عملية «الفانلة الحمراء»

عندما أفاقت «لوزة» وجدت نفسها في فراشها … وحولها والدها ووالدتها و«عاطف» و«نوسة» و«محب» وقد بدا عليهم جميعًا الاضطراب … ثم رأت وجهًا باسمًا ينحني عليها ويربت على وجنتَيها … كان وجه الدكتور «نشأت» طبيب الأسرة. وأحسَّت «لوزة» بآلامٍ فظيعة في رأسها … ومدَّت يدها تتحسَّس موضع الألم، ووجدت رأسها مربوطًا.

وأخذت تتذكَّر ما حدث … خروجها بين الناس … الزحام الذي لا يُصدَّق … خبطةٌ قويةٌ على رأسها … ثم سقوطها وفقدها الوعي!

قال الطبيب مبتسمًا: كل شيءٍ على ما يرام يا «لوزة» … لقد أصابك فيما يبدو حجرٌ ألقاه شخص … والحمد لله أن الإصابة ليست خطيرة.

قال والد «لوزة»: هل تبقى طويلًا في الفراش؟

الدكتور: نحو أسبوع، وربما أقل.

كان الطبيب قد أخبر والدها أنها أصيبت بارتجاجٍ في المخ نتيجة «إصابة» من ضربة قوية، ولكنهم اتفقوا على أن يُخفوا عنها الحقيقة حتى لا تخاف … والحقيقة أن «لوزة» لم تكن تخاف من شيء … فهي من أشد المغامرين جرأةً وشجاعة.

كان أكثر المغامرين انشغالًا هو «محب»، ولكنه كتم ما في نفسه حتى ينفرد مع «عاطف» و«نوسة» و«لوزة» بعد خروج الطبيب والأم والأب. وقد خرجوا بعد فترة … وبقي المغامرون الثلاثة معًا …

قال «محب» على الفور: «لوزة» … هل يمكن أن نتحدَّث قليلًا؟ … لقد نبَّه الدكتور ألَّا تُجهدي نفسك مطلقًا وبخاصة في التفكير … ولكنني أريد أن أسألك سؤالًا واحدًا … هل تعتقدين أن إصابتك كانت بالصدفة؟

فكَّرت «لوزة» لحظات وبدا على وجهها الألم والإرهاق، ثم قالت في بطء: أعتقد يا «محب» أنها لم تكن صدفة … ولكن لماذا تسأل؟

محب: لأنني أيضًا أظنُّ أنها لم تكن صدفة، بل إنني متأكِّدٌ أن هناك شخصًا ضربك متعمِّدًا.

ولدهشة «محب» و«نوسة» و«عاطف» ابتسمت «لوزة» برغم آلامها وقالت: ألم أقل لكم؟! إنه الرجل الذي سيخطف اللاعب!

زادت دهشة الأصدقاء … إن ما يهمُّ «لوزة» ليس إصابتها، ولكن إثبات أنها كانت على حقٍّ عندما أثارت موضوع الخطف … وعادت «لوزة» تقول: لقد شعرتُ في أثناء دخولي إلى الاستاد أن شخصًا يحاول جذبي بعيدًا عنكم … بل إنني أظن أنه حاول ضربي، ولكن لم يكُن الزحام شديدًا بحيث يستطيع الاختفاء بعد ذلك؛ ولهذا انتظر لحظة خروجي ليضربني.

محب: هل لاحظتِ شكله؟

لوزة: لا!

محب: لا أشك لحظةً واحدةً في أنه كان الرجل ذا الملامح الشريرة الذي كان خلفنا … لقد شاهدته أمام منزل «جلجل»، ثم في مران النادي، ثم في الملعب. وليس من المعقول أن يكون كل هذا قد حدث بالصدفة!

نوسة: يجب أن نخرج الآن … لقد طلب الدكتور عدم إجهاد «لوزة». وحاولَت «لوزة» أن تعترض … ولكنها لم تستطِع … كانت متعبةً جدًّا … وخرج المغامرون الثلاثة وأغلقوا الغرفة خلفهم، وقالت «نوسة»: من حسن الحظ أن رجال الإسعاف وصلوا بسرعة. لقد كادت تحدث كارثة!

عاطف: هل الإصابة ستترك فيها أي أثر؟

محب: لا أعتقد … إنها فقط تحتاج إلى الراحة.

نوسة: والآن ماذا نفعل؟

محب: سأتصل ﺑ «جلجل» تليفونيًّا … إنني أريد أن أعرف كيف عرف الرجل الشرير ومن معه أن «لوزة» هي التي استمعت للمكالمة … هل عن طريق «جلجل» أم عن طريق الشاويش؟ إنهما الشخصان اللذان تحدَّثنا إليهما؟!

ونزلوا إلى الحديقة، واتَّصل «محب» ﺑ «جلجل» وطال الحديث بينهما، وكان «عاطف» و«نوسة» يُراقبان المحادثة … وبعدها وضع «محب» السمَّاعة قائلًا: إنه «جلجل» … لقد أخبر زملاءه اللاعبين واعتبروها نكتة … وعرف جميع من في النادي أن طفلةً اسمها «لوزة» تدَّعي أن هناك محاولةً لخطف لاعبٍ أو أكثر من نادي «الفانلة الحمراء». ولا شك أن النكتة أو الحكاية وصلت إلى الرجل الشرير وأعوانه، وأنهم يحاولون الانتقام منها.

عاطف: سأبقى بجوارها طول الوقت … فإنني أخشى أن يحاولوا الاعتداء عليها مرةً أخرى.

نوسة: ألَا نُخطر الشاويش بما حدث؟

محب: سيعتبرنا مخرِّفين … وطبعًا الحادث سيعتبرونه مجرَّد شيء حدث بالصدفة وسط الزحام، ومن الأفضل أن نعمل وحدنا.

نوسة: ألَا نتصل ﺑ «تختخ»؟

فكَّر «محب» لحظات، ثم قال: نتَّصل به تليفونيًّا بعد ساعة؛ فمن المؤكَّد أنه الآن يتمشَّى كعادته.

وجلس الثلاثة صامتين يفكِّرون، وفجأةً دقَّ جرس التليفون، ورفعت «نوسة» السمَّاعة وسمعت صوتًا مبحوحًا يقول: إنذارٌ لكم … لا تتدخَّلوا في عملية «الفانلة الحمراء» … وإلا … ففي المرة القادمة ستموت البنت الصغيرة!

وقبل أن تقول «نوسة» كلمةً واحدة … أغلق الرجل السمَّاعة … وقال «محب» وقد لاحظ تغيُّر وجه «نوسة»: ماذا حدث؟

نوسة: إنذار من العصابة، فأنا متأكِّدةٌ أننا الآن أمام عصابةٍ خطيرة … وكان مع «لوزة» الحق فيما قالته … لقد أنذرونا بوقف التدخُّل فيما سمَّوه عملية «الفانلة الحمراء» … وإلا …

وسكتت «نوسة» لحظات، ثم قالت: وإلا قضَوا على «لوزة» نهائيًّا!

ساد الصمت بعد حديث «نوسة» … وغرق الثلاثة في التفكير … إنهم في موقف خطير. لا أحد يصدِّقهم … «لوزة» مهدَّدةٌ بالموت … المفتش «سامي» ليس موجودًا … «تختخ» في القرية … الشاويش سيسخر منهم، بل قد يُبلغ أُسرهم أنهم يعاكسونه … فما هو الحل؟! وفجأةً قالت «نوسة»: نسيت شيئًا هامًّا … إنه الرجل ذو الصوت المبحوح!

قال «محب» بلهفة: ذو الصوت المبحوح؟! إن ذلك قد يساعد كثيرًا … فنحن نستطيع إقناع الشاويش — لو ذكرنا له اللص الذي سرق الصيدلية — أن يهتمَّ أكثر. وسأذهب إليه في منزله الآن … وعليكما الاتصال ﺑ «تختخ» في القرية وإخباره بما حدث.

أسرع «محب» إلى درَّاجته، وانطلق في الشوارع مسرعًا … كان الظلام كثيفًا والبرد قارسًا، فأضاء مصباح الدراجة، وأخذ وهو يقود دراجته السريعة يفكِّر فيما يمكن أن يقوله للشاويش ليقنعه. لم يلاحظ «محب» أن هناك سيارةً تتبعه … فقد كان مشغولًا تمامًا بالتفكير في الحديث المقبل، وهل يتحرَّك الشاويش لمساعدتهم أو يعتبر ما سيقوله مجرَّد فصلٍ سخيف؟

أخذ «محب» يقترب من منزل الشاويش الذي كان يقع في مكانٍ بعيدٍ نسبيًّا عن الشوارع الكبيرة، قرب عزبة «فهمي» في أطراف المعادي … وفجأةً أحسَّ «محب» بالسيارة التي خلفه تقترب مسرعة … فانحرف بجوار الرصيف ليوسع لها الطريق، ولكن صوت السيارة القوية ملأ أذنَيه، وأدرك أنها خلفه تمامًا … وأحسَّ بالخطر، وأدرك في لمحةٍ سريعة أن السيارة ستدهمه … وبسرعة صعد بدراجته على الرصيف واندفع إلى جوار فيلا صغيرة، ودار دورةً كاملةً وسقط على الأرض بعد أن استخدم الفرامل ليقف. وتوقَّفت السيارة أيضًا، وارتفع صوت فراملها على الأرض في السكون الشامل!

وعندما وقف «محب» وجد رجلَين ينزلان من السيارة ويتجهان إليه مسرعَين. كان واضحًا أنهما ينويان به شرًّا … ولم يفكِّر إلا ثانيةً واحدة، وقفز فوق سور الفيلا … واستقبله نباح كلبٍ ضخمٍ كان يدوِّي في السكون بوحشيةٍ مفزعة … وأصبح بين نارَين … إمَّا أن يستسلم للرجلَين، أو يُلقي بنفسه بين أنياب الكلب! ونظر إلى أعلى … كانت هناك شجرةٌ كبيرةٌ تظلِّل السور … وقفز بين الأغصان كالقرد … وأخذ يتنقَّل من فرع إلى فرع، وكان الرجلان يحملان بطاريتَين … وأخذت الأنوار تُطارده … والكلب ينبح … وفُتحت إحدى النوافذ في الفيلا وصاح شخص: من هناك؟

أطفأ الرجلان المصباحَين، وسكن «محب» على فرعٍ ضخمٍ وكتم أنفاسه، ولكن الكلب الشرس كان تحت الشجرة يعوي ويرفع قدمَيه الأماميتَين على الشجرة، وقال الرجل الذي فتح النافذة: اسكت يا «بوند»!

ولكن الكلب ظلَّ ينبح بقوة … ويقفز على الشجرة … وتحرَّك «محب» بسرعةٍ وهدوءٍ حتى وجد نفسه في طرف السور حيث يلتقي بسور الفيلا المجاورة، وقفز مسرعًا إليها … كانت الفيلا مظلمةً ومن الواضح أن سُكَّانها في الخارج. ووجد شرفةً في نهاية الفيلا تُطلُّ على الحديقة الخلفية لها، وأسرع يختفي تحت الشرفة الواطئة.

كان قلبه يدقُّ بعنف، وصوت الكلب الشرس ما زال يُدوِّي، ثم سمع صوت أقدام تقترب، وعرف أن الرجلَين لم ينصرفا، وأنهما مُصرَّان على البحث عنه … وأدرك أن عملية «الفانلة الحمراء» عمليةٌ كبيرة، وأن القائمين عليها أقوياء، وأنهم على استعدادٍ للذهاب إلى أي مدًى في سبيل إتمام العملية … وكانت الأقدام تقترب، وسمع عن قرب صوت الرجلَين الخافت وهما يتحدَّثان …

قال أحدهما: إنه هنا! …

قال الشخص الآخر بصوتٍ مبحوح: يجب أن نعثر عليه … لقد كان ذاهبًا إلى منزل الشاويش، ومعنى ذلك أن إنذارنا لم يُرهبهم، ويجب إيقافهم عند حدِّهم.

ردَّ الآخر: أخشى أن نلفت أنظار السكان.

ذو الصوت المبحوح: إن الفيلا معتمةٌ وليس فيها أحد … وهي آخر فيلا في الشارع، وبعدها عبر الشارع منزل الشاويش، ولو تركناه فسيصل إليه. فعليك أن تقف في الشارع بين الفيلا والمنزل، فإذا شاهدته فلا تتردَّد في إطلاق الرصاص عليه بدون أن تقتله!

قال الآخر: لكن صوت الرصاص سيلفت الانتباه!

ذو الصوت المبحوح: قبل أن يتمكَّن أحد من اللحاق بنا سنكون قد ابتعدنا بالسيارة … إن العملية يجب أن تتمَّ مهما كان الثمن.

كان «محب» يستمع إلى الحديث وهو ساكنٌ لا يكاد يتنفَّس … وسمع صوت أقدام الرجل تبتعد … وأدرك أنه وذا الصوت المبحوح أصبحا وحدهما … وشاهد ضوء البطارية يتحرَّك قريبًا منه … ثم يبتعد … ثم اقترب مرةً أخرى … أكثر فأكثر … وأدرك أن الرجل إذا انحنى ونظر تحت الشرفة فسوف يراه … وما دام قد أوصى زميله بإطلاق الرصاص، فلن يتردَّد هو في إطلاق الرصاص عليه … إذن …

كانت أقدام الرجل قد أصبحت عند طرف الشرفة بالضبط … وبدا واضحًا أن الرجل قد قرَّر البحث تحتها … وتحرَّك «محب» كالثعبان مسرعًا، ومدَّ يدَيه، وبكل ما يملك من قوة قبض على قدمَي الرجل وجذبه بشدة … وفقد الرجل توازنه وسقط على الأرض سقطةً مدوية … وقفز «محب» خارجًا … وكانت البطارية المُضاءة قد سقطت من يد الرجل، فانحنى «محب» مسرعًا والتقطها … وكان الرجل يحاول النهوض … ولم يتردَّد «محب»، وبكل قوته ضرب الرجل على رأسه بالبطارية … وسقط الرجل مرةً أخرى … وتحطَّم زجاج البطارية وساد الظلام … وسمع «محب» صوت أقدامٍ مسرعة، وأدرك أن الرجل الآخر عائد … ولم يضيِّع وقتًا … قفز السور إلى الشارع … وانطلق يجري في اتجاه منزل الشاويش …

دقَّ جرس الباب وهو يلهث … وانطلق صوت الجرس في الصمت يدوِّي داخل المنزل، ولكن لم يردَّ أحد … ومرةً أخرى دقَّ الجرس وترك يده فوقه، فاتصل الرنين ولكن أحدًا لم يرد.

وأدرك «محب» أن الشاويش ليس في المنزل … وأحسَّ بضيقٍ فظيع … لقد كانت فرصةً لن تُعوَّض. لو كان الشاويش موجودًا لاستطاع بالتأكيد القبض على الرجل المُلقى في الحديقة … وفجأةً سمع صوت سيارة تُقبل من طرف الشارع، وخشي أن تكون سيارة العصابة، فانطلق جاريًا، ودخل في شارع جانبي … وأخذ يجري ويجري … دون أن يُلقي بالًا إلى بعض المارَّة الذين كانوا ينظرون إليه في دهشة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤