خريطة الكنز

أخذ الضوء يتلاشى شيئًا فشيئًا من غرفة السجن الضيِّقة، و«أحمد» ينظر إلى ساعته بين لحظة وأخرى … ثم هبط الظلام … وسمع «أحمد» صوتًا بعيدًا كانفجار عجلة سيارة، وكانت هي فعلًا السيارة الميكروباس … فقد جاءت ساعة الصفر، واقتربت الميكروباس حسب إرشادات جهاز اللاسلكي … وانفجرت العجلة بعملية محسوبة، وزحفت السيارة بضعة أمتار ثم وقفت … وشاهد الأصدقاء ورشة تصليح السيارات، ووجدوها مغلقة، ولكنهم بسرعة استطاعوا فتح الباب والدخول … وكم كانت دهشتهم عندما وجدوها مفتوحةً من الخلف، وأدركوا أنها مجرد ديكور للتمويه! وعندما خرجوا من الطرف الآخر وجدوا المنزل الصخري لا يحجبه عنهم سوى شجر التفاح … وتقدَّم «قيس» و«باسم» مسرعين إلى المنزل الصخري وهما يصفران كأنهما في نزهة … وظهر رجل من وراء شجرة تفاح، فقال «قيس»: نطلب مساعدة؛ فقد تعطلت سيارتنا. قال الرجل: لقد سمعنا انفجار عجلة … معكم طبعًا عجلة إضافية.

قيس: للأسف إننا استخدمناها من قبل.

الرجل: ليس عندنا ما نستطيع مساعدتك به … ابتعد …

قيس: كيف تعاملني هكذا؟ … إن المكان بعيد جدًّا عن العمران.

رفع الرجل بندقيته في وجه «قيس»، ولكن ذلك لم يستمرَّ طويلًا؛ فقد كان «باسم» يدور خلف الشجيرات حتى أصبح خلف الرجل تمامًا، ثم قفز عليه وسقطا على الأرض معًا … ولم يستغرق الصراع سوى ثوانٍ قليلة؛ فقد تقدَّم «قيس»، وبقبضته الساحقة أرسل قنبلةً استقرت على رأس الرجل … بينما كان «باسم» يناوله ضربةً أخرى في البطن.

أزاح الاثنان الرجل جانبًا وتقدَّما … وفجأةً انطلق كشاف من الضوء غمرهما تمامًا … وانطلق مدفع رشاش … واستلقى الاثنان أرضًا … وكان «مصباح» و«رشيد» يتنقلان فوق الأشجار حتى اقتربا من المنزل تمامًا … وأخرج «مصباح» أصبعًا من الديناميت ثم استجمع قوته وقذفه تجاه الكشاف فانفجر وساد الظلام … ثم أتبعه بأصبع آخر ناحية المدفع الرشاش … فصمت … ولكن مرةً أخرى انطلقت مجموعة من المدافع الرشاشة في كل اتجاه …

وجاء الدور على «خالد» … اختار غصنًا قويًّا في شجرة قريبة جدًّا من المنزل … ثم وقف متمالكًا توازنه … وقفز مستخدمًا الغصن كأنه سوستة وطار في الهواء، ونزل فوق سطح المنزل … وسمع «أحمد» صوت سقطته، فوقف فوق الطاولة واقترب برأسه من الفتحة العليا في الغرفة وصاح: «أحمد» ينادي!

وأسرع «خالد» إلى الفتحة وقال: نحن المجموعة الأولى للهجوم … المجموعة التالية ستتبعنا. وفي هذه اللحظة فُتح باب الغرفة، وظهر «سامي صيدح» وقال ﻟ «أحمد»: إنهم مشغولون بالهجوم … تستطيع أن تهرب الآن.

وفتح الباب ﻟ «أحمد» لكي يمر … ومر «أحمد» فعلًا من الباب … ولكنه استدار فجأةً وأرسل قبضته في ضربة وجَّهها بين عينَي «صيدح» … وفي نفس الوقت كانت يده اليسرى ترفع يد «صيدح» التي تحمل المسدس إلى فوق، وضربها بالحائط فسقط المسدس.

لقد أدرك «أحمد» أن «سامي صيدح» ينوي الغدر به … سيتركه يحاول الفرار ثم يطلق عليه النار من الخلف ويدعي أنه كان يمنعه من الفرار.

سقط «سامي» على الأرض وانكسرت نظارته الطبية، ولكنه استعاد توازنه سريعًا فقد كان قويًّا كالثور … وحاول الإمساك ﺑ «أحمد»، ولكن «أحمد» كان أسرع منه فقد لوى ذراعه بقوة ودفعه مرةً أخرى فسقط على وجهه … فانتزع منه حلقة المفاتيح ثم قفز خارجًا وأغلق الباب خلفه بعد أن التقط المسدس.

كان هجوم الشياطين مستمرًّا … وطلقات الرصاص تتطاير في الجو وهم يقتربون من البيت الصخري مكتسحين نطاقات الدفاع عنه، ووصل «أحمد» إلى صالة المنزل، كانت فارغة … وفجأةً سمع صوتًا يأتي من باب جانبي يقول: أطلقوا الأشعة!

كان صوت الزعيم. وأدرك «أحمد» على الفور أن سلاحًا خطيرًا سيُستخدم ضد الشياطين … أشعة الموت …

واتجه فورًا إلى الغرفة التي صدر منها الصوت، وفتح الباب برفق. وكم كانت دهشته عندما شاهد بالغرفة … أجهزةً كهربائيةً تلمع فيها عشرات من اللمبات تضيء وتنطفئ … أزرار من كل الألوان منتشرة في الأجهزة … آلات دقيقة، ساعات … عدَّادات … وكان أغرب من ذلك كله الزعيم الذي كان يلبس ثيابًا أشبه بثياب الغواصين، وعلى رأسه خوذة، وكان معه ثلاثة رجال في نفس الملابس …

كان أحد الرجال الثلاثة يمد يده إلى ذراع الحائط … وأطلق «أحمد» رصاصةً على ذراعه فصاح مرتعبًا … والْتفت الزعيم إلى «أحمد» وضغط على زر بقدمه فساد الظلام الغرفة … وانحرف «أحمد» جانبًا خارج الغرفة بعيدًا عن مرمى الرصاص الذي انهال عليه … وسمع في نفس اللحظة صوتًا كصوت الموتور وأغلق باب الغرفة أوتوماتيكيًّا.

استولى «خالد» على مدفع رشاش كان على السطح، ونظَّف به المنطقة المحيطة بالمكان، وبعد ساعة تقريبًا من موجة الهجوم الأولى، كانت قد تمت السيطرة على المنزل الصخري … واقتحم الشياطين الأبواب من كل جانب … ووجدوا «أحمد» يقف أمام باب الغرفة التي كان بها الزعيم محاولًا فتحها … ولكن كان من الواضح أن ذلك لن يتم إلا عن طريق النسف … وسرعان ما جُهِّزت عبوة ناسفة … وابتعد الشياطين عن الباب، وتم النسف. وبعد أن انقشع الدخان دخل «أحمد» ومعه «خالد» و«قيس» … وكم كانت دهشتهم عندما لم يجدوا أحدًا في الغرفة مطلقًا! … وكان من الواضح أن ثمة دهاليز سريةً تحت الأرض قد تسرَّب منها الزعيم وأعوانه الثلاثة …

في هذه اللحظة كانت «هدى» في عربة الميكروباس تتلقى رسالة … أن قوات الشرطة اللبنانية تتجه إلى مكان الانفجارات بعد أن أُبلغت بها من بعض الجيران، رغم بعد البيت الصخري عن الطريق العام … وسرعان ما أُبلغت الرسالة بواسطة الأجهزة التي تصل الشياطين ببعضهم البعض … وتقرَّر فورًا الجلاء عن البيت قبل وصول قوات الشرطة. وقال «أحمد»: إن كل ما يهمنا هنا الآن هو «سامي صيدح» … لا بد من أخذه معنا … إنه الوحيد الذي يعرف أين مكان «يانك تورو».

وسرعان ما انسحب الشياطين جميعًا، وقد حملوا «سامي صيدح» معهم في سيارة الميكروباس مُقيَّدًا ومكمَّمًا … وقال «أحمد»: سنذهب إلى مكان مهجور في الجبل حيث نستجوبه ثم نتركه مقيَّدًا ونبلِّغ رقم «صفر» للقبض عليه …

وسارت الميكروباس بعد استبدال الإطار المنفجر … وظلت تصعد على الجبل حتى مكان بعيد عن الطريق العام انحرفت فيه ووقفت، وأخرج الشياطين «سامي صيدح» إلى العراء، وقال له «أحمد» وهو ينزع الرباط الذي يغلق فمه: أنصحك أن تتحدَّث فورًا.

كان الرجل منهارًا … وبدت لعثمة واضحة وهو يقول: إنني لم أفعل شيئًا … إنني …

قال «أحمد» بصرامة: إننا لا نتحدَّث عنك … أين ذهب الزعيم؟ قال «صيدح» بصدق: لا أعرف … إن غرفة التحكُّم في البيت الصخري لا يدخلها إلا هو وثلاثة من رجاله المقرَّبين … ولا ندري ماذا يحدث فيها …

أحمد: وأين «يانك تورو»؟

تأوَّه «سامي صيدح» فقال «أحمد»: تحدَّث فورًا.

صيدح: إنني لا أعرف أين هو الآن … ولكن ما أعرفه أنه سيكون في الخامسة من فجر اليوم في مرفأ بيروت. هناك رجل سيأتي على يخت خاص يحمل خريطةً لميناء تير، وهو ميناء أثري غرق في البحر … ومكانه الآن مدينة صور … وهذه الخريطة توضح مكان كنز قديم أيام الفينيقيين. وهناك عصابتان تعملان للاستيلاء على الكنز … عصابة القرش الأزرق وعصابة الزعيم. والعصابتان تعملان منذ سنوات للوصول إلى الكنز … وقد استأجرت عصابة القرش الأزرق «يانك تورو» لاغتيال الرجل الذي يحمل الخريطة والاستيلاء عليها، ثم القضاء على الزعيم نفسه … هذه كل معلوماتي.

أحمد: وهي تكفي جدًّا … هيا بنا.

وركب الشياطين الميكروباس وانطلقوا بعد أن تركوا «سامي صيدح» يناشدهم أن يفكوا وثاقه.

في المقر الجديد للشياطين اﻟ «١٣» جلسوا جميعًا معًا لأول مرة منذ أن خرجوا من الكهف السري … وتولَّى «أحمد» إرسال تقرير طويل إلى رقم «صفر» بكل ما حدث … وبالمعلومات الهامة التي حصلوا عليها.

وردَّ رقم «صفر» في تقرير قصير:

«لقد قمتم بعمل هام للغاية. ستقوم قوات الشرطة اللبنانية بمحاصرة المرفأ، ومع ذلك أرجو أن يذهب ثلاثة منكم فقط للاشتراك في الحصار … وستجدون تصاريح لهم هناك للدخول، وسأظل منتظرًا تقريرًا منكم.»

كانت الساعة منتصف الليل، ووقع الاختيار على «أحمد» و«فهد» و«خالد» للقيام بالمهمة. فناموا أربع ساعات، ثم استيقظوا فلبسوا ثيابهم ثم غادروا المقر الجديد إلى المرفأ، عندما حصلوا على التصاريح، دخلوا إلى المرفأ الذي لا تهدأ حركته … وكانت ثمة سفينة للبضائع تُفرغ شحنتها … وعدد ضخم من رجال الشرطة يربضون في أماكن مختلفة من المرفأ. ونظر «أحمد» إلى ساعته، كانت الرابعة والنصف … وبعد نصف ساعة يصل اليخت … وينزل الرجل الهام …

قال «فهد»: كيف يمكن ﻟ «يانك تورو» أن يتسلَّل من هذا الحصار؟

أحمد: لعله هنا منذ الصباح … أو المساء قبل بدء الحصار الذي بدأ منذ منتصف الليل. وانظر حولك، إن هناك أُلوفًا من الصناديق والبراميل والآلات مكدسة في كل مكان … وفي كل منها يمكن أن يوجد ﻟ «يانك تورو» مكان.

خالد: ولكن ألم يتم تفتيش المكان؟

أحمد: من المؤكد أنه تم تفتيشه … ولكنهم لم يقبضوا عليه؛ بدليل استمرار الحراسة. ومع ذلك فلْننتظر ونرى.

مرت الدقائق بطيئة، ثم ظهر في الميناء يخت مضاء الأنوار يقترب، وبدأ الشياطين الثلاثة يركزون أنظارهم على اليخت، ولكن «خالد» أشار فجأةً إلى رافعة قديمة من الروافع التي تحمل البضائع، وكان أحد العمال يقترب منها، ويتسلَّقها في هدوء …

قال «خالد»: هذه الرافعة!

ونظر «أحمد» إليها … كانت ترتفع نحو خمسة عشر مترًا، وتطل على الرصيف الذي وقف عنده اليخت … وطار «أحمد» جريًا … كان العامل قد وصل إلى نهاية الرافعة في نفس الوقت الذي خرج فيه رجل أنيق من اليخت يحمل حقيبةً صغيرةً سوداء. وفجأةً انطفأت أنوار المرفأ … ولم يبقَ سوى ضوء سفينة البضائع، وضوء اليخت، وبدا الرجل الذي يحمل الحقيبة على السلم الموصل إلى الميناء وحوله حرس من رجال الشرطة، ولكنه مال فجأةً وسقط في الماء.

كان «أحمد» قد وصل إلى نهاية الرافعة، وشاهد العامل الذي لم يكن سوى «يانك تورو» يقذف ببندقيته في الماء … ثم يبدأ النزول … ولكن «أحمد» قفز عليه، واشتبكا في صراع عنيف. كان «يانك» قويًّا فضرب «أحمد» لكمةً أوقعته، وكاد يسقط من فوق الرافعة، وقفز «يانك» من فوق «أحمد» … ولكن استطاع أن يمسك بقدمه ويلويها بشدة … ولم يستطع «يانك» تمالك نفسه … ففقد توازنه وسقط من فوق الرافعة، وسُمع صوت جسده وهو يرتطم بالأرض.

بعد إطفاء الأنوار مباشرةً حدث هرج ومرج، وأسرع «فهد» و«خالد» إلى الرجل الذي كان يحمل الحقيبة، ولكنه كان قد غاص في الماء هو وحقيبته. وعندما أضيئت الأنوار كان الشياطين الثلاثة قد انسحبوا … لقد أتم «يانك تورو» مهمته ودفع حياته ثمنًا لها.

في صباح اليوم التالي وصل تقرير من رقم «صفر» إلى الشياطين اﻟ «١٣»:

مات يانك تورو بعد أن أطلق الرصاص على حامل الحقيبة ثم سقط من فوق الرافعة. لم يمت الرجل الذي كان يحمل الحقيبة لأن الطلقة أصابت كتفه، ولكن لم يُعثر على الحقيبة بعد. هناك عدد من الغواصين يحاولون العثور عليها … تم القبض على عصابة الزعيم.

أشكركم كثيرًا رغم كل شيء … سأخطركم عندما يتم العثور على الحقيبة.

رقم صفر

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤