …

بدَت علامات اهتمام مضاعفة على وجه «تختخ»؛ فإن «خليل توفيق» هو اسم والده!

ولاحظَت «لوزة» انتباه «تختخ» فقالَت: وهو اسم والد «تختخ»، وبالطبع قلتُ لها إنني أعرفه … وإنني ذاهبة إليه بعد أن أشتري باكو اللبان، فعرضَت عليَّ السيدة أن تُوصلني إلى المحل، وأعود معها إلى منزل الأستاذ «خليل»، فقبلتُ على الفور.

وشربَت «لوزة» بعض الماء، ثم مضت تروي: وركبتُ السيارة، وإذا بالسيدة تقول لي باسمةً إن معها باكو لبان، وإن كان ناقصًا … فهو من نوع ممتاز، وأصرَّت على أن آخذه، ثم أصرَّت على أن أتناول منه واحدةً لتجرِبته … وتحت إلحاحها تناولتُ واحدة، وأخذتُ أمضغها، وفي الحقيقة كان طعمها لذيذًا جدًّا … وإن كان متغيِّرًا قليلًا عن طعم اللبان الذي نعرفه … وقد قلتُ لها إنها مصادفة عجيبة أن يكون معها لبان من هذا النوع اللذيذ.

وسكتَت «لوزة» لحظات، ثم مضَت تقول: وبعد أن وصفتُ لها الطريق ومضغتُ اللبان قليلًا … لاحظتُ أنها لا تسير حسب الإرشادات التي أخبرتُها بها، فلفَتُّ نظرها إلى ذلك، فابتسمَت وقالَت إنها أول مرة تزور فيها المعادي … وبعد لحظات أحسستُ برأسي يتثاقل … ولاحظتُ أنها تنظر إليَّ، فقلتُ لها إن رأسي يدور، وإنني أُريد أن أعود إلى المنزل … ولكن لم تمضِ لحظات أخرى حتى ذهبتُ في سبات عميق …

كانَت القصة مُشوِّقة … والأصدقاء يستمعون في انتباهٍ شديد، وقالَت «نوسة»: وبعد ذلك؟ وردَّت «لوزة»: بعدها استيقظتُ فوجدتُ نفسي في شقة أنيقة … وتذكَّرتُ كلَّ ما حدث، ونظرتُ حولي فوجدتُ وجوهًا غريبةً لم أرَها من قبل، وبحثتُ عن السيدة بينهم فلم أجِدها.

وتنهَّدَت «لوزة» ومضَت تقول: وقمتُ واقفةً وأنا أشعر ببعض الدوار … وحاولتُ أن أتمالك نفسي، وسألتُهم عمَّا أتى بي إلى هذا المكان، فأجاب أحدهم في هدوء شديد: إنكِ في رعايتنا لمدة ساعتَين فقط … وبعدها تعودين إلى منزلك.

فقلتُ لهم: إنني أُريد الانصراف فورًا … ولكنهم قالوا لي إن هناك مُهمَّةً مُعيَّنة سيقوم بها «توفيق»، ثم يُطلقون سراحي … وعندئذٍ أدركتُ أنني قد خُطفت، وأن السيدة الجميلة هي جزء من خطة خطفي، ولم أعرف ما هو المطلوب من «توفيق» بالضبط … ولمَّا سألوني عن كيفية الاتصال به، قلتُ لهم إنني لا أعرف مكانه في هذه اللحظة، ولكنهم عندما ضغطوا عليَّ قلت لهم إن «توفيق» سيذهب إلى منزلنا في الثامنة … وقد قصدتُ من ذلك أن تكونوا جميعًا موجودين وتسمعوا المهمَّة … لعلكم تستطيعون ترتيب الاتصال بالشرطة.

قال «تختخ»: لقد كانوا أكثر مهارةً ممَّا تصوَّرت؛ فلم يتركوا لنا فرصة الاتصال، وتمَّ كل شيء في دقائق قليلة، وقد حذَّروني من إبلاغ الشرطة حرصًا على حياتك، ولم يكَد «تختخ» ينتهي من جملته حتى دقَّ جرس التليفون، واندفع «عاطف» إلى داخل الكشك، ثم خرج مسرعًا، وقد بدا مضطربًا وقال: إنهم هم مرةً أخرى … ويُريدون التحدُّث إلى «تختخ» …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤