فلما كانت الليلة ١٠٨

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن وزير الملك سليمان شاه لما دخل على الملك زهر شاه، ثبت جنانه، وأطلق لسانه، وأبدى فصاحةَ الوزراء، وتكلَّمَ بكلام البلغاء، وأشار إلى الملك بلطف التفات، وأنشد هذه الأبيات:

وَافَى وَأَقْبَلَ فِي الْغَلَائِلِ يَنْثَنِي
يُولِي النَّدَى لِلْمُجْتَنَى وَالْمُجْتَنِي
وَرَقَى فَمَا تُغْنِي التَّمَائِمُ وَالرُّقَى
وَالسِّحْرُ مِنْ لَحَظَاتِ تِلْكَ الْأَعْيُنِ
قُلْ لِلْعَوَاذِلِ لَا تَلُومُوا إِنَّنِي
طُوْلَ الْمَدَى عَنْ حُبِّهِ لَا أَنْثَنِي
حَتَّى فُؤَادِي خَانَنِي وَوَفَى لَهُ
وَكَذَا الرُّقَادُ صَبَا إِلَيْهِ وَمَلَّنِي
يَا قَلْبُ أَمْسَيْتَ وَحْدَكَ رَأْفَةً
فَامْكُثْ لَدَيْهِ وَإِنْ تَكُنْ أَوْحَشْتَنِي
لَا شَيْءَ يَطْرِبُ مَسْمَعِي بِسَمَاعِهِ
إِلَّا الثَّنَاءُ لِزَهْرِ شَاهٍ أَجْتَنِي
مَلِكٌ إِذَا أَنْفَقْتَ عُمْرَكَ كُلَّهُ
فِي نَظْرَةٍ مِنْ وَجْهِهِ أَنْتَ الْغَنِي
وَإِذَا انْتَخَبْتَ لَهُ دُعَاءً صَالِحًا
لَمْ تَلْقَ غَيْرَ مُشَارِكٍ أَوْ مُؤْمِنِ
يَا أَهْلَ ذَا الْمَلِكِ الَّذِي مَنْ فَاتَهُ
وَرَجَا سِوَاهُ فَلَمْ يَكُنْ بِالْمُؤْمِنِ
figure
وصارت كأنها مقصورة، وصاحبتها كأنها حوريةٌ من الحُور الحِسَان.

فلما فرغ الوزير من هذا النظام، قرَّبَه الملك زهر شاه وأكرمه غاية الإكرام، وأجلسه بجانبه وتبسَّمَ في وجهه وشرَّفه بلطيف الكلام، ولم يزالوا على ذلك إلى وقت الصباح، ثم قدَّموا السماط في ذلك الإيوان، فأكلوا جميعًا حتى اكتفوا، ثم رفعوا السماط، وخرج كلُّ مَن في المجلس ولم يبقَ إلا الخواص. فلما رأى الوزير خلو المكان نهض قائمًا على قدمَيْه، وأثنى على الملك، وقبَّلَ الأرض بين يدَيْه، ثم قال: أيها الملك الكبير والسيد الخطير، إني سعيت إليك، وقَدِمْتُ عليك في أمر لك فيه الصلاح، والخير والفلاح، وهو أني قد أتيتك رسولًا خاطبًا، وفي بنتك الحسيبة النسيبة راغبًا، من عند الملك سليمان شاه صاحب العدل والأمان، والفضل والإحسان، ملك الأرض الخضراء وجبال أصفهان، وقد أرسل إليك الهدايا الكثيرة، والتحف الغزيرة، وهو في مصاهرتك راغب، فهل أنت له كذلك طالب؟ ثم إنه سكت ينتظر الجواب، فلما سمع الملك زهر شاه ذلك الكلام، نهض قائمًا على الأقدام، ولثم الأرض باحتشام؛ فتعجَّبَ الحاضرون من خضوع الملك للرسول، واندهشت منهم العقول، ثم إن الملك أثنى على ذي الجلال والإكرام، وقال وهو في حالة القيام: أيها الوزير المعظَّم، والسيد المكرَّم، اسمع ما أقول: إننا للملك سليمان شاه من جملة رعاياه، ونتشرَّف بنَسَبه وننافس فيه، وابنتي جارية من جملة جواريه، وهذا أجلُّ مرادي، ليكون ذخري واعتمادي. ثم إنه أحضر القضاة والشهود، وشهدوا أن الملك سليمان شاه وكَّلَ وزيره في الزواج، وتولَّى الملك زهر شاه عقد بنته بابتهاج.

ثم إن القضاة أحكموا عقد النكاح، ودعوا لهما بالفوز والنجاح، فعند ذلك قام الوزير وأحضر ما جاء به من الهدايا، ونفائس التحف والعطايا، وقدَّم الجميعَ للملك زهر شاه، ثم إن الملك أخذ في تجهيز ابنته وإكرام الوزير، وعمَّ بولائمه العظيمَ والحقيرَ، واستمرَّ في إقامة الفرح مدة شهرين، ولم يترك فيه شيئًا مما يسرُّ القلب والعين، ولما تمَّ ما تحتاج إليه العروسة، أمر الملك بإخراج الخيام فضُرِبت بظاهر المدينة، وعبئوا القماش في الصناديق، وهيَّئوا الجواري الروميات، والوصائف التركيات، وأصحب العروسة بنفيس الذخائر، وثمين الجواهر، ثم صنع لها محفة من الذهب الأحمر، مرصَّعة بالدر والجوهر، وأفرد لها عشر بغال للمسير، وصارت تلك المحفة كأنها مقصورة من المقاصير، وصاحبتها كأنها حورية من الحور الحسان، وخدرها كقصر من قصور الجنان، ثم رزموا الذخائر والأموال، وحملوها على البغال والجمال، وتوجَّهَ الملك زهر شاه معهم قدر ثلاثة فراسخ، ثم ودَّعَ ابنته، وودَّع الوزير ومَن معه، ورجع إلى الأوطان في فرح وأمان، وتوجَّهَ الوزير بابنة الملك وسار، ولم يَزَلْ يطوي المراحل والقفار. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتَتْ عن الكلام المباح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤