البوابة رقم ١٢

تأليف: بلدوميرو ليلو
(شيلي)

بلدوميرو ليلو (١٨٦٧–١٩٢٣م)

عاش بلدوميرو ليلو صباه في المنطقة الجنوبية من شيلي، التي تشتهر بمناجم الفحم. ورغم أنه لم يكمل تعليمه الثانوي؛ فقد اتجه إلى ميدان الأدب، فقرأ كلاسيكيات الأدب الإسباني وتأثَّر بها وعلى رأسها رواية سرفانتس دون كيخوته. ثم قرأ بعد ذلك زولا ودستويفسكي، واستبان أثرهما في نهج الطبيعية الذي ساد في قصصه. وقد استقر ليلو بعد ذلك في العاصمة سنتياجو حيث أخرج مجموعات متتابعة من القصص القصيرة. ومن العجيب أنه، مثله مثل بعض شخصيات قصصه، قد تُوفي بداء السل.

***

تعلَّق بابلو، بدافع غريزي، بساقَي أبيه. وطنَّت أذناه وانساحت الأرض تحت قدمَيه مما جعله يشعر بإحساس حزن غريب. وأحس كأن أحدًا يدفع به إلى ذلك الثقب الأسود الذي رآه وهو يدخل القفص. وتطلَّعت عيناه الكبيرتان المستديرتان في خوفٍ إلى جدران الممر المظلم الذي كانوا ينحدرون فيه بسرعةٍ تصيب المرء بالدوار. وفي هذا الهبوط الصامت، دونما صوت عدا نقط المياه وهي تسقط على السطح الحديدي، بدت أضواء المصابيح على وشك الانطفاء، وعلى أشعتها الواهنة كان يمكن تمييز سلسلة طويلة لا نهاية لها من الظلال السوداء التي تطلُع كالسهام المارقة.

وبعد دقيقة، تناقصت السرعة بغتة، وشعر بقدمَيه تقفان على تربة أكثر صلابة في تلك الأرض السائخة، وتوقف القفص الحديدي الثقيل على عتبة الدهليز بضجة من السلاسل والمفصلات.

وتناول الرجل العجوز يد الصبي الصغير ودخلا معًا النفق المظلم. كانا من أوائل من وصلوا إلى هناك. لم يكن العمل في المنجم قد بدأ بعد. ولم يكن يري من الدهليز، الذي لم يكن يسمح سوى للأطفال بالوقوف منتصبي القامة، سوى جزءٍ من سطحه، تتقاطع عليه عروق خشب غليظة. وكانت الجدران الجانبية لا تَبين في الظلمة العميقة التي ملأت مكان الحفر الكئيبَ الرحيب.

وعلى بُعد أربعين ياردة من مكان الحفر، توقفَا أمام نوع من المغارات التي أعدوها في الصخور. كان يتدلى من السقف المصدوع المغطى بالسناج فانوسٌ من الصفيح خلع نوره الواهن على الحجرة مظهرَ السرداب، وقد تسربل بالسواد وامتلأ بالظلال. وفي مؤخرة الحجرة، جلس رجل هرِم صغير الحجم خلف منضدة يكتب في دفتر هائل الحجم. وكانت حُلته السوداء تتناقض تناقضًا واضحًا مع وجهه الشاحب المليء بالتجاعيد. وعند سماعه صوت خطوات أقدامنا، رفع رأسه وتطلَّع متسائلًا نحو عامل المنجم العجوز الذي تقدم في وجلٍ وقال بصوت مستسلم يتسم بالاحترام: لقد أحضرت الصبي يا سيدي.

وأحاطت عينَا رئيس العمال جسد الصبي الصغير الضعيف بلمحة واحدة. وقد تركت أعضاؤه الضعيفة والبراءة الصبيانية لوجهه الأسمر بعينَيه اللامعتين المفتوحتين على اتساعهما كعينَي حيوان صغير مذعور، انطباعًا سيئًا لدى رئيس العمال. ورغم أن مرأى الكثير من الشقاء يوميًّا كان قد كسا فؤاده صلابة، فقد أحس بوخزة شفقةٍ لدى رؤية هذا الصبي الصغير الذي انتُزع من ألعابه الصبيانية وحُكم عليه، مثله مثل الكثيرين من أمثاله، بالضياع في بؤس تلك الدهاليز الرطبة إلى جوار أبواب التهوية. ورقَّت خطوط وجهه القاسية ووجَّه الكلام بقسوة مفتعلة إلى العجوز الذي انتابه القلق لتفحُّص الرئيس لابنه على هذا النحو، فتطلَّع في قلق انتظارًا لرد فعله: بحق السماء يا رجل، إن هذا الصبي ما زال ضعيفًا على العمل. أهو ابنك؟

– أجل يا سيدي.

– إنه صغير جدًّا. ينبغي لك أن تشفق عليه من أن يُدفن هنا. عليك أن تبعث به إلى المدرسة لبعض الوقت.

فتلعثم العجوز قائلًا بصوت فيه نبرة التوسل: ولكن، يا سيدي، إننا ستة في البيت وواحد منا فقط يعمل. لقد بلغ بابلو الثامنة من عمره بالفعل، ويجب عليه أن يأكل بعرق جبينه. وبوصفه ابنًا لعامل منجم، عليه أن يسير في خطى أجداده الذين لم يعرفوا مدرسة عدا المنجم.

وأغرقَت نوبة مفاجئة من السعال صوتَه المرتعش، بَيدَ أن عينَيه النديَّتين كانتا تسترحمان بإلحاحٍ دعا رئيس العمال، الذي أقنعه ذلك النداء الصامت، إلى رفع صفارة إلى فمه. ودوَّى الصفير عبر الدهليز المهجور. وسمع صوت خطوات مسرعة وظهر شبح على عتبة الباب.

وهتف الرجل الضئيل وهو يشير إلى ابن عامل المنجم: خوان، خذ هذا الصبي إلى البوابة رقم ١٢. إنه سوف يحل محل خوسيه، ابن الحمال، الذي دهسته العربة أمس.

ثم تحوَّل إلى العامل العجوز الذي كان يتهيأ لإزجاء الشكر إليه، وقال بصرامة: لقد لاحظت أنك في الأسبوع الأخير لم تنجز الحد الأدنى المقرر لكل حفَّار وهو مَلء خمس عربات. لا تنسَ أنه إذا تكرر الأمر ثانية فسوف تُفصل ويحل مكانك رجل أكثر نشاطًا.

ثم صرف الجميع بإشارة حادة من يده اليمنى.

وسار الثلاثة في صمت، وتلاشى صوت وقع أقدامهم تدريجيًّا وهم يغيبون في النفق المظلم. وساروا بين قضيبَين حاولوا تفادي العوارض التي تربط بينهما، والتي انغرست في الأرض الموحلة، عن طريق تقصير أو تطويل خطواتهم. وقد استرشدوا بالخوازيق الحديدية التي كانت تربط العوارض بالقضبان. وقد تقدَّمهم المرشد الذي كان لا يزال فتيًّا، يتبعه العامل العجوز وقد انتابته الهموم فسقط رأسه على صدره، يسحب ابنه بابلو من يده. كان تحذير رئيس العمال قد ملأ العامل العجوز باليأس. كان واضحًا للجميع منذ فترة أن الوهن يعتريه، فكان يدنو مع كل يوم من الحد الأدنى الرهيب الذي إذا بلغه عامل من العمال القدامى أحاله إلى قطعةٍ من النفاية في المنجم.

كان يعمل بلا أمل من الفجر إلى المساء، أربع عشرة ساعة طويلة، يتثنَّى ويتقلب كالأفعى في دهليز ضيق، ويهاجم الفحم بلا هوادة، حافرًا في العروق الفحمية التي لا تنتهي، والتي حفر فيها الكثير من الأجيال من الرجال البؤساء من أمثاله بلا توقُّف في أحشاء الأرض.

بَيدَ أن ذلك النضال العنيد المستمر المتشبث سرعان ما يحيل أقوى الشباب إلى شيوخ متهدِّمين. هناك في ذلك الثقب المظلم الرطب الضيق، تتقوس ظهورهم وتضعف عضلاتهم. وكالمهر صعب المراس الذي يرتجف لمرأى السَّوط، كان هؤلاء العمال الهَرِمون يشعرون بجلودهم ترتعش وهم يعودون إلى الحفر كل يوم. ولكن الجوع كان هو الحافز الأقوى والأشد فعالية من السَّوط أو المهماز. ولذلك كانوا يواصلون مهامَّهم الشاقة وكانت عروق الفحم تتآكل في الآلاف من المواضع بفعل النخر اليومي فيها فتنهار قطعة قطعة، مثلما يستسلم الشاطئ الرملي لموجات البحر.

وتوقف المرشد، فجذب الرجل العجوز من تأملاته الحزينة. كانت هناك بوابة تسدُّ طريقهم في ذلك الاتجاه. وعلى الأرض، كان ثمة شبح صغير مُقعٍ، يستند إلى الجدار ولا يكاد يَبين في النور الخافت. كان الشبح صبيًّا في العاشرة من عمره يُقعِي في فجوة الحائط.

ولم يكن بدا على الصبي — ومرفقاه يرقدان على ركبتيه، ووجهه الشاحب بين يديه الهزيلتين، صامت بلا حراك — أنه قد رأى العمال حين تخطَّوا العتبة ثم تركوه مرة أخرى غارقًا في الظلمة. كانت عيناه المفتوحتان الخاليتان من أي تعبير مثبتتين في عنادٍ إلى أعلى، مستغرقتَين فيما يبدو في تأمُّل مشهد خيالي كان، كالسراب في الصحراء، يجتذب حدقتَيه الظامئتين للنور الساطع والرطبتين من الحنين إلى ضوء النهار البعيد. كان مسئولًا عن إدارة تلك البوابة، فيقضي ساعات سجنه التي لا تنقضي مغمورًا في غيبوبة حزينة، يزيد منها ذلك الحجر الضريحي الهائل الذي يُسحَق فيه إلى الأبد كل حركات الطفولة القلقة النبيلة. إن آلام هؤلاء الأطفال هو ما يُخلِّف في نفوس من يعرفونهم مرارة لا حدود لها وشعورًا بالإدانة الحادة للأنانية والجبن الإنسانيين.

وبعد أن سار الرجلان والصبي في ممر ضيق طويل، وصلوا آخر الأمر إلى دهليز النقل الذي كانت تتساقط من سقفه قطرات المياه على نحو مستمر. ومن وقت لآخر، كانت تُسمع ضوضاء قصيَّة مكتومة كما لو أن مطرقة هائلة الحجم تنقر سطح الأرض فوق رءوسهم. ورغم أن بابلو لم يستطع تحديد كُنهها، فقد كانت تلك الضوضاء ناتجة عن اصطدام الأمواج على صخور الشاطئ. وساروا قليلًا بعد ذلك إلى أن وجدوا أنفسهم أخيرًا أمام البوابة رقم ١٢.

قال المرشد وهو يتوقَّف أمام بوابة تُفتح وتُغلق من إطار خشبي مثبَّت في الصخرة: «ها هي». كانت الظلال كثيفة إلى حدِّ أن وهجَ مصابيحهم الأحمر لم يكَد يُظهر الحاجز الماثل أمامهم.

قام بابلو، الذي عجز عن إدراك سبب توقُّفهم، بالتطلع في صمت إلى الرجلين اللذين بدآ، بعد تبادل قصير للكلمات بينهما، يشرحان له ببهجة وشوق كيف يدير البوابة. واتَّبع الصبي تعليماتهما ففتحها وأغلقها عدة مرات، مما أزال مخاوف أبيه من عدم تملُّكه ما يلزم من القوة لمثل ذلك العمل.

وأظهر الرجل العجوز استحسانه بأن مسح بيده الخشنة على رأس ابنه البكر الأشعث الذي لم يُبدِ بعدُ أي تعب أو خوف. كان خيال الصبي، وقد أثر فيه ذلك المشهد الجديد الغريب، قد انتابته الحيرة والاضطراب. كان يبدو له من حين لآخر أنه في حجرة مظلمة وأنه ينتظر بين لحظة وأخرى أن تنفتح نافذة تسمح بدخول أشعة الشمس الباهرة. ورغم أن قلبه الصغير غير المجرِّب لم يَعُد يعاني من الرهبة التي بذرها فيه نزوله إلى المنجم، فقد ثارت شكوكه الآن بعلامات الود غير الطبيعية التي أبداها أبوه نحوه. وأُوقِد ضوء في نهاية الدهليز، ثم انبعث صرير عجلات على القضبان، وجلجل صوت وقع حوافرَ ثقيلة سريعة على الأرض.

وصاح الرجلان كلاهما: إنها العربة!

وقال الأب: أسرع يا بابلو. فلنرَ إن كنت تستطيع القيام بعملك.

وكوَّر بابلو قبضتَيه، ودفع جسده الصغير في البوابة إلى أن لامست الجدار. وما إن فعل ذلك حتى اندفع منها حصان أسود لاهث الأنفاس مغطى بالعرق، يجرُّ عربة ثقيلة مليئة بالفحم.

وتبادل عاملا المنجم نظرة ارتياح. لقد أصبح بابلو الآن صبيًّا متمرسًا بالبوابات. وانحنى الرجل العجوز عليه وأخبره بنبرات مادحة أنه قد أصبح صبيًّا كبيرًا ولم يَعُد كالصغار الذين يتعلقون بأذيال أمهاتهم. إنه الآن رجل شجاع، عامل حقيقي، رفيق عمل يقوم به الجميع بهذه الصفة. وبكلمات قليلة جعله يفهم أن عليه أن يتركه وحده. يجب ألا يشعر بالخوف. هناك الكثيرون من الصِّبية مثله في المنجم يقومون بنفس العمل. وهو قريب منه وسيحضُر لرؤيته من حين لآخر. وحين ينتهي عمل اليوم، سيعودان إلى المنزل معًا.

وأنصت بابلو لما كان أبوه يقوله بخوف متزايد. وكان جوابه الوحيد هو أن قبض على ثياب أبيه بكلتا يديه. فحتى ذلك الوقت، لم يكن قد وعَى تمامًا ما يريدون منه. ولكن التحوُّل الذي طرأ دونما توقُّع على هذه النزهة البريئة مع أبيه قد ملأه برهبة مخيفة. لا بد أن يخرج من هذا المكان. إنه يريد أن يرى أمه وإخوته وأخواته، أن يكون في الخارج تحت نور الشمس مرة أخرى. وكان كل أثر إقناع أبيه له أن صاح: فلنعد إلى البيت!

ولم تفلِح معه الوعود أو التهديدات. كان ينوح في خوف متزايد لا يطاق: فلنَعُد إلى البيت يا بابا!

وفي البداية، بدا على وجه عامل المنجم العجوز الضيق العارم، ولكنه حين رأى تلكما العينين الموحشتَين المسترحمتَين المليئتَين بالدموع تتطلعان إليه، تبدَّل غضبه إلى شفقة لا حدود لها؛ فلكم كان الصبي صغيرًا ضعيفًا! وغمر كيانه فجأة الحب الأبوي الذي كان قد كتمه طويلًا في نفسه.

وتراءت أمامه فجأة ذكرى حياته هو، أربعون عامًا من العمل والشقاء. وكان عليه أن يعترف بأسفٍ أن كل ما تبقَّى من ذلك الجهد العظيم هو جسد مستنفَد سرعان ما سيُلقى به خارج المنجم ويُطرح في كومة المهملات. وقد جعلته فكرة أن هذا الطفل ينتظره نفس المصير في المنجم، يرغب رغبة محمومة أن يمنع هذه الضحية من هذا الوحش الذي لا يشبع، الذي يجرُّ أطفالًا صغارًا من حجور أمهاتهم كيما يُحيلهم إلى مساكين تتلقَّى ظهورهم أسواط سادتهم القاسية وهدهدات الصخور في السراديب الضيقة الملتوية بنفس الدرجة من الصبر.

بَيدَ أن جذوة التمرد في نفسه سرعان ما أطفأتها ذكرى بيته الفقير والمخلوقات الجائعة العارية التي كان هو مصدر رزقها الوحيد. لقد علَّمته التجربة أن حلمه حلمٌ أحمق. ذلك أن المنجم لم يكن ليُحرر أي شخص يقع بين براثنه. والأبناء يتبعون الآباء، كالمفصلات الجديدة التي تحل محل المفصلات القديمة المكسورة هناك في قاع المنجم، ولا يتوقَّف صعود وهبوط المد البشري أبدًا في الأنفاق العميقة. كان الصغار يتنفسون هواء المنجم المسموم فيشبُّون مصابين بداء الكُساح، ويغلب عليهم الضعف والشحوب. ولكن كان عليهم التسليم بالأمر، فقد خُلِقوا لذلك العمل.

وعلى هذا، قام الرجل العجوز، بحركة حازمة، بحلِّ حبل رفيع قوي من وسطه، وبالرغم من كفاح الطفل واحتجاجه، ربطه في وسط بابلو وربط طرفه الآخر في مزلاج حديدي ضخم مثبَّت في الجدار. وقد أبانت قِطع من الحبال القديمة المعلقة في ذلك القضيب المعدني أنه قد سبق استخدامه في نفس الغرض من قبل.

وغلب الفزع الشديد الطفل فأطلق صرخات حادة من الألم الرهيب، وكان عليهم أن يجروه بالقوة من بين ساقي أبيه، اللتين تشبث بهما بكل قوته. وملأت توسلاته وصرخاته النفق. وكان حظ الضحية الصغيرة أسوأ من حظ ابن إبراهيم؛ إذ لم يسمع أي صوت حنون يثني يد أبيه من التوجه ضد فلذة كبده. وهكذا كان ظلم الإنسان للإنسان.

كان بكاؤه الموجه للرجل العجوز يقطع نياط القلب حتى إن الأب المسكين شعر ثانية بالتخاذل. بَيدَ أن ذلك لم يستمر سوى لحظات، فغطى أذنيه حتى لا يسمع الصراخ الذي يقطِّع القلب، أسرع بخطواته كيما يخرج من ذلك المكان. وقبل أن يغادر الدهليز، توقف لحظة وسمع صوتًا ضعيفًا يبكي على البعد ويهتف: ماما، ماما.

وعندئذ جرى الأب محمومًا بعيدًا والنحيب اليائس يتبعه، ولم يتوقف إلى أن وصل إلى مكان عروق الفحم. وعند ذلك تحول حزنه إلى غضب جامح، فتناول مقبض مِعوله وهجم على عِرق الفحم في ضراوة وجنون. ودقَّت ضرباته الصخر كحبات البرد الثقيل على الزجاج. ودفن المعول الحديدي نفسه في الكتلة السوداء اللامعة، وفتَّت قطعًا كبيرة من الفحم سقطت أمام قدمي العامل العجوز، بينما غطت سحابة كثيفة من الغبار ضوء مصباحه الواهن. وتطايرت الشظايا الحادة فيما حوله، فأصابت وجهه وعنقه وصدره العاري بالقطوع. وسرت قطرات من الدماء الممزوجة بالعرق الغزير على جسده المبلل الذي كان ينتصب كالوتد في وسط الفجوة المفتوحة. واستمر في ضرباته بعنف السجين الذي يضرب الجدار الذي يحدُّ من حريته، وإنما دون الأمل الذي يهب القوة للسجين الذي يتطلع إلى حياة جديدة مليئة بنور الشمس والهواء والحرية بعد أن ينتهي من ضرباته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤