المكالمة التليفونية

جاء صوت «لوزة» خلال أسلاك التليفون مضطربًا، وكان «تختخ» قد أفطر وأعدَّ لنفسه كوبًا من الشاي لغياب الشغَّالة مع والدته ووالده في زيارةٍ للقرية، ووضع جرائد الصباح أمامه في الشرفة، وجلس عندما دقَّ جرس التليفون … وكانت «لوزة» هي المتكلِّمة … وأحسَّ «تختخ» بالقلق عندما سمع صوتها المضطرب …

وقال «تختخ»: ماذا هناك؟ هل صوتك مضطرب؟ … أو أن هذا بسبب التليفون ذاته؟!

لوزة: نعم … فعلًا … جهاز التليفون عندنا منذ أمس به عطب … وهناك أرقامٌ خطأٌ كثيرة … ومكالمات ليست لنا … ومنذ ساعةٍ وأنا أحاول الاتصال بك … فأجد نفسي أتحدَّث مع صيدلية … أو مطعم، أو منزل … أو ورشة لإصلاح السيارات.

تختخ: وهل هذا سبب اضطراب صوتك؟

لوزة: لا … ولكني للأسف الشديد استمعت إلى مكالمةٍ بطريق الخطأ!

كان «تختخ» يعرف أن «لوزة» … ككل المغامرين الخمسة … وككل الناس ذوي الأخلاق الطيبة، لا يمكن أن تستمع إلى مكالمةٍ ليست لها … ففي هذا معنى التجسُّس على أسرار الناس، وقال «تختخ»: لا أفهم ماذا تقصدين؟

لوزة: بالطبع يا «توفيق» … لم أكن أتجسَّس … إن هذا أبعد ما يكون عن فكري!

سَعِد «تختخ» بهذا الإيضاح وقال: طبعًا … إنني متأكِّد … ولكن كيف استمعت إذن إليها؟!

لوزة: كنت أحاول الاتصال بك … وإذا بي أستمع إلى شخصٍ يتحدَّث عن عملية خطف!

تختخ: خطف؟!

لوزة: نعم … سمعت شخصًا يقول للآخر … يجب أن نخطفه قبلها بيوم … والآخر يقول له إن الخطف يجب أن يتمَّ في اليوم نفسه … وبالطبع لم أستطِع منع نفسي من الاستماع إلى بقية المكالمة؛ فالخطف جريمةٌ يجب منعها بكل وسيلة.

تختخ: طبعًا … لا ذنب عليك في الاستماع إلى مكالمةٍ من هذا النوع … ولكن هل عرفت شخصية المخطوف؟

لوزة: ليس بالضبط … لقد فهمت أنه يسكن المعادي … وأن خطفه يُحقِّق للخاطفين أرباحًا ضخمة.

تختخ: إذن سيطلبون فديةً لإعادته!

لوزة: لا … لا يُفهم من كلامهما أي حديثٍ عن فدية … إنه رهان! زاد انتباه «تختخ» وقال: رهان؟!

لوزة: نعم … وقد سمعت أحدهما يقول للآخر … إذا خسر النادي هذه المباراة فسوف نحقِّق أرباحًا خيالية!

فكَّر «تختخ» لحظات، ثم قال: ولكن المراهنات في مصر ممنوعةٌ تمامًا … إلا في سباق الخيل … وهذا ليس فيه أندية ولا لاعبون … إن فيه راكبي الخيول، وهؤلاء يسمُّونهم «جوكية» جمع «جوكي» … وهذا ليس لاعبًا!

لوزة: هذا ما سمعته على كل حال!

تختخ: وماذا سمعتِ أيضًا؟

لوزة: إنهما يتحدَّثان عن لاعبَين مهمَّين في هذا النادي … أحدهما لا يمكن خطفه لأن والده الضابط يأخذه في سيارته، لهذا سيدبِّرون له شيئًا آخر لا أدري ما هو!

تختخ: ولماذا أنت مضطربةٌ يا «لوزة»؟

لوزة: لأن المغامرين طبعًا سيتدخَّلون لإنقاذ هذا اللاعب!

ضحك «تختخ» وقال: وكيف يتدخَّلون؟ إننا لا نعرف اسم اللاعب، ولا اسم النادي … ولا أفراد هذه العصابة التي ستقوم بالخطف … وليس عندنا شيءٌ نستطيع أن نبدأ به.

لوزة: لنتقابل نحن وبقية المغامرين ونبحث المسألة!

تختخ: لقد قرَّرت قضاء اليوم في المنزل، فتعالَوا جميعًا.

لوزة: سأتَّصل ﺑ «محب» و«نوسة».

تختخ: لا تذكري لهما شيئًا حتى نلتقي لنستمع منك إلى القصة من بدايتها معًا.

انهمك «تختخ» في شرب الشاي وقراءة الصحف، وعندما وصل إلى صفحة الرياضة في الصحف الثلاث ركَّز انتباهه في محاولة معرفة عدد من الأسماء للأندية واللاعبين في مختلِف اللعبات، ولم يكن «تختخ» من هُواة الرياضة … وربما كان هذا هو سبب سمنته … أمَّا بقية المغامرين الخمسة فقد كانوا من هُواة مختلِف الألعاب وبخاصةٍ كرة القدم، اللعبة الشعبية الأولى في مصر … وفي العالم كله.

وعرف «تختخ» من الصحف أن مباراةً في الدوري العام سوف تُجرى بين فريقَي نادي «الفانلة الحمراء»، ونادي «الفانلة البيضاء» بعد يومَين … فهل من الممكن أن يكون اللاعب المقصود خطفه ضمن لاعبي الفريقَين؟! استبعد «تختخ» ذلك لأن «لوزة» أكَّدت أن المتحدِّثَين عن الخطف كانا يتحدَّثان أيضًا عن المراهنات … وهو يعرف كما يعرف الجميع … أن المراهنات ممنوعةٌ على الكرة في مصر.

وانتقل «تختخ» إلى صفحة الحوادث … وهي الصفحة التي يُفضِّل قراءتها، ووجد حادثًا هامًّا … القبض على جاسوس وزوجته يعملان لصالح دولةٍ معادية …

وأحسَّ بالألم والأسف؛ فكيف ينحدر شخصٌ مصريٌّ إلى التعامل مع العدو؟! وتمنَّى لو كان هو والمغامرون الخمسة هم الذين قبضوا على الجاسوس … وتذكَّر أنهم قد قاموا بدورٍ هامٍّ في الكشف عن جاسوس في لغز «القفاز الأحمر» … ومرةً أخرى في لغز «عين السمكة» … ومرةً ثالثةً في لغز «جاسوس السويس».

وقبل أن ينتقل إلى حادثٍ آخر كان بقية المغامرين قد وصلوا … وانتهز «زنجر» الفرصة ودخل معهم … وجلسوا جميعًا في شرفة غرفة «تختخ» التي تُطلُّ على الحديقة وأمامهم الشجرة الكبيرة التي طالما استخدمها «تختخ» في الخروج والدخول إلى غرفته دون أن يعرف والداه.

رحَّب «تختخ» بالمغامرين … وكانت «لوزة» ما تزال مستغرقةً في أفكارها بعد المكالمة … فقال «تختخ» مبتسمًا: عند «لوزة» قصةٌ طريفة، أظن أنكم مستعدُّون لسماعها!

قال «عاطف» بأسلوبه المرح: لم أعرف أن «لوزة» أصبحت مؤلفة قصص إلا الآن … إنها مفاجأة مشوِّقةٌ لي!

نظرت إليه شقيقته الصغيرة في عتابٍ وقالت: إنها ليست قصةً مؤلَّفة … إنها قصة واقعية حدثت هذا الصباح!

حاول «عاطف» التعليق مرةً أخرى ولكن «تختخ» أسكته بإشارةٍ من يده وقال: إنه لغز!

وسكت «عاطف»، وبدا الاهتمام على وجوه الجميع … حتى «زنجر» رفع رأسه إلى فوق ونظر إلى «لوزة» كأنما يسألها أن تُعطيه دورًا في اللغز القادم.

قالت «لوزة»: لقد رَويتُ ﻟ «تختخ» منذ نصف ساعة تقريبًا … أنني كنت أحاول الاتصال به تليفونيًّا، ففوجئت بأنني أستمع إلى مكالمةٍ بين شخصَين تتعلَّق بخطف لاعب.

ازداد انتباه المغامرين الثلاثة … «محب» و«نوسة» و«عاطف» … ومضت «لوزة» تقول: إن «عاطف» يعرف أن تليفون منزلنا به عطبٌ منذ أمس … فهناك مكالماتٌ كثيرةٌ تصل إلينا خطأً.

قال «عاطف»: هذا صحيح … وليلة أمس اتصل بي شخص وطلب كيلو كباب أحمر وسلطة طحينة.

وكاد «عاطف» يسترسل في قصته لولا أن «لوزة» مضت تقول: وخلاصة المكالمة أن هناك من يسعى إلى خطف لاعبَين من نادٍ لم يذكر اسمه … وأن أحد اللاعبَين لا يمكن خطفه لأن والده الضابط يأخذه معه في سيارته إلى الملعب … أمَّا الثاني فيمكن خطفه.

ساد الصمت لحظات بعد هذا التلخيص السريع … ثم قال «تختخ»: وقد تحدَّثا عن رهانٍ موضوعٍ لكي يخسر أحد الأندية مباراته … وأن هذا النادي إذا خسر المباراة فإن المتراهنَين يكسبان مبلغًا كبيرًا من المال.

نوسة: إذن الخطف ليس لطلب الفدية كالمعتاد؟

تختخ: لا … فهذا ما فكَّرت فيه أولًا … ولكن حديث الرهان يؤكِّد أن الخطف ليس لطلب فدية.

محب: ولكن المعلومة ناقصةٌ جدًّا … فهناك عشرات الألعاب في مصر ومئات الأندية وآلاف اللاعبين … فكيف يمكن أن نحدِّد اللاعب الذي سيُخطف؟

نوسة: عملية الرهان التي تحدَّث عنها الرجلان في المكالمة التليفونية!

تختخ: لقد فكَّرت في هذا … ولكن ليس في مصر ألعابٌ رياضيةٌ مسموح فيها بالرهان إلا سباق الخيل … وكما قلت ﻟ «لوزة» إن راكب الحصان في سباق الخيل يُسمَّى «جوكي» … والأغلب أن الخطف مقصودٌ به لاعب رياضي ربما في كرة القدم … أو السلة … أو التنس … أو الهوكي … وقد فحصت اليوم صفحات الرياضة في الصحف الصباحية الثلاث، ووجدت أنه ليس هناك مبارياتٌ هامة قريبة إلا مباراة كرة القدم بين فريقَي نادي «الفانلة الحمراء» ونادي «الفانلة البيضاء» … فهل اللاعبان المقصودان من النادي الأول أو الثاني؟ إن حصر عملية الخطف في لاعبي الناديَين فقط يُسهِّل مهمَّتنا، هذا إذا قرَّرنا أن نتدخَّل.

عاطف: لا أدري كيف نتدخَّل، إن كل ما علينا كمواطنين صالحين أن نُبلغ الشرطة، وعندنا المفتش «سامي» يمكن أن نُخبره ثم نتركه يتصرَّف.

تضايقت «لوزة» من «عاطف» وقالت وكأنها تُلقي قنبلة: لقد نسيت أن أقول لكم إن اللاعب الذي سيُخطف يسكن في المعادي!

ضحك «عاطف» وقال: في هذه الحالة نبلغ الشاويش «فرقع»!

قالت «نوسة»: أنت يا «عاطف» لا تكف عن السخرية من «لوزة»، وأنا شخصيًّا سأفحص هذه المعلومات جيِّدًا … فقد تكون خلفها مغامرةٌ مثيرة … أو لغزٌ غامض، وهذه هوايتنا على كل حال.

محب: وأنا أيضًا أؤيِّد «لوزة».

تختخ: سنقوم بالعمل على حل هذا اللغز خلال اليومَين السابقَين على المباراة بين فريقَي نادي «الفانلة الحمراء» ونادي «الفانلة الزرقاء» … وفي الوقت نفسه سنُبلغ المفتش «سامي» بما سمعَت «لوزة» … فقد نمنع بهذا البلاغ جريمةً علمنا بها بالصدفة!

أحسَّ «عاطف» أنه كان متحاملًا على شقيقته الصغيرة، فقال لها ملاطفًا: إنك تغضبين بسرعةٍ يا «لوزة» … وأنا لم أقصد السخرية منك … أرجو أن تقبلي اعتذاري.

ابتسمت «لوزة» لشقيقها الظريف … والتفتت إلى «تختخ» قائلة: وما هي خطوتنا التالية يا «توفيق»؟

فكَّر «تختخ» قليلًا، ثم قال: أريد أن نجد كشفًا بأسماء لاعبي الفريقَين الأحمر والأزرق، ثم نعرف من هو اللاعب الذي يسكن المعادي، ونضع خطتنا بعد ذلك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤