أحداث سريعة

عندما خرج الأصدقاء إلى الطريق قال «عاطف»: ألم تُلاحظ شيئًا يا «تختخ»؟

وقبل أن يُجيب «تختخ» أكمل «عاطف» قائلًا: إنهم غير مُسلَّحين!

تختخ: برافو «عاطف». هذه الملاحظة تُوضِّح الموقف كله.

محب: كيف؟

تختخ: سأقول لكم بعد أن نبتعد … لاحظوا ما إذا كنا متبوعين.

وساروا وقال «محب»: إننا متبوعون فعلًا!

تختخ: لن نتجه إلى السيارة … لقد لاحظتُ وجود محل اسمه «باباز» في الطريق، سندخل هناك لنتناول بعض السندوتشات والعصير؛ فإنني جائع …

عاطف: ألَّا تنسى بطنك أبدًا حتى في هذا الوقت الحرج!

تختخ: إذا نسيتُ بطني، فإنها لن تنساني!

كانوا يسيرون بهدوء كأنهم ليسوا متبوعين في مغامرة مثيرة … وقال «تختخ»: حاولا أن تضحكا.

محب: بدون سبب!

عاطف: هل أقول لكم آخر نكتة؟

محب: تلك التي سمعناها في الصيف الماضي؟

وضحكوا برغم أنه ليس هناك سبب للضحك … ووصلوا إلى محل «باباز» وجلسوا وطلبوا بعض السندوتشات وعصير الجزر … ونظر «تختخ» خارج المحل ولاحظ وجه الرجل الذي كان يتبعهم … وخفق قلبه سريعًا … هذه النظرة … وهذا القوام … إن هذا الرجل ليس غريبًا عنه.

ومضى بعض الوقت … وغادر الرجل مكانه خلف زجاج المحل، فقام «تختخ» مسرعًا إلى التليفون، وأدار الرقم … وعندما استمع إلى الصوت الذي ردَّ عليه … وضع السمَّاعة دون أن يتحدَّث … وانتظر لحظات، ثم طلب الرقم مرةً ثانية … وعندما استمع إلى الصوت مرةً ثانية، وضع السمَّاعة دون أن يتحدَّث … ثم عاد إلى «محب» و«عاطف» اللذَين كانا يُلاحظان ما يفعله «تختخ» وهما في غاية الدهشة.

قال «محب»: ماذا تفعل؟

تختخ: لا شيء … سوى أنني أُريد الحديث إلى الزعيم الإيطالي.

محب: ألم تشبع حديثًا معه؟!

تختخ: إنني أُريد أن أُحدِّثه على انفراد.

محب: ولماذا لا تطلب الحديث إليه؟

تختخ: لو عرف رجاله أنني سأُحدِّثه وحده لضاع كل شيء.

محب: إنني لا أفهم شيئًا!

تختخ: ستفهم كل شيء حالًا …

وابتلع «تختخ» لقمةً كبيرةً أتبعها بجرعةٍ من عصير الجزر، وقال: المسألة الآن أصبحَت واضحةً لي … إن رجال الزعيم الإيطالي هم الذين سرقوا التمثال من المعبد دون علم زعيمهم الذي يعمل الآن في مهنةٍ شريفة.

ونظر «محب» و«عاطف» إلى «تختخ» في دهشة، فمضى يقول: وقد اتجهَت شبهات جماعة «يانج» إليه … وكانَت المطاردةُ التي وصلَت إلى مصر … وعندما اتصلَت جماعة «يانج» به ونفى أنه سرق التمثال لم يُصدِّقوه … وانتهز هو الفرصة ليضعنا في مأزق على سبيل المزاح … ولكن المزاح انقلب إلى جدٍّ خالص … فقد عرف رجاله الاتفاق الذي تمَّ بينه وبين عصابة «يانج»، وقرَّروا أن يستولوا على مبلغ الخمسين ألف جنيه بالإضافة إلى التمثال أيضًا … وهكذا ذهب واحد منهم في الموعد، فأخذ مني الحقيبة وسلَّمني قطع الحديد بدله.

كان «محب» و«عاطف» يستمعان في انبهار إلى تفسير «تختخ» الذي مضى يقول: ولمَّا قابلتُ الرجل ولاحظ أن المُصوِّر التقط صورته؛ عرف عنوانه، وذهب للاستيلاء على الأفلام … وقد دخلتُ وهو هناك فلم يتردَّد في ضربي والهرب … وقد كان المفروض أنهم سيُسافرون اليوم وتنتهي القصة كلها باستيلائهم على التمثال والنقود معًا … ولكن المكالمة التي جاءت من «إيطاليا» أخَّرَتهم … وحضوري أزعجهم.

وعندما حضرنا إلى «الفيلا» قابلَنا رجلان ولم يُقابِلنا الثالث؛ لأنه هو الذي قابلني في الكازينو وهو الآن يتبعنا … ولعلَّكم لاحظتُم أنه لم يكن هناك سلاح معهم … وحكاية البندقية الموجَّهة إلينا كانَت أُكذوبةً لإرهابنا …

عاطف: وبعد؟

تختخ: لقد اختفى الرجل الآن … وأعتقد أنه عاد إلى «الفيلا» … وأن الزعيم الإيطالي في خطر.

محب: ماذا تقصد؟

تختخ: إن الرجال الثلاثة سيُحاولون التخلُّص منه … لأنه سيعرف الحقيقة … فعندما كنتُ أُسلِّم عليه ضغطتُ يده، وعرف أنني أُريد أن أوصل له رسالةً بيني وبينه … وفهم من هذا أن رجاله ربَّما كانوا ضالعين في عملية سرقة العنكبوت الذهبي، والاستيلاء على النقود دون أن يعلم.

عاطف: يجب أن نخرج فورًا.

تختخ: نعم … هيا بنا …

ودفعوا الحساب وغادروا المحل سريعًا إلى السيارة التي كانَت ما تزال واقفةً بجوار السينما … قال «تختخ» وهو يركب بسرعة: في هذا الشارع.

وأشار «تختخ» إلى شارع «عرابي» … فدارَت السيارة دورةً واسعةً بسرعة هائلة، جعلَت عجلاتها تصر على الأسفلت، ثم مضى كالصاعقة … وفي دقائق قليلة كانَت تقف بجوار الرصيف المقابل ﻟ «الفيلا» الحمراء.

طلب «تختخ» من الرجلَين أن يتبعاه، ثم قال ﻟ «محب»: إن الرجل الذي كان يتبعنا سيأتي ماشيًا، وسيصل بعد دقائق، فتصرَّف معه أنت والسائق و«عاطف».

ودخل «تختخ» «الفيلا» ومعه العملاق … وسمع على الفور ما كان يتوقَّعه … صوت عراك، وضرب صادر من الصالة. كان الباب مغلقًا، فأشار «تختخ» إلى العملاق، فانقضَّ على الباب بكتفه فخلعه من مكانه … واندفع الثلاثة إلى الداخل؛ كان الرجلان قد نجحا في التغلُّب على زعيمهم … وأحدهم يشد وثاقه … فلمَّا فُتح الباب عَنوة، قفز أحدهم جانبًا شاهرًا خنجره … ولكن العملاق انقضَّ عليه بحركة «كاراتيه»، وانقضَّ «تختخ» على الرجل الآخر … وسقطا على الأرض وتدحرجا … كان الرجل قويًّا كالثور … وسرعان ما كان يقبض على عنق «تختخ» بأصابع من فولاذ محاولًا خنقه، وتذكَّر «تختخ» كيفية التخلُّص من هذه الحركة … فقد دفع بأصابعه ناحية عينَي الرجل الذي اضطُر إلى إبعاد رأسه، فخفَّ الضغط على عنق «تختخ» قليلًا، واستطاع أن يتنفَّس بعد أن أحسَّ برأسه يدور، والدنيا تسوَد أمام عينَيه.

كان العملاق قد تخلَّص من الرجل الآخر … فتقدَّم من الرجل الجاثم على صدر «تختخ»، وأمسك إحدى ساقَيه ولواها بقسوة، حتى إن «تختخ» سمع فرقعة عظام الرجل الذي صاح متألمًا … وأفلتَت أصابعه من عنق «تختخ» … فقام واقفًا.

شاهد «تختخ» العملاق يحمل الرجل بين يدَيه كطفلٍ صغير … ثم رفعه إلى فوق، وكاد يُلقيه على الأرض، ولكن «تختخ» أشار إليه … فقد سمع في هذه اللحظة صوت أقدام تصعد السلَّم.

وظلَّت ذراعا العملاق تحملان الرجل وهو لا يدري ماذا يُريد «تختخ»، وفي هذه اللحظة ظهر الرجل الثالث على الباب … يحمل مسدسًا في يده اليمين … وجاءَت اللحظة الحاسمة … ولكن العملاق تصرَّف في هذه اللحظة تصرُّفًا سليمًا … فقد ألقى بالرجل الذي يحمله على الرجل الذي يحمل المسدس … فسقط الاثنان يتدحرجان على الأرض … وسقط المسدَّس من يد الرجل، فأسرع «تختخ» يلتقطه.

كان الزعيم الإيطالي قد أفاق وأخذ ينظر حوله في ذهول، ثم قال: ماذا حدث في هذا العالم؟

فقال «تختخ» مبتسمًا: لا شيء سوى أن رجالك الثلاثة سرقوا التمثال دون أن تعلم، وأخذوا النقود دون أن تعلم … وكادوا يفتكون بك!

قال الإيطالي: دون أن أعلم أيضًا!

تختخ: ألم أُحذِّرك عندما ضغطتُ يدك؟

الإيطالي: نعم … ولكن ما كِدتَ تخرج حتى انقضَّ الرجلان عليَّ … محاولين شد وثاقي … وقد تعاركنا طويلًا … ثم تمكَّنا من التغلُّب عليَّ.

تختخ: هل معك حقائب في هذه «الفيلا»؟

الإيطالي: نعم … حقائب كثيرة … بعضها للملابس … وبعضها للبضائع …

تختخ: أُرجِّح أننا سنجد التمثال والنقود في إحداها.

وبدأ تفتيش الحقائب، ولم يستمرَّ الأمر طويلًا … فقد عثروا على التمثال والنقود في إحدى الحقائب … وصاح العملاق صيحةً رجَّت جدران «الفيلا»، ثم سقط على ركبتَيه واستغرق في صلاة حارة.

•••

اتصل «تختخ» تليفونيًّا بصديقه الأستاذ «علاء» في قسم الحوادث، وطلب منه إبلاغ الشرطة بوجود ثلاثة لصوص إيطاليين في «الفيلا» … وروى له بسرعة ما حدث، وطلب منه الحضور مع رجال الشرطة لتصوير أبطال الحادث، والعنكبوت الذهبي، والحصول على خبطة صحفية لا مثيل لها.

وغادر «تختخ» «الفيلا» ووجد «محب» و«عاطف» والسائق يقفون قريبين منها، فصاحوا به: الرجل لم يصل بعد!

ابتسم «تختخ» قائلًا: لقد جاء وضُرب، وهو الآن ملقًى على الأرض في إغماءة طويلة.

محب: ولكنه لم يمرَّ بنا!

تختخ: لقد جاء من الباب الخلفي لمفاجأتنا.

•••

في ذلك المساء وقفَت سيارة أمام فيلا «تختخ» حيث كان الأصدقاء يستمعون إلى «تختخ» وهو يروي لهم تفاصيل المغامرة … ونزل منها العملاق يحمل صندوقًا صغيرًا قدَّمه إلى «تختخ» وعليه بطاقة من «يانج» للشكر على جهود المغامرين الخمسة في إعادة التمثال والنقود … وفتح المغامرون الصندوق … وكان به تمثال من الفضة للعنكبوت … وزجاجة من عطر الشرق … وكلمة واحدة … «شكرًا. «يانج».»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤