الرحلة!

كان الطريق إلى «الإسماعيلية» ليِّنًا … والأشجار تصطفُّ على الجانبين، والعمران ينتشر هنا وهناك … وتذكر «عثمان» كيف كان هذا الطريق صحراويًّا موحشًا بسبب الحروب التي خاضتها «مصر» لأجل القضية الفلسطينية. فعطلت كل خطط التنمية والتعمير بها.

ولم يشعر بالطريق إلا بعد البوابة الإلكترونية … واقترب من مدينة العاشر من رمضان، هذه المدينة الصناعية والسكنية الكبيرة.

لقد كانت هذه المدينة حلم كل مصري كما هي الآن حلم كل فلسطيني … وسرح بخياله إلى حيث توجد بقية المدن الصناعية والسكنية الحديثة التي بنَتها «مصر» بعد انتصار أكتوبر ٧٣.

وتوقيع معاهدة السلام … التي استعادت «مصر» بها كل حقوقها.

إنه أيضًا حلم كل فلسطيني … ولكن الأحلام وحدها لا تبني المدن … بل الكفاح … والتضحية بالنفس والروح.

– صباح الخير يا «عثمان».

انتبه «عثمان» للصوت … فتلفَّت يبحث عنه … فوجد تليفونه المحمول مغلقًا … وساعته أيضًا … وأنهى حيرته نفس الصوت وهو يقول له: أنا كمبيوتر السيارة … ويسعدني أن أرافقك في رحلتك.

ابتسم «عثمان» وهو يجيبه قائلًا: وأنا أيضًا … ألديك أخبار؟

الكمبيوتر: نعم … الجو اليوم صحو … درجة الحرارة هنا عشرون درجة وأنت مزاجك معتدل … ولكن حرارتك مرتفعة قليلًا.

عثمان: لا تقلق … فقط أخبرني هل هذه السيارة مجهَّزة؟

الكمبيوتر: السؤال غير واضح.

عثمان: أقصد ما إمكانيات هذه السيارة؟

الكمبيوتر: هذا أفضل … هذه السيارة هي أحدث سيارات الدفع الرباعي … وهي مهيئة لتفادي العوائق …

فقاطعه «عثمان»: وسأله قائلًا: تقصد كالسيارة البراق؟

الكمبيوتر: لا … فهي لا تطير … ولكنها مجهَّزة بأجهزة رادار متطوِّرة … وأجهزة استشعار غاية في التقدُّم تُمكِّنها من تفادي العوائق … كذلك التوجيه عن بُعد عن طريق الأقمار الصناعية.

عثمان: تقصد القيادة الآلية؟

الكمبيوتر: أنا أقصد التوجيه فقط، أي التزويد بالمعلومات وإعطاء النصائح والإرشادات.

عثمان: ولكن تظل القيادة لي أنا.

الكمبيوتر: بالطبع!

عثمان: وهل هي مسلحة؟

وقبل أن يجيب على سؤاله قال له: نحن على مشارف الإسماعيلية … هل ستستقل العبَّارة؟

عثمان: نعم … وأعرف أين هي.

وعاد الكمبيوتر يجيب على سؤاله قائلًا: هذه السيارة مسلَّحة تسليحًا متطوِّرًا للغاية … وقدرتها الدفاعية هائلة.

عثمان: وهل بها أسلحة؟

الكمبيوتر: للاستخدام البشري؟

عثمان: نعم.

الكمبيوتر: سأدلك عليها وقتما تريدها.

كانت السيارة قد دخلت مدينة الإسماعيلية … وقطعت طريق «نمرة ٦» ووصلت إلى العبَّارة … والتي كان يقف أمامها طابور سيارات كبير.

وسمع في هذه اللحظة موسيقى تنبعث من تليفونه المحمول … فضغط زر الاستقبال فعرف أنه «أحمد» فقال له: صباح الخير يا «أحمد»!

أحمد: أما زلت مريضًا؟

عثمان: لا ولكنها بعض الآثار الجانبية.

أحمد: لماذا إذَن وافقتَ على السفر؟

عثمان: تقرير المركز الصحي للمقر هو الذي وافق.

أحمد: وأين أنت الآن؟

عثمان: في طريقي إلى العبَّارة.

وعلَت أصوات آلات التنبيه من السيارات التي تقف خلفه … فأغلق زجاج السيارة ولم يعبأ بهم … إلى أن تحرَّكَت السيارة التي أمامه … فتحرَّكَ خلفها … صاعدًا إلى العبَّارة التي لم تلبث أن تحرَّكَت فقد شغلَت سيارته آخِر مساحة خالية عليها.

وما إن وصلت إلى القنطرة شرق … حتى اندفعت السيارات تغادرها إلى الطريق الدولي.

وبالطبع كان هو آخِر المغادرين … وهالَه عدد السيارات الواقفة في ثلاثة صفوف … في انتظار مكانًا لها على العبَّارة.

وانطلق على طريق القنطرة شرق … والذي أصبح تابعًا لمحافظة الإسماعيلية … وأسعده كثيرًا أن رأى بعض المدن السكنية تقيمها الدولة على يمين الطريق.

وكان الطريق خاليًا تمامًا … فقد تفرَّقَت السيارات في مسارات فرعية في اتجاه بعض القرى وقفز عداد السرعة تدريجيًّا وبسرعة شديدة إلى أكثر من مائة كيلومتر … ثم ازداد حتى مائة وخمسين … والسيارة لم تهتز … لأن الطريق وحيد … ولأن السيارة متطوِّرة للغاية … وتتابعت الكثبان الرملية على جانبَي الطريق ما بين مرتفع ومنخفض … تنتشر عليها الأعشاب البرية … والشجيرات التي أنبتها ماء المطر.

أما عن بُعد … وفي عمق أرض سيناء … فقد لاح النخيل بأعداد وفيرة مرَّة … واختفى مرَّة أخرى … وظهر متناثرًا هنا وهناك مرات كثيرة.

وتنفَّس «عثمان» بعُمق … ثم غمغم قائلًا: تحتاج هذه الأرض إلى مليارات كي تُعمَّر … ولكنها ستضيف إلى «مصر» مساحة هائلة تفوق مساحة كل محافظاتها.

وبسرعة غادرت السيارة القنطرة وجلبانة وقرب بالوظة لمَح على الطريق معسكرًا للكشَّافة … به ثلاث خيام.

فلم يلتفت لها كثيرًا … إلا أنه بعد أن مرَّ بها وابتعد عنها بمسافة ليست كبيرة … توقف على جانب الطريق … وانتظر حتى خلا الطريق تمامًا … ثم استدار عائدًا … وعندما دنا منها … خرج بالسيارة عن الطريق الأسفلتي … وتوقف بها فوق الرمال … ثم عبَر الطريق سائرًا إلى الضفة الأخرى منه … وفي حذر نزل على منحدر تغطيه الرمل جاريًا … حتى وصل إلى السور السلكي الذي يحيط المعسكر وهو مندهش … فمن أين حصل أشبال الكثافة على هذا السلك الشائك؟ ولماذا يحيطون معسكرهم به؟ إنها المرَّة الأولى التي يرى فيها معسكرًا للكشافة محاطًا به سلك شائك … وظنَّ للحظة أنه لربما يكون قد أخطأ، غير أنه عاد وألقى نظرة على العلم المرفوع فوق قمة الخيمة … فتأكد له ظنه.

ومن وراء الخيمة … خرج كلب أسود ضخم عريض الفم … أفطس الأنف … وسار نحوه في حذر وهو ينظر له شذرًا. فصفَّر له «عثمان» بصوت خافت … فهز ذيله … وأخذ يجري ويدور حول الخيمة … ثم يقترب منه ويحاول الخروج من السلك فلا ينجح … و«عثمان» يتابعه في دهشة … فحتى الآن لم يرَ أحدًا من أعضاء هذا المعسكر … فأخذ ينادي قائلًا: هل يوجد هنا أحد؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤