الدرس الثاني والعشرون

الدَّين الحكومي

(مستوى متقدم)

ستتعلم في هذا الدرس

  • الفرق بين العجز الحكومي والدين الحكومي.

  • العلاقة بين الدين الحكومي والتضخم.

  • كيف يزيد الدين الحكومي أجيالَ المستقبل فقرًا.

(١) العجز الحكومي والدين الحكومي

كأي شركة خاصة، تجمع الحكومة إيرادات تستخدمها في الإنفاق على التكاليف. ومثلما تمر الشركات الخاصة بفترات تزداد فيها النفقات عن الإيرادات، تشهد الحكومة أيضًا فترات مشابهة. فقد تود الحكومة خلال إحدى فترات الموازنة أن تنفق على البرامج الاجتماعية والأغراض العسكرية وغيرها نقودًا أكثر مما تجمعه من الضرائب ورسوم استخدام المتنزَّهات العامة … إلخ. وعندما تنفق الحكومة أكثر مما تجمع، فإنها تواجه «عجز الموازنة».

في معظم التعليقات والتقارير، يقاس عجز الحكومة على أساس سنوي. على سبيل المثال: قد يقول أحد منتقدي الرئيس الأمريكي رونالد ريجان: «كادت الموازنة الفيدرالية الأمريكية أن تتضاعف ثلاث مرات خلال الثمانينيات؛ إذ ارتفعت من نحو ٧٤ مليار دولار عام ١٩٨٠ إلى ٢٢١ مليار دولار عام ١٩٩٠.»١ والحق أن هذه الجملة تخبرنا فحسب بالوضع المالي للحكومة الفيدرالية في عامين مختلفين؛ فعجز الموازنة في عام ١٩٨٠ يمثل الفرق بين إيرادات هذا العام ونفقاته، بينما العجز في عام ١٩٩٠ يمثل الفرق بينهما ولكن بعد مرور عشر سنوات.

في بعض الأحيان يستخدم واضعو التقارير لغة فضفاضة عند الحديث عن أحد البرامج الحكومية الجديدة. ربما يقول أحدهم على سبيل المثال: «لأن تشريعات الإصلاح الصحي الجديدة سترفع الإنفاق الفيدرالي بمقدار ٩٠٠ مليار دولار في حين سترفع الضرائب بمقدار ٨٠٠ مليار دولار فقط، فسيضيف ذلك ١٠٠ مليار دولار إلى العجز على مدى السنوات العشر المقبلة.» لكن لأن معظم الأفراد يستخدمون مصطلح «العجز» للتعبير عن وجود فرق بين الإيرادات والنفقات خلال سنة واحدة، تبقى الجملة السابقة محيِّرة. الأمر أشبه بقول أحد المعلقين على مباراة بيسبول إن لاعب البيسبول الشهير قد حقق متوسط ٣٠٠٠ تسديدة خلال السنوات العشر الأولى من مشاركته في الدوري الرئيسي.

يقيس عجز الحكومة الفرق بين النفقات والإيرادات خلال فترة زمنية محددة، وهو «متغير تدفقي» يحدث على مدار فترة زمنية (سنة على سبيل المثال). وعلى العكس، يشير الدين الحكومي إلى إجمالي النقود التي تدين بها الحكومة للمؤسسات أو الأفراد.٢ والدين «متغير مخزون» بمعنى أن قيمته تكون محددة في أي وقت من الأوقات. على سبيل المثال: قد يسأل سائل: «كم كان إجمالي الدين الحكومي ظهيرة يوم الاثنين؟» لكن ليس منطقيًّا أن تسأل: «كم كان عجز الموازنة الفيدرالية ظهيرة يوم الاثنين؟» إلا إذا كنت تفكر في «نقطة بداية» محددة وأنت تطرح سؤالك، بحيث يكون السؤال الفعلي: «كم أنفقت الحكومة بين «نقطة البداية» وبين ظهيرة يوم الاثنين مقارنة بما جمعته من ضرائب خلال الفترة نفسها؟»
وعندما تُحدِث الحكومة عجزًا، فإنها تغطي هذا العجز مثلما قد تفعل الشركات؛ فتصدِر دينًا بمعنى أنها تبيع سندات خزانة لمستثمرين خارجيين.٣

(١-١) الفائدة على «الدين القومي»

عندما تقترض الحكومة أموالًا من المقرِضين ببيعهم سندات حكومية، تكون ملزمة بدفع فائدة لهم. وما يحدث تحديدًا أن المستثمرين يدفعون مقابل السند قيمة أقل من «القيمة الاسمية»،٤ حيث يساهم الفارق في رفع معدل الفائدة الضمنية (أو العائد) على السند. فإذا قلنا إن مستثمرًا اشترى سندًا إذنيًّا من الحكومة الفيدرالية الأمريكية تتعهد فيه الحكومة بأن تدفع له ١٠٠٠٠ دولار في غضون عام تحديدًا، لكن المستثمر لن يدفع سوى (نحو) ٩٥٢٤ دولارًا، فإنه بذلك يجني عائدًا نسبته ٥٪ من أمواله، لأن ٩٥٢٤ × ١٫٠٥ = ١٠٠٠٠ دولار (تقريبًا).
ومع زيادة عجز الموازنة تزداد أيضًا مدفوعات الفائدة المقررة على الدين.٥ وعندما يتحدث الأفراد عن «الدين القومي» الهائل — الذي يكادون يقصدون به دائمًا الدين الحكومي — فربما يعبرون عن سخطهم من أن مدفوعات الفائدة تمثل أكبر أوجه الإنفاق الحكومي التي لا تترك وراءها سوى القليل من المال لتمويل برامج الحكومة الأخرى.
يوضح الجدول الآتي الوضع المالي لحكومة افتراضية على مدار ثلاثة أعوام. وبإلقاء نظرة سريعة على الجدول ستحظى بفهم أفضل لكل من: العجز الحكومي، والدين الحكومي، ومدفوعات الفائدة:
٢٠١٠ ٢٠١١ ٢٠١٢
الإيرادات الضريبية ١ تريليون دولار ١ تريليون دولار ١ تريليون دولار
النفقات ١٫١ تريليون دولار ١ تريليون دولار ٩٧٥ مليار دولار
العجز/الفائض ١٠٠ مليار دولار (عجز) ٠ دولار (عجز) «٢٥ مليار دولار» (فائض)
الدين في البداية ٠ دولار ١٠٠ مليار دولار ١٠٠ مليار دولار
الدين في النهاية «١٠٠ مليار دولار» ١٠٠ مليار دولار «٧٥ مليار دولار»
النفقات
عسكرية ٣٠٠ مليار دولار ٢٨٠ مليار دولار ٢٧٠ مليار دولار
اجتماعية ٨٠٠ مليار دولار ٧١٥ مليار دولار ٧٠٠ مليار دولار
فائدة ٠ دولار ٥ مليار دولار ٥ مليار دولار
التمويل
(ليس لدى الحكومة سندات مستحقة الأداء من العام الماضي لتسدد قيمتها.) على الحكومة استرداد ١٠٥٠٠٠٠٠ سند بالقيمة الاسمية ١٠٠٠٠ دولار، أي إنها ستدفع ١٠٥ مليار دولار. على الحكومة استرداد ١٠٥٠٠٠٠٠ سند بالقيمة الاسمية ١٠٠٠٠ دولار، أي إنها ستدفع ١٠٥ مليارات دولار.
تبيع (تصدر) الحكومة ١٠٥٠٠٠٠٠ سند (بقيمة اسمية ١٠٠٠٠ دولار) بسعر ٩٥٢٣٫٨١ دولارًا للسند الواحد كي تجمع «١٠٠ مليار دولار». تعيد الحكومة إصدار ١٠٥٠٠٠٠٠ سند بسعر ٩٥٢٣٫٨١ للسند الواحد كي تجمع ١٠٠ مليار دولار. تعيد الحكومة إصدار ٧٨٧٥٠٠٠ سند بسعر ٩٥٢٣٫٨١ للسند الواحد كي تجمع «٧٥ مليار دولار»، وبذلك تسدد «٢٥ مليار دولار من الدين».
يتضمن الجدول السابق الكثير من المعلومات، لكن قضاء بضع دقائق لفهمه سيكون كفيلًا بأن تفهم جيدًا آلية تمويل الدين الحكومي. وفيما يلي بعض النقاط العامة:
  • في أي سنة من السنوات الثلاث (أيّ عمود رأسي)، الإيرادات الضريبية تساوي ١ تريليون دولار، والنفقات تتغير. لكن النفقات تساوي دائمًا إجمالي ما يُنفق في هذه السنة على البرامج العسكرية والاجتماعية وسداد الفائدة على الدين.

  • إذا كانت الإيرادات الضريبية أعلى من النفقات يكون هناك فائض. وإذا كانت الإيرادات أقل يكون هناك عجز. أما إذا تساوت الإيرادات مع النفقات فتكون الموازنة في حالة توازن.

  • يتغير الدين الحكومي على مدار السنة وفقًا للفائض أو العجز في تلك السنة.

  • عندما تستدين الحكومة، يتعين إنفاق جزء من إيراداتها الضريبية لسداد الفائدة على الدين. وحتى إذا وصلت الحكومة بالموازنة إلى حالة التوازن في إحدى السنوات، فلن يتبقى أمامها إلا القليل لتنفق على البرامج العسكرية والاجتماعية إذا كان عليها دين من سنوات سابقة.

  • عندما تعيد الحكومة إصدار (أو تمويل) دين مستحَق، فلا يدخل ذلك ضمن حساب النفقات. وقد حدث ذلك في سنة ٢٠١١ في الجدول السابق. فموازنة الحكومة متوازنة مع أنها ملتزمة بدفع ١٫١ تريليون دولار بينما إيراداتها الضريبية تساوي ١ تريليون دولار فقط. ومن بين ١٠٥ مليارات دولار تلتزم الحكومة بدفعها لحاملي السندات (الذين اشتروها في عام ٢٠١٠)، فإن ٥ مليارات فقط هي ما تعد نفقات حكومية — تحت مسمى حساب الفائدة — في عام ٢٠١١. أما المائة مليار الأخرى فيعاد تمويلها عن طريق إعادة إصدار دين بنفس القيمة في شكل سندات جديدة يستحق أجلها بعد سنة واحدة.

  • في أي وقت من الأوقات، يكون الدين الحكومي مستحق الدفع هو «القيمة السوقية الحالية» للسندات الحكومية التي يملكها المواطنون. وهذا الرقم يقل عن مجموع القيمة الاسمية لجميع السندات القائمة، لأن الحكومة ليست ملزَمة بدفع القيمة الاسمية كاملة قبل أن يحين وقت الاستحقاق الفعلي. وإذا كان هذا الوضع سيظل قائمًا في المستقبل، يُخصم معدل الفائدة (٥٪ في مثالنا) من الالتزام التعاقدي للحكومة.

في المثال السابق يتكون الدين الحكومي بالكامل من سندات يحين موعد استحقاقها بعد سنة واحدة. وعلى أرض الواقع توزع الحكومة دينها على سندات ذات مواعيد استحقاق مختلفة (شهرًا، أو ثلاثة أشهر، أو ٦ أشهر، أو سنة، أو ٥ سنوات … إلخ). وهذا يتيح للحكومة التخطيط لميزانيتها على نحو أدق من خلال «تجميد» أسعار الفائدة فترة تطول عن السنة الواحدة عندما تقترض أموالًا.

(٢) الدين الحكومي والتضخم

من الشائع جدًّا أن يربط العامة بل المحللون الماليون المحنكون بين الدين الحكومي وارتفاع الأسعار. فكلما تواجه الحكومة الأمريكية عجز موازنة كبيرًا، قال كثيرون: «سيؤثر ذلك بالسلب على الدولار وسيسفر عن تضخم الأسعار.»

لا شك أن هناك شيئًا من الحقيقة في هذا الاعتقاد الشائع، وهناك أيضًا ارتباط تاريخي (وإن لم يكن ارتباطًا وثيقًا) بين الدين الفيدرالي الأمريكي ومؤشر أسعار المستهلك:

بالرغم من الارتباط العام الظاهر بين الدين الحكومي وارتفاع الأسعار، فمن المهم أن نستعين بالنظرية الاقتصادية السليمة كي نفهم السبب وراء ذلك. وأول نقطة مهمة هي أن عجز الموازنة الحكومية في حد ذاته ليس سببًا في حدوث التضخم. فعندما تُحدث الحكومة عجزًا، وتقترض أموالًا من خلال إصدار سندات جديدة، فإنها لا توجِد أموالًا جديدة في الاقتصاد. على العكس، عندما تُحدث الحكومة عجزًا بمبلغ ٢٠٠ مليار دولار مثلًا، فهذا يعني أن أفرادًا آخرين في الاقتصاد يفقدون القدر نفسه من الأموال التي يمتلكونها؛ فهم يعطون الحكومة ٢٠٠ مليار دولار مقابل سندات إذنية تصدرها الخزانة الأمريكية. تتميز سندات الحكومة الأمريكية بأنها أصول مالية رائجة للغاية، لكنها ليست مثل الدولارات الأمريكية؛ فهي ليست نقودًا. ومن هذا المنظور الضيق، فإن عجز الموازنة الحكومي ليس سببًا في حدوث التضخم، تمامًا كاتخاذ إحدى الشركات الخاصة قرارًا باقتراض أموال من الجمهور.

لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد. فكل ما أثبتناه هو أن عجز الموازنة الحكومي في حد ذاته لا يوجِد دولارات جديدة في الاقتصاد، ومن ثم لا ينبغي أن يكون له تأثير مباشر على أسعار السلع والخدمات في الولايات المتحدة. لكن الواقع أن عجز الموازنة يشكل حافزًا قويًّا أمام «الاحتياطي الفيدرالي» لإيجاد مزيد من الدولارات الأمريكية. في المقام الأول يميل تضخم الأسعار إلى تخفيف العبء «الفعلي» للدين. ومن خلال ارتفاع الأسعار في الاقتصاد — بما في ذلك الأجور والرواتب — عبر إيجاد دولارات جديدة، يستطيع بنك «الاحتياطي الفيدرالي» زيادة الإيرادات الضريبية بطريق غير مباشر. وهذا الأمر سيسهل المدفوعات الثابتة على الدين، خاصة الدين طويل الأجل الذي كان قد أُصدر قبل عدة سنوات.٦

يمكن توضيح العلاقة الأساسية بين الدين الحكومي والتضخم توضيحًا مبسطًا: فعندما ترغب الحكومة في إنفاق مبالغ طائلة من المال — أثناء حرب عالمية على سبيل المثال — لا يمكنها أن تجمع من الضرائب إلا مبلغًا محددًا. بعدها يمكنها جمع قدر آخر عن طريق الاقتراض. وعندها، إن كانت لا تزال راغبة في إنفاق المزيد من النقود، فسوف تلجأ إلى سكِّ نقود جديدة.

لنفترض أن الحكومة تريد إنفاق ٦ تريليونات دولار، في حين تبلغ إيراداتها الضريبية تريليوني دولار فقط. تستطيع الحكومة اقتراض الأربعة تريليونات دولار الباقية، لكن قد يشعر المستثمرون بالقلق إزاء ضخامة المبلغ، وربما يطالبون بمعدل فائدة أعلى كثيرًا من المعتاد. علاوة على ذلك، قد يعترض الجمهور على مثل هذا العجز الهائل (كجزء من إجمالي الموازنة) ويصرون على أن تخفض الحكومة نفقاتها. وفي ظل هذا المأزق قد تقترض الحكومة ١ تريليون دولار فقط، ثم تلجأ إلى سكِّ نقود جديدة بقيمة ٣ تريليونات دولار كي تتمكن من تغطية نفقاتها. وهنا تستغل الحكومة وضعها بوصفها المحتكر الأوحد لمنظومة النقد تمامًا مثلما يتصرف أحد المزورين في القطاع الخاص.

والواقع أنه في ظل النظام المالي المعمول به حاليًّا في الولايات المتحدة، لا تتصرف الحكومة على هذا النحو من الوضوح السافر. بدلًا من ذلك، إذا أرادت الحكومة استغلال سطوتها على طباعة النقود كي تغطي عجزًا تواجهه، فإنها تمر بعملية بالغة التعقيد؛ أولًا، تصدر وزارة الخزانة سندات دين جديدة للمشترين في القطاع الخاص بحيث تغطي عجز الموازنة الرسمية بالكامل، لكن سماسرة السندات في القطاع الخاص يكونون على استعداد لإسداء صنيع إلى وزارة الخزانة بتمويل تلك القروض الطائلة بأسعار فائدة منخفضة للغاية، لأن «الاحتياطي الفيدرالي» سرعان ما يتدخل ويشتري من سماسرة القطاع الخاص تلك السندات المصدرة حديثًا من وزارة الخزانة. ولا يدفع «الاحتياطي الفيدرالي» ثمن السندات من مدخراته السابقة، وإنما من خلال طباعة دولارات جديدة.

وأخيرًا، ينتهي الأمر بامتلاك «الاحتياطي الفيدرالي» السندات التي أصدرتها وزارة الخزانة، بينما يعود سماسرة السندات في القطاع الخاص إلى وضعهم الأصلي (بالإضافة لجني بعض المال من العمولات على التداول). وإذا عدنا إلى الوراء خطوة وتجاهلنا الوسطاء (سماسرة السندات من القطاع الخاص)، فإن ما يحدث في ذلك المخطط الكبير هو طباعة «الاحتياطي الفيدرالي» نقودًا جديدة وإقراضها لوزارة الخزانة التي تنفقها فيما بعد على برامجها المختلفة.٧ ومن ثم فعلى الرغم من التعقيد الذي يحيط بهذه العملية، فإن سيطرة الحكومة على المنظومتين المصرفية والنقدية منحتها خيار إيجاد نقود جديدة لتغطية عجز الموازنة. وتلك آلية مهمة يمكن بواسطتها أن يؤدي العجز الحكومي إلى حدوث تضخم نقدي وأخيرًا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

(٣) الدين الحكومي وأجيال المستقبل

في حلقات النقاش المعتادة، عادةً يزعم معارضو العجز الحكومي أنه يعد سرقة من أجيال لم تبصر النور بعد. والفكرة في ذلك أنه عندما تنفق الحكومة ١٠٠ مليار دولار إضافية لإرضاء الناخبين دون تسديد هذا المبلغ من خلال زيادة الضرائب، فإن الجيل الحالي سيتمتع بمائة مليار دولار إضافية بينما دافعو الضرائب في المستقبل هم الذين سيتحملون هذه التكلفة. فهل هذا الادعاء صحيح؟

كما في الربط الشائع بين الدين الحكومي والتضخم، يمكن الإجابة بنعم ولا في الوقت نفسه؛ نعم يتسبب العجز الحكومي في إفقار أجيال المستقبل، ولا فهو لا يفعل ذلك للسبب السطحي الذي يظنه معظم الناس.

عند التفكير في أي دين سواء أكان حكوميًّا أم خاصًّا، ضع في اعتبارك أن «كل السلع تُنتَج من موارد حالية». لا توجد آلة زمن تمكِّن الجيل الحالي من سرقة شطائر البيتزا وأقراص الفيديو الرقمية من أيدي أفراد سيعيشون في المستقبل بعد ٥٠ عامًا على سبيل المثال. فإذا أنفقت الحكومة ١٠٠ مليار دولار إضافية ليحصل كل ناخب على مبلغ ينفقه في أحد مراكز التسوق، لا يهم إن كان تمويل الإنفاق سيتم من خلال زيادة الضرائب أم الاقتراض. في كلتا الحالتين، «الجيل الحالي» (مجتمعًا) هو من سيدفع الثمن.

الآن، لا شك أن هناك اختلافًا على أرض الواقع في كيفية تقسيم هذا العبء بين أبناء الجيل الحالي، وهذا هو سبب تكرار مواجهة عجز الموازنة. إذا رفعت الحكومة الضرائب المفروضة على جميع المواطنين كي ترد لهم جميع الأموال في صورة شيك مصرفي، فسيكون ذلك عبثًا. لكن إذا اقترضت الحكومة ١٠٠ مليار دولار من مجموعة صغيرة من المستثمرين، ثم أعادت هذه الأموال إلى جميع الأفراد، فسيشعر الناخب العادي أنه ازداد ثراءً.

من بين سبل الكشف عن المغالطة في مقولة «نحن نحيا على حساب أبنائنا» أن تدرك أن مستثمري اليوم يورّثون سنداتهم الحكومية لأبنائهم. مؤكد أن عجز الموازنة المرتفع في الوقت الحاضر يعني أن الأمريكيين في المستقبل سيتكبدون ضرائب أعلى (لتسديد السندات الحكومية الجديدة). لكن بالمنطق نفسه، العجز المرتفع في الوقت الحاضر يعني أن الأمريكيين في المستقبل سيرثون أصولًا مالية أكثر (وهي السندات الحكومية نفسها!) من آبائهم، مما يعطيهم حق الاستفادة من مدفوعات الفائدة ومن أصل مبلغ القرض أيضًا.٨
إذن ما معنى كل ذلك؟ هل حالات العجز الحكومي المتفاقم لا تعدو أن تكون شيئًا صوريًّا؟ كلا، الأمر ليس كذلك، ومنتقدو العجز الحكومي محقُّون؛ فالعجز الحكومي يجعل أجيال المستقبل أكثر فقرًا. لكن الأسباب أقل جلاءً من الحقيقة الواضحة المتمثلة في أن الديون المرتفعة اليوم تسفر عن مدفوعات فائدة مرتفعة في المستقبل، لأن مدفوعات الفائدة هذه (كما بينَّا للتو) تنتقل مباشرة إلى حوزة الأفراد في المستقبل. وفيما يلي الأسباب الرئيسية في أن عجز الحكومة يزيد فقر الدولة على المدى الطويل:
  • ظاهرة التزاحم: عندما تواجه الحكومة عجز موازنة، ينتقل إجمالي الطلب على الأموال القابلة للإقراض نحو اليمين. ويؤدي ذلك إلى رفع معدلات الفائدة السوقية، مما يدفع بعض الأشخاص إلى زيادة مدخراتهم (أي يحدث تحرك على منحنى العرض للأموال القابلة للإقراض)، لكنه يعني أيضًا أن الحال سينتهي بحصول المقترضين الآخرين على أموال أقل.٩ والواقع أن الحكومة تتنافس مع المقترضين المحتملين الآخرين على الأموال النادرة المتاحة. ويقول الاقتصاديون إن اقتراض الحكومة «يزاحم» الاستثمار الخاص. وفي ظل سعر الفائدة المرتفع، يستثمر أصحاب الأعمال موارد أقل في إنشاء مصانع جديدة، وشراء المزيد من المعدات … إلخ. وما دمنا نتفق مع الافتراض المنطقي جدًّا الذي يقول إن الحكومة لن تستغل الأموال المقترضة استغلالًا مثمرًا مثلما سيفعل مقترضو القطاع الخاص، فذلك يعني أن أجيال المستقبل سيرثون اقتصادًا فيه عدد أقل من المصانع والمعدات وغيرها. وهذا سبب رئيسي يفسر كيف أن العجز الحكومي يترجَم إلى مستقبل أكثر فقرًا.
  • التحويلات الحكومية لعبة سالبة المجموع: طريقة أخرى يتسبب بها الدين الحكومي في إفقار أجيال المستقبل تكون من خلال الآثار الضارة للضرائب المستقبلية اللازمة للإنفاق على الدين. على سبيل المثال: عندما تُحدث الحكومة عجزًا اليوم، وتحتاج دفع ١٠٠ مليار دولار للدائنين في غضون ٣٠ سنة، فهذا سيجعل البلاد أفقر في ذلك الوقت. لكن المشكلة لا تكمن في المائة مليار دولار في حد ذاتها؛ فهي تأتي من جيوب دافعي الضرائب، وتذهب إلى جيوب الأفراد الذين سيرثون السندات الحكومية. بل المشكلة أنه كي تجمع الحكومة ١٠٠ مليار دولار، ستلجأ على الأرجح إلى رفع الضرائب (بدلًا من تخفيض نفقاتها)، وهذا الإجراء سيتسبب في حدوث اختلال جديد للاقتصاد علاوة على الاختلال الذي يسببه جمع الضرائب.١٠
  • خيار الاقتراض يؤدي إلى زيادة الإنفاق. من مخاطر العجز الحكومي أيضًا أنه يرغِّب الحكومة في زيادة الإنفاق عما كانت ستفعل من دون الاقتراض. تذكر أننا قلنا في الدرس الثامن عشر إن كل الإنفاق الحكومي — بصرف النظر عن مصدر تمويله — يأخذ الموارد النادرة من أصحاب الأعمال ويوجهها إلى قنوات يحددها مسئولو الحكومة. ولأنه دائمًا ما تكون معارضة العامة للإنفاق الحكومي الجديد أقل حدَّة عندما يموَّل عن طريق إحداث عجز كبير، فإن إمكانية إصدار سندات حكومية تؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي (ومن ثم زيادة سوء تخصيص الموارد مقارنة بما يحدث في السوق الحرة) عما سيكون عليه الوضع لو أُرغمت الحكومة دائمًا على الوصول بالموازنة إلى حالة التوازن.

هكذا نرى أن العجز الحكومي يتسبب في إفقار الجميع حقيقة، لكن الآليات أقل وضوحًا من الزيادة البسيطة في مقدار النقود التي تدين بها الحكومة للدائنين المختلفين. لكن كما تشير النقاط المذكورة سابقًا، فإن السبيل إلى تخفيف حدة المشكلات المترتبة على العجز هو تقليل الإنفاق، وليس زيادة الضرائب على أبناء الجيل الحالي! بعبارة أخرى، إذا كانت المشكلات الحقيقية للعجز الحكومي تتمثل في أنها تأخذ الموارد من الأسواق الرأسمالية الحالية، وترجح احتمال زيادة الحكومة للضرائب في المستقبل، فلن يكون سد عجز الموازنة من خلال زيادة الضرائب في الوقت الحالي «حلًّا». بهذا يكون العلاج أسوأ من المرض.

خلاصة الدرس

  • عجز الموازنة الحكومية هو الفرق بين ما تنفقه الحكومة وما تجمعه من إيرادات ضريبية على مدار فترة زمنية محددة (كعام ٢٠١٠ على سبيل المثال). وإجمالي الدين هو إجمالي المبلغ الذي تدين به الحكومة للمقرضين في وقت محدد (مثل ١٤ مايو ٢٠١٠). والدين هو النتيجة التراكمية لجميع حالات العجز والفائض السابقة.

  • عجز الحكومة في حد ذاته لا يوجِد أموالًا جديدة، ولا يتسبب بشكل مباشر في زيادة الأسعار. مع ذلك فإن عجز الحكومة يمكِّن «الاحتياطي الفيدرالي» من شراء سندات خزانة أكثر، وهو إجراء يسهم في حدوث التضخم.

  • لا يتسبب العجز الحكومي في إفقار الأجيال المستقبلية بالصورة التي يظنها الكثيرون. إذا اقترضت الحكومة ٥٠ مليار دولار من أجل صنع دبابات في الوقت الحاضر، فتلك الموارد (الحديد، وشرائح الكمبيوتر، وساعات الأيدي العاملة … إلخ) يوفرها الجيل الحالي؛ فتكلفتها لا يسددها أحفادنا عبر آلة الزمن. مع ذلك فإن عجز الحكومة يحوِّل الموارد الفعلية بعيدًا عن استثمارات القطاع الخاص. ومن هذا المنطلق، يتسبب عجز اليوم في جعل أجيال المستقبل أكثر فقرًا على خلاف ما كان سيحدث من دون العجز.

مصطلحات جديدة

  • متغير تدفقي: مفهوم يقاس على مدار فترة زمنية. على سبيل المثال: قد يكون معدل التدفق لأنبوب الريِّ ١٠٠ جالون في الدقيقة. هذا المقياس لا يشير إلى إجمالي الجالونات التي يحتوي عليها الأنبوب، لكنه يشير إلى عدد الجالونات التي تمر عبر مقطع معين من الأنبوب كل ٦٠ ثانية.
  • متغير مخزون: مفهوم يقاس عند نقطة زمنية محددة. على سبيل المثال: يمكن القول إن وزن أحد الأشخاص في الساعة التاسعة صباح يوم الحادي عشر من شهر مايو ٢٠١٠ يساوي ٨٠ كيلوجرامًا. هذا المقياس لا يشير إلى عدد الكيلوجرامات التي اكتسبها أو فقدها هذا الشخص مؤخرًا، وإنما يشير إلى وزنه في تلك اللحظة تحديدًا.
  • القيمة الاسمية للسند: المبلغ الذي يَعِد مُصدِّر السهم بردِّه إلى حامل السند عندما يحين موعد استحقاقه.
  • الدين القومي/الدين العام: يشير عادةً إلى إجمالي القيمة المستحقة للسندات التي تصدرها وزارة الخزانة. ففي مايو ٢٠١٠، كاد «الدين العام» يصل إلى ١٣ تريليون دولار، لكن جزءًا كبيرًا منه يتكون من سندات خزانة مملوكة لهيئات حكومية أخرى (مثل «صندوق الائتمان» التابع لإدارة الضمان الاجتماعي). عندما يقارن الاقتصاديون بين مستويات الدين في الحكومات المختلفة، فهم عادة ما يستبعدون السندات المملوكة للحكومة ويحتسبون فقط الدين الحكومي المملوك للأفراد. وفي مايو ٢٠١٠، كان هذا الرقم للخزانة الأمريكية يساوي نحو ٨٫٥ تريليون دولار (انظر http://www.treasurydirect.gov/govt/reports/pd/mspd/2010/opds052010.pdf).
  • التزاحم: انخفاض في استثمار القطاع الخاص ينتج عن إنفاق العجز الحكومي. فاقتراض الحكومة يزيد الطلب على الأموال القابلة للإقراض، وهو ما يجعل سعر فائدة التوازن أعلى مما سيكون عليه في غير ذلك. ومع ارتفاع سعر الفائدة، يقل اقتراض شركات القطاع الخاص لتمويل الإنفاق على استثماراتها.

أسئلة الدرس

(١) فسر العبارة التالية: «العجز الحكومي متغير تدفقي، بينما الدين متغير مخزون.»
(٢) عندما يزيد إنفاق الحكومة عما تجمعه من إيرادات ضريبية، ماذا نقول عن الموازنة؟
(٣) هل تستطيع الحكومة بيع سندات جديدة في إحدى السنوات حتى في ظل وجود فائض في الموازنة؟
(٤) هل يتسبب عجز الموازنة الحكومي مباشرة في حدوث التضخم؟
(٥) هل تستفيد أجيال المستقبل من زيادة الضرائب الآن بغرض سد العجز في الموازنة؟

هوامش

(١) غالبًا ما تسجَّل الأمور المالية للحكومة الفيدرالية الأمريكية باستخدام السنوات المالية التي لا تتزامن مع السنة الميلادية. على سبيل المثال: السنة المالية ١٩٩٠ بدأت من ١ أكتوبر ١٩٨٩ وانتهت في ٣٠ سبتمبر ١٩٩٠. وهكذا يشير عجز الموازنة البالغ ٢٢١ مليار دولار إلى الفارق بين الإيرادات والنفقات في الفترة الواقعة بين هذين التاريخين.
(٢) هناك بنود مختلفة يمكن إدراجها ضمن هذا الرقم، مما قد يجعل «الدين الفيدرالي» أكثر أو أقل. على سبيل المثال: قد يشير الرقم الأصغر للدين حصريًّا إلى السندات الفعلية التي أصدرتها وزارة الخزانة. أما الرقم الأكبر قد لا يقتصر على السندات فحسب، بل يشمل أيضًا التزامات الحكومة المتوقعة في المستقبل في برامج مثل الضمان الاجتماعي، حيث تتجاوز المدفوعات المتوقعة في مرحلة ما «مساهمات» العمال، وبذلك تشكل استنزافًا للإيرادات الضريبية العامة؛ مما يساهم في زيادة الدين الإجمالي للحكومة.
(٣) «الخزانة الأمريكية» هي الذراع المالية للحكومة الفيدرالية. تجمع «الخزانة» الضرائب وتنفق النقود. وعندما تُحدث الحكومة الفيدرالية عجزًا، فإنها تقترض أموالًا من المقرضين عن طريق بيعهم سندات خزانة.
(٤) تركيزنا في النص قاصر على السندات «معدومة الفائدة» وهي تنطبق على ديون الخزانة التي يكون أجل استحقاقها سنة واحدة أو أقل. إذا أصدرت الحكومة (أو أي كيان آخر) دينًا طويل الأجل، فعادةً ما يتضمن ذلك مدفوعات فائدة («كوبونات») دورية. وفي هذه الحالة يعطي المقرض القيمة الاسمية للسند كاملة مقدمًا، لأن عائدات الفائدة تحتسب منفصلة. (لكن في حالة السندات معدومة الفائدة، يتعين على المستثمر كسب فائدته من خلال خصم على السعر المدفوع في السند في البداية.)
(٥) إذا انخفضت معدلات الفائدة، يمكن للحكومة التمتع بمدفوعات فائدة أقل حتى مع زيادة ديونها.
(٦) الواقع أن المستثمرين سيأخذون تلك النقطة بعين الاعتبار عندما يقرضون الحكومة، وسيصرون على معدل فائدة أعلى، كونهم على علم بأن القوة الشرائية للدولار ستنخفض تدريجيًّا على الأرجح. ومع ذلك، فما يحدث أنه عندما يتسبب «الاحتياطي الفيدرالي» في إحداث تضخم، يسهل ذلك على الحكومة تسديد فوائد ديونها الموجودة من قبل. وإذا حدث أن «الاحتياطي الفيدرالي» وضع حدًّا نهائيًّا للتضخم، فسيتعذر على الحكومة تسديد فوائد ديونها في ضوء السيناريو المتوقع.
(٧) إذا كنت قارئًا حاضر البديهة، فربما تعتقد أن ذلك ليس طبع نقود جديدة فعليًّا لمجرد سد عجز في الموازنة، لأن الحكومة الفيدرالية لا تزال تدين لحاملي السندات التي أصدرتها بفائدة وبعائد على أصل القرض. لكن المفاجأة هنا أن «الاحتياطي الفيدرالي» هو الذي يحصل هذه المدفوعات (لأنه اشترى السندات من المتداولين في القطاع الخاص)، وكإجراء اعتيادي سيحيل «الاحتياطي الفيدرالي» كل إيراداته الإضافية إلى الخزانة مرة أخرى. بعبارة أخرى، بعد أن يسدد «الاحتياطي الفيدرالي» قيمة استهلاكه للكهرباء ويدفع رواتب موظفيه وما إلى ذلك، سيرسل أي أموال إضافية لديه إلى الخزانة. ومن ثم، فبالرغم من أن الخزانة عمليًّا لم تحصل على هذه الدولارات الجديدة دون التزامات، فالواقع أن ذلك قد حدث، لأن مدفوعات الفائدة المستحقة على الدين الذي يملكه «الاحتياطي الفيدرالي» ستعود (إلى حد بعيد) إلى الخزانة مرة أخرى، ولأن «الاحتياطي الفيدرالي» على الأرجح سيعيد تمويل أصل الدين إلى ممتلكاته القائمة من ديون الخزانة. ولنضرب مثالًا على ذلك: إذا كنت دومًا تقترض نقودًا من والديك (بمعدل فائدة متفق عليه) عندما تزداد نفقاتك عما تحصل عليه من راتب، وإذا علمت أنك لن تضطر مطلقًا إلى إعادة أصل القرض، وإذا علمت أن والديك سيزيدان دائمًا الهدايا التي يعطيانك إياها في المناسبات المختلفة ليعيدا لك كل «مدفوعات الفائدة» على تلك القروض مرة أخرى، عندها سيكون توقيع عقد قرض معهما مجرد تمثيلية. فأنت لن تكف عن الإنفاق بلا حساب، وذلك تحديدًا ما فعله الساسة في واشنطن وما زالوا مستمرين في فعله.
(٨) تزداد الأمور تعقيدًا إذا اعتبرنا أن المستثمرين الأجانب ربما يكونون هم الممولين لدين الحكومة الأمريكية. في هذه الحالة، سيعيش المواطنون في الوقت الحاضر بأكثر مما تسمح به مواردهم المالية، بينما يضطر المواطنون في المستقبل إلى العيش بأقل مما تسمح به مواردهم المالية. لكن إذا قصدنا بعبارة «الجيل الحالي» كل البشر على سطح الأرض، وبعبارة «أجيال المستقبل» كل البشر الذين سيعيشون على سطح الأرض في المستقبل، فسينطبق التحليل الوارد في النص.
(٩) قد يقول بعض الاقتصاديين إنه بالنظر إلى جميع الاعتبارات، سيبدو العجز الحكومي غير ذي صلة إلى حد بعيد، لأن دافعي الضرائب المتعقلين سيدركون حاجتهم إلى ادخار نقود أكثر لسداد فوائد الدين المستقبلي. وبعبارة أخرى، يقول هؤلاء الاقتصاديون إن الحكومة عندما تحرك منحنى الطلب على الأموال القابلة للإقراض، يستجيب الأفراد في القطاع الخاص بعقلانية ويحركون منحنى العرض أيضًا. وهكذا، تظل أسعار الفائدة ثابتة في السوق، وما تعطيه الحكومة لدافعي الضرائب بيمناها تقترضه منهم ثانية بيسراها. لكن الواقع أن هذا الرأي لا يمكن أن يكون صحيحًا، وإلا ما كان إنفاق العجز شائعًا هكذا.
(١٠) تذكَّر التجربة الفكرية التي عرضناها في الدرس الثامن عشر: إذا فرضت الحكومة ضرائب مبيعات ودخول مرتفعة على نحو مناف للعقل، فستختفي كافة مظاهر النشاط الاقتصادي، ولن تحصِّل الحكومة أي عائدات ضريبية. لكن من الواضح أن هذه السياسات سيكون لها تأثير بالغ الضرر على الاقتصاد، بالرغم من «العبء» الذي يبدو بسيطًا بالنظر إلى الإيرادات الضريبية. وهذا المبدأ يفسر كيف يكون الضرر الحقيقي لزيادة ضريبية قدرها ١٠٠ مليار دولار (لازمة لسداد الدين الحكومي) أكبر من مجرد انتزاع هذا المبلغ من دافعي الضرائب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤