قناصة الموت!

كان الشَّياطين الأربعة ومعهم «سلودان» في غاية القلق، فجنود «الصرب» المأسورين عِبْء جديدٌ عليهم، وقد يدفع زملاءهم للبحث عنهم واكتشاف أمر الشَّياطين.

ثم هناك شيء هام جدًّا، وهو حضور «عثمان» على وجه السرعة، فالخطة الموضوعة لفك أسر المصوِّر العربي «عبد الرحمن خميس» يلعب فيها «عثمان» دورًا بارزًا، وأي تأخير معناه تأجيل ساعة الصفر.

تناول الشَّياطين وجبة عشاء سريعةً، ودوَّت المدافع وطلقات الرصاص تملأ المكان وتهتزُّ لها الأبنية القائمة … انصرف «سلودان» لإحضار بعض زجاجات الماء، بينما راح «أحمد» يراجع من جديد خطة الاقتحام، ويظهر لكل واحدٍ من الشَّياطين دوره في الخطة.

قال «بو عمير»: متى تأذن ساعة الصفر؟!

فأجاب «أحمد»: إنني أودُّ أن أجعلها الآن، ولكن لا بد أن ننتظر «عثمان».

فتساءل «قيس» عن دَوْر «سلودان» في الخطة، فأجابه «أحمد»: «سلودان» له دور كبير في إكمال الخطة، فهو الذي سيخرجنا من «سراييفو» حين تهدأ أصوات المدافع، فجأة سمع «بو عمير» صوتًا يعرفه جيدًا … فأرهف السمع مرةً أخرى وهو يردِّد: إنه «عثمان»!

تعالى صوت «البومة» من جديد، وقفز «قيس» بسرعة، واندفع في اتجاه الباب ليفتحه غير عابئ بتعليمات «أحمد»، وظهرت أسنان «عثمان» البيضاء أمام ظلمة الباب ومعه «سلودان».

أمام أقداح الشاي الساخنة أعاد «أحمد» شرح خطة اقتحام القلعة، وأعاد توزيع الأدوار من جديد، وضحك «عثمان» بعد أن عرف دوره، وابتسم وهو يردِّد: أمس أم اليوم؟

فضحك الشَّياطين، واقتاد «أحمد» «عثمان» إلى حيث تكوَّم جنود الصرب الثلاثة وفتح الباب عليهم، وقال ﻟ «عثمان»: هؤلاء أول غنائمنا في هذه المغامرة. وأعاد غلق الباب عليهم وهو يقصُّ كلَّ تفاصيل ما حدث ﻟ «عثمان».

نام الشَّياطين الخمسة هذه الليلة ومعهم «سلودان» بعمقٍ؛ حتى أيقظتهم في الصباح طلقات المدافع «الهاون» الثقيلة، فقاموا على أصواتها المفزعة، ثم اغتسلوا بقليل من الماء وتناولوا بعدها طعام الإفطار، ثم راحوا يتدارسون الخطة، فقد حانت ساعة الصفر، ففي مساء هذا اليوم ستكون المواجهة الصعبة مع «قناصة الموت».

ذهب «سلودان» لتدبير سيارة أخرى أكبر حجمًا من «الزستافا»، وكذلك تأجير أحد القوارب السريعة التي ستنقل الشَّياطين إلى مدينة «باري» الإيطالية تمهيدًا للسفر إلى «إيطاليا» … وما إنْ غربت الشمس في ذلك النهار الطويل الذي لم تتوقَّف فيه المدافع حتى استعد الشَّياطين لأداء مهمتهم … كان «سلودان» قد عاد ومعه سيارة «بيجو» ستيشن، قال ﻟ «أحمد» فَوْر دخوله المنزل بلكنة إنجليزية وكما يفعل الجنود مع رؤسائهم: كله تمام يا أفندم … ضحك الشَّياطين، ولوَّحوا بقبعاتهم في الهواء وكأنهم يشحذون هممهم.

كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ليلًا. حين تحركت السيارتان «البيجو» و«الزستافا» تحملان الشَّياطين في ملابس رجال الإغاثة بملابسهم الحمراء. كان «عثمان» يقود السيارة «الزستافا»، ومعه «أحمد» و«بو عمير»، وكان «سلودان» يقود السيارة «البيجو» ومعه «فهد» و«قيس»، كان الظلام حالكًا، ولا ثمة أثر للنجوم بعد أن ظللت سحب الدخان والحرائق المكان. كانت السيارتان تمضيان على الضوء الخافت لهما حتى لا تلفتا نظر أحدٍ. وحيث ينتشر جنود «الصرب» في الشوارع ويقومون من حين إلى آخَر بعمليات التمشيط للمنازل والأبنية القائمة للتأكُّد من عدم وجود «مسلمين» أو «كروات» في هذه المنطقة … وانحرفت السيارتان يمينًا، ثم واصلتا السير وتوقَّفَتا بناءً على أوامر «أحمد».

كان «عثمان» في هذه اللحظة يستبدل ملابسه الحمراء بملابس أخرى سوداء تمامًا … وانطلق الشَّياطين في الظلام الدامس حسب الخطة التي وضعوها وتمرَّنوا عليها كثيرًا … كان على «عثمان» التسلُّل بجوار سور المنزل ومعه مسدس الحقن المخدِّرة وكُرته الجهنمية … على أن يتولى القضاء على المجموعة التي تختبئ بين فروع الأشجار، بينما يقوم «فهد» و«بو عمير» بالتسلُّل خلف المنزل ليصعدا فوقه ويقتحماه من عند مدخنة المدفأة … على أن يقتحم «أحمد» و«قيس» المنزل من الأمام، وتلقَّى «عثمان» الأمر بالتحرُّك واتفقوا على أن يُطلق صوت «الوطواط» عند إنجازه المهمة الصعبة … وتحرَّك «عثمان» بملابسه السوداء التي تشبه لون بشرته كالشبح وسط الظلام، حتى إن «أحمد» شعر بالسعادة، وأحسَّ بأن خطته سوف تنجح ما دام «عثمان» يؤدِّي دوره على أكمل وجه.

ثم تحرَّكت المجموعة الثانية «بو عمير» و«فهد» باتجاه المنزل من الخلف … بينما تحرَّك «أحمد» و«قيس» بحذرٍ ناحية المنزل من الأمام … كان «سلودان» في تلك الأثناء يقوم بقيادة السيارتين؛ واحدة وراء الأخرى؛ ليجعلهما قريبتَين قَدْر المستطاع من المنزل.

عندما تسلَّق «عثمان» سور المنزل كان لا يسمع أيَّ صوتٍ هناك على الإطلاق حتى خُيِّل له أنه لا أحد بداخله أو بخارجه، وفجأةً سمع صوت سعال أحد الأشخاص آتيًا من أعلى إحدى الأشجار، فاقترب منه وبحرص شديد قام بتحديد مكان الرجل. تقدَّم «عثمان» خطوتين وأخرج مسدس الحقن المخدرة وصوبه في اتجاه الرجل مرتين على التوالي سمع بعدها «عثمان» أنَّات الرجل قبل أن يسري المخدِّر في دمه.

كان الظلام الكثيف يساعد «عثمان» على نجاح مهمته، فبعد أن تخلَّص من الرجل الأول تحرَّك ببطءٍ ناحية اليسار باتجاه المنزل من الأمام وألقى بأحد الأحجار الصغيرة بين غصون الأشجار محدثًا به صوتًا، وسرعان ما سمع صوتًا يأتيه، فتقدَّم باتجاه الصوت ودقَّق النظر، فشاهد أحد الحراس يقوم بتجهيز بندقيته الآلية وهو يلتفت باتجاه الصوت الذي أحدثه «عثمان» بالحجر الصغير.

وقف «عثمان» ثواني حتى واتته الفرصة فأطلق سيلًا من الحقن المخدرة من مسدسه، وسقط الرجل من أعلى الشجرة على الأرض، وسرعان ما شاهد «عثمان» رجلًا آخَر يُسرع باتجاه الصوت ويتلفت يمينًا ويسارًا وكأنه يبحث عن شيءٍ مفقودٍ، أخرج «عثمان» بسرعة كُرته الجهنمية وأطلقها كالصاروخ فأصابت الرجل فوقع على الأرض بلا حراكٍ من قوتها.

أطلق «عثمان» بعدها صوت «الوطواط»، وما إن سمعه «بو عمير» و«فهد» حتى انطلقا من خلف المنزل وتسلَّقا حوائطه العالية، في نفس الوقت الذي اندفع فيه «أحمد» و«قيس» إلى المنزل من الأمام، كان عنصر المفاجأة هو الحاسم في هذه المغامرة كما قال رقم «صفر».

ففور اقتحام المنزل دارت معركة قصيرة بين «بو عمير» و«فهد» ورجلين كانا يقومان بحراسة «عبد الرحمن خميس» … لم يتوقَّعا على الإطلاق أن يهاجمهما أحد، ولذلك فقد تركا سلاحهما وجلسا يتمازحان، قام «فهد» و«قيس» بتقييد الرجلَين سريعًا وألقيا بهما جانبًا.

وفي تلك الأثناء صعد «أحمد» و«بو عمير» للبحث عن «عبد الرحمن»، كان الوقت يمرُّ سريعًا، وكان على «عثمان» مراقبة المنزل من الخارج تحسُّبًا لأية تطورات، على أن يطلق صوت «الوطواط» إن لزم الأمر، واستغرق البحث عن «عبد الرحمن خميس» المصور العربي الشجاع دقائق معدودة، بعدها انضم «قيس» و«فهد» للبحث مع «أحمد» و«بو عمير» الذي عثر عليه بإحدى الغرف وهو في حالة إعياء وضعف شديدَين.

كانت السيارتان «الزستافا» و«البيجو» قد اقتربتا من المنزل وسرعان ما صعد الشَّياطين الخمسة بداخلها ومعهما «عبد الرحمن خميس» الذي لم يصدِّق نفسه، وأخذ يفرك في عينَيه وهو يردِّد: ماذا حدث؟! مَن أنتم؟!

سارت السيارتان ببطءٍ وبدون إضاءة حتى خرجتا من «سراييفو»، وسرعان ما أسرعتا في الطريق المؤدي إلى «سبليت» ومنها استقل الشَّياطين القارب وودعهم «سلودان» بعناقٍ حارٍّ، وفي عينَيه بريق الإعجاب والحزن.

أخيرًا وصل الشَّياطين إلى مدينة «باري» الإيطالية، ومنها إلى «روما».

عندما وصلوا جميعًا إلى الشقة التي استأجروها، أسرع «أحمد» إلى جهاز اللاسلكي وتحدَّث إلى رقم «صفر» قائلًا: من الشَّياطين باختصار، تم إنقاذ المصور «عبد الرحمن خميس».

– لم تقع خسائر من أي نوعٍ.

– كانت الخطة محكمة، وأدَّت إلى نتائجها المطلوبة.

– سنقضي ثلاثة أيام في «روما».

– سيركب «عبد الرحمن» الطائرة التي تغادر «روما» في تمام الساعة الواحدة والربع متجهًا إلى «إسبانيا» أولًا.

– رجاء أن يوجد أحد في انتظاره في «مدريد» لاستكمال الرحلة … الفيلم المطلوب سيكون معه.

جلس «أحمد» ينظر إلى زملاء المغامرة … كانت مغامرة سهلة رغم مخاطرها … ولكنَّ الأيام كانت تحمل له ولهم مغامرة أشدَّ خطرًا وأكثر ضراوةً نقرؤها معًا في العدد القادم!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤