الفصل الثاني

في مدينة سوس الفارسية

(في حجرة فارسية فخمة مفروشة بثمين الطنافس ومملوءة بالوسائد من الحرير المختلف الألوان، وقد زينت زواياها بالرياحين الكريمة، الملكة ووصيفتها تتي في الحجرة المذكورة …)

الوصيفة تتي (وهي تصلح رأس الملكة وتمشط شعرها) :
تباركَ الذي خلقْ
أقولُها ولا ملقْ
ذوائبٌ أمِ الدُّجَى
ومَفرِقٌ أم الفَلق؟
غدائرٌ في الكَتِفيـ
ـن أُسْدِلتْ وفي العُنُق
كأنها من الحريـ
ـر الأسود الخيطِ شُقَق
لم يَخلُ جوُّ فارِس
مُذ ضَمَّها من العبق
الملكة :
ما تصنعين يا تِتِي
تتي :
أُصلحُ مولاتي
الملكة :
لمَنْ؟
تتي :
للزوج يا سيدتي
الملكة :
لنمِر الفُرسِ الخَشِنْ
تتي :
هَبيهِ ذئبًا مَلْكتي
أو نَمِرًا أو كَرْكَدَن
أليسَ للأزواج تلـ
ـبَسُ النساءُ ما حَسُنْ
الملكة (ملتفتة إلى وصيفتها تتي) :
قلتِ حقًّا تتي فإن على المـ
ـرأة للزوج أن تكون أمينَهْ
وعليها ألا تُقَصِّرَ بشرًا
حين تلقاهُ أو تُقَصِّرَ زينَهْ
تتي الوصيفة :
بل تحلَّيْ مليكتِي
والبَسِي حُلَّةَ البهاءْ
وافتنِي مَن بفارسٍ
من رجالٍ ومن نساءْ
إن كسرَى وقومَه
كلُّهم في الهوى سواءْ
أنتِ كالشمسِ في الضحى
فانشري الحُسنَ والضياءْ
لا على القصرِ وحدَه
بل على الأرضِ والسماءْ
الملكة :
يا لك من وصيفةٍ مُمَلِّقَهْ
عارفةٍ بالجُملِ المُنَمَّقَهْ
الوصيفة :
لقد وضعتُ ذهبًا في البوتَقَهْ
ولم أصف بالطيب إلا زَنبقَهْ
وقلتُ عن شمس النهارِ
الملكة :
مُشرقَهْ

(ويظهر على الملكة التفكير واشتغال البال فجأة ثم تتغنى في نفسها وهي مقبلة على المرآة تنظر فيها)

الملكة (في نفسها) :
يا ظالمًا أحبُّه
جهد الهوى وإن غدرْ
ومن هجرتُ وطني
لأجله حينَ هجَرْ
قلبُكَ لحمٌ ودمٌ
مثلُ القلوب أم حَجَرْ
لم يتنَصَّلْ مرةً
مما جنى ولا اعتذَر
جسمٌ كسَلسالِ الصَّفا
على فؤادٍ كالصَّخَرْ
وزَهَرٌ أنتَ وتلـ
ـك النفسُ أفعى في الزَّهَرْ
لم تجن يا تاُسو علـ
ـيَّ إنما جنَى القَدَرْ
ذنبك لا يُغْفَر إلا
أن قلبي قد غَفَرْ
إن غبتَ عن عيني فأنـ
ـتَ في سوانح الفِكَر
أراك كلما رأَيـ
ـتُ طائريْنِ في الشجَرْ
وكلما بَدتْ لي الشـ
ـمسُ ولا ح لي الَقمرْ
وكلما جئتُ الريا
ضَ ووقفتُ بالغُدُرْ
وكلما ترنَّم الشَّـ
ـادي وحرَّك الوتر
وكلما دبَّتْ ورا
ءَ الليل نسمةُ السَّحَرْ
يا ليتَ شعري كيفَ أنـ
ـتَ ما تجيءُ ما تذَرْ
وكيف حبُّك الجديـ
ـدُ هل خَبَا وهل كَبِر
وهل وَفَيتَ أم غدر
تَ بالعشيقات الأُخَرْ
الوصيفة :
دَعِي الناسيَ مولاتي
وخلِّيكِ من السَّالِي
ولا يخطُرْ لكِ النَّاكـ
ـثُ للعهد على بالِ
نتيتاس :
هبيهِ يا تتَا خانَ
فما لي لا أفي ما لِي
له خُلْقٌ ولي خُلْقٌ
ولكنْ خُلْقِيَ العالي
تتي :
هوَ يا ملْكتي مِثا
لٌ ولكنْ منَ الوَحَلْ
كان يكفي لبُغْضِهِ
بعضُ ذاك الذي فَعَلْ
نتيتاس :
أنا أفديهِ يا تِتَا
بحياتي وإن قَتَلْ
تتي :
لو كان معشوقِي أنا
نتيتاس :
ما الذي
كان يُلاقِي؟
تتي :
آه لا أدري
بالصَّفعِ أجزيهِ وبالرَّكْلِ أو
كنتُ أُريهِ النَّجمَ في الظُّهر
نتيتاس :
الحبُّ في ناحيةٍ
وأنتِ ذي في ناحيهْ
ما هكذا الحبُّ تِتَا
ما الحبُّ إلا التضحيَهْ

(تسمع ضجة وصياح وحركة جنود وراء القصر وصوت استغاثة):

يقول المستغيث :
العفوَ يا كسرَى
الصفحَ يا سلطانْ
أخوكَ والنارِ
ومجدِها ما خانْ
الملكة :
إِسمعِي يا تِتَا ألم يأتِك الصو
تُ؟
تتي (وتطل من النافذة) :
أجَلْ ثَمَّ ضَجَّةٌ وعَويلُ
ثَمَّ خيلٌ وشُرطةٌ وسلاحٌ
الملكة :
ليتَ شِعرِي مَن البريء القتيلُ
تتي :
أقتيلٌ يا بنتَ فرعونَ؟
الملكة :
لِمْ لا
ليس في أرض فارسٍ مستحيلُ
يا تِتَا نحنُ في بلدْ
كلُّ قلب به جمَدْ
الحيُّ فيه رخيصٌ
والميْتُ أرخَصُ منه
هنا الميْتُ تُنفضُ منه الأكف
وتنهَى الشرائعُ عن دفْنِهِ
ويُطرَحُ ناحيةً في الفضاءِ
على سَهْلِهِ أو على حَزْنِهِ
تروحُ الحداءُ على رأسه
وتغدُو الذئابُ على بطنهِ
تتي :
ويْحَهُمُ ويْحَهُمُ
أمَا مِن الناسِ هُمُ؟
ذَلَّتْ وهانَتْ أُمَّةٌ
ميْتُهُمُ لا يُكرَمُ
الملكة (وهي مطلة) :
تِتَا هذا هو الحارسْ
وهذا مَنْ تُحبِّينَا
كذوقِكِ يا تِتَا لم يَعْلُ ذوقٌ
أتمثالٌ حبيبكِ أم إلهُ
تتي :
ولو فوق الإله يُحَبُّ شيءٌ
ويُكرَمُ لم يكُنْ أحدًا سواهُ
تأمَّلِي كَتِفَيْهِ تأمَّلِي منْكبَيْهِ
كأن صقْرَيْنِ حَطَّا فظَلَّلا شاربيْهِ
الملكة :
انتظري لا بُدَّ لي أن أسأله
تتي :
لا تفعلي ما لَكِ يا مولاتي ولَهْ
الملكة :
يأيُّها الحارسُ
الحارس :
لبَّيْكِ
الملكة :
مَنْ يقتلون اليومَ في السَّاحَهْ؟
الحارس :
أختُ الملِكْ: أَتوسِيا
الملكة :
أختُ الملِكْ؟
الحارس :
أجل هِيَا
اتُّهِمَتْ ببُرديا
تتي :
مَن ببرديا؟
الملكة :
أخو الملكْ! يقطع في السـ
ـاحة رأس بُرديا
يا أسفا عاوده جنونُه
تتي الوصيفة (وقد أطرقت الملكة لحظة مفكرة مغتمة) :
ما بكِ مولاتيَ ما
غمَّك ما هذا الأسى؟
الملكة :
لا شيءَ بي لقدْ وهمـ
ـتِ يا تِتَا لا شيءَ لا
الوصيفة :
بل أنتِ تكتمينَ غمًّـ
ـا طافَ أو همًّا سرى
هلا ذكرتِ أننا
غريبتان ها هنا
أنت ليَ الأهل ولـ
ـكنِّي أنا لكِ الحمَى
وما على الغريب إن
جاءَ الغريبَ فاشتكى
الملكة :
صدقت يا تتَا أنا
وأنت في الكرب سَوَا
قد اجتمعنا بعد قُر
بِ الدارِ في دارِ النَّوى
تتي :
أينَ إذن تبسُّمٌ
كالصبح من فيكِ يُرى
الملكة :
لقد رأيتُ الهوْلَ والزَّ
وْلَ وما هَدَّ القُوَى
تتي :
أضغاثُ أحلام وزو
رٌ من تهاويلِ الكرى
الملكة :
رأيتُ رؤيا يا تتا
هل لكِ علمٌ بالرؤى؟
الوصيفة (بعد تفكير) :
أجلْ تذكَّرتُ أجلْ
عندِيَ من ذاكَ شذا
قد كنتُ في الصِّبَا على
أبي أقُصُّ ما أرى
الملكة :
رأيتُني كأنني
في قصرِ آبائي بِصَا
الوصيفة :
في القصرِ من صالحجرٍ
قصرِ الجلالِ والبهَا
الملكة :
رميتُ عينيَّ من الـ
ـقصرِ إلى أقصى مدَى
رأيتُ واديًا كطو
ل البيدِ أو عرضِ الفلا
أصفر من شعابه
بنفسجيُّ المُنحَنى
إِحمَرَّ مثلَ قُزَح
هناك واخضرَّ هنا
رأيتُ ليثًا أحمرَ الـ
ـجلدةِ خشنًا كالصفا
فاغرَ فيهِ عن نيو
بٍ مثل مشروع القَنا
انقضَّ كالصخرِ على الـ
ـوادي فأقْعَى فَرنَا
ونظرَ النيلَ وقد
عَبَّ وماجَ وطغى
وخرجت منه التما
سيحُ فُرادى وثُنَى
وأعْوَلت حتى لقد
سدَّ عويلُها الفضا
فعُقِرَ الليثُ فلا
رِجْلًا رمى ولا يَدا
وقرَّ في مكانِه
كأنه بعضُ الدُّمَى
الوصيفة :
ثُمَّ؟
الملكة :
رأيتُ حنشًا
ليسَ له مِصُر ثَرَى
لم ترَ منفُ مثْلَه
ولا الصعيدُ قد رأى
كأنه صاعقةٌ
تحدرتْ من السما
مشى إليه كلُّ ذي
قوْسٍ وكلُّ ذي عصا
وخرج الكهانُ يتلونَ الصلاة والرُّقَى
الوصيفة :
وما الذي حلَّ به؟
الملكة :
لم يُصبْ الوحشَ أذى
الوصيفة :
حقَّقْتِهِ سيدتي؟
الملكة :
حقَّقْتُه على الضُّحى
الوصيفة :
فكيف كانَ؟
الملكة :
صورة
تُشيبُ أَرْؤُسَ النَّشَا
كأنه فانيسُ عيـ
ـنَيْنِ ووجهًا وقفَا
حتى تعوَّذتُ بإيـ
ـزيسَ وآبائي العُلى
الوصيفة :
فانيسُ مَنْ؟
الملكة :
نسِيتِهِ؟
كيف نَسيتِ يا تِتَا
الخائنُ الذِي إلى
فارسَ من حينٍ أتَى
يَشِي بمصرَ وأخا
فُ أن يكون بي وشَى
الوصيفة :
ما صنعَ الثعبانُ مو
لاتي
الملكة :
من النهرِ دنا
وفَحَّ ثُمَّ دَسَّ في النـ
ـهر لسانًا كاللَّظَى
فاحتجبَ النيلُ وعا
دَ يَبَسًا ما كان ما
واحترقتْ مدائنٌ
بالضفَّتَيْنِ وقُرَى
الوصيفة :
والليثُ يا سيدتي؟
الملكة :
بعد التَّهَيُّبِ اجْتَرَا
مشى على الوادي فهلْ
رأيتِ عاصفًا جَرَى؟
يقتَلِعُ اليابس والرّ
طبَ ويَفرِي ويَطَا
وكرَّ حتى غادرَ الـ
ـواديَ قاعًا صفصفَا
هو ذا الحُلْمُ فما تفسيرُه
نبئينِي يا تِتَا
الوصيفة (لنفسها مضطربة) :
ماذا أقولُ؟
الوصيفة (للملكة) :
مَلْكتِي لا تفزعِي
الملكة :
كَيف تِتَا
كيف لا أفْزَعُ والحُلْمُ مَهولُ
ينفدُ النيلُ ويذْوي شَطُّهُ
وتَغولُ الأهلَ والأوطانَ غُولُ
الوصيفة :
رؤياك يا سيدتي
من نفسها مئوَّلَهْ
نالتْك من عَشاء أمـ
ـسِ ثِقلَةٌ ووَبلَهْ
الملكة :
ماذا أكلتُ مع قمـ
ـبيزَ وماذا قُدِّم لَهْ؟
الوصيفة :
كان العشاءُ ملْكتي
مائدةً محمَّلَهْ
أكلتِ يا سيدتي
من أرنبٍ متبَّلَهْ
ثم أكلتِ من حَمَلْ
وحَمَلُ الفُرسِ جَمَلْ
الملكة :
ثُمَّ؟
الوصيفة :
جاءوا بالطيرِ في الأطباقِ
الملكة :
طيرٌ مَنْ؟
الوصيفة :
طيرُ فارسٍ والعراقِ
الملكة :
ثمَّ ماذا؟
الوصيفة :
ثم جاءوا بالسمكْ
فرأيتُ الملْكَ في الأكل انهمَكْ
الملكة :
ثم ماذا؟
الوصيفة :
لا أعُدُّ ما حضَرْ
من لحومٍ وبقولٍ وخُضَرْ
ثم بالحَلْوَى أتَوْا والفاكهَهْ
الملكة :
كيف كانت؟
الوصيفة :
تشتهيها الآلههْ
الملكة :
خلَّطتِ تخليطَ العجوز يا تِتَا
فما علاقةُ الطعام بالكرَى
الوصيفة :
الأكلُ قبلَ النومِ ثِقلٌ وأذى
وربَّما جاء بأضغاث الرُّؤَى
الملكة (لنفسها) :
عرفتُ الآن رؤيايَ
وما خلَّطَ أحلامي
وقد يُغريك بالأكلِ
طُهاةُ الفُرس والشام

(ثم إلى تتا):

تِتَا أينَ كنتِ؟
الوصيفة :
وراءَ الخَدَمْ
الملكة :
وكيف عَددتِ عليَّ اللُّقَمْ
الوصيفة :
لبدْتُ هناكَ فما من يدٍ
تفوتُ عليَّ ولا مِن قَدَمْ
ولم يخفَ عنِّيَ كيدٌ يطوفُ
ولا وحيُ لحظٍ ولا همسُ فَمْ
أخافُ القصورَ وأخشَى السمومَ
وما منزلُ السُّمِّ إلا الدَّسَمْ
الملكة :
يا لَكِ من رفيقهْ
محسنةٍ شفيقهْ
مَرْحَى تِتَا كذا تِتَا
فلتكنِ الصديقهْ
الوصيفة :
سيدتي أخجَلْتِنِي
ليس بما جئتُ عَجَبْ
ما قُمتُ يا سيدتي
إلا ببعضِ ما وَجَبْ
الملكة :
ولكن يا تِتَا ما أخـ
ـطَرَ السُّم على بالِكْ
ولي في فارس عامٌ
فما فكَّرْتُ في ذلكْ
الوصيفة :
أرى قمبيزَ والفرسَ
بمولاتيَ قد جُنُّوا
ولولا ذاك لم يخْلُ
من السُّمِّ لها ذهنُ
الملكة :
ولِمْ لا نحذرُ السُّمَّ
أما في فارسٍ نحنُ
هنا الجلادُ والسيفُ
هنا السَّجَّانُ والسِّجْنُ
الوصيفة :
وماذا ضَرَّ ما قلتِ
إذا لم يَحِنِ الحَيْنُ
الملكة (بعد برهة تفكير) :
أرى قمبيزَ ذَلَّ ورَقَّ طبعُا
بربِّك هل رأيتِ عليه حُبَّا
الوصيفة :
أجلْ هو يقصرُ الخطوات مهلًا
وكان يَمُدُّها خَطْفًا ووَثْبَا

(ثم في تلعثم وتردُّد):

سأسألُ فاحلمي عني فإني
أموتُ ولا أراك عليَّ غَضْبَى
سؤالٌ ملكتي هل من جوابٍ
الملكة :
أدُونَكِ يا تتَا شيءٌ يُخَبَّا
الوصيفة :
زعمْنَا أن قمبيزًا مُحِبٌّ
فهل تجزينَهُ بالحبِّ حبَّا
الملكة :
أحبُّ أنا؟ ضَلَّ ما قد ظنَنْتِ
وإن خلت ظنَّكِ لم يكذبِ
الوصيفة :
ولمْ لا؟ وقمبيزُ لا بالقبيحِ
ولا بالدميم ولا بالغَبِي
ولا هو بالملِكِ البربريِّ
ولا الوحشِ ذي النَّابِ والمِخْلَبِ
ولكن فَتًى خيِّرٌ كالسحابِ
وَضِيءُ البشاشةِ كالكوكبِ
يزينُ السريرَ إذا احتلَّه
وإن سار كان حُلَى الموكِب
الملكة :
صدقْتِ تِتَا هو زينُ الشبابِ
إلهُ القَنَا قَمَرُ الغَيْهَبِ
إذا غُلِبَتْ في القتالِ الملوكُ
وفي السِّلمِ عَزَّ فلم يُغْلَبِ
يُسَيْطِرُ كالشمسِ سلطانُه
على مشرق الأرض والمغربِ
ولكن متَى يا تِتَا دُلِّهَتْ
بناتُ الفَراعين بالأجْنَبِ
وما نلتقِي في جلالِ الجدودِ
ولا في العقيدةِ والمذهبِ
بَخٍ بَخْ تتا ألفَ مرحَى تِتَا
الوصيفة :
حَنَانَيْكِ عفوًا ولا تغضَبي
لقد قلتُ حقًّا وماذا عليَّ
إذا قَوْلَةُ الحَقِّ لم تُعجِبِ

(تنسحب الملكة إلى غرفة مجاورة ويدخل قمبيز …)

قمبيز (يدخل وعليه أمارات الغضب) :
ما أرى من تتا؟ تتا أين مولا
تُكِ فيمَ احتجابُها أين سارتْ
تتي (لنفسها) :
ربِّ ماذا به وما هاج قمبيـ
ـز وما بالُ نفسِه اليوم ثارت
تتي (لقمبيز) :
هي في حجرة الملابس
قمبيز :
لا بل
هي قد جاءها النَّبا فتوارت
خبِّريني من أبوها
أيرياسٌ أم أمازسْ
وبنفريتَ تُسَمَّى
أم تُسَمَّى بنتاتس
إِحذري أن تكذبيني
إحذري سلطانَ فارس
تتي :
سيدي ما هذه الأخـ
ـبار كسرى من رواها
سيدي كيف اتهمتم
ملكة الفرس النبيلهْ
قمبيز :
سأريها كيف تنقا
دُ وتأتي لي ضئيلَهْ
في غدٍ تدخلُ مصرًا
بنتُ فرعونَ ذليلَهْ
وترى السيفَ مَخُوفًا
وترى النَّارَ مهولَهْ
وترى النيلَ دمًا والـ
ـأرضَ جَرْدَاءَ مَحُولَهْ
لا أناسٌ لا مواشٍ
لا بناءٌ لا خميلَهْ
الوصيفة :
سيدي صبرًا تجِدْ عا
قبةَ الصبرِ جميلَهْ
سيدي لا تُصْغِ إلا
لسَجَاياك النبيلَهْ
قمبيز :
أنا لم أخلَق لبسطِ الـ
ـكَفِّ أستجدِي بخيلَهْ
أنا للسَّيف وللرُّمـ
ـحِ وإخضاعِ القَبيلَهْ
لا تِتَا. لا. إنَّ بالملـ
ـكةِ كبرًا ومخيلهْ

(ثم بسخرية):

أنا من تُرْبٍ خَسيسٍ
وهي من أرضٍ جليلَهْ
أنا للطِّينِ سليلٌ
وهي للشمسِ سليلَهْ
الملكة (وهي راجعة) :
ما الصوتُ مَنْ تُكلِّمينَ يا تِتَا؟
الوصيفة :
سيدتي. سيديَ الملْكُ أتَى
الملكة (ملتفتة) :
الملْكُ جاء حجرتي؟ كيفَ متَى؟؟

(ثم ناهضة ومقبلة على الملك):

الملْكُ في مقصورتِي يا مرحبًا يا مرحبَا
الملك (ويقبل على الملكة) :
سلامٌ ملْكَة الفُرسِ
وبنتَ العِليَةِ الصِّيدِ
الملكة :
سلامٌ سيدَ الأرضِ
سلامٌ حيدَر البِيدِ
ومن دانَتْ له الدنيا
وألقَتْ بالمقاليدِ

(ثم مستمرة):

لم أتَعَوَّدْ أن أرَى
مولايَ عندي في الضُّحَى
قمبيز :
خالفتُ نظمَ عادتي
وجئتُ في شأنٍ دعَا
الملكة :
ما لَكَ كِسرَى عابِسًا
ما لي أراكَ مُغْضبا
الملك (يصفق) :
أجلْ جِدُّ غضبانَ
الملكة :
مِمَّ الغَضَبْ؟
الملك :
رُوَيْدَكِ نفريتُ تدرِي السَّبَبْ
الملكة (لنفسها) :
دعانِيَ باسميَ لم يَدْعُنِي
كَمَأْلُوفِ عادَتِهِ باللَّقَبْ
تُرَى لم يزَلْ جاهلًا أنني
أتيتُ لفارسَ باسْمٍ كَذِبْ
قمبيز (ملتفتًا وراءه خارج الباب وينادي) :
فانيسُ. أَقبِلْ أُدْنُ جِئْ
الملكة (لنفسها) :
فانيسُ؟ لا. لا يدخُلِ
فانيسُ لا أجهلُه
ليس لمصرَ بالولِي
عدوُّ قومِي وبلا
دي كيف يُصفي الودَّ لِي

(ثم إلى قمبيز):

مولاي إني ما فرغـ
ـتُ بعدُ من تجمُّلِي
فكيف استقبل في
هذا اللِّبَاسِ المهمَل

(لنفسها):

يا ويلتاه ما أرا
دَ باصطحابِ الرجلِ
إيزيسُ ما باليَ أحـ
ـسستُ بشرٍّ مقبلِ
الملك :
ما لَكِ يا ملكةُ لم
تُرَحِّبِي وتَحْفِلِي؟
ما لَكِ أجفلت
الملكة (مضطربة) :
أنا؟
لا سيدي لم أجفلِ
الملك :
إذَنْ هَبِي الإذنَ لفا
نيسَ دَعِيه يدخلِ
الملكة :
لا بأسَ في أن أراه عندي
إن كنتَ يا سيدي مُصِرَّا
لكن أأُنْسيتَ أن فانيـ
ـسَ خانَ بالأمسِ عَهْدَ مِصْرَا
وفَرَّ منها ولستُ أدري
ماذا دَعَاه لأن يَفِرَّا
وكان في الجيش ذا مكانٍ
وقادَ بَرًّا وقادَ بَحْرَا
قمبيز :
لكنه اليومَ في بلادي
أجَلُّ مما ذكرتِ قَدْرَا
الملكة :
وسوفَ يجزيكُمُ جحودًا
كما جزى أهلَ مِصْرَ كُفرا
قمبيز :
لقد أتاني بكلِّ سرٍّ
عن مُلْكِ مِصْرٍ لم يُخفِ سرَّا
حتى الذي تكتُمِين عَنِّي

(ثم ينادي):

فانيس
فانيس :
مَلْكِي لبَّيْكَ عشرَا

(ثم هو يدخل):

سلامُ الشمسِ من مصرَ
سلامُ النارِ من فارسْ
على الملْكةِ نفريتَ
أو الملْكَةِ نيتاتِسْ
الملكة (لنفسها) :
رمانِي النَّذْلُ بالسَّهمِ

(ثم لفانيس):

سلامٌ لكَ يا فانِسْ
ويا مَن هو في الفُرس
ومصرَ القائدُ الفارسْ
وفي القصرين من سوسٍ
وساييسَ هو الحارسْ
فانيس :
وماذا ضرَّ يا بنتَ الموالِي
وإن تَأْبَيْ فيا بنتَ الأعادِي
أجلْ مولاتِيَ الإغريقُ قومِي
أحِبُّهُمُ ويونانٌ بلادِي
هجرتُهما إلى مصرٍ صَبِيًّا
لكَسْبِ معيشةٍ وطِلابِ زَادِ
فِصِدْتُ الرزقَ حتى صارَ عندي
وجاوَزَه إلى المجدِ اصطيادِي
سهِرْتُ على اللواءِ بمصرَ جُهْدِي
وفرعونٌ وقومُكِ في رقادِ
الملكة :
كذبتَ فلم تكن إلا مسودًا
فانيس :
فسَوَّدَنِي ذكائِيَ واجتهادي
الملكة :
أجِيرًا كنت عند أبي وقومِي
فانيس :
فمَوَّلَنِي نشاطي واقتصادي
جعلتُ الأرضَ كالصحراءِ تحتي
وكنتُ الليثَ من وادٍ لوادِي
الملكة :
أراكَ عليَّ يا فانيسُ تَجْرُو
أَجَرَّأَكَ المليكُ على عنادِي؟
ككلبٍ خَلْفَ سَيِّدِهِ تَجَرَّا
فواثَبَ رائحًا وسَطَا بغادِي
فانيس :
بدأْتِ أميرَةَ الوادِي بشتْمِي
وما أنا يا ابْنَةَ المقتولِ بادِي
لقد عيَّرْتِنِي أني غريبٌ
ولوعٌ بالسفار وبالرِّيادِ
الملكة :
لقد هَجَمَ الوَقاحُ على مكاني
وأخشَى أن يصيرَ إلى التمادي

(ثم للملك):

مولايَ قِفْ فانيسَ عند حَدِّهِ
أو رُدَّه لا تُلْجِنِي لرَدِّهِ
علمتَ حقدَه على قومي فلا
تَدَعْهُ يَنْفُثْ فِيَّ سُمَّ حقدِه
الملك :
عَلامَ أُقصيه
الملكة :
لأنه أتى
يَشِي بنا ويفتَرِي كعهدِه
الملك :
فانيسُ جاءَ ناقلًا مُبلِّغًا
وليس ما جاءَ به من عندِه

(ثم مستمرًّا):

أراكِ نفريتُ غيرَ منصفةٍ
رُوَيْدَ لا شيءَ يوجبُ الغضبَا
كونِي مكاني! ما كنتِ فاعلةً؟
إذن قلبتِ الزمانَ فانقلَبَا
الملكة :
لا سيدي إن للزمان يدًا
قد ضربَتْ كَفَّ كُلِّ مَن ضربَا
الملك :
نفريتُ ثُرْتِ على فَنِيـ
ـس وما حفِظتِ ولاءَه
ونَسِيت خدمَتَه بمصـ
ـرَ وما ذكرتِ بلاءَهُ
الملكة :
لا سيدي لا. نَحِّهِ
أنا لا أطِيقُ لقاءَهُ

(ثم مستمرة):

ما بكَ مولايَ ما أثارَك ما
أذكاك إنِّي أراك ملتهبَا
قمبيز :
أثارَنِي منكِ أن كذبتِ وذا
فانيسُ قد جاء يفضحُ الكذبَا

(ثم مستمرًّا):

هلمِّي الآن نفريتُ
هلمِّي يا نتِيتاسُ
بأيِّ اسميكِ أدعوكِ
الملكة :
بذَا أو ذاكَ لا باسُ
فيا قمبيزُ لو دَانَتْ
لَكَ الأيامُ والناسُ
فلنْ تسطيعَ أن تَقْهَـ
ـرَ نفسًا حَلَّهَا الياسُ
قمبيز :
أنتِ مملوءةٌ من اليـأسِ مني
الملكة :
أجلِ الْيأسُ منكَ مِلْءُ ثِيابِي
فليكن
الملك :
إنني سألت سؤالًا
لمْ إذن هبْتِني وهِبْتِ جوابي
كيف أدعوكِ يا عروسُ؟
الملكة :
بما شئـ
ـتَ بشَرِّ الأسماءِ والألقابِ
بالذي أنتَ أهلُه من بَذَاءٍ
والذي أنتَ أهلُه من سِبابِ
الملك :
أنتِ لم تُذنبي بل الذنبُ ذَنْبِي
أنا قد شئتُ أن تكوني ركابي
الملكة :
ليس ما شئتَ أو أتيْتَ غريبًا
قد تكونُ المَهَا ركابَ الذِّئَاب
الملك :
احْذَرِي أيُّها الفتاةُ انْفجَارِي
الملكة :
انْفجِرْ ما بي انفجارُكَ ما بِي
الملك :
جئتِ ذنبًا تُعَاقَبِينَ عليه
كلُّ ذنبٍ رهينةٌ بالعقابِ
الوصيفة (بصوت منخفض) :
اكظمِي الغيظَ يا أميرةُ
الملكة (وتشير إلى قمبيز) :
بل يخـ
ـرجُ من حُجرتي ومن مِحْرابِي
الملك (لفانيس والوصيفة) :
انظُرَا واسمَعَا تُحاوِلُ أن أبْـ
ـرحَ قصرِي وأن أُفارِقَ بابِي
الوصيفة (للملكة بصوت منخفض) :
راجعِي الحلمَ ملْكتِي سايرِيهِ
لاطِفِيهِ لِيني له في الخطابِ
لا تهيجي به الجنون فيطغى
إنه آدمٌ بظُفرٍ ونابِ
فانيس (همسًا) :
أَحْسنِي الرَّدَّ ملْكتِي واحفظِينَا
إننا ها هنا ثَلاثُ رقابِ
الملكة :
خِفتَ فانيسُ من عذابِ نهارٍ
كيفَ عرَّضتَ أنفُسًا للعذابِ
عجبٌ من خرابِ عمرك تَخشى
أنتَ من ساقَ أمَّةً للخرابِ
الملك :
بنتُ مَنْ أنتِ يا نتيتاسُ
الملكة :
بنتُ الـ
ـشمسِ بنتُ العواهِلِ الأربابِ
والدي في السماءِ فهو إلهٌ
الملك :
فلماذا مَرَّغْتِهِ في الترابِ
قد نَبذتِ اسمَكِ الذي كان سَمَّا
كِ وجُبْتِ البلادَ باسْمٍ كِذَابِ

(ثم مستمرًّا):

نتيتاسُ تَمَرَّدْتِ
فما أبقيْتِ لي صبرَا
وكلَّمْتُكِ في الذنبِ
فما أبديْتِ لي عُذْرَا
وما أَجرأَ ما كنتِ
على شتمِيَ ما أَجرَا
فما غَرَّكِ بالبَأْسِ
وبالسلطانِ ما غَرَّا
الوصيفة (بصوت منخفض) :
خُذي في اللِّينِ مولاتِي
فانيس (همسًا) :
خُذي سيدتي الحذرَا
فقد تأخذُه النَّوبـ
ـةُ حتى يَحْرقَ القصرَا
قمبيز :
دَعِي العزَّةَ بالجنس
نتيتاسُ دَعِي الكِبرَا
ولا تُلقِي على إحسا
نِيَ النسيانَ والكُفرَا
أما أحْبَبْتُكِ الحُبَّ الـ
ـذي أنتِ به أدْرَى
وفَضَّلْتُكِ في القصرِ
على البيضاءِ والسمرَا
وقدَّمتكِ في الأزوا
ج قبل الأختِ من كسرَى
الملكة :
لقد كنتَ وراءَ الحُـ
ـبِّ تُخفِي النَّاب والظُّفرَا
وما أفرحني أني
تقدَّمتُ على الأسرَى
ولا أنكَ ترْعانِي
وتنْسَى النعجةَ الأخرَى
الملك :
ملكةَ الفرسِ أمسِ
الملكة :
واليوم
الملك :
كلا
لستِ اهلًا لصحبةِ المالكينَا
الملكة :
أنا بنتُ الملوك أصلُحُ للمُلـ
ـك جدودي تملَّكُوا العالمينَا
الملك :
قد خُدعتُ الشهورَ يا ابْنَةَ فرعو
نَ ولولا فنْسٌ خدعتُ السِّنينَا
فانيس (لنفسه) :
أحمَدُ الله قد نجوتُ برأسي
وأمنْتُ المُهَوَّسَ المجنونَا
الملكة :
ليس فانيسُ للأمانة أهلًا
إن من خانَ لم يخفْ أن يخونَا
الملك :
سَتَرينَ العقابَ
الملكة :
إني تأهَّبْـ
ـتُ فهات العذابَ هات المنُونَا
الملك :
لا. فما ها هنا العقابُ ولكن
الملكة :
أينَ
الملك :
في حيثُ شئتُ لمْ تسألينَا
مصرُ أوْلى بأن أحاسِبَ فيها
وأُحِلَّ العقابَ بالخادعينَا
في غد تدخلينَ مصرَ مع الجيـ
ـش
الملكة :
أنا؟ لا أرافقُ الغاصبينا
الملك :
بل تسيرينَ تحت راية فانيـ
ـسَ وما تصْحبينَ إلا أمينَا
الملكة :
سيدي
الوصيفة :
ملْكتي دَعي العُنفَ
الملك :
ماذا؟
الملكة :
كيف لقَّبْتَ بالأمين الخؤُونَا
فانيس (همسًا) :
صانعي أيُّها الأميرة
الملكة :
دَعْني
فانيس :
اهْدَئي حاسني عسى أن يلينَا
الوصيفة :
ملْكتي قال سيدي الملكُ الحقَّ
الملكة :
صَهٍ أنت يا تتَا تكذبينَا
فانيس :
سَتريْنَ النعيمَ تحتَ لوائي
الملكة :
بل أرى البُؤسَ تحتَه والهُونَا
الملك :
وكأن الوجهين بانا من الوا
دي وزالا سهولةً وحُزونَا
أرسلُ السيلَ تارةً وأجيلُ السـ
ـيفَ آنًا وأشعلُ النارَ حينَا
الملكة :
عُدْ إلى الرُّشد ما جنتْ مصرُ يا قمـ
ـمبيزُ ما ذنبُ أهلها الآمنينَا

(ثم مستمرة):

أميرَ الفُرس قلنا كلَّ شيء
ولم نَقُل الحقيقةَ والصوابَا
الملك :
أعندكِ منهما شيءٌ؟
الملكة :
ولم لا
الملك :
إذَنْ قوليهما وزِنِي الخطابَا
ذكرتِ الحربَ هل تَخشينَ منها
الملكة :
ولم لا وهي أجدرُ أن تُهابَا
الملك :
ولكنا ملوكَ الفرس نغشَى
مخاوفَها ونجعلُها لعابَا
أراك هدأت ناتيتاسُ روعًا
فانيس :
وكان الرُّشدُ فارقَها فثابَا
الملكة :
ذكرتَ مليكَ فارسَ حربَ مصرٍ
وأنْسِيتَ العوائقَ والصِّعابَا
سيَطْوِي الجيشُ نحوَ حياضِ مصرٍ
بحارَ الملح واللججَ العذابَا
وأغْبَى الناسِ منشمِرٌ لحربٍ
توقَّعَ أن يُصيبَ ولا يُصابَا
ودونَ النيل
الملك :
ماذا دونَ مصرٍ؟
الملكة :
يجُوبُ الجيشُ صحراءً يَبَابَا
تَرى تِيهًا تَجُرُّ الخيلُّ فيه
قوائمَهَا وتنسحِبُ انسحابَا
يَضِلُّ الجيشُ هديتَه عليه
ويُظمئُه ويوردُه السَّرابَا
ترى جَلدَ الجمالِ عليه يَفنَى
وتحسَبُها من اللَّهَثِ الكلابَا
الملك :
لا تُراعي فما على الجيش بأسٌ
كلُّ شيءٍ على الحدود تَهَيَّا
قد وجدنا الجِرارَ في مصرَ والما
ءَ ولم نَعدَمِ الرجالَ السُّقِيَّا
فانيس :
واشترينا الخفيرَ بالمالِ والحا
رسَ والحامِيَ الأمينَ القَوِيَّا
الملكة (لفانيس) :
كلُّ هذا فعلتَه أنتَ يا نَذ
لُ
فانيس :
أجلْ ما أتيتُ أمرًا فريَّا
إن قمبيزَ بي حَفِيُّ وفرعو
ن أمازيس لم يكن بي حَفِيَّا
الملكة :
وابنُه ما جنَى ومصرٌ؟
فانيس :
جَنَيَا الطردَ والجحودَ عليَّا
أنا كالسيفِ لم يَصُنِّيَ كَمِيٌّ
قد رماني فاعتضتُ عنه كميَّا
الملكة :
وجَحدتَ الذي طَعِمتَ من النعمـ
ـةِ
فانيس :
لا. ما طعمتُ من ذاك شيَّا
كنت كالسيف كلما كافئوني
جعلوا السُّمَّ لي طعامًا ورِيَّا
الملكة (إلى قمبيز) :
وهبكَ بلغتَ يا مولايَ مصرًا
الملك :
وماذا عندَ مصرَ
الملكة :
تجيءُ غابَا
ترى أُسدَ القتالِ عليه شَتَّى
تقلَّدتِ الصوارِمَ والحِرابَا
وثَمَّ ترى الفَيَالِقَ من رُماةٍ
تكادُ قِسِيُّهم تَرِدُ السحابَا
إذا نظروا على زادٍ غرابًا
أصابُوا بَينَ عَيْنَيْهِ الغرابَا
الملك (يبتسم مستهزئًا) :
رُماةٌ؟

(ثم إلى فانيس والوصيفة):

حدِّثوها كيفَ أرمي
وكيفَ أصيبُ في السُّحبِ العُقابَا
الملكة :
أأنتَ بجمعهم نُقتاسُ كسرَى
وأنتَ الموتُ حيثُ رَمَى أصابَا
الملك :
إذَن ماذا؟
الملكة :
أخافُ عليك جيشًا
كمرْكُومِ الحصى يُخْطِي الحسابَا
وأخشى أن يقولَ الناسُ زوجي
غداةَ ذهابِه نسِيَ الإيابا
الملك (لفانيس) :
فانيسُ صَفِّق وناد
يا معشرَ القُواد

(يدخل الحرَّاس والقوَّاد)

قمبيز (للقائد ميجا صاحب الأخبار) :
ميجا تعالَ
ميجا :
لبَّيْكَ رَبِّي
لك التحيات والسجودُ
الملك (للملكة) :
يا ملْكَةَ الفرسِ ذاكَ ميجا
يعلمُ ما يحشُدُ الوجودُ
خريطةُ الأرضِ في يديه
السفْنُ والخيلُ والجنودُ
الملك (لميجا) :
ميجا تكلَّم ما حالُ مصرٍ
ما الجيشُ في مِصرَ ما الحدود
الملكة :
هاتِ ميجا قل تكلَّم
ميجا (في اضطراب) :
ملكَتِي
الملكة :
ما الذي تدري عن الجيش المجيدْ
ميجا :
جيشُ مولاتيَ كالعهدِ به
كاملُ العُدَّةِ موفورُ العديدْ
الملك (في غضب) :
هات ما عندكَ من أخبارِهِ
واخْشَ أن تَنْقُص واحذَرْ أن تَزيدْ
ميجا (مضطربًا) :
يا إلَهَ الفرسِ لا تبرَحْ فَمِي
وأَعِنِّي. كيف أُبدِي وأُعيد

(ثم للملكة):

إن وردَ السلم من كثرتِه
نسيَتْ أظفارَها فيه الأسود
واختلافُ الجُند فيما بَيْنَهُمْ
أخذَ البأسَ وإن أبقى الحديد
أصبح الجيش

(ويسكت قليلًا)

الملك (لميجا) :
تكلَّم
الملكة :
قل أَبِنْ
ميجا :
كالقطيع اختلفتْ فيه الجلود
حُشِرَ اليونانُ في رايتِهِ
وتراغى الزِّنج واندَسَّ العبيد
وغَدَا كلُّ طريدٍ لم يجدْ
سبَبَ الرزقِ أتى الجيشَ يصيد
الملكة (لنفسها) :
والخيلُ يا ميجا هناك؟
ميجا :
قليلة
في جَيشِ مصرَ قليلةُ الفرسانِ
الملكة :
أسفًا على الفتيانِ أينَ حماسُهم
قتَلَ النعيمُ حميَّةَ الفتيانِ
الملك (ملتفتًا إلى ميجا) :
مليكةُ الفرس ميجا
قد اكتَفَتْ ببيانِك
فخذ مرازبةَ الفر
سِ وامْضِ ميجا لشانِكْ
نتيتاس :
قمبيزُ ما شئتَ فاصنع
إني أراك مُصرَّا
تُغيرُ أنت وتغزو
ويحفظ الله مصرَا
قمبيز :
وفارسٌ يا ابْنَةَ النيـ
ـل ما لِفَارسَ ذكرُ
نتيتاس :
لا أيها المْلك ما لِي
في غيرِ مهدِيَ فكرُ
قمبيز :
نتيتاسُ اسمعي أنتِ
تُسيئينَ إلى مصرَا
غدًا يهلِكُ أهلُوها
وتُمسي تحتَهم قبرَا
نتيتاس :
وقاها منكَ آمونُ
ولا اسطعتَ لها ضُرَّا
قمبيز :
هذا التَّجنِّي كثيرُ
هذا لعمري الغرورُ
لقد تحمَّلَ صدري
ما لا تُطيقُ الصُّدورُ

(ثم مستمرًّا):

كفى عَبَثًا بسلطاني وبأسي
كفى ما كان ناتيتاسُ منكِ
غدًا يتحدَّثُ الرُّكْبانُ عنِّي
ويروي الناسُ ما يروون عنك
كذبْتِ عليَّ يا ابْنَةَ أبرياسٍ
حذار حذارِ من بطشي وفتكي
أنا قمبيز بنُ كسرى
أنا جبار الوجودِ
وأنا النارُ أصولِي
وبنو النار جدودي
ويل فرعونَ ومصر
من جنودي وبنودي
قمبيز (لنفسه) :
رباهُ ويحي ويحَ لي
رباهُ ما لي لا أعي
رباهُ ناراهُ ما الذي أجدُ
كأنما النارُ فيَّ تَتَّقِدُ
يا نارُ كوني لِي
أورمازْدُ كُنْ عوني

(ثم إلى نتيتاس):

انتظري البطش
يا بنتَ فرعون
أنا قمبيز بنُ كسرى
أنا وحشٌ أنا غولْ
لستُ بالعجل أبالي
وعلى النار أبولْ
قمبيز (لنفسه) :
قد رجع الصفيرُ لي
يا ليته لم يرجع
ما بالُ عيني أظلمتْ
ما بالُ ساقي جَمَدَتْ
أين الطبيبُ أزْدَشِرْ؟

(ويغشاه الصرع)

الملكة (بعد أن يأتي الطبيب) :
هذا الطبيبُ قد حَضَرْ

(يدخل الطبيب ويطلب نقله)

الملكة (تدنو منه في حنو وعطف وتقول) :
يا ويحَ زوجي ويحَه
هاجَ وعاده الصَّرَعْ
يا نارُ كوني حوله
أدرِكْهُ يا آمون رَع

(يخرجون به)

فانيس :
ألان نتيتاسٌ تعالَيْ إلى الهُدَى
تعالَيْ إلى الرأي الصوابِ تعالِي
نتيتاسُ أنت اليومَ ملكةُ فارِس
بلغتِ الذُّرَا من سُؤْددٍ وجلالِ
الملكة :
ولكنْ أبِي فانيسُ لا تنسَ ما أبي
وجَدِّي وأني بنتُ أصيدَ عالِي
فانيس :
ولكن ألم يخلعْ أباكِ أمازسٌ
ويفتِكْ به في ثورةٍ وقتالِ
ويجلسْ على كرسيِّ مصرَ مكانَه
ويخلُفْه في جاهٍ أفادَ ومالِ
الملكة :
أجلْ قد خُلِعْنَا مُلْكَنَا وتصرَّفَتْ
بنا سوقةٌ من جُندنا وموالِي
فانيس :
إذَنْ فدَعي قمبيزَ يثأرْ لزوجه
ويضربْ بيُمْنَى أو يُصِبْ بشِمال
دعيهِ يعاقب سارقَ التاج مثلما
يُعاقَبُ في منفيسَ لصُّ لآلِي
الملكة :
تأمِّلْ وحقِّق من تخاطبُ يا فتَى
فانيس :
أخاطِبُ عقلًا من وراء جَمَالِ
لقد قلتُ قولًا ليسَ يأباهُ عاقِلٌ
فلا تنظريني واسمعي لمَقَالِي
الملكة :
ولكن أمامِي صورةٌ من خيانةٍ
فانيس :
وما لَكِ يا بنتَ الملوكِ وما لِي
الملكة :
وأنت تِتَا ماذا تَرَيْنَ؟
الوصيفة :
خيانَةً وأطماعَ قُوَّادٍ ولؤمَ رجالِ
الملكة :
فديتُك من مصريَّةٍ
الوصيفة :
بل أنا الفِدَا
لسيدتي من قدوةٍ ومثالِ
الملكة (لفانيس) :
أتسمعُ كلبَ الصيدِ؟
فانيس :
حمقاءُ غرَّةٌ
وما ليَ أُلقي للحماقَةِ بالِي
الملكة :
عمًى لك يا فانيسُ وامشِ بلا عصًا
ودونَ دليلٍ في رءوسِ جبالِ
فانيس :
لَكِ الشكرُ مولاتي
الملكة :
لكَ الويلُ من فتًى
فإنكَ من مَعْنَى المُروءة خالي
أأُوطِئُ خيلَ الفرسِ مهدي ومَلعبي
وتربَةَ آبائي ومنزِلَ آلِي
وأشعِلُ نارَ الفُرسِ في أيكَةِ الصِّبَا
وما بَوَّأَتْني من رُبًى وظِلالِ
وأغمدُ سيفَ الفُرسِ في صدرِ أمةٍ
نَمَتْنِي وتَنْمِي أُسْرَتِي وعيالِي
إذَنْ لا أوَى جَدِّي السماء ولا أبي
ولا جَلَّ عَمِّي أو تبارَكَ خالِي
وأفضلُ مني كلُّ ذاتِ مُلاءَةٍ
وراء حُقولٍ أو وراءَ تلالِ
تَهُشُّ على شاةٍ وتحمِلُ جَرَّةً
وتَمْشِي على الوادي بغيرِ نِعال

(يدخل قمبيز ثم الحاجب ويقول):

إله الفُرس
الملك :
ماذا؟
الحاجب :
ثمَّ رُسْلٌ
أَتَوْا مِن مِصرَ بالنَّبأِ العَظِيمِ
الملك :
وما يقولون
الحاجب :
يقو
لون أمازيسُ هَلَكْ
الملك :
ثُمَّ؟
الحاجب :
يقولون ابْنُهُ
بسامتيك قد مَلَك
الملكة (لنفسها) :
مصرُ … … رُسْلٌ؟
ليتَ شعري ما الخبَرْ
وطَني يا رَبِّ لا مُسَّ بِشَرْ
قمبيز الملك (ملتفتًا للملكة والوصيفة) :
يا مَلْكَةَ الفُرسِ أصْغِي
ويا تِتَا هل سمعتِ
قد ماتَ فرعونُ مصرٍ
الملكة والوصيفة (بصوت واحد) :
تعيشُ مصرُ وتَبقَى

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤