الشاويش المدهش

كانت مشكلة الحصول على كشوفٍ بأسماء لاعبي الناديَين مشكلةً سهلة الحل … فقد اتصل «تختخ» بصديقه الصحفي «علاء» الذي حوَّله إلى القسم الرياضي حيث أملَوه الأسماء المطلوبة … ولكن المشكلة كانت العناوين … فلم يكن عند القسم الرياضي عناوين مساكن اللاعبين.

ونظر «تختخ» إلى الكشف وقال: إنهم أكثر من أربعين لاعبًا، بين لاعبٍ أصليٍّ في الفريق الذي سيلعب بعد غدٍ وبين لاعبٍ احتياطي.

عاطف: إنكم تركِّزون على فرق كرة القدم … أليس من الممكن أن تكون لعبة أخرى مثل السباحة أو التنس أو بقية الألعاب التي تحدَّثنا عنها؟

محب: إنني متفقٌ مع «تختخ» أنه سيكون لاعبًا من لاعبي كرة القدم، وبخاصة من فريق «الفانلة الحمراء» … أكبر النوادي شعبيةً في بلادنا … إنني كما تعرف من هواة كرة القدم، وأحفظ نتائج المباريات … وقد استطاع فريق «الفانلة الحمراء» حتى الآن أن ينتصر على كل الفرق المنافسة، وأن يتصدَّر الدوري العام، ومن ألعاب الفريق ومستواه، لا يُتوقَّع أن يُهزم، إلا إذا حدثت ظروفٌ غير متوقَّعة.

عاطف: وخطف لاعبَين معناه ظروف غير متوقَّعة؟

محب: بالضبط … فإذا فرضنا أن هناك مراهناتٍ على الفريق الأحمر بأنه سيفوز، فإن الذين يراهنون عليه في هذه الحالة لا يربحون كثيرًا؛ لأن عددهم كبيرٌ جدًّا … أمَّا إذا انهزم … فإن الذين راهنوا على الفريق الآخر بالفوز يكسبون كثيرًا جدًّا لأن عددهم قليل.

بدت الحيرة على وجه «لوزة» وقالت: إنني لا أفهم ما تقول يا «محب» … لا أفهم كيف يكسب الكثيرون قليلًا، والقليلون كثيرًا؟!

تنهَّد «محب» وقال: سأشرح لك بأسلوب المراهنات المتَّبع في العالم كله، وقد قرأت عنه في أكثر من مكان … مثلًا في إنجلترا … وهي تسمح بالمراهنات على مباريات كرة القدم … ونسمع أحيانًا عن شخصٍ كسب ١٠٠ ألف جنيه إسترلينيٍّ في المراهنات على مباريات الكرة … إن هناك أساليب متعدِّدة للمراهنات … ولكن أشهرها أسلوبان فقط … الأول: المراهنة على نتيجة مباراةٍ واحدة … والثاني: على نتيجة مجموعة من المباريات. والثاني أسلوب معقَّدٌ نوعًا ما، أمَّا الأسلوب الأول فبسيط … فلنفرض أننا نحن الخمسة سنراهن على فريقين «أ» و«ب»، ولنفرض أن الفريق «أ» قويٌّ جدًّا، وانتصر في كل مبارياته … والفريق «ب» ضعيفٌ وهُزم في أغلب مبارياته … فعلى أي فريقٍ تُراهنين يا «لوزة»؟

لوزة: على الفريق القوي طبعًا … على فريق «أ».

محب: فإذا دفع كل منَّا عشرة قروش … ولنفرض أنني راهنت وحدي على الفريق «ب»، فإذا فاز الفريق «أ» اقتسمتم أنتم الأربعة مبلغ عشرة القروش التي دفعتها … إن كلًّا منكم يحصل على ٢٥ مليمًا … أمَّا إذا فاز الفريق «ب» فإني وحدي آخذ كل نقودكم … أي أربعين قرشًا.

لوزة: شيءٌ مدهش!

محب: هذا شكلٌ بسيط … أو أسلوبٌ بسيطٌ للمراهنات … وهناك كما قلت لك أساليب أخرى … والآن لنفرض أن هناك عددًا من المتراهنين، ولنقُل ١٠٠٠ شخصٍ مثلًا، كل منهم دفع جنيهَين، فيكون المجموع ألفَي جنيه راهَنوا على الفريق الأحمر … وهناك شخصٌ واحدٌ راهن على الفريق الأزرق … وفاز الفريق الأزرق؛ فهذا معناه أن يأخذ هو الألفَي جنيه كلها.

لوزة: إنه مبلغٌ كبيرٌ حقًّا!

محب: وقد يكون عدد المتراهنين أكبر … عشرة آلاف مثلًا أو أكثر … معنى هذا أن هناك أرقامًا كبيرةً خلف عملية الخطف هذه. ومَّما يرجِّح أنها تدور حول كرة القدم، أن هذه اللعبة لها ملايين المشجِّعين، ومعنى هذا أن هناك مبالغ كبيرةً جدًّا، وأن عصابة الخطف هذه تخالف القانون؛ فهي تقوم بعملية رهانٍ مخالفةٍ للقانون أولًا، وهي تخدع المتراهنين ثانيًا، وهي ثالثًا تقوم بعملية خطف. ومعنى هذا أننا أمام جريمةٍ مُركَّبة، وأننا يجب أن نتدخَّل لحماية لاعب الفريق الأحمر، لأن من الأرجح أنه سيفوز.

تختخ: هذا تحليلٌ ممتازٌ يا «محب» … فعلًا إن الاحتمال الأكبر هو أن العصابة ستقوم بخطف أحد لاعبي الفريق الأحمر، وتعطيل اللاعب الثاني الذي لا يمكن خطفه.

نوسة: هل نبلغ المفتش «سامي»؟

تختخ: فورًا …

وأسرع «تختخ» بإحضار التليفون، وقام بالاتصال بالمفتش «سامي»، ولكن للأسف كان المفتش «سامي» مسافرًا في مهمَّةٍ خارج القاهرة.

وضع «تختخ» السمَّاعة وقال: لم يبقَ أمامنا إلا الاعتماد على أنفسنا؛ فإن بقية الضباط لا يعرفوننا، ولعلنا لو أخبرناهم عمَّا نفكِّر فيه لسخروا منا.

عاطف: أعتقد أننا يجب أن نُبلغ الشاويش «فرقع»!

تختخ: طبعًا … علينا أن نؤدِّي واجبنا، ولا بد أن تذهب «لوزة» شخصيًّا لأنها هي التي استمعت إلى المكالمة.

لوزة: أنا؟!

تختخ: طبعًا، وسأذهب معك.

ارتاحت «لوزة» لهذا القرار … وطلب «تختخ» من الأصدقاء انتظارهما … وانطلق هو و«لوزة» لمقابلة الشاويش، ولحسن الحظ قابلاه وهو يركب دراجته على كورنيش النيل. ولم يكَد يراهما حتى توقَّف، واهتزَّ شاربه وهو يراهما يتقدَّمان منه، ثم يتوقَّفان عنده.

قال «تختخ»: صباح الخير يا شاويش.

ردَّ الشاويش بحذر: صباح الخير، هل تبحثان عنِّي؟

تختخ: فعلًا … فهناك معلوماتٌ نريد أن نوصلها إليك.

الشاويش: كيف عرفتما بهذه السرعة أن «جلال» قريبي ليس هنا، والمفتش «سامي» مسافر … فمن الذي أبلغكما؟

نظر «تختخ» إلى «لوزة»، ففهمت على الفور أن «تختخ» سيستدرج الشاويش إلى الحديث عمَّا لا يعرفانه.

قال «تختخ»: إننا لسنا نائمين يا شاويش … ثم إننا نريد مساعدتك.

الشاويش: لا أريد مُساعدة أحد … فرقعا من وجهي!

كان هذا هو أسلوب الشاويش المفضَّل لإبعاد الأصدقاء عنه … أن يقول لهم: فرقعوا من وجهي، وهكذا أطلقوا عليه اسم الشاويش «فرقع». ولكن «تختخ» لم يهتزَّ أمام صيحة الشاويش فقد اعتادها، وقال: أنت حرٌّ يا شاويش، وإذا أفلت المجرمون من يدك، وعلم رؤساؤك وبخاصةٍ المفتش «سامي» أنك رفضت معلوماتٍ مهمةً فسوف …

اهتزَّ شارب الشاويش مرةً أخرى، وأدار وجهه ليُخفي إحساسه بالهزيمة أمام هذا المنطق وقال: على كل حالٍ لا تضيِّعا وقتي … قولا ما عندكما بسرعةٍ واتركاني أبحث.

انقلبت الآية … وأصبح على «تختخ» أن يتحدَّث أولًا، ولكن الولد السمين الذكي لم يتردَّد، وقال في هدوء: إنها معلوماتٌ بسيطةٌ يا شاويش وناقصة، وتحتاج إلى جهدٍ خاص لترتيبها ليمكن الاستفادة منها.

هزَّ الشاويش رأسه وقال: هذا كلامٌ فارغ … إن سرقة الصيدلية أمس حادثٌ عادي، وليس فيه ما يستحق أساليبكم الملتوية في الاستنتاجات والأدلة ووجع الدماغ!

بعد أن عرف «تختخ» ما يفكِّر فيه الشاويش قال: إننا لم نبحث عنك لنتحدَّث عن سرقة أدوية يا شاويش.

صاح الشاويش في غضب: إذن لماذا تبحثان عنِّي؟ لقد عرفتما الآن ما أبحث عنه، وسوف تتدخَّلون جميعًا وتقلبون كل شيء.

تختخ: لقد جئت لأتحدَّث عن موضوعٍ مختلفٍ تمامًا … لقد استمعَت «لوزة» إلى محادثةٍ تليفونيةٍ بطريق الخطأ.

هزَّ الشاويش رأسه في سخريةٍ وقال: أهكذا يفعل الأولاد المهذَّبون … يستمعون إلى المكالمات التليفونية التي لا تخصهم؟!

تختخ: أظن أنهم يستمعون إذا كانت هذه المكالمة تتعلَّق بمنع جريمةٍ من الوقوع!

بدا الاهتمام على وجه الشاويش وقال: جريمة؟! أية جريمة؟!

تختخ: جريمة خطف!

زاد اهتمام الشاويش، وأخرج من جيبه قلمًا وورقًا وقال: من هو المخطوف؟

تختخ: إن الخطف لم يتم بعدُ يا حضرة الشاويش!

الشاويش: أين الجريمة إذن؟! إنكما تضيعان وقتي في كلامٍ فارغ، وأنا أبحث عن لص الصيدلية.

تختخ: هل تحب أن نذهب إلى القسم لندلي بأقوالنا في محضر … أم نعود ولا داعي لهذا الموضوع كليَّة؟

تردَّد الشاويش وأخذ ينظر إلى «تختخ» في ريبةٍ وحذر … وكان بعض المارَّة قد التفُّوا حولهم … فصاح الشاويش بهم: لماذا تقفون هكذا؟! هل هذه فُرجة … هل ترَون بهلوانًا يلعب؟ … هل ترَون قردًا يتشقلب؟! فرقعوا من هنا كلكم!

انصرف الواقفون، والتفت الشاويش إلى «تختخ» و«لوزة» وقال: تعاليا نذهب إلى القسم لتحرير محضر.

وسارت الدرَّاجات الثلاث حتى وصلوا إلى القسم. وهناك روت «لوزة» للشاويش ما استمعت إليه.

بدأ الشاويش يهدأ، وأخذ يُلقي أسئلةً أثارت إعجاب «تختخ» و«لوزة»؛ فقد سأل «لوزة» عن الموعد الذي تمَّت فيه المكالمة بالضبط، وقالت له إنها كانت التاسعة والربع صباحًا تقريبًا.

عاد الشاويش يسأل: هل يمكنك تمييز صوت المتحدِّثَين إذا استمعت إليهما مرةً أخرى؟

فكَّرت «لوزة» قليلًا، ثم قالت: أحدهما ممكن، فقد كان في صوته بحَّة واضحة، كأنه مُصاب بالتهاب في حلقه.

بدا اهتمامٌ مفاجئٌ على وجه الشاويش وقال: بحة واضحة؟!

لوزة: نعم.

الشاويش: شيءٌ مدهش … غير معقول … صدفةٌ غريبة!

تختخ: ماذا حدث يا شاويش؟ ما هو المدهش وغير المعقول؟

الشاويش: اللصُّ الذي أبحث عنه!

تختخ: ماذا عنه؟!

الشاويش: صوته به بحَّة!

نظر «تختخ» و«لوزة» أحدهما إلى الآخر … شيء لا يُصدَّق … ولكن «تختخ» قال: على كل حالٍ يا شاويش من الممكن أن يوجد شخصان بصوتهما بحَّة؛ فليس من الضروري أن يكون اللص هو الرجل نفسه الذي سمعته «لوزة» يتحدَّث تليفونيًّا.

وللمرة الثانية أثار الشاويش إعجاب «تختخ» و«لوزة» عندما قال: هل أصلحتم التليفون؟

لوزة: لا يا شاويش.

الشاويش: أرجو إذن أن تذهبي فورًا إلى منزلك، وتحاولي الاستماع إلى من يتحدَّثون؛ فمن الممكن أن يتحدَّث الرجلان مرةً أخرى.

ونظر «تختخ» إلى «لوزة»، كيف لم يخطر ببال المغامرين الخمسة كل هذه الاحتمالات التي تحدَّث عنها الشاويش!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤