خطة مدهشة

تمَّ كل شيء بسرعة البرق … فلم يَستغرِق سوى ثوانٍ … ووجَد الأصدقاء الخمسة أنفسهم واقفين وقد واجهوا شيئًا جديدًا … فقد دخلت المُغامرة في مرحلة العنف.

وقالت «لوزة»: هل نتصل بالمفتش «سامي»؟ إنَّ معي رقم السيارة.

رد «تختخ»: لا داعيَ للبحث عن السيارة فسوف يعودون!

نوسة: بعد كلِّ ما حدث؟

تختخ: نعم، إنهم مُتلهِّفون للحصول على الشطرنج. إنه تحفة نادرة تساوي الكثير؛ وربما كان يُخفي سرًّا أهم من قيمته المادية.

محب: كيف؟

تختخ: لا تنس ما قاله «مراد» في رسالتيه الأولى والثانية … حافظوا على ملك الشطرنج فليست له قيمة على الإطلاق … إن هذا يعني شيئًا آخر أكثر من قيمته المادية.

عاطف: وماذا نفعل الآن؟

تختخ: ننقل الشطرنج إلى مكان آخر، فهم لن يتورَّعوا عن العودة في أي وقت … لقد كانوا يراقبوننا طول الوقت، وكانوا على استعداد للسطو علينا أو على الفيلا في أية لحظة، ولو كان ذلك في وضح النهار.

نوسة: وأين نُخفي الشطرنج؟ أفي منزلنا أم في منزل «عاطف»؟

تختخ: لا في هذا ولا في ذاك، إنني أعتقد أنهم يعرفون منازلنا جميعًا، أو سيعرفونها، لهذا يجبُ إخفاء الشطرنج في مكان آخر … وحتى يأتي موعد نقلِه سيبقى في منزلنا، فتعالَوا ندخل.

كان هذا الحوار يدور وهم وقوف أمام فيلا «تختخ» فدخلوا، وقالت «نوسة» وهم يدخلون: إنني لم أرَ «زنجر» اليوم … أين هو؟

تختخ: إنه مريض ونائم في الكشك لا يغادره.

لوزة: مريض ولا أعلم؟ سأذهب لزيارته.

واتجه الأصدقاء جميعًا إلى الكشك الخشبي الصغير حيث كان «زنجر» نائمًا، وقد بدا عليه الكسل، وبدَتْ في عينَيه نظرة حزينة، والتفَّ الأصدقاء حوله يُربِّتون عليه، ثم اتجهوا إلى ركن في الحديقة وجلسوا يتحدَّثون … وكان الظلام قد هبط تمامًا، وقال «تختخ»: إنني أشعر أننا مراقبون من كل مكان، وأتوقَّع أن تقع الليلة أحداث ضخمة.

لوزة: إنني خائفة يا «تختخ» … فقد يُحاولون الاعتداء عليك!

محب: سأبقى معك.

عاطف: وأنا أيضًا!

نوسة: سنَبقى جميعًا.

تختخ: شكرًا لكم، إنني لستُ خائفًا منهم، ولكني أريد أن أُوقع بهم!

وتحمَّس الأصدقاء، وصاح «محب»: نعم نوقع بهم، إننا جميعًا هنا وفي إمكاننا أن نتغلب عليهم ونمنعهم من الحصول على الشطرنج!

لوزة: ليس أمامنا إلا المفتش «سامي»!

وفي تلك اللحظة ظهر والد «تختخ» ومعه والدته، وبعد أن تبادَلا التحية مع الأصدقاء دخل الوالد ليخرج سيارته من «الجراج»، وهنا قفز «تختخ» مسرعًا قبل أن يدرك الأصدقاء ماذا يقصد، وأسرع إلى غرفته وأخرج الطرد من الدولاب، ثم عاد مسرعًا إلى الحديقة والسيارة تتحرَّك خارجة من الجراج، وصاح بأبيه: دقيقة واحدة … هناك شيء في حقيبة السيارة أريده الآن.

ومدَّ يده فأخذ مفاتيح السيارة من والده، ثم فتح حقيبة السيارة الخلفية، ووضع الطرد وأغلقها، وأعاد المفاتيح إلى والده الذي انطلق بالسيارة وهو يقول له: سنقوم بزيارة لبعض الأصدقاء وقد نتأخَّر قليلًا.

فقال «تختخ»: تأخَّرا كما تشاءان.

وهز والد «تختخ» رأسه وهو يسمع هذه الجملة، ولكنه أطلق العنان للسيارة في حين عاد «تختخ» إلى الأصدقاء وهو يبتسم. كان الجراج بعيدًا عن المكان الذي يجلس به الأصدقاء، فلم يرَوا ما فعل «تختخ»، ولكنهم عندما شاهدوه يبتسم أدركوا أن شيئًا قد حدث، وقبل أن يسألوه قال: لقد خرج الشطرنج الآن من المنزل … ولن تعرف العصابة أين ذهب.

ثم روى لهم ما فعل، فوافقوا بحماس إلا «نوسة» التي قالت: ولكن هذا يُعرِّض الشطرنج للضياع … فهناك احتمال أن يكونوا — وهم يراقبوننا الآن — قد شاهدوا ما حدث، وهناك احتمال أن يسطوَ لصٌّ على السيارة وهذا يحدث كثيرًا هذه الأيام.

كانت كلمات «نوسة» كافية لإطفاء حماستهم، ولكن «تختخ» قال: إنني أرجِّح أنهم يراقبون الفيلا عن بعد … وهم يتوقَّعون أن يخرج أحدنا أو كلنا بالشطرنج، فهم يتوقعون أن يرَونا ونحن نخرج … وهذا ما سيحدث بالضبط.

عاطف: هذه نكتة لم أقُلْها أنا … لقد خرج الشطرنج، وهو الآن في السيارة … فكيف تَخرُج به مرة أخرى؟

تختخ: هذا هو اللغز الذي سأحله فورًا … سوف نُعِدُّ طردًا شبيهًا بالطرد الذي أرسله «مراد»، وهُم بالطبع لا يعرفون شكله … ونخرج أمامهم.

لوزة: وسوف لا يتردَّدون في القفز علينا لاختطافه، أو اختطافنا.

تختخ: وهذا ما يجب أن نُدبِّر له خطة فورًا.

محب: يجب أن يشترك معنا المفتش «سامي» في هذه الخطة!

تختخ: فعلًا … لقد طلب منا «مراد» ألا نبلغ الشرطة، ولكن قد يكون «مراد» نفسه في خطر، ولن نستطيع إنقاذه … لا بد من تدخل رجال الشرطة!

لوزة: إنَّ رقم السيارة قد ينفعنا الآن!

أخذ «تختخ» ينظر إلى «لوزة» صامتًا … كان واضحًا أنه يُفكِّر في خطة … وأن ذهنه يعمل بسرعة البرق … فالوقت ضيق، ولا بد من الاستفادة من مراقبة العصابة إياهم … وأخيرًا ضرب جبهته بيده وقال: لقد وجدتها!

قالها «عاطف» مازحًا: ما الذي وجدت؟ المحفظة؟

رد «تختخ»: وجدت الخطة … سأخرج ومعي طرد يُشبه الطرد الذي أرسله «مراد» ستظن العصابة أنه الشطرنج، وستحاول أخذه مني، ولكنِّي سأتشبَّث به، وتُضطرُّ العصابة إلى اختطافي!

نوسة: وماذا تعني هذه الخطة؟ إنك ستُعرِّض نفسك للخطر بدون جدوى!

تختخ: إنني لم أقُل بقية الخطة بعد … فسنُبلِّغ المفتش «سامي» أولًا بخطتنا، وسنخبره برقم السيارة لمطاردتها!

محب: ولكن قد لا يستطيع رجال الشرطة العثور على السيارة، أو قد لا تستطيع أنت أن تُفلت منهم في أثناء المطاردة فماذا يكون موقفك؟

تختخ: إن أيَّ مغامرة لا بد أن يكون فيها قدر من المخاطرة. تعالَوا نحدِّث المفتش!

ودخل الأصدقاء إلى الفيلا، وطلبوا المفتش تليفونيًّا، ولحسن حظهم وجدوه في مكتبه، وروى له «تختخ» القصة بسرعة، فقال المفتش معاتبًا، لماذا لم تخطروني قبل الآن؟!

تختخ: لقد طلب منَّا «مراد» ألا نتصل برجال الشرطة، وقد وفينا بالوعد أطول فترة ممكنة.

المفتش: إنني سأُدخِل تعديلًا على خطتك، فسوف أرسل لك أولًا جهازًا لا سلكيًّا صغيرًا تضعه في جيبك … وسيرشدنا هذا الجهاز إلى مكانك إذا أخفقنا في تتبع السيارة!

تختخ: ومتى تُرسِله!

المفتش: سأقوم الآن بسيارات اللاسلكي إلى المعادي … وعليك أن تُرسل «محب» إلى محطة المعادي، ليقابلنا هناك ويأخذ الجهاز، ويعود به. وعليك أن تخرج بعد ساعة ومعك الطرد المزيف!

تختخ: اتفقنا!

وروى «تختخ» للأصدقاء اتفاقه مع المفتش، فقام «محب» متجهًا إلى المحطة، في حين انهمك بقية الأصدقاء في إعداد الطرد المزيف. واستطاع «تختخ» بما عرف من قدرة هائلة على التفكير أن يعد طردًا مشابهًا تمامًا للطرد الذي به الشطرنج برغم أن العصابة لم تكن قد رأت الطرد … لكنه أراد أن يكون كل شيء متقنًا حتى لا يترك فرصة للإخفاق.

وبعد نصف ساعة تقريبًا كان الطرد قد أُعِدَّ … وجلس الأصدقاء في انتظار عودة «محب» بجهاز اللاسلكي الصغير، ومضى الوقت بدون أن يعود «محب»، وبدأ الأصدقاء يقلقون … ونظر «تختخ» إلى ساعته وقال: لقد كان من المفروض أن يعود منذ ربع ساعة … ماذا حدث؟

ولم يكد «تختخ» ينتهي من جملته حتى دقَّ جرس التليفون، ورفع «تختخ» السماعة ووضعها على أذنه، والأصدقاء جميعًا ينظرون إليه … وعرفوا فورًا من ملامح وجهه التي تغيرت أن شيئًا خطيرًا قد حدث … لم يكن يتحدث … كان يستمع فقط، ثم وضع السماعة والتفت إليهم وقال: لقد خطفُوا «محب»! صاحت «نوسة»: خطفوه؟!

تختخ: نعم، لقد راقبُوه وهو يخرج، وساروا خلفه حتى سيارة اللاسلكي، وشاهدوه وهو يأخذ الجهاز من المفتِّش «سامي»، ثم تتبعوه في عودته، وخطفوه، وعرفوا أننا على اتصال برجال الشرطة … وقد طلبوا أن نجهز الشطرنج حتى يتَصلُوا بنا، ليُحدِّدوا الوقت والمكان لتسليم الشطرنج … لقد كنا نُعدُّ لهم فخًّا، ولكنهم أوقعونا نحن في الفخ!

جلس الأصدقاء صامتين … لقد كانت المفاجأة أكبر من أن يتوقَّعُوها … فقد وقع «محب» في يد العصابة. ولم يعد أمامهم إلا أن يسلموا الشطرنج … وهم مع استعدادهم لتسليمه لا يعرفون أين هو الآن … فهو في حقيبة سيارة والد «تختخ»، وهم لا يعرفون أين السيارة الآن.

ونظر «تختخ» إلى ساعته … لقد تحركت سيارات الشرطة الآن في طريقها لكي تحاصر العصابة … ولكن العصابة أفلتت!

كان الموقف باعثًا على اليأس، ولم يكن في استطاعة الأصدقاء أن يفعلوا شيئًا … حتى المفتش «سامي» لا يعرفون أين توجد سيارته الآن … وفجأة قالت «لوزة»: لقد خطفوا «محب» ومعه جهاز اللاسلكي … ولعلَّهم لم يروَا الجهاز، وقد يكون باستطاعة المفتش «سامي» ورجاله أن يتبعوا العصابة!

تختخ: لقد أوضحتُ لكم أنهم شاهدوا الجهاز … ولا بد أنهم حطموه بمجرَّد أن خطفوا «محب» … فلا أملَ لنا في هذه الناحية … وليس علينا إلا أن نَنتظِر تطوُّر الحوادث.

جلس الأصدقاء ساهمين … لقد أصبحوا عاجزين عن اتخاذ أية خطوة لإنقاذ «محب» … وهم لا يعرفون ماذا يحدث له الآن. هل يتعرَّض للتعذيب من العصابة ليعرفوا منه مكان الشطرنج؟! وهل ينكر «محب» ويتحمل أو يعترف؟! وإذا اعترف، فهل يتعرض والد «تختخ» ووالدته للمخاطر؟! كانت هذه الخواطر تدور بأذهانهم جميعًا بدون أن يتبادلوا كلمة واحدة … وفي الصمت الذي ران عليهم دق جرس التليفون. وكان المتحدث هو المفتش «سامي» الذي قال: ماذا حدث؟ لماذا لم تخرج حتى الآن يا «تختخ»؟

رد «تختخ»: لقد حدث ما لم يكن في الحسبان … إن العصابة اختطفت «محب» بعد أن أخذ منكم جهاز التسجيل … وحطمت الجهاز!

المفتش: وكيف عرفت هذه المعلومات؟

تختخ: لقد اتصلَت بنا العصابة منذ فترة، وأبلغتني بكل هذا، وطلبوا مني تجهيز الشطرنج لحين الاتصال بي مرة أخرى، وإلا تعرَّض «محب» للخطر!

المفتش: لقد تصرَّفوا بأسرع مما نتوقَّع … ولكن على كل حال سنصل إلى العصابة عند تسلمها الشطرنج!

تختخ: هنا مشكلة!

المفتش: ما هي؟

تختخ: إن الشطرنج ليس معنا … لقد نسيتُ أن أقول لك إنني أخفيته في حقيبة سيارة أبي، وقد خرج أبي وأمي معًا بالسيارة ولا نعرف أين هي الآن!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤