الصراع يشتد

عندما عاد «محب» إلى «عاطف» و«نوسة» كان واضحًا عليه ما جرى له … فقد كانت ثيابه متسخة، ووجهه ويداه مجروحةً من أثر غصون الأشجار، ووجهه قد عفَّره التراب. وكان يمسك بيده دون أن يدري البطارية التي وقعت من الرجل ذي الصوت المبحوح، والتي ضربه بها.

هبَّت «نوسة» واقفةً عندما رأت شقيقها المجروح الممزَّق الثياب … على حين بدت على وجه «عاطف» علامات التعجُّب والضيق … وارتمى «محب» جالسًا وقال: لقد كانت «لوزة» على حق … إننا مراقبون … والعصابة التي نواجهها لا تتورَّع من القتل!

وروى «محب» ما حدث له خلال الساعة الماضية من أحداث، والحديث الذي سمعه يدور بين الرجلَين … يؤكِّد أن عملية الاختطاف حقيقية.

قال «عاطف»: ولكن المباراة انتهت دون خطف أحد.

محب: لسبب بسيطٍ أن الاختطاف سيتمُّ قبل مباراة فريق «الفانلة الحمراء»، وفريق «الفانلة البيضاء» … هذه المباراة يعتبرها عُشَّاق الكرة أهم من أية مباراةٍ أخرى … وتنتظرها الجماهير من عام إلى عام.

عاطف: ومتى تجرى هذه المباراة؟

محب: في الأسبوع القادم!

عاطف: أمامنا مُتَّسع من الوقت!

محب: المهم متى يتم الخطف، وبأية وسيلة؟! إن ما شاهدته الليلة من جسارة هؤلاء الأشقياء يؤكِّد أنهم لن يتورَّعوا عن شيءٍ في سبيل تنفيذ خطتهم الإجرامية.

أشارت «نوسة» إلى البطارية وقالت: هل هذه البطارية يمكن أن تكون دليلًا يدلُّنا على المجرم؟

لم يكن «محب» قد فكَّر في هذا مطلقًا … فأخذ يتأمَّل البطارية لأول مرة … كان طولها حوالي ثلاثين سنتيمترًا … من المعدِن … وتنتهي بانتفاخٍ حيث كان الزجاج المكسور، ولم يكن فيها شيء غير عادي.

هزَّ «محب» رأسه قائلًا: ليس في البطارية شيءٌ غير عادي … وطبعًا البصمات قد أزالتها أصابعي …

وصمت لحظات، ثم قال: هل حدَّثتما «تختخ»؟

نوسة: طبعًا … لقد نسيت عندما رأيتك بهذه الحالة أن أخبرك … لقد انزعج جدًّا لحالة «لوزة» … وقال إنه سيصل الليلة.

نظر «عاطف» إلى ساعته … كانت قد تجاوزت العاشرة وقال: هل ننتظره؟

محب: طبعًا … سأذهب إلى المنزل لأغيِّر ملابسي وأغتسل … ثم أعود، وسوف أستأذن والدي أن نبقى معك الليلة بجوار «لوزة».

انصرف «محب»، وأسرع «عاطف» ليرى «لوزة» … ووجدها نائمةً وقال ﻟ «نوسة»: سأنزل مع «محب» … قد يتعرَّض لاعتداءٍ آخر.

أسرع «عاطف» خلف «محب» وخرجا معًا إلى الشارع … كانت حركة المارة قد هدأت، ونظرا هنا وهناك، وقال «عاطف»: هل نذهب لإحضار دراجتك؟

قال «محب»: نعم … معك حق … لقد نسيت تمامًا.

وركبا دراجةً واحدةً وانطلقا مسرعَين … وعندما وصلا إلى جانب الفيلا المظلم حيث سقط «محب»، وجدا الدراجة ما زالت في مكانها … ولم يحدث بها إلا أن المقود قد انحرف من مكانه … وسرعان ما وضع «محب» الإطار الأمامي بين فخذَيه، وأدار المقود إلى مكانه الطبيعي، ثم انطلقا معًا …

كانا يسيران واحدًا وراء الآخر للمراقبة … ويدوران حول نفسَيهما بين لحظةٍ وأخرى حتى وصلا إلى منزل «محب» ودخلا، وبعد ربع ساعةٍ كان «محب» خارجًا مرةً أخرى وقد اغتسل وزاد نشاطه.

قال «عاطف»: ما رأيك في أن نذهب لإحضار «زنجر» معنا؟ … إنه سيكون حارسًا ممتازًا إذا حدث وغلبَنا النوم.

محب: فكرةٌ ممتازة.

وأسرعا إلى منزل «تختخ»، وكان البوَّاب يجلس أمام الباب، وبجواره «زنجر» الذي لم يكَد يرى الصديقَين حتى قفز فرحًا واستقبلهما بنباحٍ سعيد … ووافق البوَّاب طبعًا على أن يأخذا المغامر الأسود معهما … فانطلقا به إلى منزل «عاطف» … وفي الحقيقة إنهما شعرا باطمئنانٍ أكثر والكلب معهما.

عندما وصلا إلى المنزل كانت «نوسة» قد نزلت إلى المطبخ، وأعدَّت لثلاثتهم عشاءً أقبلوا عليه بشهية، ثم جلسوا يتحدَّثون … وكان عليهم أن يضعوا خطةً معقولةً لحماية اللاعب الذي سيُخطف … و«جلجل» الذي تحدَّث رجلا العصابة عن صعوبة خطفه … ولكن عن محاولة منعه من اللعب.

قالت «نوسة» مقترحة: ما رأيكما في خطاب بلا توقيعٍ إلى اللاعبَين بأن هناك خطةً لخطفهما … وأن عليهما أن يحذرا!

عاطف: لقد نسيت «نوسة» أن حكاية الخطف هذه لم يَعُد لها أية قيمة عند اللاعبين، وأية إثارةٍ لهذا الموضوع لن ينالنا منها إلا السخرية؛ فهم بالتأكيد سيعرفون أننا الذين أرسلنا هذه الخطابات.

وفجأةً سمعوا «زنجر» ينبح في الحديقة … وأسرع «عاطف» إلى الباب وفتحه … ووقف ينظر في الظلام … ولكن «زنجر» — بدلًا من أن ينتظر — قفز إلى الداخل، وأسرع يقفز سلالم الفيلا إلى الدور الثاني … وأدرك «عاطف» كل شيء.

أسرع «زنجر» حتى وقف أمام غرفة «لوزة»، حيث كان يجلس المغامرون، ثم أخذ يرفع رأسه محاولًا إدارة مقبض الباب بفمه … كان يريد رؤية «لوزة» … وفي تلك اللحظة أقبلت والدة «لوزة»، وعندما شاهدت ما يفعله «زنجر» … دهشت … وفتحت له الباب، ودخلا معًا … كانت «لوزة» ما زالت نائمةً بفعل الأدوية التي تناولتها … فأخذ «زنجر» يلعق يدَيها الصغيرتَين من تحت الغطاء … وتأثَّرت والدة «لوزة» كثيرًا بذكاء الكلب ووفائه … وبعد أن اطمأنَّت إلى أن درجة حرارة «لوزة» معقولة … نزلت وأعدَّت للكلب وجبةً شهيةً من اللحم والعظم … وبعد أن أكل «زنجر» وشبع تمدَّد راضيًا أمام باب الغرفة … وعاد المغامرون الثلاثة يتحدَّثون … ومضت الساعات دون أن يصلوا إلى حلٍّ معيَّن … وبدأ النوم يُداعب جفونهم … وفجأةً قالت «نوسة»: شيءٌ غريبٌ فكَّرتُ فيه … لماذا يريدون القضاء على «لوزة»؟ ردَّ «محب» الذي كان ما زال فاتحًا عينَيه: لقد فكَّرتُ في الخاطر نفسه … والشيء الوحيد المعقول أنهم يظنون أنها سمعت معلوماتٍ كثيرةً تدلُّ على شخصياتهم … ولهذا فقد حاولوا خطفها في الاستاد، ولكن ذلك كان صعبًا … وهكذا حاولوا القضاء عليها.

نوسة: وأنت؟

محب: لا أدري … ولكن تعليمات ذي الصوت المبحوح بمحاولة إصابتي دون قتلي يعني أنهم يريدون معرفة الذي نعرفه بالضبط.

وعاد الصمت من جديد … ونظر «محب» إلى ساعته … كانت قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل، فقال: شيءٌ غريب … لقد تأخَّر «تختخ».

ردَّت «نوسة»: لقد تحدَّثنا إليه حوالي التاسعة والنصف … فإذا تصوَّرنا أنه ركب من القرية بعد ذلك بساعة؛ أي في العاشرة والنصف … فالمفروض أن يكون في القاهرة في الساعة الثانية عشرة والربع أو النصف … فالمسافة بين القرية والقاهرة تقطعها السيارة في نحو ساعتَين ونصف الساعة، أو ساعَتين وثلاثة أرباع الساعة.

محب: لعله سيصل بين لحظةٍ وأخرى.

وعاد الصمت من جديد، وكان «عاطف» قد استسلم للنوم على كنبة في الصالة حيث يجلسون، وشيئًا فشيئًا سيطر النُّعاس على «نوسة»، ثم على «محب»، ولم يبقَ ساهرًا إلا المغامر الأسود «زنجر».

اقتربت الساعة من الثالثة صباحًا … وساد السكون شوارع المعادي … ولم يبقَ ساهرًا في الفيلا إلا «زنجر» الذي تنبَّه فجأة، وانتفض جسمه ووقف … لقد سمع الكلب الأسود الذكي صوتًا غير عادي … واتجه إلى النافذة ومدَّ رأسه … ثم أطلق نباحًا غاضبًا … واستيقظ المغامرون الثلاثة على صوت النباح … ليسمعوا صوت أقدامٍ تجري في الحديقة، وأسرع «محب» ينظر من النافذة، وشاهد شخصًا يجري … ثم شاهد ما هو أعجب؛ فعلى نور الشارع برز «تختخ» يحمل حقيبةً ألقاها على الأرض، وأسرع خلف الرجل، وكانت هناك سيارة في الانتظار وصوت محرِّكها واضحٌ في الصمت.

جرى «تختخ» خلف الرجل … ولكن الرجل كان أسرع، وسرعان ما قفز إلى السيارة التي انطلقت به مسرعة … ومع ذلك ظل «تختخ» يجري حتى انعطفت السيارة إلى شارع جانبي واختفت عن الأنظار.

نزل «محب» مسرعًا ففتح الباب ﻟ «تختخ» الذي دخل مُتتابع الأنفاس … وقال على الفور: كيف حال «لوزة»؟

محب: على ما يرام. إنها نائمة.

وصعد «تختخ» السلم، ودون أن يتحدَّث دخل غرفة «لوزة» وشاهد عينَيها الصغيرتَين تلمعان في الظلام … كانت هي الأخرى قد استيقظت على صوت النباح … وانحنى «تختخ» عليها واحتضنها وقال: الحمد لله … أنت على ما يرام!

قالت «لوزة» بصوتٍ ضعيف: كيف حضرت؟

تختخ: حدَّثتني «نوسة» تليفونيًّا وركبت سيارةً من القرية … وللأسف تعطَّلت في الطريق حوالي الساعة الحادية عشرة … وظلِلنا بجوارها حتى أحضروا ميكانيكيًّا من «دمنهور» أصلحها … ثم عاودنا المسير فوصلنا منذ ساعة تقريبًا …

كان المغامرون الثلاثة «محب» و«نوسة» و«عاطف» و«زنجر» قد دخلوا … وسمعوا حديث «تختخ» الذي مضى يقول: ووجدت «تاكسيًا» مع مجموعة من الأشخاص أنزلَنا قريبًا من المنزل … وسمعت نباح «زنجر»، ثم شاهدت شخصًا يجري في الحديقة فجريت خلفه … ولكني لم ألحق به فقد ركب سيارة.

محب: ولكنك جريت خلف السيارة!

تختخ: كنت أحاول التقاط الأرقام … ولكنني لم أستطِع التقاطها كلها؛ فهي مطموسةٌ والظاهر رقم ٧٥٢ … والسيارة ماركة «شيفورليه» خضراء … والآن ماذا حدث في فترة غيابي … فأنا لم أعرف من المكالمة التليفونية إلا إصابة «لوزة» في أثناء خروجها من الاستاد.

روى «محب» ﻟ «تختخ» ما جرى ﻟ «لوزة» بالتفصيل … ثم روى له مغامرته الليلية والمطاردة التي تعرَّض لها حتى عودته إلى الفيلا … ونباح «زنجر».

قال «تختخ»: لقد أصبح واضحًا أن «لوزة» كان معها حق … لقد حاولوا اختطافها ثم إسكاتها … وحاولوا إصابتك … وحاولوا الليلة اختطاف «لوزة» … إنها عصابةٌ في منتهى الخطورة … ومع أن كل الحقائق بين أيدينا … فإننا لا نعرف كيف نتصرَّف، وليس بين أيدينا دليلٌ واحد.

عاطف: هناك شيءٌ لفت نظرنا إليه «محب»، هو أن المباراة الهامة بين فريقَي النادي الأحمر والنادي الأبيض ستُجرَى يوم الجمعة القادم، وهي مباراةٌ هامَّة ينتظرها الملايين من هواة كرة القدم … وهما أكبر ناديَين في بلادنا … وربما يتمُّ الاختطاف قبل هذه المباراة.

تختخ: في هذه الحالة تصبح خطتنا مجهَّزة … علينا أن نُراقب اللاعبين الثلاثة «جلجل» و«ميزو» و«مصمص» طوال الأسبوع … نريد أن نعرف كل شيءٍ عن عاداتهم وأسلوب حياتهم … وسنكشف بهذه الطريقة الخطة التي وضعتها العصابة للخطف … وبالمناسبة لقد قابلت المفتش «سامي» في الطريق قرب القرية ورويت له ما حدث … وقد أبدى بعض الاهتمام، وأخبرني أنه سيعود إلى عمله في نهاية الأسبوع.

تحدَّثت «لوزة» لأول مرة قائلة: إذا عاد المفتش … فسوف نتمكَّن من عمل شيء.

سكت الجميع … ولم يَعُد يُسمع سوى همهمة «زنجر» وهو يدور حول فراش «لوزة»، وفجأةً قال «تختخ»: إننا لم نعرف ماذا سرق لصُّ الصيدلية … الرجل ذو الصوت المبحوح!

سأل «عاطف»: وما أهمية هذا؟

ردَّ «تختخ»: له أهميةٌ كبيرة … فقد خطرت لي فكرةٌ مدهشة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤