يوم سيِّئ

عندما خرج «تختخ» مع الشاويش أحاطَت به مجموعة من الناس تتفرَّج عليه، ونظر إلى ساعته، كانَت الثامنة والنصف … أي إنه ظلَّ مغمًى عليه أربع ساعات كاملة، لقد كانَت ضربةً قاسية.

ومشى في الشارع والشاويش بجواره … ونظرات الناس تتفحَّصه … كانَت هذه أول تجرِبة في حياته من هذا النوع … وأحسَّ بضيقٍ شديد … ولكن لم يكن أمامه إلا الاستسلام لما يحدث … حتى يُوضِّح موقفه.

وعندما غادر شارع ١٣٠ وانحرفوا إلى ناحية المحطة … ظهر فجأةً كلب يجري في اتَّجاه الزحام، كان «زنجر» الذي ألقى بنفسه على صدر «تختخ» كأنه لا يُصدِّق أنه وجده … وخلف «زنجر» ظهر «محب» و«عاطف» و«لوزة» و«نوسة» … وأسرع «محب» يجتاز السائرين … ويحتضن «تختخ» قائلًا: ما هذا؟! ماذا حدث؟!

ابتسم «تختخ» قائلًا: لا شيء مهم … لقد قبض عليَّ الشاويش «فرقع» في محل المُصوِّر وهو يتهمني بالسرقة والاعتداء!

التفتَ «محب» إلى الشاويش قائلًا: ما هذا يا شاويش؟! كيف تتهم «تختخ» وتقبض عليه؟!

لم يردَّ الشاويش على «محب» … وتظاهر بأنه لا يسمعه، فقال «تختخ»: لا فائدة من الحديث معه … المهم ماذا جاء بكما؟

محب: عمَّتُك أيقظتَني منذ ساعة … فقد ذهبَت إلى غرفتك للاطمئنان عليك فلم تجِدك … واتصلَت بي.

وجَّه «تختخ» الحديث إلى «عاطف» قائلًا: أرجو أن تُسرع يا «عاطف» إليها … قل لها إنكَ وجدتَني عند صديق طلبني في ساعة مُبكِّرة … وإنني سأعود في خلال ساعة.

انطلق «عاطف» مسرعًا لتنفيذ المُهمَّة … وعادَت كلٌّ من «لوزة» و«نوسة» إلى منزلها … وسار «محب» بجوار «تختخ» حتى وصلا إلى القسم … ودخلوا مع الشاويش الذي بدأ على الفور محضرًا الاستجواب «تختخ» في الظروف التي أدَّت إلى وجوده داخل محل المُصوِّر، وأصرَّ «تختخ» على ما قاله للشاويش. إنه ذهب إلى المحل لإحضار صور اتَّفق مع المُصوِّر على التقاطها له، وطلب سماع أقوال المُصوِّر.

وكان السؤال الصعب الذي سأله الشاويش هو: لماذا ذهب في الصباح الباكر لهذا الغرض؟

وانتهز «تختخ» فرصة أن الشاويش لا يعرف موعد ذهابه إلى المُصوِّر وقال: لقد ذهبتُ إليه في الثامنة صباحًا، وهو موعد معقول جدًّا، فلمَّا وجدتُه مُصابًا حاولتُ إسعافه، وفُوجِئتُ بمن يضربني من الخلف.

وبرم الشاويش شاربه مُفكِّرًا، فقال «تختخ»: إنني أطلب سماع أقوال المُصوِّر … فإذا لم يُصدِّق على أقوالي؛ فمن حَقِّك اتَّهامي بما تشاء!

الشاويش: إن المُصوِّر في حالة خطرة … ولا أعرف متى أستطيع سماع أقواله. وفكَّر لحظات، ثم قال: على كل حال سوف أُفرج عنك بضمان شخصيتك … وأرجو ألَّا تذهب بعيدًا … فسوف أطلبك مرةً أخرى.

تختخ: وأين المُصوِّر؟

الشاويش: إنه في المستشفى …

وخرج «تختخ» و«محب» و«زنجر» واتجهوا جميعًا إلى منزل «تختخ»، ولم يكَد «تختخ» يظهر في أول الشارع حتى سمع صوت عمَّته يُناديه … وأسرع إليها، وتعرَّض لاستجوابٍ قاسٍ منها.

وطلب «تختخ» من «محب» أن يجمع المغامرين فورًا في غرفة العمليات بمنزل «تختخ»، وأسرع هو يغتسل ويُغيِّر ملابسه ويتناول إفطاره … وبعد ساعةٍ كان المغامرون الخمسة و«زنجر» يجلسون في الغرفة الواسعة، وأمامهم أكواب عصير الليمون.

وقال «تختخ»: لو قلتُ لكم إن زعيم عصابةٍ إيطالي يُحاول الانتقام منَّا الآن، فمن يكون هو؟

أجابَت «نوسة» فورًا: «كلب البحر»!

ابتسم «تختخ» ﻟ «نوسة» ذات الذاكرة الممتازة، وقال: بالضبط … إن «كلب البحر» الذي أوقعْنا به في المغامرة التي تحمل اسمه في مصر الآن … وقد قرَّر الانتقام منا بواسطة أقوى مجموعة من الرجال قابلناهم حتى الآن … ولْنُطلِق عليهم مُؤقَّتًا اسم مجموعة «يانج شي يانج»، وهي كلمة السر التي بيني وبينهم.

قال «عاطف»: إنك تُحدِّثنا بالألغاز … ما هي الحكاية بالضبط؟

تختخ: سأروي لكم قصةً من أعجب القصص التي مرَّت بنا … هذه القصة التي بدأَت بخطف «لوزة»، وانتهَت حتى الآن بخطفي أنا …

قالَت «لوزة» بارتياع: خطفك أنت؟!

تختخ: نعم … لقد تمَّ خطفي أمس دون أن أتمكَّن من المقاومة، ولكن المختطفين أفرجوا عني بشرط!

وسكت لحظات وقال: بشرط أن نُساعدهم على إعادة العنكبوت الذهبي … وأنا شخصيًّا مقتنع بأنَّهم يستحقون المساعدة … لقد كانوا ضحية «كلب البحر» الذي يُريد استخدامهم للانتقام منا … ولولا أنني استطعتُ أن أُوضِّح لهم حقيقة موقفنا لما تردَّدوا لحظةً في القضاء علينا … والحقيقة أنَّهم يملكون أسلحةً لا قِبل لنا بمواجهتها.

كان المغامرون الأربعة … و«زنجر» أيضًا يستمعون بانبهارٍ شديد … ومضى «تختخ» يروي لهم الأحداث التي مرَّ بها حتى شاهدوه في الشارع مقبوضًا عليه.

وساد الصمت بعد أن انتهى «تختخ» من حديثه … كان كل واحدٍ من المغامرين يُفكِّر فيما حدث … وكان السؤال الذي يُفكِّر فيه الجميع هو: وماذا بعد؟

وجاءَت الإجابة بأسرع ممَّا يتوقَّعون … دقَّ جرس التليفون … وعندما رفع «تختخ» السمَّاعة سمع على الطرف الآخر صوتًا مرحًا يتحدَّث: هل أنت «توفيق»؟

ردَّ «تختخ»: نعم … من المتحدِّث؟

قال الرجل: إنني صديقك الذي قابلتَه في الكازينو أمس ليلًا.

تختخ: وهو الصديق الذي ضربني أمس في محل المُصوِّر «فلاش»؟

رد الرجل: أنتَ شديد الذكاء … كيف ربطتَ بيني وبين هذا الحادث؟

تختخ: لأنكَ صاحب المصلحة الوحيد في الحصول على الصور التي أخذها المُصوِّر قبل أن تقع في أيدي رجال الشرطة.

ضحك الرجل وقال: بالضبط … لعلك ظننتَ أنني غبي … لقد لاحظتُ أن الصور التي التقطها المُصوِّر سأظهر فيها معك … وهذا إثباتٌ كافٍ ويُعرِّضني للخطر.

تختخ: وهكذا سبقتني إلى المحل … وضربتَ المُصوِّر واستوليتَ على الصور.

قال الرجل: هذا ما حدث بالضبط … وممَّا يؤسَف له أنكَ حضرتَ وأنا أبحث عن الأفلام، فاضطُررتُ إلى معاملتك بقسوة.

تختخ: إنكَ لستَ «كلب البحر»!

ساد الصمت لحظات، ثم قال الرجل: ما دخل «كلب البحر» فيما نتحدَّث فيه؟!

تختخ: دَعْك من اللفِّ والدوران … لقد عرفتُ أن «كلب البحر» هو بطل هذه العملية للانتقام من هزيمته في ميناء «فينسيا».

قال الرجل: إنكَ شديد الخطورة يا صديقي … ومعلوماتك صحيحة … إنني لستُ «كلب البحر» … ولكن …

وقبل أن يُتم جملته سمع «تختخ» صوتًا نسائيًّا يقول: رقم ٨١٣٣٧٧؟ كان واضحًا أنها عاملة السنترال، فأجاب الرجل: نعم … هذا هو الرقم.

قالَت العاملة: مكالمة لكَ من «إيطاليا».

وانقطع الخط وقال «تختخ» وهو يضع السمَّاعة: تليفون ٨١٣٣٧٧، هو رقم تليفون المكان الذي ينزل به «كلب البحر» ومن معه … لقد جاءَت مكالمة من «إيطاليا».

محب: هذه خبطة حظٍّ موفقة؛ لو استطعنا أن نعرف أين يوجد هذا الرقم!

تختخ: إنه رقم من سنترال الزمالك على ما أظن … ويغلب على الظن أن المكان في حي الزمالك، أو بعض الأحياء المجاورة؛ مثل مدينة المهندسين، أو مدينة الصحفيين … أو المعلمين.

لوزة: وكيف الوصول إلى تحديد المكان؟

تختخ: لا أحد يستطيع إلا هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية، وهؤلاء لا يمكن أن يبحثوا إلا بتعليمات وأوامر.

وفجأةً صاح «تختخ» وهو يمسك بسمَّاعة التليفون: وجدته!

عاطف: ما هو الذي وجدتَه؟

تختخ: حل المشكلة!

وأدار «تختخ» رقم تليفون ٩٧٥٥٠٠، واستمع قليلًا، ثم قال: من فضلك قسم الحوادث.

وبعد لحظة قال: الأستاذ «علاء».

وعرف المغامرون الأربعة أن «تختخ» يتصل بصديقه «علاء الوكيل»، رئيس قسم الحوادث في جريدة الجمهورية.

واستمع الأصدقاء إلى «تختخ» وهو يتحدَّث: أستاذ «علاء» … أنا «توفيق»!

واستمع لحظات، ثم قال: آسف لأنني لم أتصل بكَ منذ فترة طويلة … ولكني أتصل بكَ الآن لأمرٍ هام جدًّا … ستحصل على سبقٍ صحفي لم يَسبِق أن حصلتَ عليه.

واستمع لحظات، ثم قال: لا … الشرطة لا تعلم عنه شيئًا حتَّى الآن …

ثم قال: إنني أُريد أن أعرف أين يوجد تليفون رقم ٨١٣٣٧٧.

ثم قال: نعم … إنني أظن أنه يتبع سنترال الزمالك، فهل يمكن أن تصل إلى العنوان؟

ابتسم «تختخ» لأول مرة في هذا اليوم وهو يقول: شكرًا يا أستاذ «علاء».

ووضع السمَّاعة، ثم التفتَ إلى الأصدقاء قائلًا: سيتصل «علاء» بصديقه المهندس مدير السنترال وسيحصل على العنوان.

محب: أعتقد أن علينا أن نُحدِّد ماذا نفعل إذا عرفنا العنوان حتى لا نُضيع وقتًا.

قالَت «نوسة»: هناك شيء آخر؛ إن العصابة الإيطالية وواضح أن أعوانها أذكياء جدًّا سيعرفون أننا قد نصل إلى مكانهم عن طريق رقم التليفون، وسوف يُغيِّرون مكانهم بسرعة.

قال «تختخ»: هذا صحيح … ولكن هناك نقطة في صالحنا … إن القاهرة مدينة مزدحمة، وليس من السهل أن يجدوا مكانًا آخر بهذه السرعة، وفي الوقت نفسه قد يُفكِّرون أنه من الصعب علينا أن نعرف مكانهم عن طريق التليفون بهذه السرعة. المهم الآن أن ننتظر ونرى ما يفعل الأستاذ «علاء».

وفي هذه اللحظة دقَّ جرس التليفون مرةً أخرى، ورفع «تختخ» السمَّاعة واستمع لحظات … وسأله «محب»: هل هو الأستاذ «علاء»؟

هزَّ «تختخ» رأسه بالنفي، ومضى يستمع في انتباه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤