الغواصة!

عرف «أحمد» أن «عثمان» مع الأعراب … ولكن أين … وكيف يتصل به … وكيف يصل إليه … فعاود الاتصال برقم «صفر» الذي جاوبه قائلًا: أهلًا يا «أحمد» هل وصلتَ إلى شيء؟

أحمد: لا يا زعيم ولكني أريد أن أصل!

رقم «صفر»: كيف؟

أحمد: أريد أن أعرف «كيف» هذه منك.

رقم «صفر»: هناك رجل من مشايخ «رفح» موجود الآن في «بئر العبد» اسمه «أبو عتيق» … إن استطعتَ الوصول إليه سيقرِّبك خطوة من «عثمان».

أحمد: هل بيانات هذا الرجل على ذاكرة كمبيوتر المقر؟

رقم «صفر»: نعم.

ما إن أنهى مكالمته مع رقم «صفر» حتى قام بتسجيل اسم الشيخ «أبو عتيق» على الكمبيوتر وطلب منه البحث عنه في ذاكرته النشطة.

وفي لحظات عرضت شاشته صورة للشيخ مذيلة ببيانات كاملة عنه.

ولم يكُن «أحمد» يريد إلا صورته … فقام بتكبيرها على الشاشة … وأخذ يتفحصها جيدًا حتى حفظها … ثم قام بالبحث عن أسماء تتعلق بهذا الرجل … فعرف أن له ابنًا اسمه «حسن». قد سُجِنَ في «إسرائيل» لأنه كان يهرِّب أسلحة للفلسطينيين عَبْر شعاب لا يعرفها إلا هو وعشيرته.

وقد استطاع الهروب رغم الحراسة المشدَّدة على السجن.

فهو يعرف كيف يكسب الجميع في صفه.

ويعامل كل إنسان من منطلق نقطة ضعفه.

وقد بحثَ عنه الإسرائيليون كثيرًا فلم يجدوه، ذلك أنهم لم يعرفوا أنه في سيناء وبجوارهم … في «رفح» وليس بينهم وبينه إلا الأسلاك الشائكة.

أُعجِب «أحمد» بشخصية «حسن» … وآثَر أن يقرأ عنها المزيد … ليعرف عنها المزيد … وقد كان المزيد مدهشًا.

ﻓ «حسن» قصير القامة، قليل الجسم مثل أبيه … حلو الملامح … خمري اللون … باسِم الوجه … ثاقب النظرات … على صغر سنه … فهو حكيم، نشط جدًّا … ولا يزال يساعد أطفال الانتفاضة … ولا يزال يساعد الجرحى وينقلهم عَبْر شعاب لا يعرفها إلا هو إلى مستشفيات «العريش» و«الإسماعيلية».

انتهى «أحمد» من قراءة التقرير … وقد شعر أنه اقترب كثيرًا … ليس من «عثمان» فقط … ولكن من «باسم» أيضًا.

ولم يتبقَّ إلا السيارة … وهو يشعر أنها لغز … فحتى الآن لم يعرف أعوان رقم «صفر» عنها شيئًا … فأين ذهبت؟

وهل هي في «سيناء» أم لا؟

وقرَّر أن يؤجِّل البحث عن السيارة إلى أن يجد «عثمان».

واستكمل السير إلى «العريش».

وعندما بلغ محطة الكهرباء عند مدخل «العريش» رأى قاربًا مطاطيًّا يقف في الماء بمحاذاة الشاطئ.

فانحرف بالسيارة … ودخل في الرمال … وسار لمسافة حتى بلغ الشاطئ … فغادر السيارة … ليستطلع أمر القارب … وانشغل به … ولم ينتبه إلا على صوت محرك السيارة يدور وفي خطوات قليلة رشيقة … كان جالسًا فوق مقدمة السيارة … وهي تنطلق ومحركها يزمجر في قوة … غير أن الرمال لا تساعد عجلاتها على الجري.

وقد ساعد ذلك «أحمد» على أن يقف فوقها ويصعد إلى ظهرها … ثم ينزلق إلى نافذتها الأمامية المجاورة للسائق … وينام على ظهرها … ويمد يده ليمسك به.

فيغلق الزجاج على يده.

غير أنه يخلصها بسهولة.

وقبل أن تخرج على الطريق … سحب أمان مسدسه … وأطلق رصاصة على عجلتها الأمامية … فدوَّى صوت انفجار الإطار.

وأصبح من العسير السير به على الرمال.

ومن خلفه سمع صوت محرك القارب يدور.

فالْتفتَ فرأى أربعة رجال يرتدون ملابس الغوص.

وقبل أن يلتفت … كان سارق السيارة قد غادرها … وانطلق يجري … فأطلق عليه رصاصات متتابعة … غير أنها لم تصبه … لأنه كان يجري في مسار متعرج.

فانطلق يجري وراءه، آملًا أن يلحقه قبل أن يركب القارب … فلم يلحقه.

وانطلق القارب قبل أن يميز «أحمد» وجود مَن فيه.

فقفز في الماء بملابسه آملًا أن يلحقهم ليرى وجوههم.

إلا أنهم اختفوا فجأة.

فعاد إلى سيارته … وقام باستبدال ملابسه المبتلة … وأخرج بعض السندوتشات.

وجلس خلف عجلة القيادة يتناول غداءه … ويبحث عن مزيد من المعلومات في ذاكرة الكمبيوتر … وانطلقت من تليفونه المحمول موسيقى رقيقة … فضغط زر الإجابة … وعرف أن «إلهام» تطلبه … فداعبها قائلًا: ألا يوجد غيرك في المقر؟

إلهام: هل وصلت إلى شيء؟

أحمد: نعم … لقد كادت سيارتي أن تُسرَق.

إلهام: وهل أمسكت باللصوص؟

أحمد: لقد هربوا في قارب مطاطي.

إلهام: هل رأيتهم؟

أحمد: نعم … ولكني لم أرَ وجوههم.

إلهام: لماذا؟

أحمد: لقد كانوا يرتدون ملابس الغطس.

إلهام: أهُم صيادين؟

أحمد: لا … بل أشك أنهم جنود إسرائيليون.

إلهام: قوات خاصة؟

أحمد: نعم.

إلهام: وكيف وصلوا إلى «العريش»؟

أحمد: في غواصة.

إلهام: ماذا تقول؟

أحمد: ما سمعتِه.

إلهام: وكيف عرفت؟

أحمد: أنا لم أعرف … أنا أخمِّن.

إلهام: وما معطياتك؟

أحمد: عندما طاردتُه سِباحةً … اختفوا فجأة!

إلهام: وأين قاربهم؟

أحمد: لقد أتت به الأمواج الآن إلى الشاطئ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤