العنكبوت الذهبي

اتَّجه المغامرون الخمسة إلى داخل الكشك، ورفع «تختخ» سمَّاعة التليفون وقال: ألو … أنا «توفيق».

سمع «تختخ» الصوت الذي حدَّثه منذ نصف ساعة يتحدَّث مرةً أخرى، ولكنه هذه المرة كان قاسيًا ومهدِّدًا … قال الرجل: أين العنكبوت؟!

ذُهل «تختخ» وهو يسمع هذه الجملة: «عنكبوت» … «عنكبوت» إن الاتفاق لم يكن فيه أي عنكبوت … قال «تختخ»: أي عنكبوت؟

قال الرجل: لا تتظاهر بالبله! … لقد خنتنا … ولم تُنفِّذ الاتفاق!

تختخ: لقد نفَّذتُ الاتفاق تمامًا … برغم أنني لم أكن لأُنفِّذه لولا أنكم خطفتم «لوزة» … فإن ما تمَّ يدل على أنه شيء مخالف للقانون …

الرجل: دَعك من القانون الآن … وسوف أنسى ما فعلتَ إذا سلَّمتَنا العنكبوت.

صاح «تختخ» بغضب: أي عنكبوت؟! … إنكَ تتكلَّم عن شيء لم أرَه ولم أسمع عنه!

قال الرجل: إن الحقيبة التي تسلَّمتَها من الرجل في الكازينو كان بها عنكبوت من الذهب المرصَّع بالماس … ومجموعة أخرى من المجوهرات … ولكن الحقيبة التي سلَّمتَها لنا لم يكن فيها إلا بعض قطع الحديد.

بدأَت الأمور تتضح في ذهن «تختخ» وقال: صدِّقني إنني لم أرَ ما كان في الحقيبة، ولا أعرف ما كان بها إلا عندما قلتَ أنت الآن …

الرجل: ولكننا وجدنا قفل الحقيبة مفتوحًا!

تختخ: لا أكذب عليك … لقد كِدتُ أفتح الحقيبة لأرى ما بها، ولكن السيارة وصلَت في تلك اللحظة، فسلَّمتُ الحقيبة دون أن أفتحها.

الرجل: إنني لا أُصدِّقك … وأنصحك أن تُسلِّمنا ما استوليتَ عليه … وإذا لم تفعل … فتأكَّد أنكم جميعًا ستكونون ضحية هذه العملية … سوف أتصل بكَ بعد نصف ساعة.

وأغلق الرجل السمَّاعة … ونظر المغامرون إلى «تختخ» الذي كان واضحًا أنه في غاية الضيق وقد احمرَّ وجهه، وانعقدَت حبات العرق على جبينه.

قال «محب»: ماذا يُريدون؟

تختخ: إنهم يتهمونني بسرقة شيء عجيب … عنكبوت ذهبي مرصع بالماس … ومجوهرات أخرى … وهي أشياء لم أرَها في حياتي …

محب: ألم تشرح لهم هذا؟

تختخ: طبعًا … ألم تسمع ما قلتُه؟

محب: وماذا كان ردهم؟

تختخ: سيتصلون بي بعد نصف ساعة … فإذا لم أُعِد العنكبوت … فإنني … أقصد فنحن جميعًا في خطر شديد.

عاطف: الشيء الذي يُحيِّرني … لماذا اختارونا نحن؟ وكيف عرفوا اسم والد «توفيق»؟

نوسة: هذا يعني شيئًا واحدًا … أنهم يعرفوننا من قبل، ولعلهم من أفراد عصابة اصطدمنا بها.

عاطف: وقد اختاروا وقتًا مناسبًا؛ فالمفتش «سامي» سافر خارج الجمهورية في مُهمَّة … وليس أمامنا إلا الاعتماد على أنفسنا في مواجهة هذه المشكلة العجيبة …

لوزة: أو نتصل بالشاويش «فرقع»!

وقبل أن يُعلِّق «عاطف» تعليقًا ساخرًا على هذا الاقتراح قال «تختخ»: بالطبع لا بد من إشراك الشرطة في هذا الموضوع … فمن الواضح أن العنكبوت الذهبي وما معه من مجوهرات مسروقة … وهذه المبادلة السرية دليل على ذلك.

نوسة: ولماذا لم يذهب أحد رجال العصابة لتَسلُّم العنكبوت؟

تختخ: لسببٍ بسيط … إنهم يخشَون الطرف الآخر، ويظنون أنه أعدَّ لهم كمينًا … وهكذا تُفضِّل العصابات عادة … في حالات التسليم والتسلُّم، إذا كانَت تخشى تدخُّل رجال الشرطة، أن يقوم شخص ليس منهم بعملية التسليم.

نوسة: والآن ماذا نفعل؟!

تختخ: لا شيء … ليس أمامي إلا أن أُؤكِّد لهم أنني سلَّمتُهم الحقيبة كما تَسلَّمتُها!

محب: وإذا لم يُصدِّقوا؟

تختخ: كما قالَت «لوزة» … سوف نذهب … ونكتب محضرًا بكل ما حدث عند الشاويش «علي»؛ لنكون في حماية الشرطة في حالة تهديدنا.

والتفتَ «تختخ» إلى «لوزة» قائلًا: ألم تشتبهي في أي شخص ممن قابلت؟ أقصد أن يكون ممن الْتقينا بهم من قبل.

لوزة: مطلقًا! إنهم جميعًا شخصيات جديدة.

تختخ: وكذلك بالنسبة لي … فالرجلان الذين رأيتُهما في السيارة كان شكلهما عجيبًا؛ الأنف أفطس، العيون منحرفة … وإن كان الظلام لم يُعطِني فرصةً كافيةً للتأمُّل.

محب: والرجل الذي قابلتَه في الكازينو؟

تختخ: من المؤكِّد أنه مُتنكِّر … وقد أسرف في تنكُّره …

وفجأةً ضرب «تختخ» جبهته بيده قائلًا: إننا يمكن أن نحصل على صورة لهذا الرجل!

محب: صورة؟!

تختخ: نعم … إن المصوِّر الذي كان يقوم بتصوير العروسَين، والمدعوِّين، كان مجالُ التقاطه يصل إلينا … حتى إنني لم أستطِع رؤية الرجل جيدًا … وهو يُغادر المكان؛ فقد كان ضوء آلة التصوير يُعشي عينَي!

ونظر «عاطف» إلى ساعته وقال: مضى ربع ساعة … وبقي ربع ساعة … يجب أن نُفكِّر كيف نرد عليهم.

تختخ: لا شيء كما قلت سوى أنني سلَّمتُهم الحقيبة كما تَسلَّمتُها.

عاطف: ألَا تضع خطةً بحيث نكسب بعض الوقت حتى الصباح … لعلنا نستطيع الإيقاع بالعصابة في أيدي رجال الشرطة؟

تختخ: إن الشيء الذي ضاع … أقصد العنكبوت الذهبي، يُساوي مبلغًا ضخمًا، وأظن أن أي محاولة للتلاعب بهذه العصابة قد تكون نتيجتها سيئة.

ومضى الوقت … ثم دقَّ جرس التليفون، وكان المتحدِّث هو صاحب الصوت نفسه الذي سمعه «تختخ» من قبل، وقال الرجل: هل تُعيد العنكبوت؟

ردَّ «تختخ»: لقد قلتُ لكَ إنني لم أرَ هذا العنكبوت مطلقًا، ولم أسمع عنه إلا منك، وقد قُمت بالمُهمَّة؛ فلا داعي لهذه التهديدات!

الرجل: إنكَ تُقامر بحياتك وحياة زملائك إذا فكَّرتَ أن تلعب بنا، وعلى كل حالٍ سأُعطيك مهلةً أخرى.

تختخ: لا فائدة ولو أعطيتَني سنةً كاملة … إن ما أقوله الآن سأقوله لكَ بعد أي مهلة … ومع ذلك …

قال الرجل متلهِّفًا: ماذا؟

تختخ: هناك احتمال أن يكون الرجل الذي سلَّمني الحقيبة هو الذي خدعكم فوضع قطع الحديد مكان العنكبوت والمجوهرات!

الرجل: لا يمكن … ولكن … صِف لنا الرجل الذي سلَّمكَ الحقيبة، ربما كان هناك خطأ لم نلتفت إليه.

ووصف له «تختخ» الرجل، فقال: إنها أوصاف الرجل بالضبط … ولا يمكن أن يخدعنا!

تختخ: ولكن!

الرجل: ولكن ماذا؟

تختخ: ولكني أعتقد أنه كان مُتنكِّرًا!

الرجل: مُتنكِّر؟!

تختخ: نعم … تنكُّر مبالَغ فيه … ومن الواضح أن شاربه مستعار … وأنه قد صبغ شعره … وبالمناسبة … هل كان الرجل الذي تنتظرونه يعرج؟

الرجل: نعم!

تختخ: لقد كان الرجل الذي قابلتُه يعرج!

صمت الرجل قليلًا، ثم عاد يقول: سنفحص أقوالك ونتأكَّد منها … والمهم ألَّا تُبلغ الشرطة. إن أي محاولة من جانبك لتبليغ الشرطة سنُقابلها بالعنف!

تختخ: دَعك من التهديد … إنني سأطلب منك طلبًا واحدًا!

الرجل: ما هو؟

تختخ: أن تُبلِّغني نتيجة بحثك على ضوء المعلومات التي قلتُها لك!

الرجل: لكَ ذلك!

تختخ: شيء آخر.

الرجل: ما هو؟!

تختخ: من أين عرفتنا؟

رد الرجل: هذه قصة أخرى … قد أرويها لكَ يومًا عندما أستعد لمغادرة البلاد.

وسمع «تختخ» السمَّاعة تُوضع عند الطرف الآخر … فوضع السمَّاعة … وروى للمغامرين تفاصيل الحديث.

محب: إنها قصة من أغرب ما مرَّ بنا … ما هي حكاية العنكبوت الذهبي هذه؟! ولماذا اختارنا نحن للقيام بهذه المُهمَّة؟! وما هي نتيجة المعلومات التي قلتُها لهم؟!

قال «تختخ»: الحقيقة أنهم أثاروا شهيتي للمغامرة … إن أمامنا لغزًا من طرازٍ فريد … وإن كانَت معلوماتنا قليلة، فمن الممكن الوصول إلى خيط عن طريق مُصوِّر الفرح … فلو استطعنا الحصول على صورة الرجل الذي أعطاني الحقيبة؛ فقد نجد في أرشيف الشرطة معلومات عنه تقودنا إلى العصابة.

قالَت «لوزة» مُتحمِّسة: لماذا لا نذهب الآن للبحث عن المصوِّر؟! إن الساعة حوالي التاسعة والربع … ومن المؤكَّد أن الفرح لم ينتهِ بعد.

تختخ: هيا بنا.

وقفزوا جميعًا إلى درَّاجاتهم … وانطلقوا إلى الكورنيش … وعندما اقتربوا من الجود شوط سمعوا عزف الموسيقى … فأسرع «تختخ» بترك درَّاجته، ثم دخل إلى الكازينو مسرعًا … ووجد الفرح ما زال مستمرًّا، والمصوِّر ينتقل بين المدعوِّين ويلتقط الصور هنا وهناك.

انتظر «تختخ» لحظات ليُفكِّر في حديث مُقنع يقوله للمصوِّر، ثم تقدَّم منه في لحظة كان فيها يُغيِّر فيلمًا … وقال له: إنني مُعجب جدًّا بأسلوبك في التصوير … ولقد التقطتَ لي صورةً منذ ساعة تقريبًا، وأُريد الحصول عليها!

قال المصوِّر في ابهاج: متى تمَّ التصوير؟

تختخ: منذ ساعة كما قلتُ لك … وكنتُ أجلس في آخر الصفوف عند الكورنيش.

المصور: إنني سأُحمِّض الأفلام الليلة … وستكون مجهَّزةً غدًا، ويمكنك أن تمر بي في منتصف النهار، وهذا عنواني.

وأعطاه المصوِّر بطاقةً عليها اسمه وعنوانه … فشكره «تختخ»، وأسرع إلى الأصدقاء وقد أحسَّ أنه أمسك بطرف الخيط.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤