الفصل السابع

روائع التكنولوجيا الطبية: مُعجزات صغيرة

عند ذكر عمالقة عالَم الأعمال في سويسرا، عادةً ما يكون الحديث عن شركاتٍ كبيرة مثل شركة نستله وشركة روش أو مصرف كريدي سويس، وهذه شركاتٌ أصبحت معروفةً ومألوفةً في جميع أنحاء العالم، كما أن أسماء بعض الشركات السويسرية مثل مجموعة فنادق ريتز قد اعتُمِدت في أكثر من لغةٍ كعنوان للفخامة والامتياز، لكن هناك أيضًا شركات سويسرية ناجحة ومزدهرة على نطاقٍ عالمي في قطاعاتٍ أخرى يكاد أن يجهل وجودَها الجميعُ، ومنهم الشعب السويسري، وواحد من أبرز هذه القطاعات هو قطاع التكنولوجيا الطبية، ولعل عددًا قليلًا من الأشخاص يعرفون أسماءً مثل سونوفا أو سينتيز، بالرغم من أنها شركاتٌ باتَتْ تهيمن على الصناعات التي تتنافس فيها مع الآخرين.

***

يُوجد في سويسرا نحو ٧٤٠ مُصنِّعًا لأدوات وتقنيات التكنولوجيا الطبية، وإذا عُدَّتِ الأنشطةُ ذات الصلة مثل مختبرات الأسنان والبيع بالجملة والتسويق مُدرَجةً في هذا المجال، يصبح عددُ الشركات أكثر من ٣٧٠٠ شركة منتشرة في جميع أنحاء سويسرا، وخاصةً في كانتونات بيرن وسولوثورون وتيشينو وكذلك في ضواحي زيورخ، وأغلبها شركاتٌ صغيرةُ الحجم تنشط في أسواقٍ مُعينة، أو تزوِّد الشركاتِ بمكوناتٍ تخصُّصية، وثمة شركاتٌ أخرى بدأت بصفتها مصنِّعًا أو شركةَ تزويدٍ في مجالٍ خاص ثم ازدهرت بشكلٍ كبير. وقد أثبتَتْ شركات مثل شركة سونوفا وشركة تيكان وشركة شنايدر، كيف يمكن أن تبدأ شركةٌ في كراج، ثم تنمو لتصبح عنصرًا قويًّا في السوق.

المهارات السويسرية في خدمة القطاع الطبي

على الرغم من أن تاريخ هذه الصناعة يعود إلى القرن التاسع عشر، فإن النمو الحقيقي الذي عرفه هذا القطاع يعود إلى بضعةِ عقودٍ فقط عندما بدأت التكنولوجيات المتقدمة تلعب دورًا متزايدَ الأهمية في المجال الطبي. وبحسب «التقرير الخاص بصناعة التكنولوجيا الطبية السويسرية لعام ٢٠١٠»، فإن معدل النمو المتوقَّع لهذا القطاع في سويسرا كان ١٠ في المائة لعام ٢٠١٠، و١٢ في المائة لعام ٢٠١١، وإن القيمة المضافة الناتجة عنه بلغت ٢ في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لتلك الفترة. وفي عام ٢٠١٠ كان القطاع يوظِّف قُرابةَ ٤٩ ألفَ شخصٍ في سويسرا؛ أيْ ما يمثِّل ١٫٤ في المائة من مُجمل اليد العاملة، وهذا قطاعٌ آخَر من القطاعات الضخمة بشكلٍ غير اعتيادي بالنسبة إلى حجم سويسرا؛ فعلى الرغم من أن الاقتصاد السويسري بأكمله يمثِّل ٣ في المائة فقط من حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي، فإن واحدةً من أصل كل عشرِ وظائفَ في مجال صناعة التكنولوجيا الطبية في أوروبا موجودةٌ في سويسرا.

وربما يعود جزءٌ من هذا التفوق إلى المهارات التكنولوجية التي كانت متوافرةً في سويسرا من ذي قبل، والتي أمكن تكييفها للتأقلم مع التكنولوجيا الطبية، وأكثرُ الأمثلةِ تعبيرًا عن ذلك هي تلك التي سادت في قطاع صناعة الساعات من خلال التركيز على الدقة في التصنيع والمهارة في تصغير المكوِّنات. وفي الخمسينيات من القرن الماضي، كانت مجموعةٌ من جرَّاحي العظام السويسريين تبحث عن مورِّدين لمكوِّناتٍ قابلةٍ للزرع في الجسم لعلاج الكسور دون استخدام الجبس التقليدي، استعان هؤلاء الأطباء براينهارت ستراومان، وهو مهندسٌ وتقنيُّ ساعاتٍ في فالدنبورج؛ مما أدى إلى وضْعِ الأسس لإنشاء شركة ستراومان التي أصبحت فيما بعدُ الموردَ الرئيسيَّ لمنتجات تقويم العظام.

وهناك عواملُ عديدةٌ أخرى تكمن وراء النمو الاستثنائي والنجاح السريع لقطاع التكنولوجيا الطبية، ومن بينها قدرةُ السويسريين الخارقة على التعاون، خاصةً فيما بين العلماء والباحثين النظريين والتطبيقيين والمهندسين ورجال الأعمال المهتمين بالمجال العلمي، كما أن أحد العوامل الأخرى يتجسَّد في التفوق الذي كانت قد حقَّقته الشركاتُ السويسرية في مجال صناعة الأدوية في بداية القرن العشرين، وهو ما جعل من شركات التكنولوجيا الطبية المتحالِفة وسيلةً طبيعية للاستثمار والنمو (هناك شركاتُ أدويةٍ تمتلك شركاتٍ كبيرةً للتكنولوجيا الطبية، وعلى رأسها قسمُ التشخيص الخاص التابع لشركة روش).

لكن الأهم من ذلك كله أن قصة صناعة التكنولوجيا الطبية هي قصةُ أفرادٍ من باحثين وعلماء ورجال أعمال (وأحيانًا تجتمع هذه الكفاءات الثلاث السابق ذِكْرها في شخصٍ واحد)، كانت لديهم رؤيةٌ واستطاعوا تحويلَ مسار اختراعاتهم الخاصة أو ابتكارات الآخرين ليجعلوا منها أعمالًا تجارية مُربحة.

حرفة الشفاء

إن قصةَ تطوُّرِ التكنولوجيا في المجال الطبي حديثةُ العهد، إلا أن ذلك لا يمنع أن لها بعض الجذور الضاربة في القدم؛ فقد حدثت إحدى نقاط التحول الكبيرة في تاريخ الطب قبل ما يقارب ألف سنة من خلال ما يُعرف بمجمع تورز في عام ١١٦٣، الذي مَنَعَت على إثره الكنيسةُ الكاثوليكية رجالَ الدين من القيام بأيِّ نوعٍ من أنواع العمليات الجراحية. كانت هذه نقطةَ بدايةِ الفصل بين الشفاء الجسدي والشفاء الروحي، وأصبح الطب والجراحة يُعَدَّان من المِهَن الحرفية، وهذا يعني أن الأدوات التي يحتاجها الجراحون لعملياتهم لا بد أن تُصنَّع على أيدي حرفيين أيضًا، وهذا ما أتقن الحرفيون السويسريون ذوو المهارات العالية القيامَ به، ولا شكَّ أن هذه الممارسة ما زالت قائمةً حتى اليوم.

تعود بداياتُ الأنشطة التجارية في مجال التكنولوجيا الطبية إلى ما لا يقل عن أربعة قرون خلت، عندما بدأ الجرَّاحون بالتعامل مع صانعي السكاكين لتصنيع أدوات الجراحة، وكان أحد هؤلاء الجرَّاحين ويلهيلم فابري الذي كان يعمل في كانتون بيرن وكانتون فود، والذي اخترع أداةً خاصةً في عام ١٥٩٥ لإجراء عمليةٍ جراحية لاستئصالِ ورمٍ في عين أحد مرضاه، فصبَّ الحديدَ في قالَبٍ يتناسب مع شكل الجمجمة، وطلب من صانع سكاكين صياغة الأداة. وثمة رجلٌ آخَر من كانتون فود أيضًا يُعَدُّ من الروَّاد، وهو جون أندريه فينيل، الذي كان قد درس الجراحة والطب في مونبيلييه، وصقل علمه ومعرفته في باريس، وإثرَ تقلُّدِه العديدَ من المناصب في سويسرا وخارجها، فتح أولَ عيادةٍ لتقويم العظام في العالم في عام ١٧٨٠ في مدينة أورب في كانتون فود، وكان مرضى فينيل من الأطفال الذين يعانون من تقوُّس في العمود الفقري وتشوُّه في الأقدام، وكانت وسائلُ علاجه مكوَّنةً من مِشَدَّات الخصر ومقوِّمات الساق المصنَّعة.

من الحرفية إلى العلوم

لقد صادف أن وَجدَ فينيل المهارات المطلوبة بين الحرفيين الفرنسيين، ولكن انتقال المعرفة كان سائدًا في الاتجاه المعاكس أيضًا، كما ظهر من تجربةِ سويسريٍّ آخَر يُدْعَى جوزيف فريديريك بينوا شاريير، الذي هاجر إلى فرنسا في عام ١٨٢٠ ليتدرب على صناعة السكاكين، وأسَّسَ هناك شركةً للأدوات والأجهزة الجراحية. كان شاريير يتمتع بموهبةٍ فريدة من نوعها لتحسين الأدوات الموجودة واختراع أدواتٍ جديدة تتميز بآلياتها المتطورة وجودة موادها، وخلال عقدَين من الزمن أصبحت شركة ميزون شاريير رمزًا للامتياز في الأوساط المهنية، وعندما تُوفِّي شاريير، كانت أدواته الجراحية مشهورةً في العالَم بأَسْره (كما أن اسمه — الذي تحمله وَحْدةُ قياسِ القطر في عيِّنات الفحوصات البولية — لا يزال معروفًا حتى اليوم).

figure
تيودور كوخر، رائد في مجال التعقيم وفي العلاقة بين الجراحة ومخاطر العدوى، فاز بجائزة نوبل للطب في عام ١٩٠٩.
figure
مِلْقَط للشرايين صمَّمه تيودور كوخر في عام ١٩١٤.

شهد القرن التاسع عشر أيضًا بدايةَ الثورة الصناعية والتكنولوجية التي بدأت بتحويل التكنولوجيا الطبية من حرفةٍ إلى صناعة علمية، وكانت أنشطة هذه الصناعة تتمركز في مدينة بيرن؛ حيث كان تيودور كوخر — الحائز على جائزة نوبل — يعمل أستاذًا في علم الجراحة، وحيث عُيِّن في عام ١٨٧٢ مديرًا لقسم الجراحة في مستشفى إنسِل. ومن بين الأدوات العديدة التي اخترعها كوخر، هناك مشبك الشرايين الذي بقي يحمل اسمه حتى الآن، وهو عبارة عن مشبكٍ ذي فكَّيْن مسنَّنَيْن وأسنانٍ محززة قطريًّا عند الأطراف، ويمكن تثبيته في أيِّ مكانٍ معين. ولصناعة أدواته تعاوَنَ كوخر مع خِيرةِ العاملين في مجال التكنولوجيا، وبعد عام ١٨٨٢ صُنِّع مشبكُ كوخر من قِبَل صانعِ أدواتٍ من بيرن هو جورج جوتلوب كلوبفر، ومنذ بداية عام ١٨٩٥ بدأت شركة موريس شيرر أيضًا بتسويقِ عددٍ كبير من الأدوات تحت شعار «ما بعد كوخر».

بيرن تبرز بصفتها مركزًا أوروبيًّا للمهارات

كانت اختراعات كوخر العديدة قد سارعت إلى جعلِ ممارسةِ هذه الحرفة ترتقي إلى مستوى العمليات الصناعية؛ فعندما نُشِرت الطبعة الخامسة من ثمرة بحوث كوخر في مجال العمليات الجراحية في عام ١٩٠٧، قامت شركة شيرر — التي لديها اليومَ فروعٌ في مدينة لوزان ومدينة بروكسيل — بإدراج المجموعة الكاملة لأدوات كوخر في نشرتها التقنية، وفي سعيها الدائم إلى الابتكار، قامت الشركة بدعم فريتز دو كيرفان — الذي كان مساعد كوخر وخليفته فيما بعدُ — لتطوير وتحسين طاولة عمليات، ثم قدَّمت هذا الابتكارَ بمناسبةِ أولِ مؤتمرٍ دولي للجرَّاحين في بروكسيل، كما أقنع فريتز دو كيرفان شركةَ شيرر بصناعةِ مُعَدَّاتِ تعقيمٍ للمستشفيات، وبذلك تطوَّرت هذه الصناعة لتصبح فرعًا هامًّا في الشركة، ولا تزال الشركة قائمةً حتى الآن تحت اسم شيرر ميديكال، وتُعتبَر رائدةً في إنتاج طاولات العمليات وغيرها من الأجهزة الطبية المتخصصة التي تُصدَّر إلى ٩٠ بلدًا.

وبفضلِ تألُّقِ أعمال كوخر، أصبحت بيرن مهدَ التكنولوجيا الطبية بحلول القرن العشرين، كما برز وجهٌ جديدٌ في تلك الفترة وهو هيرمان ساهلي، الأستاذ في الطب الداخلي ومدير القسم الطبي في مستشفى إنسل، الذي قام بتطوير جهازٍ جديد لتحليل النبض وقياس ضغط الدم، كما حسَّن الهيموميتر، وهو أداةٌ صُنِعت منذ ١٨٨٦ من طرف شركة من بيرن اسمها سي هوتز لتحليل الهيموجلوبين، وبحلول عام ١٩٦٠ أصبح من النادر القيام بأيِّ ممارساتٍ طبية دون الاستعانة بهذه الآلة.

كمٌّ كبيرٌ من الاختراعات

كانت بيرن رائدة أيضًا في طب العيون، وكان إرنست فلوجر — أستاذ ومدير قسم العيون بين عامَيْ ١٨٧٦ و١٩٠٣ في مستشفى إنسل أيضًا — قد استغلَّ علاقته بزوج شقيقته الذي كان شريكًا في المصنع الطبي هيرمان آند فيستر، ليحثَّ المصنعَ على إنتاجِ جهازٍ لفحص البصر، وفي عام ١٨٨٩ الْتَحقَ بشركةِ هيرمان آند فيستر شخصٌ اسمه ألفريد سترايت كان قد تدرَّبَ لدى شركة بوخي للبصريات، وكان سترايت مخترعًا متميِّزًا حظي باهتمامٍ دولي في عام ١٩٠٦، عندما قام بتحسينِ جهازٍ لقياس البصر مزوَّد بإضاءة كهربائية لقياسِ تقوُّسِ القرنية والقدرة الانكسارية للضوء، وبحلول عام ١٩١٣ كانت شركة هيرمان آند فيستر قد باعت ما يقارب ألف نموذج من هذه الآلة، وهذا ما كان يُعَدُّ في تلك الأيام عددًا كبيرًا لآلةٍ بذلك التعقيد. وبعد الحرب العالمية الأولى طرحت الشركة ابتكاراتٍ جديدةً في السوق بعد أن اشترى نسيب سترايت، فيلهيلم هاج، الشركةَ وأعادَ تسميتها لتصبح شركة هاج سترايت، كما ساهم هاج في خدمة العلوم الطبية بأشياء عديدة أخرى من بينها مِجهرٌ بمصباحٍ طوليٍّ لقياس مجال الرؤية ومقدار التوتُّر العضلي في العين لتحديد الضغط الداخلي فيها.

تُبيِّن هذه الأمثلة أن مجال التكنولوجيا الطبية شهِدَ تطورًا كبيرًا خلال العقود التي سبقت مباشَرةً بدايةَ القرن العشرين، ويعود الفضل في ذلك إلى زيادة الاحتراف في المجال الطبي وتقدُّم موادِّ وتقنياتِ التصنيع التي ظهرت عندما تطوَّرت الثورة الصناعية وتحوَّلت إلى ثورةٍ تكنولوجية. كانت العوامل التي قادت إلى هذه التطورات في سويسرا متعددة، أوَّلًا: كانت هناك عقول خلَّاقة لبعض الأشخاص المميَّزين — مثل كوخر — الذين كانوا يمثِّلون طبقةَ المهنيين في مجال التكنولوجيا في أواخر القرن التاسع عشر، والذين لم ينكفئوا أمام المشكلات الفنية التي نشأت مع تطوُّر الطب الحديث (وخاصة طب الجراحة)، بل كانوا دائمًا على ثقةٍ من إمكانية إيجاد الحلول التقنية لها. ثانيًا: كانت هناك براعةٌ سويسرية في مجال الهندسة، وخاصةً عندما يتعلق الأمرُ بأجهزةٍ صغيرة تتطلَّب دقةً كبيرة واهتمامًا بالتفاصيل. ثالثًا: كان هناك عزمٌ لا يعرف هوادةً وروحَ مبادرةٍ من طرف المخترعين ذوي الخبرة الذين حوَّلوا هذه الأفكارَ إلى مُنتجات. غير أن روح الابتكار العالية هذه كلها لم تنجح في إنشاء شركةٍ «كبيرة» بأتمِّ معنى الكلمة؛ فالسوق كانت مجزَّأة للغاية، كما كانت الأدوات شديدةَ التخصص، وكان لا بد لمدى التطور وحجم السوق — على حدٍّ سواء — أن يمرَّا بمرحلةٍ معينة قبل أن يصبح بالإمكان إنشاءُ شركاتٍ كبيرة، وكان لا بد من انتظار الحرب العالمية الثانية لتتوافر لذلك الشروطُ اللازمة عندما أدى ارتفاع مستويات المعيشة إلى إنفاقِ نسبةٍ متزايدة باستمرار من الناتج المحلي الإجمالي على الصحة، وكذلك عندما وفَّرت التطورات الجديدة في مواد التصنيع وفي مجال تصغير المكونات فرصًا تجاريةً جديدةً.

وقد استغلَّت إحدى الشركات القائمة في زيورخ هذه الفرصة وأصبحت منذ ذلك الحين واحدةً من الشركات الرائدة في السوق العالمية في مجال الأدوات المساعدة للسمع. تأسَّست شركة آي جي إليكترو أكوستيك في الأربعينيات نتيجةَ شراكةٍ بين سويسري وبلجيكي وفرنسي في زيورخ، وكانت أولى آلاتها للمساعدة على السمع تُباع تحت علامة «توريكوم» (وهو اسم مدينة زيورخ في أيام الإمبراطورية الرومانية). كانت الأجهزة لا بأسَ بها من الناحية التقنية، إلا أن تطوُّرَ أعمال الشركة كان بطيئًا، ولم تكن شركة إليكترو أكوستيك بأي حالٍ من الأحوال الشركةَ الوحيدة التي تصنع آلات المساعدة على السمع؛ ففي أواخر الخمسينيات كان هناك ستةُ علاماتٍ تجارية في سويسرا، وضِعْفَا هذا العدد في ألمانيا والدنمارك، كما كانت هناك في المملكة المتحدة أكثر من عشرين شركة، وكانت كلها — ومن ضمنها إليكترو أكوستيك — تواجِه مشكلةً تقنية جوهرية، ألا وهي كِبَر حجم ووزن صمام مُكبِّر الصوت الذي يعمل بالبطارية، والذي كان على مستخدميه أن يعلِّقوه حول العنق، أو أن يضعوه في الجيب الأمامي للصدرية.

كيف غيَّرت الترانزستورات قواعد اللعبة؟

حصل تقدُّم مفاجئ في هذا المجال في أوائل الخمسينيات بفضل تطوير الترانزستورات، ولم تُدرك شركة إليكترو أكوستيك أن في إمكانها الاستعاضة عن الصمامات بالترانزستورات فحسب، وإنما أدركت أيضًا أنه نظرًا لصِغَر حجم الترانزيستورات وخفَّة وزنها، أصبح بالإمكان تثبيتها مع مصدر طاقتها في إطار للنظارات، كانت الفكرة التالية هي أنه — عِوَضًا عن دمج مكبِّر الصوت في إطارٍ للنظارات — كان يمكن تزويد الآلة بعناصر اهتزاز تنقل تضخيم الصوت عبر العظام إلى الأذن. لا شكَّ أن هذه الفكرة كانت جيدة إلا أن تحقيقها لم يكن سهلًا، فالأجهزة الموضوعة وراء الأذن بَدَتْ مثل قطع الموز الضخمة، كما فشل نظام التحكم في تأمين الأداء المُتواصِل لدى إنتاجه على نطاق واسع، وظهرت كذلك مشكلةٌ إضافية تتمثل في الكسر المتكرِّر للمكونات البلاستيكية، وفي بداية الستينيات قرَّرَ مديرو الشركة أنه قد طفح الكيل، وقرَّروا وقْفَ التصنيع ورفْعَ دعاوى قضائية ضد مزوِّدي المكوِّنات. في ذلك الوقت لم يتبقَّ من الشركة سوى محلِّ بيعٍ واحد. سُلِّمت أَسهُمُ شركة إليكترو أكوستيك مجانًا إلى أرنست ريس، الذي كان مكلَّفًا من طرف مجلس الإدارة بمتابعة القضية في المحكمة ثم بتصفية الشركة، غير أن ريس كان لا يزال مؤمنًا بالجهاز بالرغم من أن فخره به لم يكتمل بعدُ، ولم يكن يرغب فقط في أن يُثبِت للعالم أن فكرة صنع جهاز المساعدة على السمع وتثبيته في إطار نظارات هي فكرة جيدة، ولكنه أراد أن يُثبِت أيضًا أن شركة إليكترو أكوستيك قادرةٌ على صنع ذلك الجهاز. استحوذ ريس على كافة أسهم الشركة، ولحسن حظه جاء أحدهم في هذا الوقت بالذات ليَطْرُقَ بابه، وكان يُدْعَى بيدا ديتهيلم.

كان ديتهيلم قد شَغَلَ منصبًا رفيعًا بصفته مصمِّمًا لآلات المساعدة على السمع وتقنيًّا لدى شركةٍ منافِسةٍ هي شركة بومر، إلا أنه اختلف مع رئيسه في العمل وأنشأ شركتَه المستقلة لآلات السمع، وفي غضون سنتين من تاريخ إنشاء الشركة، كان قد طوَّرَ أجهزةً جديدة ومختلفة، ولأنه كان يفتقر إلى المال لصنع آلاته، اتصل بريس عندما سمع أن الشركة تعتزم بيع مخزوناتها المتبقية من المكونات كجزءٍ من عملية تصفيتها. تم التوصُّل بسرعةٍ إلى اتفاق، واستطاع ريس إقناعَ ديتهيلم بعدم المضي قدمًا في تصنيع الأدوات التي طوَّرها بنفسه، بل باستخدام الأجزاء والمكونات الموجودة للقيام بتصميم جديد لآلة السمع المُثبتة في إطار نظارة. كان ديتهيلم يعمل بحماس واندفاع منقطعَيِ النظير، كما رحَّبَ بإدخال آندي ابن ريس في الشركة، وبعد فترة دُشِّنَ التصميم الجديد للنظارات المساعدة على السمع باسم «فيزاتون»، وبالرغم من أن «المصنَع» كان مجرد شقة من الدرجة الثانية تقع فوق سينما بيكاديلي في زيورخ، فإن المكان كان كافيًا لكي يُثبِت أنه باستخدام المكونات البلاستيكية الملائِمة، كان من الممكن إنتاجُ آلةِ سمعٍ ممتازة مُدمَجة ضمن إطار نظارات، وكان ذلك أمرًا ساعَدَ الشركةَ على ربح قضيتها في المحكمة ضدَّ مزوِّدها السابق بالأجزاء البلاستيكية.

في مُواجَهة العمالقة

في أواخر ستينيات القرن العشرين تبعت آلةَ «فيزاتون» آلةٌ جديدة أخرى مزوَّدة بنظامِ تحكُّمٍ مُدمَجٍ تُثبَّت وراء الأذن، ورُوِّجت تحت اسم «فونات»، وكانت الإلكترونيات فيها تسمح بتعديل تضخيم الصوت وفقًا لقوة الإشارة الصوتية الواردة. كان ذلك اختراعًا جديدًا تمامًا في حينه، وقبل ظهور هذا الاختراع كان يُثبَّت الصوت بمستوًى معين لا يُمكن تغييره، ونتيجةً لذلك يكون الصوت لدى مستخدمي الآلة منخفضًا في الأماكن الخارجية الصاخبة ومرتفعًا جِدًّا في الأماكن الداخلية الهادئة. لقيَ الاختراع الجديد الذي يسمح بتعديل الصوت كلما اقتضت الحاجة قبولًا عاليًا، وشيئًا فشيئًا بدأت الأعمال تزدهر، وبدأت الشركة تُصدِّر منتجاتها إلى فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وحتى اليابان، وكان دخول الشركة إلى عالم المنافسة أمام عمالقة السوق — مثل شركتَيْ سيمنز وفيليبس — قد تحقَّقَ في بداية السبعينيات من خلال «سوبر فرونت»، وهي آلةٌ للأطفال الذين يعانون من تلفٍ عميقٍ في السمع يمنعهم من مُتابَعةِ الدروس في المدارس العادية، وتتلخص العملية بأن تُحوَّل كلماتُ المعلم إلى جهازِ راديو ينقلها بدوره إلى جهاز استقبال إف-إم صغير ينقل الصوت إلى آلة السمع، وقد أصبحت «سوبر فرونت» أكثر الآلات مبيعًا، ورأت الشركة أن اسمها لم يَعُدْ مُواكِبًا لتطورات العصر فغُيِّرَ إلى «فوناك».

figure
آلة فوناك للسمع، الدقة السويسرية ومهارة الهندسة المصغَّرة التي نشأت في قطاع صناعة الساعات انتشرت بعد ذلك في قطاعات أخرى، مثل آلات السمع.

ثورة رقمية في تقنية وسائل السمع

كان ظهور التكنولوجيا الرقمية الصوتية قد غيَّرَ الشركة بشكلٍ جذري؛ إذ أصبح بالإمكان صناعةُ أجهزة بحسب الطلب تتلاءم مع أوجه القصور المحدَّدة لدى الشخص عبر المجال الكامل لترددات الصوت، فعادةً ما يعاني كبارُ السن من انخفاضِ القدرة على سماع التردُّدات العالية، وبإمكانِ برمجةِ الأجهزة الجديدة أن تعزِّزَ هذه التردُّدات دون سواها. في البداية لم تكن شركة فوناك في الطليعة، ولكنها أصبحت بسرعةٍ قادرةً على تجاوُز منافسيها بأجهزةِ سمعٍ رقمية قابلة للبرمجة تمكِّن المستخدمَ من اختيار مُستويات مختلفة للصوت في أماكن مختلفة، وهذا أمر مهم خاصةً بالنسبة إلى كبار السن الذين يجدون صعوبةً في تصفية الضوضاء المحيطة بهم خلالَ حفلٍ أو في مقهى، وهناك أيضًا جهاز آخر قد طوَّرته الشركة، وهو جهاز يُزرَع في الأذن، وقد أسَّست له الشركة فرعًا تابعًا متخصِّصًا يقع في مدينة لوزان.

وبموازاة كلِّ واحدٍ من هذه التطورات، حقَّقَ مجالُ تصغيرِ المكونات خطواتٍ جديدةً حَدَتْ بالشركة إلى الاستعانة بخبرات قطاع صناعة الساعات السويسري، لا سيَّما فيما يتعلَّق بمحركات التيار المباشِر المصغَّرة. وبما أن الكثير من الناس يشعرون بنوعٍ من الخجل عند ارتداء الآلات المساعدة للسمع، تُصبح إمكانيةُ إخفاء هذه الآلات ميزةً تسويقية حاسمة، وتقدِّر شركة فوناك أن حوالي ٢٠ في المائة من سكان العالم يُعانون من قصور أو فقدان للسمع الذي يبقى دون معالجة، إمَّا بسبب جهل المصابين به، أو بسبب رفضهم الاعترافَ به.

figure
لجنة الإدارة في شركة فوناك المحدودة في عام ١٩٩٥.
في بداية التسعينيات كانت شركة فوناك على استعداد لدخول سوق الأسهُم للمرة الأولى بهدف تمويل المزيد من النموِّ وحلِّ مشكلات الخلافة التي بدأت بالظهور. ولم يكن اتخاذُ القرارات في الشركة بخصوص الخلافة أمرًا يسيرًا؛ نظرًا لتشارُكِ ثلاثِ عائلاتٍ في الشركة، وهي عائلة أندي ريس وعائلة أخيه هانس أولي ريس وعائلة بيدا ديتهيلم. ومع أن دخول الشركة إلى سوق الأسهُم قد تَكَلَّل بالنجاح في عام ١٩٩٤، فإن الشركة لم تحقِّق نفس النجاح في الفترة التي تَلَتْ ذلك التاريخ، فقد أخفق الرئيس التنفيذي الأوَّل للشركة بيتر فلوجر — الذي استُقدِمَ من الخارج — في فهم ثقافة الشركة المنفتحة، التي كانت لسنوات عديدة سمةً فريدةً من سمات شركة فوناك؛ ونتيجةً لذلك وبالرغم من أن أداء الشركة لم يكن سيئًا، فإنها فشلت في تطويرِ منتجاتٍ تلبِّي التوقُّعات، وبذلك غادَرَها عددٌ من خِيرة الموظفين. وأخيرًا وجدت الشركة مُرشَّحًا لإدارتها كان في استطاعته استعادة الازدهار في جو الاسترخاء الذي دأبت عليه، وكان هذا الشخص هو فالانتين شابيرو١ الذي شغل سابقًا منصبَ مديرِ قسم السمع في شركة سيمنز. ازدهرت الشركة من جديدٍ على يد شابير، وأطلقَت سلسلةً من المنتجات الرائدة، وفتحَت مصانعَ إنتاجٍ في الصين وفيتنام.

المظهر هام بقدر أهمية الصوت

وحاليًّا تُعَدُّ الشركة — التي أُعِيدَت تسمية شركتها القابضة باسم سونوفا في عام ٢٠٠٧ — أكبرَ منتِج لأجهزة السمع في العالم، ولها حصَّة في السوق تفوق ٢٥ في المائة، وعائدات بلغت ١٫٦٢ مليار فرنك سويسري في ٢٠١١ / ٢٠١٢، كما أن عائدات سونوفا التي بلغَت تقريبًا ٢٠ مليون فرنك سويسري في عام ١٩٨٠ قد نَمَتْ بشكل لافِت للنظر لتسجِّل نسبة ٢٠٫٥ في المائة سنويًّا حتى عام ٢٠١٠. وبالمقارنة فإن عدد السكان في العالم (كمتوسِّطٍ مجرد لحساب عدد الزبائن المحتمَلين) قد نما بمعدَّل ١٫٤ في المائة سنويًّا خلال نفس المدة. وتحتلُّ شركة فوناك مرتبةَ الصدارة في العديد من المجالات أمام نظيرتَيْها (شركة سيمنز وشركة أوتيكون)، وأحد هذه المجالات هو تقنية «نقل الصوت» المتمثلة بنظامٍ مخصَّص لفاقدي السمع تمامًا في أذن واحدة؛ إذ يعمل الجهاز على التقاط الأصوات الواردة إلى أذن لينقلها إلى الأذن الأخرى، وبالرغم من أن منافِسي الشركة بإمكانهم القيام بذلك عن طريق الأسلاك، فإن فوناك هي الشركة الوحيدة في السوق التي بإمكانها نقل الصوت عبر التكنولوجيا اللاسلكية. كما أن هناك مجالًا آخَر تتفوَّق فيه فوناك أيضًا على سواها، وهو آلات السمع التي لا يدخلها الماء؛ إذ لديها نموذجٌ لآلةِ سمعٍ يمكن ترْكُها داخلَ الأذن لمدةٍ تصل إلى ثلاثة أشهر. وتضم مجموعة منتجات سونوفا حاليًّا أنظمةَ سمعٍ وأدواتٍ قابلةً للزرع، وكذلك تكنولوجيات أجهزة لا سلكية وأجهزة راديو وأدوات لحماية السمع في أماكن العمل، وعلى الرغم من التغيرات الديموغرافية وازدياد صخب الحياة العصرية الذي يؤدي إلى تزايُدِ عدد الأشخاص المصابين بفقدان السمع، لا تزال بعض الأحكام المُسبَقة قائمة؛ حيث إن مظهر الآلة الخارجي بدأ يحوز على اهتمامٍ يُوازي الاهتمامَ بمدى إتقانها وتطوُّر تقنيتها، ويبقى الدمجُ بين جميع هذه العوامل في قلب الاستراتيجية التي تَعتمدُها شركة سونوفا. وباتباع نموذج شركة سواتش، تُصنِّع فوناك آلاتٍ للسمع بألوانٍ وموادَّ مختلفةٍ (مثل الكروم) لاستقطاب مواكبي الموضة، ولطالمَا كان الهدف الأساسي حتى اليوم في تصميم آلات السمع هو جعلها غيرَ مرئية كليًّا، إلا أن فوناك بصدد تغيير قواعد اللعبة.

figure
موريس إدمون مولر. رائد سويسري في التكنولوجيا المبتكرة لتقويم العظام.

لدى سونوفا الآن أكثر من ٨ آلاف موظف في جميع أنحاء العالم، لكنها تبقى شركة سويسرية في جوهرها، فتقريبًا جميع أنشطتها في مجال البحث والتطوير والتسويق تقع في سويسرا، كما أنها تقوم بتصنيع كمية كبيرة من مكوِّنات منتجاتها أيضًا في البلاد.

الأفكار والقناعات

إنَّ قصة شركة سونوفا تكاد لا تخرج عن المسار النموذجي لتاريخ الشركات التكنولوجية السويسرية الأخرى في هذا المجال؛ إذ إنها غالبًا ما نشأت جميعها من مجردِ فكرةٍ لرجلٍ ما مصحوبة بالكثير من الاقتناع بها ولا شيء سوى ذلك. لكنَّ هناك فكرةً رئيسية أخرى تَلُوح في أفق تاريخ الشركات السويسرية، ألا وهي أهمية التعاون؛ ففي مجال جراحة العظام الذي يهتمُّ بتشخيص أسباب العيوب الخلقية أو المُكتسَبة في العظام والعضلات والتعرُّف عليها والوقاية منها ومعالجتها، لمعَتْ أسماءُ عددٍ من الشركات السويسرية في هذا المجال، ويَرجع كثيرٌ من الفضل في ذلك إلى سلسلة هامة من عمليات التعاون.

figure
أول مِفصَل اصطناعي من تصميم وإنتاج مولر في عام ١٩٦٦.

لقد بدأت قصة انخراط الشركات التكنولوجية السويسرية في تكنولوجيا تقويم العظام في أواخر الخمسينيات عندما توصَّلت مجموعة من الجرَّاحين وأطباء العظام السويسريين إلى القناعة أنه بدلًا من معالجة الكسور بالجبس والمِشَدَّات، يجب زرْعُ أدواتٍ خاصة لتقويمها، وفي عام ١٩٥٨ أسَّسوا في دافوس مجموعةَ عملٍ غيرَ رسميةٍ باتَتْ معروفةً فيما بعدُ باسم مجموعة العمل الخاصة لمسائل تجبير وتقويم العظام، وكانت بمنزلة نادي للعلماء والجرَّاحين المهتمين بكلِّ ما يتعلَّق بتقويم العظام، وأصبح هذا النادي سمةً مميزة في قطاع الصناعة السويسرية لتقويم العظام. كان مجلس أمناء النادي يضم أكثر من ١٧٠ جرَّاحًا متميِّزًا في مجال الحالات المرضية الناجمة عن الصدمات من جميع أنحاء العالم، وكان الجرَّاحون يَفِدون من كل مكان إلى دافوس للمشاركة في المناقشات حول التطورات الجديدة في مجال أدوات الجراحة وأدوات التقويم القابلة للزرع، كما لا يزال النادي حتى اليوم يقدِّم أرقى وأحدث أساليب الإرشاد للجرَّاحين، ويُعَدُّ مرجعًا ومثالًا يُحتذَى به في إنجاح تطبيق التقنيات الجديدة في الميدان الطبي.

figure
رسم لأداة من صنع توماس ستراومان في مجال زراعة الأسنان.

مهارات صانعي الساعات

كان أحد الجراحين، ويُدْعَى موريس مولر، يبحث عن شركة لديها الرغبة والقدرة على صنع مجموعة من الأدوات التي يحتاجها قطاعُ جراحةِ تقويم العظام عندما التقى بشركةٍ هندسية تُسَمَّى رو-ما في مدينة بيولا في عام ١٩٥٨. وقد أدرك صاحب الشركة روبيرت ماتيس البالغ من العمر ٣٧ عامًا بسرعةٍ أن هناك فرصةً عليه استغلالها لإظهار المهارة التي يَمتلكها في صنْعِ المكوناتِ المتخصِّصة للزرع والأدواتِ المصنوعة من الفولاذ المقاوِم للصدأ، وكانت مجموعة العمل الخاصة لمسائل تجبير وتقويم العظام أيضًا تبعث باستفساراتها بخصوص مواد أدوات العمل إلى معهد البحوث الذي أنشأه راينهارد ستراومان في عام ١٩٥٤، وبالتعاون مع ماتيس أصبحت شركةُ ستراومان المتخصِّصة في سبائك الخلائط المعدنية غير القابلة للصدأ، المزوِّدَ الثانيَ للمنتجات الخاصَّة بتقويم العظام.

figure
توماس ستراومان. شركة ستراومان الرائدة في قطاع زراعة الأسنان الجديد والمربح للغاية، هي دليلٌ على أن حِسَّ المبادَرة يُمكن أن ينشأ حتى لو كانت الشركة قد اكتُسِبت عن طريق الوراثة.

كان ستراومان قد بدأ أبحاثه لتطوير سبائك معدنية جديدة لصناعة الساعات في عام ١٩٢٠، وفي وقتٍ لاحق، باتت هذه السبائك تُستخدَم في صناعة ساعات فاخِرة لشركات معروفة مثل شركة رولكس وشركة آي دبليو سي، كما كان لهذه السبائك أهميةٌ خاصة في تطويرِ أنواع جديدة من زنبرك الساعات. بعد ذلك انكبَّ ستراومان على عددٍ من الأعمال بما يَشمل إنتاج سبائك تُستخدَم لمُعَدَّاتِ رياضةِ القفز التزلُّجي، وكان لا بد من الانتظار حتى عام ١٩٦٠ عندما شرع ابنه فريتز ستراومان بتكييف السبائك لاستخدامها في عملياتِ تثبيتِ العظام داخل جسم الإنسان، وفي عام ١٩٧٤ صنع أولَ أداة لزرع الأسنان حقَّقت نجاحًا بعد إخضاعها للاختبارات الطبية في جامعة بيرن، ولقد أدَّت وفاة فريتز ستراومان في عام ١٩٩٠ إلى تغيير كبير في الشركة التي أسَّسها والده قبل أقل من ٤٠ عامًا؛ إذ قرَّرت عائلة ستراومان بيْعَ الشركة إلى أعضاء إدارتها.

الطريق نحو الشفاء

بدلًا من التخلِّي عن قسم أنشطة زرع الأسنان الذي كان صغيرَ الحجم ولكنه واعدٌ في الشركة، قام توماس ستراومان (ابن فريتز ستراومان) بتنظيم عملية شراء ثانية لهذه الوَحْدة، واحتفظَتِ الشركة الجديدة باسم العائلة ليُصبحَ اسمها معهدَ ستراومان، وتحت إدارة ستراومان الشاب الذي كان في منتصَف العشرينيات من عمره، أعادت الشركة تركيزَ أنشطتها بصفتها مُنتِجًا متخصِّصًا في أنظمة زرع الأسنان. اهتم ستراومان بحل مشكلة كبيرة كانت جراحة زرع الأسنان تعاني منها، ألا وهي طول فترتَيِ الشفاء والنقاهة اللازمتين لكي يتأقلم العظمُ مع عملية الزرع، وكانت الأدوات التي تعتمدها المنافسة تستوجب فترةَ تأقلُمٍ تصل إلى ٢٤ أسبوعًا، إلا أنه في منتصَف التسعينيات، استطاع ستراومان تخفيض تلك الفترة إلى ١٢ أسبوعًا فقط، وفي عام ١٩٩٧ حقَّقت الشركة انطلاقةً جديدة بإطلاق نظام إس إل إيه لزرع الأسنان، كان سطح المكوِّن الأساسي لهذا النظام أملسَ ومُعالَجًا بسفع الرمل ومصقولًا بالحوامض؛ مما خفَّضَ فترة الشفاء إلى ما بين ٦ و٨ أسابيع فقط، وهو ما دفع بستراومان في ذلك الوقت إلى أن يحتلَّ مركزَ الريادة في تكنولوجيا زرع الأسنان.

لقد تمتَّعَتِ الشركةُ التي يقع مقرُّها في بازل بفترةِ توسُّعٍ طويلة المدى، وكجزء من هذا التوسُّع، دخلت الشركة إلى سوق الأسهم في عام ١٩٩٨، وأُدْرِجَت أسهمُها في البورصة السويسرية، وفي بداية العقد الأول من الألفية الجديدة اكتشف ستراومان سوقًا أخرى مُحتمَلة، وهي سوق الموارد الحيوية التي يُمكن استخدامها في تجديد الأنسجة الرخوة والصلبة التي تتعرَّض للتلف بسبب أمراض اللثة وغيرها، وتُعتبَر إعادة بناء هيكل الدعم للعظام عنصرًا أساسيًّا لنجاح عمليات زرع الأسنان.

واليومَ تُحقِّق شركة ستراومان هامشَ ربحٍ إجماليًّا يوازي ٨٠ في المائة على الرغم من الأجور السويسرية المرتفعة والعملة القوية، كما حقَّقت بصورة مستمرة عائدًا على حقوق المساهِمين يزيد عن ٢٠ في المائة. ومنذ دخولها سوق الأسهم عام ١٩٩٨، تمكَّنت الشركة من زيادة عائداتها بشكلٍ مُثير للإعجاب بنسبة ١٧ في المائة سنويًّا (كانت عائدات الشركة في عام ١٩٩٨ تعادل ١١٠ ملايين فرنك سويسري، وفي عام ٢٠١٠ وصلت إلى ٧٣٨ مليون فرنك سويسري)، وأرقامٌ كهذه لا يُمكن تحقيقها في المجال الطبي إلا عن طريق الابتكارات المتفوقة.

لقد أظهرت التوقُّعات أن المستقبل سيكون زاهرًا لقطاع زراعة الأسنان، فمن ناحيةٍ هناك عددُ المسنين الذي يَتزايد بشكلٍ كبير في البلدان المتقدِّمة، والذي سيقود حتمًا إلى نموٍّ كبير.٢ ومن ناحيةٍ أخرى هناك الأسواق الجديدة — مثل البرازيل والهند والصين — التي بدأت لتوِّها تهتمُّ بعلاجِ الأسنان، والتي يَتزايد فيها باستمرارٍ عددُ الأشخاص القادرين على دفع الثمن اللازم لمثل هذا العلاج.

ثورة تشارنلي

وتقريبًا في نفس الفترة التي دخلت فيها شركة ستراومان لأول مرة مجالَ التكنولوجيا الطبية، ظهَرَ ابتكارٌ جديد في مجال تقويم العظام هو بمثابة تطويرٍ حديثٍ لعمليةِ استبدالِ مفصلِ الورك على يدِ جرَّاحٍ بريطاني يُدْعَى جون تشارنلي، الذي اخترع جيلًا جديدًا من المفاصل الاصطناعية باستخدام الفولاذ المقاوِم للصدأ ومادة البولي إثيلين. وفي عام ١٩٥٩ أدخل شارنلي استخدامَ ما يُسَمَّى إسمنت العظام لضمانِ تثبيتِ مفصلِ الورك المُستبدَل، وكان ذلك علامةً فارقة جعلته يحظى بلقبِ فارسٍ في منظومة الشرف البريطاني. وفي عام ١٩٦٢ قام الجرَّاحان موريس مولر وزميله برنهارد فيبر من مستشفى سانت جالن بزيارةٍ ودية لتشارنلي، وهناك أُعْجِبَا كثيرًا بالتقنية التي كان يستخدمها في عملياته، إثرَ ذلك قاما بتطبيقِ ما تعلَّماه، وطوَّرا مجموعةً متكاملة ومنتظمة من الأدوات، وكان من المقرر أن تكون شركةُ ماثيس هي الشركة المصنِّعة لكن على نطاقٍ ضيق نسبيًّا، وخلال بحثهما عن شريك إضافي، اتصل فيبر ومولر بشركةِ هندسةٍ كبيرة اسمها سولزر في فينترتور، وكانت النتيجة النهائية التي أفضَتْ إليها هذه الشراكةُ هي مفاصل الورك الاصطناعية من إنتاج سولزر.

طفرة في مجال تقويم العظام

لم يكن مولر جرَّاحًا ممتازًا فحسب، بل كان كذلك رجلَ أعمالٍ فذًّا، ففي عام ١٩٦٥ أنشأ مؤسسة بروتيك لدفع تطوير عمليات استبدال المفاصل، وبعد مرور عامين أطلق بروتيك بصفتها شركةً لتسويق المفاصل الاصطناعية التي تُنتجها سولزر وماثيس بأكبرِ قدرٍ ممكن من الفعالية، وفي غضون ذلك، ذهب زميله فيبر للعمل بمفردِه، وفي عام ١٩٦٨ أنشأ شركة ألو برو في مدينة خام (في كانتون تسوج)، التي انتهت بلعب دور هام في صناعة أول مِفصَل اصطناعي خالٍ من الإسمنت (مادة التثبيت اللاصقة) ومزوَّد بجذع مصنوع من سبائك التيتانيوم؛ مما قلَّلَ من خطر الحساسية.

لقد عكست هذه الطفرة الرائدة مدى التطور السريع الذي شهدته جراحةُ تقويم العظام خلال الستينيات والسبعينيات، وفي عام ١٩٧٠ أصبح لشركة سولزر قسمٌ خاص للتكنولوجيا الطبية قائمٌ بذاته، كما ازدهرت شركة بروتيك لدرجةِ أنها كانت قادرةً على تمويل مؤسسة موريس إي-مولر، التي كانت تدعم أنشطة التدريب والبحوث والتوثيق لجراحة تقويم العظام في جامعة بيرن، وفي الوقت نفسه كان ماثيس وستراومان — اللذان اتَّفقا منذ أوائل الستينيات على تقسيم جغرافي للسوق — يُلاقيان نجاحًا كبيرًا، كما توسَّعا في الخارج ونصَّبا نفسَيْهما المورِّدَيْن الدوليَّيْن الرائدَيْن في مجال زرع أدوات تقويم العظام.

في الوقت نفسه، كانت شركة سولزر قد اعتمدت خطةً تهدف إلى دعم الصناعة وتوحيدها، وكان يُمكِن أن تُكلِّل استراتيجيتها بالنجاح لولا تعرُّضها لفشلٍ في الإنتاج قادها إلى كارثة تجارية.

ثمن غلطة صغيرة

في عام ١٩٨٨ استحوذَت سولزر على شركة ألو برو، وفي العام التالي اشترت شركةَ بروتيك أيضًا إلى جانب مجموعة أمريكية اسمها إنتر ميديكس، وبعد عقدٍ من الزمن واصلت سولزر التوسُّعَ بالاستحواذ على الشركة الأمريكية سباين تيك المتخصِّصة في تقويم عظام العمود الفقري، وفي عام ١٩٩٩ في مصنع الشركة في تكساس الذي كان آنذاك يُسَمَّى سولزر ميديكا، تسبَّبت مخلَّفات زيوت التزليق خلال عملية الإنتاج بتلويث السطح المَسامِّيِّ للأدوات المخصَّصة للزرع، وأدَّت إلى منع العظم من النمو والتلاحُم مع الأداة المزروعة في العديد من العمليات، وتُعين على الشركة التي أُدرِجت في سوق الأسهم منذ عام ١٩٩٧ أن تواجِه سيلًا من المُطالَبات القضائية التي قُدِّرَت تعويضاتها بعدة مليارات من الدولارات. وللحد من الأضرار المالية، توصَّلت شركة سولزر إلى تسويةٍ مع المدَّعين خارج المحكمة، ودفعَت لهم مبلغًا إجماليًّا وصل إلى ٧٨٠ مليون دولار أمريكي، غير أن الشركة لم تستطع رأب الصدعِ الذي أصاب سمعتها، وبعد مرور عام استحوذَت عليها شركة زيمَّر الأمريكية الرائدة في مجال تقويم العظام مقابل ٣٫٢ مليارات دولار أمريكي.

يُعَدُّ فشلُ شركة سولزر حلقةً مريرةً في سلسلة القصص الناجحة عمومًا للتكنولوجيا السويسرية في مجال تقويم العظام، وبصرف النظر عن هذه الواقعة، هناك العديد من الشركات الأخرى التي واصلت تحقيق الازدهار، ففي شركة ستراومان، وبعد أنْ بِيعَ قسمُ المكوِّنات الاصطناعية لتقويم العظام إلى أعضاء الإدارة، والذي أصبح لاحِقًا شركة ستراتيك ميديكال، تحوَّلت الأقسام الأخرى في الشركة من جديدٍ إلى تركيزِ اهتمامها على زراعة الأسنان وتجديد الأنسجة الفموية، واليومَ تبلغ مبيعات الشركة ٧٤٠ مليون فرنك سويسري، وتشغِّل ١٥٠٠ شخص، كما لها حصةٌ مُهيمنة في السوق؛ إذ إنها تسيطر على نسبة ٢٠ في المائة من قطاع زراعة الأسنان، وهي متفوِّقة على شركاتٍ منافِسةٍ مثل بيوميت ونوبل بيوكير وزيمر.

هانس يورج فيس: أعمال لا تُحصَى

من جانبها، احتفظَت شركة ماثيس بقسم جراحة العظام، وفي عام ١٩٩٦ غيَّرتِ اسمها لتُصبح «ماثيس للتقينات الطبيعة»، وبدأت بتسويق منتجاتها تحت اسم «ماثيس لأدوات جراحة العظام»، وفي عام ٢٠٠٢ استحوذَت على الشركة الألمانية كيراميد، وأصبحت من بين مصنِّعِي أدوات تقويم العظام القلائل الذين يُنتجون موادَّ السيراميك الخاصة بهم، إلا أنه — بعد ذلك بوقتٍ قصير — أصبحت الشركة تحت رعاية هانج يورج فيس، وهو مديرٌ ناجح في مجال الأعمال، كان قد بدأ مسيرته بعملياتِ إنقاذِ شركة سينثيز التابعة لستراومان في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتهى به الأمر إلى شرائها.

figure
قام هانس يورج فيس بدعم وتوسيع صناعة تقويم العظام السويسرية، وأصبح بذلك أحدَ أنجح وأغنى رجال الأعمال في سويسرا، وهو أيضًا واحد من أهل الخير الأكثر سخاءً في البلاد، كما صُنِّف أكبرَ مانحٍ على الإطلاق لجامعة هارفارد.
لقد أثبَتَ فيس أنه أحدُ أكبر رجال الأعمال السويسريين الناجحين من الجيل الماضي. كانت عائلته متواضِعة، ونشأ في شقةٍ صغيرة لا ماءَ ساخن فيها ولا ثلاجة، تقع فوقَ مخبزٍ في بيرن، كان والده يبيع آلات حاسبة ميكانيكية لحساب شركة بيتني بووز، وكان هانس يورج يُغطِّي الأحداث الرياضية لحساب الجريدة السويسرية neue zürcher zeitung لتغطية مصاريف دراسته حين كان طالبَ هندسةٍ في المعهد الاتحادي للدراسات التقنية العالية، كما كان من بين أوائل المتخرجين السويسريين من كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفرد (في عام ١٩٦٥)، والتحقَ بشركة كرايسلر وعمل مهندسًا في مصانع الشركة في باكستان وتركيا والفلبين، إلا أنه — بسبب انزعاجه من قلة اهتمام شركة كرايسلر بتوسيع أعمالها خارج حدود الولايات المتحدة — انتقل إلى شركة مونسانتو التي لم يتأثر فيها ببيروقراطية الشركات الكبيرة. ومن محاسن الصدف أنه — خلال رحلة جوية طويلة في طريق عودته إلى سويسرا — جلس بجانب صاحب شركة ماثيس، وعند انتهاء الرحلة كان فيس قد وافَقَ على محاولة إنقاذ أعمال الشركة المتعثِّرة في الولايات المتحدة مقابلَ حصولِه على حصةٍ فيها.
كان فيس مُدرِكًا أن السوق الأمريكية هي سوق كبيرة ومتنامية، وبالرغم من أن هذه الشركة السويسرية كانت لديها المنتجات المناسبة، فإنها كانت تتبع منهجًا تسويقيًّا خاطئًا. كانت بقية مسيرة فيس عبارة عن مغامرة لدخول السوق الأمريكية من بابها الواسع، تمكَّنَ بعدها من تعزيزِ وتوحيدِ صناعةِ أدواتِ تقويم العظام، مستحوذًا في طريقه على منافِسِيه واحدًا تلو الآخَر مع الاحتفاظ دائمًا بالحصة المسيطِرة.٣

عبقرية الياباني الخفي

في حين كان فيس يعهد بأغلب العمليات إلى أشخاصٍ كان يصفُهم بأنهم «غير بارعين لكنهم جديرون بالثقة وقادِرُون على أداء العمل المطلوب»، فإنه لم يَسمح بحدوث أي شيء في عمليات التصميم أو الإنتاج دون مباركته شخصيًّا. أمَّا بطلُ الشركة الخفي فكان بروفيسورًا يابانيًّا يُدْعَى كاي آبي، تمكَّنَ من إنجازِ تصاميمَ جديدةٍ باستمرارٍ طوال ثلاثة عقود. كان البروفيسور آبي قد عمل في العديد من الصناعات، وزار ما يقارب من ٢٠٠٠ مصنع في جميع أنحاء العالم، مُقدِّمًا أفكارًا جديدةً للكثير من هذه المصانع، مثل نظام تسليم المواد فور احتياجها من أجل الحد من تكاليف التخزين، وإحدى الشركات التي استفادت من خدماته هي شركة تويوتا التي اعتمدت هذا النظام في إنتاجها. وفي وصفه للطريقة التي ساعَدَ فيها آبي شركةَ سينثيز قال فيس: «كان آبي باستمرار يدفع إلى التغيير في عمليات التصنيع بتقديم أفكارٍ ومفاهيمَ جديدةٍ لإنتاج الآلات؛ مما أتاح لنا أن نكون دائمًا في الطليعة من حيث التكنولوجيات الجديدة، وبذلك حقَّقنا أفضلَ هوامش ربح في صناعة الأجهزة.»

أمَّا بخصوص الاستراتيجية العامة، أضاف فيس: «كان المنافسون يَعدُّوننا غير متعقِّلين، إلا أن هذه الاستراتيجية هي التي جعلت الشركة دائمًا في المقدمة، ومكَّنتها من تحقيق هوامش ربح أعلى من المنافسين بنسبة ١٠ في المائة.» ولكسب المزيد من العملاء، استقطب فيس جرَّاحين من الولايات المتحدة وغيرها إلى مجموعة العمل الخاصة لمسائل تجبير وتقويم العظام في دافوس، ومكَّنهم من إجراء العمليات الجراحية بالأساليب الأكثر تقدُّمًا بالاقتران مع استخدام مُنتجات شركة سينثيز. وبالنسبة إلى المشاركين كان قضاءُ أسبوعٍ في دافوس خلال فصل الصيف بمثابةِ فرصةٍ ثمينة الْتَقَوْا فيها بأَشْهَر الجرَّاحين في العالم، وفترة راحة من ثقل العمليات الجراحية اليومية في أمكنةٍ نائية مثل ماديسون في ولاية ويسكونسن. كانت هذه الاستراتيجية مُثمِرة؛ إذ نما متوسِّط عائدات شركة سينثيز منذ عام ١٩٨٠ بمعدل ٢١ في المائة سنويًّا (ويشمل ذلك عمليةَ الاستحواذ على شركة ستراتيك ميديكال في عام ١٩٩٩، وشركة ماثيز للأدوات الطبية في عام ٢٠٠٤).

مبلغ ضخم يناهز ٢١ مليار دولار أمريكي

في عام ٢٠١١ باع فيس شركة سينثيز إلى شركة جونسون آند جونسون بمبلغ ٢١٫٣ مليار دولار أمريكي، وكانت حصته فيها تُساوي ٥٠ في المائة؛ ومن ثَمَّ كان نصيبه من الصفقة بعد موافَقة لجنة التجارة الاتحادية الأمريكية يُعادل ١٠ مليارات دولار أمريكي.٤ وهذا إنجازٌ لا بأسَ به لرجلٍ نشأ وترعرع فوق مخبز، وهو ما زال يقود سيارةً مُستخدَمةً من نوعِ أوبل ستيشن، وينزل ضيفًا على أخته التي تسكن في شقةٍ مؤلَّفةٍ من غرفتين عندما يزور زيورخ.

ولعلَّ أحدَ الدلائل على استمرار حيوية قطاع أدوات تقويم الأعضاء هو أنه بالرغم من التوسُّع المستمر لشركات عملاقة مثل شركة سينثيز، لا يزال هناك متسعٌ كبير يُتيح لشركات ناشئة جديدة أن تظهر إلى الوجود وأن تَتنافس، وكأمثلة على ذلك عبر السنوات العشرين الماضية في مجال صناعة الأطراف الاصطناعية، هناك شركة بلاس إندوبروتيتيك وشركة إنترا بلانت التي اندمجَتْ في النهاية مع شركة بريسيجن إنبلانتس تحت اسم بلاس أوروبيدكس؛ لتُصبحَ أكبرَ شركةٍ أوروبية على الإطلاق لصناعة أدوات استبدال المفاصل، وقد تمَّ الاستحواذ عليها في النهاية في عام ٢٠٠٧ من طرف الشركة البريطانية للتكنولوجيا الطبية سميث آند نيفيو. وثَمَّة قصةُ نجاحٍ أخرى في مجال التشخيص الطبي تتمثَّل في شركة تيكان التي تصنِّع أجهزةَ قياسٍ وتحليلٍ، إضافةً إلى مُعَدَّات مختبرية آلية للاستخدام في مجالات علم الصيدلة الحيوية والطب الشرعي والتشخيص السريري. وبعد بدايتها المُضطربة أصبحت الشركةُ اليومَ رائدةً في مجال الأدوات المخبرية، وفي عام ٢٠١٠ كانت شركة تيكان توظِّف ١٢ ألف شخص في جميع أنحاء العالم، وتُقدَّر مبيعاتها بمبلغ ٣٧٠٫٦ مليون فرنك سويسري.

شركات متخصِّصة صغيرة وأرباح كبيرة

كان فيلي ميشال قد أنشأ خلال العشرين عامًا الماضية شركاتٍ بارزةً في مجالَيْن آخَرَيْن سريعَيِ النمو من مجالات التكنولوجيا الطبية، إحدى هذه الشركات هي شركة إيبسوميد المتخصِّصة في أنظمة الحقن الذاتي، وحاليًّا تتجاوَز مبيعاتها السنوية ٢٧٠ مليون فرنك سويسري، وثمة شركة أخرى هي ديسترونيك المتخصِّصة في نظامِ نقلِ السوائل أو الدم، وقد استحوذَتْ عليها شركة روش في عام ٢٠٠٣.

figure
ماصة أوتوماتيكية للسوائل مِن صنْعِ مجموعة تيكان.

هذا بمنزلة تذكيرٍ بأن مجموعات الشركات الكبيرة قد سارعت هي أيضًا إلى ولوج مجال التكنولوجيا الطبية، وقد أصبح قسمُ التشخيص التابع لشركة روش رائدًا في السوق العالمية في مجال التشخيص المختبري (تحليل الدم والبول للبحث عن آثار الأمراض ومعرفة الحالة الصحية للشخص). ولو كان قسمُ التشخيص التابع لشركة روش شركةً مستقلة بذاتها لَحجَبَ بظلِّه كلَّ شركات التكنولوجيا الطبية السويسرية الأخرى مجتمعةً؛ ففي عام ٢٠٠٩ حقَّقت مبيعاتُه مبلغًا هائلًا فاق ١٠ مليارات دولار أمريكي، وهذا يعني أن حصة الشركة تساوي حوالي ربع إجمالي حجم السوق في مجال التشخيص المختبري الذي يُقدَّر بمبلغ ٤٠ مليار دولار أمريكي، ويبلغ عدد العاملين في هذا القسم ٢٦ ألف شخص في جميع أنحاء العالم.

الازدهار بالرغم من احتدام التنافس

تُقدَّر مداخيل قطاع التكنولوجيا الطبية اليومَ في جميع أنحاء العالم بحوالي ٣٣٦ مليار دولار سنويًّا.٥ ولهذا السبب لا غير، أصبح دخول هذه السوق أمرًا جذَّابًا للشركات العالمية القوية التي تسعى إلى التوسع والتنويع في منتجاتها. إلا أن القطاع يتميَّز أيضًا بعوامل جذَّابة أخرى، من ضمنها تطوُّرٌ تكنولوجي سريع، وحدٌّ أدنى من حواجز الحماية، ووظائفُ مناسبةٌ للعاملين، وتأثُّرٌ متدنٍّ بالعوامل البيئية، وسوقٌ عالمية مضمونة للمنتجات الجيدة في هذا القطاع. ولكنْ يَتبيَّن مما سبق أن الشركات السويسرية بقيت تُسيطر على الحصة الكبرى في السوق، ولا يوجد أيُّ مؤشرٍ يدل على إمكانية تراجعها في المستقبل، بل على العكس، فالشركات الصناعية السويسرية تحتلُّ مركزَ الطليعة في السوق العالمية في مجالات أدوات الزرع الطبية وآلات المساعدة على السمع ومعدات التشخيص وأدوات المختبرات وأجهزة العمليات الجراحية الصغيرة. وكما ذكَرنا من قبل، فإن شركة سونوفا رائدةٌ في مجال آلات المساعَدة على السمع على مُستوى العالم، في حين أن شركة ستراومان تحتلُّ المركز الأوَّل في العالم في مجال زراعة الأسنان، وشركة سينثيز هي — بلا منازع — الشركة الرائدة في مجال زرع مكوِّنات علاج الكسور الناجمة عن الصدمات (الذي يُمثِّل ثلثَيْ عائداتها)، وإذا جُمِعَ هذا المجال مع القسم المختص بالأدوات الطبية للعمود الفقري، تُصبح الشركة رائدةً عالميًّا في مجال التكنولوجيا الطبية بأكمله. وعمومًا لا يوجد أيُّ منافِس يقدِّم نفس المنتجات في السوق، وهذا ما يدعم مكانةَ الشركة ويُعزِّزها.

من الواضح أن السويسريين يتحلَّوْن بالعديد من الخصائص التي تتطلَّبها قطاعاتُ التكنولوجيا الطبية، مثل: الحرص على تأمين الجودة، والاستعداد للاستثمار، والقدرة على التكيُّف مع المتغيِّرات التي تطرأ على البيئة التي يعملون فيها، إلا أن الشركات الأخرى هي أيضًا تتمتَّع بمثل هذه المميزات، غير أن الثقافة الصناعية السويسرية تتميَّز عن غيرها تحديدًا بالخبرة الطويلة في مجال تطوير وإنتاج الأدوات الدقيقة (مثل الساعات) وهندسة تصغير المكوِّنات، ويُمكن إيجاد مثل هذه الصفات لدى اليابانيِّين مثلًا، إلا أن اليابان ليست لاعبًا أساسيًّا في سوق التكنولوجيا الطبية.

اختلاط التكنولوجيا بالعلم والأعمال

لربما كان العامل الأكثر حَسمًا لتحقيق النجاح يتمثَّل في العقلية السويسرية المُنفتِحة على العالم، وكما سبَقَ عرضُه، فإن واحدًا من العناصر الرئيسية في تنمية قطاع التكنولوجيا الطبية — سواء في مجال تقويم العظام أو السمع أو التشخيص — هو العثورُ على العلماء والمهندسين وأصحاب المِهَن الطبية وحثُّهم على العمل معًا بتعاون وثيق. ومنذ أيام مجموعة العمل الخاصة لمسائل تجبير وتقويم العظام حتى اليوم، وبدعمٍ من المؤسسات الأكاديمية مثل المعهد الاتحادي للدراسات التقنية العليا في مدينة زيورخ، وكذلك المدرسة الاتحادية للفنون التطبيقية في مدينة لوزان، كانت سويسرا دومًا قادرةً وحريصة على استقطاب أفضل العلماء في العالم.

وبالمثل، فعلى مستوى إدارة الأعمال والتكنولوجيا الريادية في قطاعٍ يتطوَّر بسرعةٍ فائقة، يجد السويسريون سهولةً كبيرة في استقبال الشركات الأجنبية، وبيع شركاتهم لأطراف خارجية، واستقطاب مهارات أجنبية، وكذلك تصدير المواهب المحلية. كلُّ هذا هو جزءٌ من عملية النمو والتطور التي لا يُعارضها أحد، ولم يَحدث هذا؟ فالفوائدُ تتزايد وتتعزَّز كلَّ يوم، ومنذ منتصَف التسعينيات، شهِدَ قطاع التكنولوجيا الطبية السويسري نموًّا ملحوظًا كان أسرعَ من المتوسِّط السويسري العام، ووصَل تقريبًا إلى ٩٠ في المائة، واليومَ تمثِّل هذه الصناعة أكثرَ من ٥ في المائة من الصادرات السويسرية المرئية، و٣٫٢ في المائة من إجمالي الصادرات من السلع والخدمات؛ وهكذا فإنه في غضون بضعة عقود فقط حقَّقت هذه الصناعة رويدًا رويدًا قوةً اقتصادية تضاهي تلك التي حقَّقَها قطاعَا الصيدلة والغذاء.

وربما يكون وجود قطاع تكنولوجي متطور في بلد صغير ميزةَ تفوُّقٍ بحد ذاته، هذا إضافةً إلى أن التعاون الوثيق بين رجال الأعمال والمتخصِّصين في التكنولوجيا الطبية سهَّلَ التحقيقَ من الناحية اللوجستية؛ فالبلد برُمَّته يُشبه إلى حدٍّ كبير التجمُّعاتِ الصناعية، كما أن المُنتجات الصناعية آخِذةٌ في الصِّغَر، ويُمكن إنتاجُها بشكلٍ غيرِ ملحوظ داخل وحدات إنتاج صغيرة نسبيًّا تُشابِه في حجمها حجمَ البلد الصغير وتتوافَق مع سياقه الاجتماعي، ولا شكَّ أن كبارَ رجال الأعمال في سويسرا يُدركون أن اهتماماتهم لا تَقتصِر على أعمالهم فقط، بل تتعدَّاها إلى مسئوليتهم في الحفاظ على التماسُك الاجتماعي.

رفض الاستسلام

لعلَّ شركة شنايدر تُقدِّم مثالًا آخَر على ما تقدَّم، فهي شركة صغيرة كانت تُتاجر بثمرةِ أعمالِ أحدِ المخترعين الهُواة، وهو طبيبُ قلبٍ ألماني يُدْعَى أندرياس رولاند جرونتزيج، كان قد طوَّرَ أولَ قسطرة بالون هي عبارة عن جهاز يُمكن بواسطته توسيعِ ضِيقِ الشريان التاجي؛ ومن ثَمَّ تجنيب المريض الخضوعَ لعمليةٍ جراحية تحت التخدير الكامل. ولقد باشَرَ رجل أعمال سويسري يُدْعَى هوجو شنايدر بصناعة هذا الجهاز يدويًّا في كاراج في فيتيكون — إحدى ضواحي زيورخ — وفي وقتٍ لاحق، سلَّمَ إدارة شركته شنايدر ميدينتاج إلى سيدةٍ نمساوية تُدْعَى هيليان كانيبا في عام ١٩٨٠، عندما كان عدد العاملين فيها لا يتعدَّى خمسة أشخاص. وعندما ارتفع الطلب على قسطرة البالون، حقَّقَتِ الشركةُ نتائجَ باهرةً لدرجةٍ جعلتها تحظى باهتمام الباحثين عن عملياتِ إدماجٍ ناجِحة من كافة أنحاء العالم. وفي عام ١٩٨٤ استحوذت عليها شركةٌ أمريكية عملاقة في مجال الصيدلة هي شركة فايزر بمبلغ ٤٠ مليون فرنك سويسري. كان الطلب كبيرًا على قسطرة البالون بشكلٍ جعل الشركةَ تنتقل إلى مصنع ومكاتب بُنِيت خصيصًا لها في منطقة بيولاخ الواقعة على بُعْد ٢٠كم شمالي زيورخ. وفي عام ١٩٨٨ أخذت كانيبا على عاتقها أيضًا مسئوليةَ إدارةِ الشركة النظيرة في أمريكا، وفي ذلك الوقت حقَّقت الشركة مبيعاتٍ بمئات الملايين من الفرنكات، وسجَّلت بانتظامٍ أرباحًا تفوق ١٠٠ مليون فرنك سويسري، وسارت الأمور على أحسنِ حالٍ طوال عشر سنوات، ولكن في عام ١٩٩٨ قرَّرت شركة فايزر التركيزَ على تجارتها الأساسية في مجال الأدوية، وباعت شركاتها الأخرى ومن ضمنها شركة شنايدر ميدينتاج، كما أنها رفضَت عرْضَ كانيبا لبيع الشركة إلى مجلس إدارتها؛ ومن ثَمَّ باعتْها بمبلغ ٣ مليارات فرنك سويسري إلى شركة بوسطن سيانتيفيك، التي نُقلت في عام ١٩٩٩ كافة معدات إنتاجها إلى أيرلندا، وأقفلت مصنع بيولاخ، وتسبَّبَتْ بذلك في خسارة ٥٥٠ وظيفة.

أكبر الشركات السويسرية في مجال التكنولوجيا الطبية في ٢٠١١.*
١٩٥٠ ١٩٧٠ ١٩٨٠ ٢٠٠٠ ٢٠١١
سينثيز (١٩٧٥)
العائدات بالمليون فرنك سويسري ٧٩٠ ٣٩٠٠
عدد الموظفين الإجمالي ٣٠٠٠ ١٠٧٠٠
عدد الموظفين في سويسرا ١٠٠٠ ٢٨٠٠
سونوفا (١٩٤٧)
العائدات بالمليون فرنك سويسري ١ ٥١ ٤٦٠ ١٥٤٨
عدد الموظفين الإجمالي ٢٠ ٣٠ ٣٢٠ ٢٩٣٠ ٧٨٥٦
عدد الموظفين في سويسرا ٢٠ ٣٠ ٢٥٠ ٧٣٠ ١٠٣٠
نوبل بيوكير (١٩٨١)
العائدات بالمليون فرنك سويسري ١٢٠ ٣٧٥ ٥٦٩
عدد الموظفين الإجمالي ١١٧٠ ٢٤٧٢
عدد الموظفين في سويسرا ١٠ ١٠٠
يُبيِّن الجدول المبيعات وعدد العمال (العدد الإجمالي والعدد في سويسرا) للشركات السويسرية الرئيسية في التكنولوجيا الطبية حيثما تكون متوافِرة (وحيث لا تكون متوافرة يُكتَب «غير متوافر»). التاريخُ الموجود بين قوسين هو تاريخ إنشاء الشركة (أو الشركة الأصل)، تظهر المبيعات بالمليون فرنك سويسري، أرقام المبيعات والعمَّال مقربة إلى الأعلى أو إلى الأسفل، تأسَّست شركة سونوفا تحت اسم إيه جي فير إلكتروأكوستيك، وشركة ستراومان تحت اسم فورشوجس إنستيتوت در. إنج. آر، ونشأت شركة إيبسوم عن شركة ديسترونيك التي تأسَّست عام ١٩٨٤. (المصدرة: مجلة فورتشن.)
التواريخ الرئيسية.
قبل ١٨٠٠
١٧٨٠ جون أندريه فينيل يؤسِّس أولَ عيادةٍ طبية لتقويم العظام في العالَم في منطقة أورب.
١٨٠٠–١٨٩٩
١٨٢٠ جوزيف فريديريك بينوا شاريير يهاجر إلى باريس حيث أسَّس شركة ميزون شاريير.
١٨٧٢ تعيين تيودور كوخر مديرًا لقسم الجراحة في مستشفى إنسل.
١٩٠٠–١٩٩٩
١٩٠٢ جهاز الهيمومتر من ابتكار هيرمان سيهلي يصبح معيارًا عالميًّا.
١٩٤٦ روبرت ماثيس يؤسِّس شركةً يُدِيرها رجلٌ واحد هي شركة رو-ما، وهي الشركة السلف لشركة ماثيس.
١٩٤٧ تأسيس الشركة المساهمة للصوتيات إيه جي فير إلكتروأكوستيك في زيورخ.
١٩٥٤ رينهارد ستراومان يؤسِّس معهدَ الأبحاث الذي يحمل اسمه ويُعتبَر نواةَ مجموعةِ ستراومان.
١٩٥٨ موريس إدمون مولر وآخَرون يقومون بتأسيس مجموعة العمل الخاصة لمسائل تجبير وتقويم العظام (بداية نشأة تقنية استبدال الورك (شركة ماثيس وشركة سينثيز وشركة سولزر مديسينال تكنيك).
١٩٧٠ فصل قسم التكنولوجيا الطبية في شركة سولزر الذي أصبح فيما بعدُ شركةَ سولزر ميديكا (١٩٨٩).
١٩٧٥ شركة ستراومان في أمريكا تنفصل عن شركة هانس يورج فيس، وتصبح شركة سنيثيز للولايات المتحدة.
١٩٨٠ نشأة شركة تيكان.
١٩٨١ نشأة شركة نوبل فارما، التي أصبحت لاحقًا نوبل بيوكير.
١٩٨٤ نشأة شركة ديسترونيك في مدينة بورجدورف.
١٩٩٠ مجموعة ستراومان تؤسِّس ستراتيك ميديكال وشركة ستراومان لزراعة الأعضاء الاصطناعية.
١٩٩٨ إثرَ شراءِ شركة بوهرينجر مانهايم، تُنشِئ شركةُ روش قسمَ تشخيصٍ خاصًّا منفصلًا عن المجموعة.
منذ عام ٢٠٠٠
٢٠٠٣ نشأة شركة إبسوميد التي تفرَّعت عن شركة ديسيترونيك.
٢٠١١ فيس يبيع شركة سينثيز إلى شركة جونسون آند جونسون.

أحدَثَ هذا الإجراء ضجةً في الصحافة السويسرية ردًّا على قرارِ فايزر غير الصائب، واقتضى الأمر أن تطرق كانيبا كلَّ الأبواب أملًا في إيجادِ مَن يهمُّه اقتناءُ مبنًى جميلٍ مع قوةٍ عاملةٍ ماهرة وملتزمة، وفي النهاية وجدت شركة في برلين هي شركة بيوترونيك المختصة في صنْعِ أجهزةِ إلكترونية صغيرة لرصد الحالة الصحية للأشخاص في منازلهم، ومن خلال ذلك، بدأت كتابةُ فصلٍ جديدٍ من فصولِ قطاعِ صناعة التكنولوجيا الطبية في سويسرا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤