المحوَلجي

تأليف: خوان خوسيه أريولا
(المكسيك)

خوان خوسيه أريولا (١٩١٨م)

وُلد أريولا في ولاية «خاليسكو» بالمكسيك، وعمل وهو صبي في السابعة من عمره، ولم يكمل تعليمه الابتدائي. بَيدَ أنه نجح بدأبه وصبره ودراساته الخاصة من الانتقال من عامل في السوق إلى أن يصبح مدرسًا للتاريخ والأدب في مدينة «جوزمان». وقد درس المسرح على أيدي المشاهير في المكسيك وفي باريس. ثم أصدر عام ١٩٤٥م مجلة «خبز»، التي نشر فيها أولى قصصه القصيرة. وتتالت بعدها مجموعاته القصصية، ورواية واحدة أصدرها عام ١٩٦٣م بعنوان «المهرجان». وقد نُشرت قصة «المحوَلجي» عام ١٩٥٥م، ولفتت الانتباه بأسلوبها الرمزي الخيالي ونقدها الاجتماعي اللاذع.

***

وصل الغريب متقطع الأنفاس إلى المحطة المهجورة. كانت حقيبته الضخمة، التي لم يجِد أحدًا يحملها عنه، قد أرهقته غاية الإرهاق. ومسح وجهه بالمنديل وهو يحمي عينيه بيده، وتطلَّع إلى قضبان السكة الحديدية التي تمتد إلى الأفق. وبلغ به التعب والقلق منتهاهما؛ فنظر إلى ساعته؛ كان موعد وصول القطار تمامًا.

ووجد أحدهم — من أين أتى يا تُرى؟ — يربت عليه بلطف. وحين استدار الغريب، وجد نفسه وجهًا لوجه مع رجل هرِم ضئيل الحجم، خمن بصعوبة أنه أحد العاملين بالمحطة. كان يحمل في إحدى يديه فانوسًا أحمر صغيرًا كاللعبة. وتفحَّص المسافرَ بابتسامة على وجهه، بينما المسافر يسأله في قلق: من فضلك، هل غادر القطار المحطة؟

– يبدو أنك لم تأتِ إلى هنا منذ فترة طويلة.

– ينبغي لي أن أسافر على عجَل. يجب أن أكون في مدينة «ت.» عند تباشير الصباح.

– يمكن لأي امرئ أن يرى أنك لا تعرف أي شيء عن الموقف. إن أول شيء عليك أن تفعله هو النزول في فندق المسافرين.

وأشار إلى مبنًى غريب رمادي اللون كان يصلح أن يكون ثكنة عسكرية.

– أنا لا أريد استئجار غرفة. أريد أن ألحق بالقطار.

– سارِع بالبحث عن غرفة لك، إذا كان هناك أي مكان شاغر. إذا وجدت مكانًا، فاستأجره بالشهر. سيكون ذلك أرخص، كما ستكون الخدمة أفضل.

– أأنت مجنون؟ لا بد أن أكون في مدينة «ت.» في الصباح الباكر.

– في الواقع، إنك تستحق أن أتركك لتتبيَّن الأمور بنفسك. ولكني سأعطيك نصيحة صغيرة.

– والآن، اسمع …

– هذه البقعة من العالم مشهورة بسككها الحديدية كما تعلم. وحتى الآن، لم نتمكن من وضع جميع التفاصيل، ولكننا حققنا المعجزات بطبع جداول المواعيد وترويج التذاكر. إن دليل السكك الحديدية يوجد في كل أنحاء البلاد، والتذاكر تباع إلى كل شخص مهما كان شأنه ومكانه. وكل ما علينا أن نفعل الآن هو أن نجعل القطارات نفسها تتوافق مع جدول المواعيد المبيَّنة، أن نجعل القطارات تأتي إلى محطاتها في الواقع. إن هذا هو ما يطمح إليه الناس هنا، وإلى أن يتم ذلك؛ فنحن نتحمل عدم انتظام الخدمات، ووطنيتنا هي التي تحول بيننا وبين إبداء ضيقنا.

– ولكن، هل ثمة قطار يمرُّ بهذه المدينة؟

– لو قلتُ إنه كان هناك قطار لكان ذلك خطأً صريحًا. وكما بوسعك أن ترى بنفسك، فلدينا القضبان، رغم أن بعضها مقلقل شيئًا ما. وفي بعض الأماكن، ليست القضبان إلا رسمًا على الأرض يمثل خطين من خطوط القلم. وفي واقع الأمر، ليس هناك من قطار ملزَم بالوقوف هنا، ولكن ليس هناك ما يمنع أن يأتي إذا أراد ذلك. وخلال مسيرة عمري، رأيت قطارات عديدة تمرُّ من هنا، وعرفت عدة مسافرين ركبوا متنها. لو أنك انتظرت حتى تحين اللحظة المناسبة، فربما أمكنني أنا نفسي أن أتشرف بمعاونتك في الصعود إلى عربة مناسبة؛ حيث يمكنك السفر في راحة.

– ولكن هل سيحملني القطار إلى مدينة «ت.»؟

– وهل يجب أن تكون مدينة «ت.» وليس أي مكان آخر؟ يتعيَّن عليك أن تهنئ نفسك على مجرد الصعود إلى القطار. وحالما أصبحت في القطار، سوف تتخذ حياتك نوعًا من التوجه العملي. وماذا يهم لو لم تصل إلى مدينة «ت.» على أية حال؟

– أول الأسباب، أن تذكرتي هي لمدينة «ت.» وليس غيرها. ومن الطبيعي أن أتَّجه إلى مقصدي، أليس كذلك؟

– ثمة كثيرون يوافقونك على رأيك. وسوف يُتاح لك في الفندق التحدث مع أناس اتخذوا كل احتياطات ممكنة وابتاعوا مجموعات كبيرة من التذاكر. وكقاعدة عامة، يحجز ذَوو البصيرة النافذة تذاكر إلى كل مكان في الخط. هناك أناس أنفقوا ثروات طائلة على شراء التذاكر.

– كنت أعتقد أنني أحتاج تذكرة واحدة للذهاب إلى «ت.» انظر …

– إن المجموعة المقبلة من القطارات الأهلية سوف تشيَّد على نفقة فرد واحد استثمرَ لتوه ثروة في تذاكر الذهاب والعودة لخطوط سكك حديدية لم يتم بعد اعتمادها من المهندسين، بما في ذلك الأنفاق والكباري الحديثة.

– ولكن ماذا عن خط القطار الذاهب إلى «ت.» ألا يزال يعمل؟

– هذا وأكثر منه أيضًا. ليست هناك نهاية — والحق يُقال — للقطارات في البلد. وبوسع المسافرين استخدامها في كثير من الأحيان، بالنظر إلى عدم وجود خدمة منتظمة. وبمعنى آخر، لا أحد ممن يستقلُّون القطارات يتوقع أن يذهب إلى حيث يريد الذهاب في واقع الحال.

– كيف هذا؟

– إن الإدارة، في تَوقها إرضاء الجمهور، تقوم بإجراءات يائسة في بعض الحالات. فهناك قطارات تذهب إلى مناطق لا يمكن عبورها. وتستغرق تلك القطارات الاستكشافية عدة سنوات لإتمام رحلتها أحيانًا، وتمرُّ حياة المسافرين فيها بتحولات كثيرة في إبان ذلك. وانقضاء الأجل ليس نادرًا في تلك الأحوال، ولذلك أضافت الإدارة، تحسبًا لأي طوارئ، عربة جنائزية وعربة دفن إلى القطار. ويفخر الكمسارية بأنهم يقومون بترك جثث المسافرين، بعد تحنيطها تحنيطًا فاخرًا، على منصات المحطات بعد ختم تذاكرهم كما يجب. وفي بعض الأحيان، تجري تلك القطارات الطارئة في مسارات ليس بها سوى قضيب واحد، وهنا يهتز جانب كامل من العربات على نحو مفزع إذ العجلات تضرب العوارض الخشبية. ومن حسن تدبير الإدارة أنها تخصص الجانب الذي يسير على القضيب لمسافري الدرجة الأولى، أما مسافرو الدرجة الثانية فعليهم تحمل مشقة رحلتهم. وهناك أماكن ليست بها قضبان على الإطلاق، وهنا يتساوَى الركاب جميعًا، إلى أن يتحول القطار في نهاية المطاف إلى حطام متناثر.

– يا إله السماوات!

– سأقول لك شيئًا. لقد بزغت قرية «ف.» الصغيرة إلى الوجود من إحدى تلك الحوادث. فقد حاول القطار أن يتعامل مع أرض وعرة؛ إلا أنه انغرس في الرمال، وانبعجت العجلات على محاورها. وقد مضى زمن طويل على الركاب في تلك الحالة، حتى إن الكثير من الصداقات الحميمة نمَت بينهم. وسرعان ما تطورت تلك الصداقات إلى علاقات، وكانت النتيجة هي «ف.»، القرية التقدُّمية المليئة بالأطفال الصغار الوقحين الذين يلعبون بمخلفات القطار الصدئة.

– حسنًا! لا يمكنني القول بأني أهتم بمثل هذه القصص.

– يجب عليك أن تضفي الصرامة على شخصيتك، فربما أصبحت بطلًا. فعليك ألا تفترض عدم وجود فرص أمام المسافرين كيما يثبتوا شجاعتهم أو قدرتهم على التضحية. فذات مرة، كَتب مائتان من الركاب، وسيظلون بلا أسماء، أكثر الصفحات مجدًا وفخارًا في تاريخ سككنا الحديدية؛ فقد حدث أن اكتشف مهندس القطار، في رحلته التجريبية، سهوًا فظيعًا من جانب جزء من عمال الطريق لدينا. ذلك أن جسرًا كان يجب أن يغطي وهدة عميقة في الطريق كان غير موجود. حسنًا أيها السيد؛ فبدلًا من أن يعود المهندس أدراجه بالقطار، ألقى خطبة عصماء في الركاب ونجح في أن يجعلهم يساهمون في المبادرة اللازمة للمضي في الرحلة. وتحت إشرافه النشيط، تم تفكيك القطار قطعة قطعة، حملها الركاب على أكتافهم إلى الجانب الآخر من الوهدة؛ حيث فوجئوا بوجود نهر مائج أمامهم. وكانت نتيجة ذلك العمل البطولي مبعث إلهام للإدارة التي تخلَّت تمامًا بعد ذلك عن تشييد الكباري ومنحت المسافرين تخفيضًا كبيرًا لما سيقومون به من ذلك العمل الإضافي.

– ولكن يجب عليَّ أن أكون في مدينة «ت.» في الصباح!

– إنك لقوي متين. إني سعيد أن أراك ملتزمًا بأمورك. إنك رجل يلتزم بعقيدته تمامًا. احجز لنفسك غرفة في فندق المسافرين وخذ أول قطار يصل! على الأقل، ابذل كل جهدك، فستجد الآلاف ممن يعترضون طريقك. فحالما يصل أحد القطارات حتى يقوم المسافرون، وقد ضاقوا بالانتظار الطويل، بالاندفاع خارجين من الفندق في ذعر ويستولون على المحطة. وكثيرًا ما يُفضي سلوكهم المتهور والخشن إلى حوادث. وبدلًا من الصعود إلى القطار في نظام، يتكدَّسون جميعًا على الرصيف. وبعبارة أخف؛ فإن كل مسافر يسدُّ الطريق أمام الآخر حتى يمضي القطار تاركًا الجميع في فوضى مريعة على رصيف المحطة. أما المسافرون فيقفون منهكين يتصاعد الزبد من أفواههم ويلعنون الافتقار إلى التنوير ويُمضون وقتًا طويلًا في توجيه السباب والإهانات إلى بعضهم البعض.

– والشرطة، ألا تتدخل؟

– جرى ذات مرة تنظيم ميليشيا لحراسة المحطة في كل أطرافها، بَيدَ أن عدم انتظام مواعيد القطارات جعل منها خدمة لا قيمة لها وعالية التكلفة. وعلاوة على هذا، أبدى موظفوها أنفسهم علامات فساد؛ فقد كانوا يقومون بحماية الأغنياء من المسافرين، الذين يعطونهم كل ما يملكون لقاء خدماتهم، لمجرد ركوب القطار. وقد أنشئت مدرسة خاصة يتلقَّى فيها من ينتوون السفر دروسًا في التمدُّن ونوعًا من التدريب الأساسي لقضاء بقية حياتهم في قطار. فكانوا يتلقَّون دروسًا في الطريقة السليمة لركوب القطارات حتى حين تكون القاطرة تتحرك أو تعبر في أقصى سرعتها. وفيما بعد، كانوا يُزوَّدون بنوع من الصفائح المدرَّعة لمنع المسافرين الآخرين من كسر ضلوعهم.

– ولكن، هل تنتهي متاعب المسافرين حالما يركبون القطار؟

– نسبيًّا، أجل. وإني أنصحك فحسب أن تُبقي عينَيك مفتوحتَين على المحطات. فمثلًا، قد تتصوَّر أنك في مدينة «ت.»، لتجد بعد ذلك أن هذا كان سرابًا. ذلك أن الإدارة، حتى تسيطر على الأمور في القطارات الشديدة الازدحام، تجد من الضرورة اللجوء إلى وسائل معينة. فهناك محطات توضَع من أجل المظاهر فحسب؛ فهي تقام وسط البراري وتحمل أسماء مدن هامة. ولكن من السهل، بقليل من الحذر، اكتشاف الخدعة. فهي كالديكور الذي يقام على خشبة المسرح، والناس المعروضون هناك هم صور طبق الأصل مصنوعة من نشارة الخشب. وتلك الدُّمى يظهر عليها أثر الطقس والزمن، بَيدَ أنها أحيانًا ما تكون شبيهة بالواقع؛ فوجوهها تبين عن التعب الذي لا حدَّ له.

– حمدًا لله أن مدينة «ت.» ليست بعيدة!

– ولكن ليست هناك خطوط مباشرة إلى «ت.» في الوقت الحاضر. ومع ذلك؛ فقد يكون من الممكن أن تكون في «ت.» في الصباح الباكر من غد. ذلك أن هيئة السكك الحديدية، بالرغم من كل أوجه قصورها، لا تلغي إمكانية وجود رحلات دون أي توقُّف. هل تصدِّق أن هناك أناسًا لا يُحسون بأية مشاكل في الوصول إلى أماكنهم المقصودة؟ فهم يشترون تذكرة إلى «ت.»، ويأتي قطار، ويركبون، وفي اليوم التالي يسمعون الكمساري يهتف: القطار يدخل إلى «ت.» وبدون تخطيط أو تدبير، يهبطون من القطار ليجدوا أنفسهم في «ت.» دون عناء.

– أليس هناك من طريقة أستطيع بها أن أفعل نفس هذا الشيء؟

– أعتقد هذا بالطبع! ولكن، من يستطيع أن يضمن أن ذلك يسهل الأمور. جرِّب ذلك، بكل سرور! اصعد إلى القطار بهدف الوصول إلى «ت.» ولا تتصل بأي من الركاب الآخرين، فهم سيثبِّطون همَّتك بالحكايات التي يقولونها ويتحينون الفرص للوشاية بك.

– ما هذا الذي تقوله؟

– واقع الأمر أن القطارات تكون مليئة بالجواسيس. وهؤلاء الجواسيس، وهم متطوعون في غالب الأحيان، يكرِّسون حياتهم لحفز «الروح البناءة» لدى الإدارة. وأحيانًا لا يكادون يفقهون ما يقولون، ويتحدثون من أجل الحديث وحسب. ولكنهم في أي لحظة مستعدون لخلع كل معنًى ممكن على عبارة عابرة، مهما كانت بسيطة. وهم خبراء في إخراج مدلولات تجريمية لأي ملاحظات بريئة. فزلة لسان بسيطة حَرية بأن تقودك إلى السجن، فتقضي بقية حياتك في سفينة تمخر عباب البحر، هذا إذا لم يُلقَ بك في محطة من المحطات في وسط الفراغ. اجمع كل ثقتك وابدأ رحلتك، لا تأكل إلا أقل القليل، ولا تضع قدمك على رصيف المحطة قبل أن ترى وجهًا تعرفه في «ت».

– ولكني لا أعرف أحدًا في «ت.»!

– في تلك الحالة، عليك بالمزيد من الحذر. ستتعرض لإغراءات كثيرة خلال الطريق، ثِق من ذلك. فلو نظرت من نافذة القطار، قد تسقط فريسة الهلوسة؛ فالنوافذ مزوَّدة بأجهزة حديثة تبذر كل ألوان الأوهام في عقول المسافرين. من السهل التعرض لكل تلك الأشياء. هناك آلية من نوع معين، يتم التحكم فيها من القاطرة، تعطي الانطباع نتيجة الضوضاء والحركات التي تصدر عنها، بأن القطار يسير. ولكن الحقيقة هي أن القطار يكون ثابتًا في مكانه أسابيع كاملة، بينما يشاهد المسافرون مناظر الطبيعة الخلابة من نوافذ القطار.

– وما الهدف من وراء هذا كله؟

– لقد رتبت الإدارة هذا الأمر لغرض التقليل من قلق المسافر وإزالة أي شعور بالغربة. وهم يأملون بذلك أن يترك المسافرون يومًا ما كل شيء للصدفة ويضعوا أنفسهم بين يدي مؤسسة عملاقة، ولا يفكروا بالمرة في الجهة التي يقصدونها أو الجهة التي أتَوا منها.

– وماذا عنك؛ هل ركبت القطار كثيرًا؟

– أنا؟ ما أنا إلا محوَلجي بسيط يا سيدي. والحقيقة أنني محوَلجي على المعاش، ولا أظهر إلا من حين لآخر كيما أستعيد الأيام الخوالي. إنني لم أقُم بأي رحلة في حياتي، وليست عندي أي رغبة في ذلك على الإطلاق. بَيدَ أنني أسمع الكثير من أفواه المسافرين، وأعرف أن القطارات قد تسببت في نشأة الكثير من المجتمعات من قبيل الذي ذكرتُه من قبل. وأحيانًا يتلقَّى طاقم القطار أوامر سرية، فيقومون بدعوة المسافرين إلى مغادرة القطار، غالبًا بحجة التأمل في جمال الطبيعة في بقعةٍ ما. وقد يحكون للمسافرين عن كهوف أو شلالات أو آثار مهمة. فمثلًا يعلن الكمساري بلطف: «خمس عشرة دقيقة للتمتع بمرأى هذا الكهف أو ذاك!» وحين يصبح الركاب على مبعدة مناسبة، يسرع القطار بالاختفاء.

– وماذا يحدث للمسافرين؟

– إنهم يتنقلون في اضطراب من مكان لآخر لفترةٍ ما، ولكنهم في النهاية يتجمعون ويشكِّلون مستعمرات صغيرة. وتلك التوقفات المفاجئة تحدث في مناطق ملائمة بعيدة عن العمران وغنية بالموارد الطبيعية. وهنا يعمد فريق من الشباب المنتَقين إلى الانغماس في كل المسرات المتاحة، خاصة مع الفتيات. ما رأيك في أن تقضي بقية أيامك في بقعة قصية خلابة بصحبة فتاة جميلة؟

وغمز الرجل العجوز بعينه نحو المسافر وهو يبتسم ابتسامة ذات مغزًى. وفي الوقت نفسه، سُمعت صفارة على البعد. ووقف المحوَلجي وقفة انتباه وبدأ يرسل إشارات مضحكة لا معنى لها بفانوسه.

وتساءل المسافر: أهذا هو القطار؟

وطفِق العجوز يغذُّ السير قدمًا وسط القضبان على غير هدًى. وحين أصبح بعيدًا، التفت وهو يصيح في المسافر:

– أتمنى لك حظًّا سعيدًا! سوف تصل إلى هناك في الغد. ما اسم تلك المحطة الغالية التي تقصدها؟

– محطة «س.».

وبعد لحظة. كان الرجل قد ذاب في الهواء. ولكن نقطة فانوسه الحمراء كانت تسير وتتقدَّم عبر ممر القضبان، في تهور، نحو القطار القادم.

وفي الطرف الآخر من الممر، تقدَّمت القاطرة هادرة بكل قوتها وضجيجها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤