الخطف بطريقة أخرى

بِناءً على نصيحة الشاويش … عادت «لوزة» إلى منزلها، وجلست بجوار التليفون، وأخذت ترفع السمَّاعة بين لحظةٍ وأخرى. كانت خجِلةً من أن تقوم بعملية التجسُّس هذه، ولكن رغبتها في كشف النقاب عن عملية الخطف كانت تدفعها إلى نسيان خجلها … وفجأةً سمعت جرس الباب يدق، ووجدت والدتها والعامل الذي يُصلح أجهزة التليفون يدخلان.

قالت الوالدة: إن التليفون يأتي بأرقامٍ خاطئةٍ كثيرة … كما أن هناك مكالمات تتداخل في الخط!

قال عامل الإصلاح وهو يمدُّ يده إلى الجهاز: الغالب أن هناك أسلاكًا متداخلة … وسوف أصلحه فورًا.

كانت هذه صدمةً لا مثيل لها بالنسبة ﻟ «لوزة» … إصلاح التليفون معناه ألَّا تستطيع متابعة مكالمات الرجل ذي الصوت المبحوح؛ وبالتالي لن يتقدَّموا خطوةً أخرى لحل اللغز … وأخذت والدتَها جانبًا وقالت: ماما … هل من الضروري إصلاح التليفون؟

ردَّت الوالدة في دهشة: طبعًا يا «لوزة»!

لوزة: أليس من الممكن تركه معطَّلًا فترة؟

الوالدة: شيءٌ مدهشٌ للغاية يا «لوزة»! كيف تطلبين إبقاء التليفون معطَّلًا؟! هذا ما لم أسمعه منك في حياتي من قبل!

لوزة: إن الحكاية — يا أمي — تتعلَّق بمسألةٍ مهمَّةٍ جدًّا … إننا نحل لغزًا.

الأم: وما دخل اللغز بالتليفون المعطَّل؟

لوزة: لقد استمعتُ إلى …

ولم تُكمل «لوزة» جملتها … فقد نظرت إليها أمها نظرةً جرت على أثرها إلى الحديقة حيث كان بقية المغامرين في انتظارها … وأبلغتهم وهي تجلس في ضيقٍ بما حدث، فقال «تختخ» مبتسمًا: لقد رأينا العامل وهو يدخل، وطلب «عاطف» الخبيث أن نتركك تواجهين المأزق.

لوزة: ولكن … هذا أضاع علينا فرصة الاستماع إلى حديث الرجلَين مرةً أخرى!

تختخ: أظنُّ أنها كانت صدفةً لا تتكرَّر، إلا إذا جلستِ طول النهار والليل بجوار التليفون، وربما لن يتحدَّث الرجلان مرةً أخرى إلا بعد ثلاثة أيامٍ أو أربعة أيام … وقد لا يتحدَّثان مطلقًا.

هدأت «لوزة» بعد حديث «تختخ» وقالت: وهل فكَّرتم في شيءٍ بديل؟

تختخ: اتفقنا على أن نحاول الحصول على عناوين اللاعبين المقيمين في المعادي، و«محب» باعتباره من هواة كرة القدم، يعرف أحد اللاعبين من نادي «الفانلة الحمراء»، وعن طريق هذا اللاعب سنعرف بقية العناوين … وسوف نحاول إنذارهم، وفي الوقت نفسه نراقب منازلهم … فإذا لم يحدث شيءٌ خلال اﻟ «٤٨» ساعةً المقبلة … أي الفترة السابقة على المباراة؛ فسوف نحضر المباراة، ونرى هل تمَّ خطف اللاعب فعلًا أو لا؛ فلا بد أنه لاعبٌ مهم، وطبعًا سيتضح من غيابه المفاجئ أنه خُطف … وكذلك اللاعب الآخر الذي لا نعرف ماذا يفعل به الرجلان … إذا لم يتمكَّنا من خطفه كما يقولان.

لوزة: معقول جدًّا.

تختخ: سأذهب أنا و«محب» لمقابلة اللاعب «جلجل»، وسنعرف منه عناوين بقية اللاعبين.

عاطف: لعله هو نفسه اللاعب الذي سيُخطف!

تختخ: من يدري؟ ربما!

وانطلق الصديقان على درَّاجتَيهما … وسرعان ما وصلا إلى منزل اللاعب، ولحسن الحظ وجداه يستعدُّ للذهاب إلى النادي للتمرين. كان «جلجل» لاعب خط الظهر في نادي «الفانلة الحمراء» … طويل القامة … قوي البنيان … وفكَّر «تختخ» أن من الصعب خطف مثل هذا الشاب القوي … فهل هو اللاعب الذي لا تستطيع عصابة المراهنات خطفه، وستجد خطةً بديلة؟ وما هي الخطة البديلة؟

دارت هذه الأفكار في ذهن «تختخ» بسرعة، وكان «جلجل» يمدُّ يده بالسلام إلى «محب» قائلًا: أين أنت؟ لقد مضت مدة طويلة دون أن نراك.

ردَّ «محب»: آسف؛ فإني مشغول … كيف الأحوال؟

جلجل: على ما يرام … إن فريق «الفانلة الحمراء» كما ترى اكتسح كل الأندية الأخرى … والمباراة القادمة بيننا وبين فريق نادي «الفانلة البيضاء» سوف نبذل فيها جهدنا كله … وأعتقد أننا سنكسب المباراة.

محب: أُعرِّفك بصديقي «توفيق».

وتبادل «جلجل» و«تختخ» السلام، وقال «محب»: لقد جئت معه لأُحدِّثك عن شيءٍ سمعَته زميلتنا «لوزة».

ابتسم «جلجل» قائلًا: أعرفها، لقد رأيتها معك … أليست هي الفتاة الصغيرة ذات الضفائر؟

محب: تمامًا … لقد سمعَت بطريق الصدفة مكالمةً تليفونيةً بين شخصَين يحاولان خطف أحد اللاعبين من فريق «الفانلة الحمراء».

جلجل: خطفه … آه … هذا تعبيرٌ موجودٌ في أوساط الكرة، وليس معناه الخطف كما يفعل اللصوص … معناه انتقال لاعب من نادٍ إلى آخر.

محب: ولكن ما سمعته «لوزة» … يعني الخطف الإجرامي.

جلجل: لا أبدًا؛ فهذه الأشياء لا تحدث في بلادنا … إنما المقصود خطف اللاعب بمعنى أن ينتقل من نادٍ إلى آخر، ونحن نُسمِّيه خطفًا … ولعلك سمعت هذه الكلمة تتردَّد في موسم استقالات اللاعبين … أو عندما يرغب النادي في ضمِّ لاعب من نادٍ آخر إلى ناديه.

ونظر «جلال» إلى ساعته، ثم قال: آسف جدًّا … إنني ذاهبٌ للتمرين، وقد أتأخَّر، والمدرِّب يوقع علينا غراماتٍ في حالة التأخير … إنني سعيدٌ برؤيتكما … وأرجو أن أراكما في وقت آخر.

كانت هناك سيارةٌ على الجانب الآخر للشارع … اتجه إليها «جلجل» وانطلقت به مسرعةً قبل أن يتمكَّن «محب» و«تختخ» من إضافة كلمة واحدة …

قال «محب»: آسف … يبدو أنه لا يُصدِّقنا.

تختخ: لا … إنه مقتنعٌ بما يقول … وقد فكَّرت الآن أن هذا ممكنٌ أيضًا. لعل الرجلَين فعلًا لا يقصدان الخطف بمعناه الإجرامي كما يقول «جلجل»، ولعلنا تسرَّعنا … هيا بنا.

واتجه الصديقان للانصراف … كما انصرف عددٌ من الناس كانوا قد تجمَّعوا ليرَوا اللاعب الشهير «جلجل» عن قرب … وابتعد الصديقان في اتجاه منزل «عاطف» وهما يفكِّران أنهما لم يتمكَّنا من الحصول على عناوين اللاعبين الخمسة … وأنهما سيتعرَّضان لاستجوابٍ ساخنٍ من بقية المغامرين …

وهذا ما حدث عندما رويا الحوار الذي دار بينهما وبين «جلجل» ﻟ «نوسة» و«عاطف» و«لوزة»، ولكن «محب» قال: على كل حالٍ سأذهب إلى النادي، ولن أعود إلا بعد أن أحصل على عناوين اللاعبين المطلوبة.

وانفضَّ اجتماع المغامرين الخمسة بعد أن اتفقوا على أن يذهب «محب» و«عاطف» إلى نادي «الفانلة الحمراء» للحصول على عناوين اللاعبين الخمسة الذين يسكنون في المعادي.

وعندما وصل الصديقان إلى النادي وجدا زحامًا ليس له مثيل … وقال «محب» موضِّحًا ﻟ «عاطف»: إنها جماهير النادي … لقد حضروا لمشاهدة التمرين.

عاطف: كل هؤلاء لمشاهدة التمرين فقط؟!

محب: طبعًا … هيا بنا!

ودخلا في الزحام، وبعد صراعٍ مع الداخلين … وصلا إلى المدرَّجات … وجلسا بين الجماهير المتحمِّسة … كان عدد الحاضرين يُعدُّ بالآلاف برغم أنها لم تكن مباراة … وكانوا جميعًا يصيحون ويصفِّقون بعد كل لعبة … خاصةً لنجم الهجوم «ميزو» الرشيق … الذي كان يروغ من الدفاع، ويسجِّل الأهداف.

وقال أحد الجالسين: إن أحد الأندية يحاول خطف «ميزو» ليضمه إلى فريقه. استوقفت هذه الجملة «عاطف»، ومال على «محب» وقال له: هل سمعت؟ إن عملية الخطف هي فعلًا مجرَّد تعبير معروف في أوساط الكرة … لا يُقصد منه الخطف بالمعنى الذي فهمناه.

كان «عاطف» يصيح بأعلى صوته ليتمكَّن «محب» من سماعه بين هُتافات المشجِّعين العالية وتصفيقهم الصاخب … وعاد الرجل يقول: لو خسر نادي «الفانلة الحمراء» «ميزو» فإنه يفقد نصف قوَّته.

قال «عاطف» للمشجِّع المتحمس: من هم أحسن اللاعبين في فريق النادي؟

ردَّ المشجِّع المتحمِّس: «ميزو» … و«جلجل» … و«مصمص»؟

عاطف: «مصمص»! … من هو «مصمص» هذا؟

المشجِّع: إنه اسم الشهرة للاعب «مصطفى» … نجم الهجوم.

عاطف: وهل تتصوَّر أنه من الممكن خطف لاعبٍ من هؤلاء؟

المشجِّع: إن الأندية الأخرى تحاول خطفهم … ليس فقط في مصر … ولكن في البلاد العربية أيضًا؛ فهناك أندية في لبنان والكويت ودول الخليج تريد أن تضمَّ هؤلاء اللاعبين إليها مقابل آلاف الجنيهات.

في هذه اللحظة راوغ «ميزو» أحد المدافعين برفع الكرة بقدمه اليمنى، ثم تلقَّاها بقدمه اليسرى، ومرَّ من المدافع الآخر … وارتفعت الصيحات في جنونٍ تشجِّع «ميزو» الرشيق الذي لفَّ بجسمه كله، ثم قذف الكرة فسكنت شباك حارس المرمى الذي لم يتمكَّن من صدِّها.

ارتفعت صيحات الجماهير المتحمِّسة، وزاد حماس الجالسين حول «محب» و«عاطف» حتى لم يتمكَّنا من تبادل الحديث … إلا بعد انتهاء التمرين … وقال المشجِّع المتحمِّس: بعد غدٍ سوف نهزم نادي «الفانلة البيضاء» … وأُراهن من الآن بأننا سنُسجِّل خمسة أهداف!

عاطف: تراهن؟

الرجل: طبعًا أراهن. هل أنت على استعداد؟

عاطف: لا … إن المراهنات ممنوعة.

ضحك الرجل في وجه «عاطف»، ثم قال له ببساطة: سلام عليكم.

وانصرفت الجماهير، ونزل «عاطف» و«محب» أرض الملعب. لقد أصبحا على يقينٍ من أن عملية الخطف التي سمعت «لوزة» بها في التليفون هي اصطلاحٌ في وسط اللاعبين والمشجِّعين تعني انتقال لاعبٍ من نادٍ إلى آخر … كذلك الرهان ليس إلا عملية تحدٍّ بين المشجعين.

ولكن … كان عليهما كمغامرين أن يحصلا على العناوين كما اتفقا مع بقية المغامرين الخمسة … وهكذا أسرعا لمقابلة «جلجل» في غرفة اللعب … تضايق «جلجل» قليلًا من إصرار صديقه «محب» على معرفة أسماء اللاعبين الذين يسكنون المعادي … ولكن تحت إلحاح «محب» قال «جلجل»: إنني أعرفهم جميعًا طبعًا، ومنهم «ميزو» الذي يسكن الشارع رقم ٧٨ في الفيلا ١٣م، ومنهم «مصمص» الذي يسكن في شارع ٣٣ في المنزل رقم ٢٧، ومنهم «عصام» ويسكن في شارع ٨١ المنزل رقم ٢٥ … أمَّا الباقون فمن نوادٍ أخرى … وطبعًا أنت تعرف يا «محب» مكان سكني.

كتب «محب» هذه المعلومات كلها في ورقة … وقال ﻟ «عاطف»: هيا بنا. إن المغامرة التي كنا نحلم بها … ليست إلا وهمًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤