هل يُصدِّق الشاويش؟

مضت الأيام الأربعة التالية هادئة … كان المغامرون الأربعة يقومون خلالها بمراقبة منازل اللاعبين الثلاثة «جلجل» و«ميزو» و«مصمص» … وكان واحد منهم يُلازم «لوزة» باستمرار لحمايتها … وكانت «لوزة» قد تحسَّنت حالتها كثيرًا … وأصبحت تشترك في المناقشات … فقد كانت المُغامِرة الصغيرة تُريد أن تُثبت أن المكالمة التليفونية سوف تؤدِّي إلى كشف لغزٍ من أخطر الألغاز.

وفي هذه الأيام الأربعة كانت الجرائد والمجلات تنشر كل يومٍ الكثير عن المباراة القادمة وأهميتها … ونشرت قوائم بأسماء الفريقَين … فريق «الفانلة الحمراء» … وفريق «الفانلة البيضاء» …

وتأكَّد المغامرون الخمسة من قُرَّاءة التحليلات الرياضية أن أهم ثلاثة في فريق «الفانلة الحمراء» هم «جلجل» في الدفاع، و«ميزو» و«مصمص» في الهجوم … وبهذا عرفوا أيضًا أن عصابة الاختطاف سوف تركِّز هدفها على اثنَين من الثلاثة … ورجَّح «محب» وهو أكثر المغامرين الخمسة علاقةً بالوسط الرياضي أن اثنَين فقط هما «جلجل» و«ميزو»، إذا غابا عن فريق «الفانلة الحمراء» … فإن الفريق سيلقى هزيمةً منكرةً من فريق «الفانلة البيضاء».

وعرف المغامرون أن «ميزو» يستيقظ كل يوم في الخامسة صباحًا … ليقوم بتمرين للجري في شوارع المعادي الهادئة حتى ينتهي عند الكازينو … فيشرب هناك كوب لبن، ثم يعود إلى منزله بعد ذلك … ويخرج في الثامنة ليذهب إلى الجامعة لأنه طالب.

وعرف الأصدقاء أن «جلجل» لا يتمرَّن في النادي … وأنه حسب تعليمات الطبيب يأخذ حقنة فيتامينات يومًا بعد يومٍ للتقوية … وأن «مصمص» يُحب دخول السينما … والعودة وحده في العاشرة ليلًا إلى منزله.

عندما تجمَّعت هذه المعلومات أمام المغامرين الخمسة قال «تختخ»: إذا لم أكن مخطئًا فخطة العصابة الآن واضحةٌ في ذهني … ولا يبقى منها سوى أن أعرف من الشاويش ماذا سرق اللص ذو الصوت المبحوح من الصيدلية.

قال «عاطف»: لا أدري ما هي علاقة عادات اللاعبين بسرقة الصيدلية؟

تختخ: سوف نعرف عندما نُقابل الشاويش الآن … هيا بنا.

بقي «محب» و«نوسة» بجوار «لوزة» … وركب «تختخ» و«عاطف» دراجتَيهما واتجها إلى منزل الشاويش … وكانا يعرفان أنه عادةً ينام بعد الغداء قليلًا … ولكن «تختخ» لم يهتمَّ بإزعاجه … فقد كان متأكِّدًا أن معلومات الشاويش سوف توضِّح خطة العصابة تمامًا …

كانت الساعة الخامسة بعد الظهر عندما دقَّ «عاطف» جرس الباب … وانتظر ومضت فترة دون أن يردَّ أحد … ومرةً أخرى دقَّ الجرس … وفي هذه المرة سمع صوت أقدام في الداخل، ثم ظهر الشاويش على عتبة الباب بملابس النوم … وقد بدا الضيق على وجهه ولم يكَد يرى الصديقَين حتى كشَّر عن أنيابه، واهتزَّ شاربه وقال: ماذا تريدان؟

قال «تختخ» فورًا: أُريد أن أسألك سؤالًا واحدًا يا حضرة الشاويش … ولا تحاول أن تتهرَّب منا … لقد تعرَّضت «لوزة» و«محب» للموت … وأنت طبعًا لن تُصدِّقنا لأنه ليست عندنا أدلةٌ كافية.

قال الشاويش: ادخلا.

دخل الصديقان وأسرع الشاويش ليرتدي ثيابه وأحضر لهما الشاي … وقال «عاطف»: إن الشاويش يقوم بالواجب.

حضر الشاويش بعد لحظاتٍ وقال: ما هو السؤال الذي تُريد توجيهه؟

تختخ: لص الصيدلية … هل سرق أدويةً مخدرة؟

بحلق الشاويش في وجه «تختخ» كأنه لا يُصدِّق ما يسمعه وقال: كيف عرفت؟

تختخ: لقد سرَق حُقنًا مخدرةً ممنوع صرفها إلا بأمر الطبيب.

الشاويش: هذا صحيح.

تختخ: هذا كل ما أريد معرفته.

وقف «تختخ» فقال الشاويش: أرجوك اجلس قليلًا … إنك في منزلي والضيف له الإكرام. سأُحضر لكما بعض البرتقال.

تختخ: شكرًا لك … يكفي الشاي.

الشاويش: ولكن كيف عرفت؟

تختخ: لم أعرف ذلك عن طريق أحد … إنه عن طريق الاستنتاج فقط … فلص الصيدلية هو نفسه زعيم العصابة التي تنوي خطف اللاعب … وإبعاد الآخر.

الشاويش: أما زلتم تصدِّقون هذه التخاريف؟

تختخ: أؤكِّد لك يا حضرة الشاويش أنك إذا ساعدتنا فسوف تُساعد نفسك وستقبض على لص الصيدلية.

فكَّر الشاويش قليلًا، ثم قال: ماذا تريدون منِّي؟

تختخ: نريد منك أن تشترك معنا في القبض على العصابة … إنني أتوقَّع أن يحاولوا خطف «لوزة» خلال اليومَين القادمَين لإسكات الصوت الوحيد الذي يملك الدليل على عملية «الفانلة الحمراء».

الشاويش: حماية «لوزة» مسألةٌ سهلة … ولكن المهم ما علاقة سرقة الحقن المخدِّرة من الصيدلية بالعملية الوهمية التي تفكِّرون فيها؟

تختخ: سأقول لك … برغم أنني لا أملك الدليل … لقد سرق اللصوص الحقن والمواد المخدرة لأن في نيتهم تخدير اللاعبين الذين سيخطفونهم … أو على الأقل يمنعونهم من لعب المباراة … فقد عرفت أن اللاعب الشهير «ميزو» يؤدِّي تمرينًا في الجري كل يوم في الخامسة صباحًا، ثم يذهب إلى الكازينو في السادسة والنصف ليشرب كوبًا من اللبن … ومن السهل جدًّا دسُّ مخدرٍ له في كوب اللبن … أمَّا اللاعب «جلجل» … فيأخذ حقنة فيتامينات يومًا بعد يوم بأمر الطبيب … ويذهب ممرِّضٌ له في المنزل … ومن السهل استبدال الممرض بشخصٍ آخر … وبدلًا من أن يأخذ «جلجل» حقنة فيتامينات يأخذ حقنةً مخدِّرة … واللاعب «مصمص» …

ولكن قبل أن يستطرد «تختخ» في كلامه قال الشاويش: إنها خطةٌ رهيبةٌ لا يمكن أن تكون صحيحة.

تختخ: ولكنها صحيحة يا شاويش … ويجب أن تتدخَّل، وبخاصة أنني قابلت المفتش «سامي» في الإسكندرية وأخبرني أنه سيعود إلى القاهرة في نهاية الأسبوع … إمَّا غدًا أو بعد غد … وبدلًا من أن يسمع حوادث التخدير والخطف … سيسمع أنك قبضت على اللصوص.

اهتزَّ شارب الشاويش هذه المرة بحماس، وقال وهو يهزُّ يده: إذا كان هذا مقلبًا من مقالبكم فإنني …

تختخ: صدِّقني يا شاويش، المسألة في غاية الجدية وليست هزارًا.

الشاويش: وهل فكَّرت في شيء معيَّن؟

تختخ: لو كنت مكان رئيس العصابة لفكَّرت أن أضرب ضربتي مرةً واحدة.

الشاويش: كيف؟

تختخ: أخطف «لوزة» فجر يوم المباراة، وفي الوقت نفسه أضع المخدِّر ﻟ «ميزو» بعد ذلك في كوب اللبن … وأعطي الحقنة المخدِّرة ﻟ «جلجل» الذي يأخذها في التاسعة صباحًا.

أخذ الشاويش يُحرِّك شفتَيه غير مقتنعٍ … كان يدور في ذهنه صراعٌ بين الاستماع إلى خطة «تختخ» المذهلة … وبين أسلوبه العادي في البحث … وأخيرًا قرَّر أن يصدِّق «تختخ» هذه المرة؛ فسيكون الصيد كبيرًا.

الشاويش: وماذا نفعل خلال اﻟ «٤٨» ساعةً الباقية؟

تختخ: لا شيء … سنتظاهر بأننا نسينا العملية، ونتصرَّف بشكلٍ عاديٍّ جدًّا.

الشاويش: وأين أقبض عليهم؟

تختخ: سنتولَّى أمر من سيأتي لخطف «لوزة» … وستكون أنت متنكِّرًا في ملابس «جرسون» في الكازينو … فإذا تمَّ القبض على هؤلاء … لا يبقى أمامك إلا الممرِّض المزيَّف، ومن السهل القبض عليه.

تحمَّس الشاويش فجأةً وقال: موافق!

وخرج الصديقان وأسرعا إلى منزل «عاطف» … حيث تمَّ اجتماع بين المغامرين الخمسة، وقال «تختخ»: إنني بالطبع لن أترك «لوزة» في تلك الليلة تنام فعلًا في فراشها، فسوف تذهب إلى غرفةٍ أخرى … وينام «عاطف» مكانها.

ضحك «عاطف» قائلًا: يبدو أنك تريد أن تتخلَّص مني.

ابتسم «تختخ» وقال: وسنتظاهر أننا جميعًا غادرنا الفيلا في العاشرة ليلًا مثلًا، ثم نعود من باب المطبخ … وسنكمن لهم ومعنا «زنجر».

فجر يوم المباراة … تمَّ ترتيب كل شيء … كان «عاطف» نائمًا مكان «لوزة» وقد غطَّى وجهه … وكان الأصدقاء يكمنون في غرفةٍ مجاورة … ولم يلاحظ والدا «لوزة» ما يحدث … فقد كان الأولاد يتصرَّفون ببساطة. وفي الرابعة صباحًا ارتفعت أذن «زنجر» وبدا أنه يحسُّ بشيءٍ. ثم سمع «عاطف» وهو تحت الأغطية شخصًا يقفز من النافذة، وتركه حتى اقترب منه … وكان معه تحت الأغطية بطارية … ولم يكَد الرجل ينحني عليه حتى أطلق النور في وجهه … وفي اللحظة نفسها قفز «زنجر» كالوحش وخلفه بقية الأصدقاء … ووقف اللص مكانه مذهولًا … وسرعان ما كان الحبل الذي أعدَّه الأصدقاء … يحيط بقدمَيه وذراعَيه … وبعد ثوانٍ قليلة كان مُلقًى على الأرض كربطةٍ من الورق.

ونظر «تختخ» من النافذة بحذرٍ … كانت السيارة «الشيفورليه» تقف في الانتظار وقد تدلَّى سُلَّم من الحبال بين النافذة والأرض.

قال «تختخ» هامسًا: سيأتي الرجل الآخر الآن … هاتوا شيئًا ثقيلًا.

عاطف: لماذا؟

تختخ: لا شيء. سوف ينزل على رأسه من هذا الارتفاع … وأعتقد أنه سيكفي لينام حتى يأتي الشاويش.

عاطف: سأُحضر لك زهريةً من الفخار. للأسف فيها وردٌ جميل.

تختخ: سأُحضر لك غيره.

ووقف «تختخ» ينظر بحذرٍ حتى فُتح باب السيارة ونزل الرجل. كان واضحًا أنه قلق لتأخُّر زميله. واقترب الرجل من باب الحديقة في تردُّد، ثم دخل ومشى حتى وقف تحت النافذة، وأمسك بسلَّم الحبال، وأخذ يصعد … وتركه «تختخ» يصعد بضع درجات حتى لا يتمكَّن من العودة إذا رآه … ثم برز من النافذة فجأة، وترك الزهرية الثقيلة تسقط في خط مستقيمٍ على رأس الرجل … وسمع صوت الاصطدام، وسقط الرجل على الأرض … وأسرع «تختخ» نازلًا ومعه «محب»، ولم يكونا في حاجةٍ إلى عمل أي شيء؛ فقد تمدَّد الرجل على الأرض ساكنًا.

ركب «محب» و«عاطف» دراجتَيهما وأسرعا إلى الكازينو ليَريا ماذا حدث هناك، وعندما وصلا إلى أول الشارع، شاهدا الشاويش خارجًا وهو يسحب أحد الأشخاص، وكانت هناك سيارة تُدير محركاتها مبتعدة … وتأكَّدا أن بقية العصابة كانت فيها.

صاح الشاويش: لقد قبضتُ عليه واعترف فورًا!

محب: وأين «ميزو»؟

ضحك الشاويش: إنه يشرب كوب اللبن دون مخدِّر … ودون أن يدري بما حدث.

عاطف: تعالَ معنا إذن لتأخذ بقية الصيد.

الشاويش: هل حضر أحد لخطف «لوزة»؟

عاطف: اثنان … وقد وقعا.

هزَّ الشاويش رأسه قائلًا: هذا الولد السمين … كم هو مدهش! … كيف عرف كل هذا وهو جالسٌ في مكانه، وأنا ألفُّ وأدور دون أن أصل إلى شيء؟!

في الساعة الثالثة إلا عشر دقائق بعد ظهر ذلك اليوم، ظهر المعلِّق الرياضي الشهير الكابتن «لطيف» على شاشة التليفزيون؛ ليُذيع مباراة نادي «الفانلة الحمراء» ونادي «الفانلة البيضاء» … وكان المغامرون الخمسة في منزل «لوزة» قد التفُّوا حول جهاز التليفزيون يتفرَّجون.

قال الكابتن «لطيف»: سيداتي آنساتي سادتي … يوم رياضيٌّ جميل … حيث يلتقي أكبر فريقَين للكرة في بلادنا في مباراة من مباريات الدوري العام … ونتمنَّى أن نشاهد مباراةً ممتعةً بين الفريقَين الكبيرَين …

ونظر الكابتن «لطيف» إلى ورقةٍ أمامه وقال: والآن أقرأ عليكم أسماء الفريقَين … وأخذ الكابتن يقرأ، وجاء اسم «جلجل» … و«ميزو» و«مصمص» وغيرهم من اللاعبين.

ووضعت «لوزة» يدها على رأسها المربوطة وابتسمت … ونظر إليها المغامرون وابتسموا … فلم يكن الكابتن «لطيف» يعرف وهو يقرأ أسماء اللاعبين … ولا كان اللاعبون أنفسهم … ولا الألوف الذين ملئوا الاستاد … ولا الملايين الذين التفُّوا حول أجهزة التليفزيون والراديو … لم يكن أحدٌ من هؤلاء كلهم يعرف أن مغامِرةً صغيرةً شُجاعة هي التي جعلت هذه المباراة الكبيرة تُقام، وبكل النجوم الذين يحبونهم.

لم يكن أحد منهم يعرف أن عصابة المراهنات السرية قد وقعت في يد رجال الشرطة بفضل مكالمةٍ تليفونيةٍ في تليفون معطَّل … سمعتها فتاةٌ صغيرة ذكية، وعرفت كيف تظل مُصرَّةً على هدفها عندما ضحك منها الجميع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤