الفصل الرابع

المكانة

قبل ظهور شكسبير كانت الشخصية الأبرز في ستراتفورد-أبون-أفون هو هيو كلوبتون (حوالي ١٤٤٠–١٤٩٦). وعلى الرغم من عدم كون أُسرته أرستقراطيَّة، فقد عاشت في قرية كلوبتون، بالقُرب من ستراتفورد، منذ القرن الثالث عشر. حقَّق هيو الشهرة لاسم عائلته وسُمعتها عبْر مشروعاته في مجال التجارة. عَمِل مُتدرِّبًا لدى أحد تجار الأقمشة في لندن حينما كان في الخامسة أو السادسة عشرة من عمره، وأصبح في النهاية عضوًا في هذه الشركة، وتَرقَّى ليُصبح عمدة مدينة لندن. كانت حياته المهنية في العاصمة، لكنه حافظ على علاقاته بستراتفورد؛ إذ بنى كوبري كلوبتون و«نيو بليس»، وهو «منزلٌ جميلٌ مبنيٌّ من الطوب والخشب». ويظهر كلوبتون في سيرة شكسبير لأنَّ شكسبير في عام ١٥٩٧؛ أي بعد عام من حصوله على شعار النبالة، اشترى «نيو بليس»، وعند تقاعُده من المسرح، أصبح هذا المنزل المكان الذي يعيش فيه. إلَّا أن أهمية كلوبتون الأخرى تتمثَّل في كونه يُمثِّل، وإن كان قبل مائة عام من ظهور شكسبير، نمطًا للإنجاز الإقليمي؛ فقد حقَّق نجاحًا في لندن وعاد ليستمتِع بالثروة والمكانة في مسقط رأسه. ومثل شكسبير، عمل كلوبتون جاهدًا ليُحقِّق النجاح في العالم، وعلى عكس ما يقوله النُّقَّاد، الذين يُشيرون عادةً لكلوبتون بلقب «السير هيو»، فهو لم يحصُل في الواقع قَطُّ على مِثل هذا اللقب. وعلى الرغم من كل هذا، تشهد وصيَّتُه (التي تُسجِّل توريث مبلغٍ ضخم من المال يصِل إلى نحو ألفَي جنيه، وتسعة مُمتلَكات في ستراتفورد، وعزبتَين في أماكنَ أخرى) على مكانته بوصفه «مواطنًا وتاجر أقمشة وعضو مجلسٍ محلي.»1 وعلى الرغم من وفاته أَعزبَ في ستراتفورد، كانت الثروة التي وزَّعَها، في وقت حياة شكسبير، تظهر في ثروات أقاربه من بعيد. وفي عام ١٥٨٠، تَزوَّجَت جويس كلوبتون، ابنة حفيد أخيه، من جورج كاريو (١٥٥٥–١٦٢٩)، إيرل توتنيس والبارون كاريو من كلوبتون. كان هذا مسارًا استثنائيًّا للثروة والمكانة، ولكن لو كان شكسبير قد تَطلَّع إليه أيضًا، لكان سيُصاب بخَيبة أملٍ نظرًا لعدم بقاء أيٍّ من أحفاده على قيد الحياة لفترةٍ طويلة بعد وفاته، ولم يصِل أيٌّ منهم قَطُّ إلى مكانة النُّبلاء.

سنستعرِض في هذا الفصل الطُّرق التي شَكَّل بها التسلسُل الطبقي حياة شكسبير المهنية وخبرته، لا سيما في مرحلة سَعيِهِ لصعود السُّلَّم الاجتماعي والوصول إلى درجة النبلاء. وبينما كانت مكانة عائلات النُّبَلاء الكُبرى وحتى صغار الأرستقراطيِّين أعلى من مكانة مُعظم الأعيان في البلاد، تَمثَّلَت أكبر فجوةٍ في الوضع الطبقي، والتي كانت الأصعب في اجتيازها، في الفجوة الأساسية بين العامة، الذين كانوا يُوصَفون بأنهم «بلا رُتبة»، و«النُّبلاء»، الذين كانت رُتَبُهم تُعبِّر عن مكانتهم الراسخة والكبيرة في المجتمع.

إن ما يلي محاولةٌ لفَهم النظام الاجتماعي للعالم الذي عاش فيه شكسبير، ليس من خلال أفكارنا المُسبَقة عن المجتمع الطبقي، بل بالأحرى من خلال الفحص المُفصَّل للتسلسُلات الهرَمِيَّة المُحدَّدة التي عاش في كنَفها شكسبير ورفاقه في العصر الإليزابيثي. وعلينا أن نَتذكَّر أيضًا أنه بينما كان جمهور شكسبير في مسرح «ذا جلوب» مجموعةً مُتبايِنة من الناس تتراوَح من النُّبَلاء وحتى بائعات الأسماك، وفي حين كانت شخصياته تتفاوَتُ من الفقير إلى الغني، كانت الشخصيات التي تُركِّز عليها مسرحياته؛ أبطال مآسيه، وشخصياته الكوميدية الرئيسية، جميعهم «أفرادًا رفيعي المستوى»؛ لأن قصصهم وأفراحهم ومصائبهم تُعتبَر — وليس من شكسبير فحسب — جديرةً بالسَّرْد.

في الواقع كان سُلَّم التسلسُل الاجتماعي في العصر الإليزابيثي طويلًا للغاية، ويَصعُب تَسلُّقه. فكان يتكوَّن من العديد من الدَّرَجات، وكان كل فردٍ يُدرِك بالضبط مكانه — ومكان الآخرِين — فيه. ومع ذلك، تعَرَّضَت الحقائق الثابتة بشأن كون المكانة تعبيرًا عن الوظيفة الاجتماعية للتَّزَعزُع مع ظهور التجارة، والتوسُّع الكبير في العاصمة لندن، وتراكُم العوامل التي شَكَّلَت النظام الاقتصادي الجديد الذي وُصِف بالرأسمالية الوليدة؛ ومن ثَمَّ، على سبيل المثال، كان مسار حياة هيو كلوبتون المهنية، على الرغم من تضاؤُل فُرَص وجوده في أواخر العصور الوسطى، ظاهرةً غير غريبة في إنجلترا في أوائل العصر الحديث. وبينما يكون من قبيل عدَم الدِّقَّة الخطيرة المُبالَغة في تقدير درجة الحَراك الاجتماعي في إنجلترا في القرن السادس عشر، كانت بالتأكيد ثَمَّةَ مساحةٌ أكبر للمُناوَرة أكثر من الموجودة حتى ذلك الوقت. إذن، كان كلٌّ من شكسبير الأب والابن جزءًا من التحوُّل في الهُويَّات الاجتماعية الذي حدث في إنجلترا في أوائل العصر الحديث، كما كانا جزءًا من الانتفاضة الاجتماعية التي صاحَبَت هذا التحوُّل. إذن نَشأَتِ الثروة ممَّا أصبَحْنا نُدرك الآن أنه كان مولد الرأسمالية، وهو أحد أشكال النُّظم الاقتصادية التي لم تكن معروفةً حتى هذا الحين.

مع ذلك، لم يكن وجود حَراكٍ اجتماعي أكبر يعني غياب التسلسُل الهرَمي الاجتماعي؛ فالجميع، فيما عدا الحاكم، كان لدَيه سيِّد، وكانت أخطر حالة على الإطلاق أن يكون المرء «بلا سيِّد»؛ لأن هذا كان معناه الخروج من التسلسُل الهرَمي، وتقريبًا إلى خارج المجتمع بأكمله؛ ومن ثَمَّ عدَم القُدرة على الحصول على الاحتياجات المادية الأساسية للحفاظ على الحياة. كان غياب السيِّد يُعرِّض لخطرٍ بالِغٍ فُرَص بقاء المُتشرِّدِين والمُتسوِّلِين وأمثالهم الذين يعيشون في فقرٍ مُدقِع، على قيد الحياة. وفي المقابل، قد يسعى الذين ازدهروا واطمأنُّوا لقُدرتهم على الحفاظ على وضعهم المُريح فيما بعدُ للحصول على المكانة. كانت أُسرة شكسبير بلا شكٍّ أُسرةً مُزدهِرة في السنوات الأولى من حياة الكاتب المسرحي؛ فكانت والدة شكسبير، ماري، تنتمي لعائلة أردين مَيسورة الحال، ويبدو أنَّ مُضاربة والده جون شكسبير في تجارة الصُّوف دَعمَت موقِف الأُسرة المالي، وعَمِل انتخاب والده عضوًا في المجلس المحلي ثم مأمورًا على دعْم ثروتِهِ المُتواضِعة أكثر بحصوله على مكانةٍ محلية. وبينما كان تَقلُّد المناصب في الواقع أحد سُبل الوصول إلى مكانة النُّبلاء لمن لم يُولَدوا كذلك، فلم تكن الصِّلة بين الاثنَين تلقائيةً أو حتمية؛ فقد أكَّد لقبا عضو مجلسٍ محلي (يوليو عام ١٥٦٥) ومأمور (١٥٦٧) اللَّذان حصل عليها والد شكسبير على حقِّه في الحصول على لقب «السيد شكسبير»، لكنهما مع ذلك لم يسمحا له بالحصول على وقارِ مكانة النُّبلاء؛ لذا، فمن أجل التمتُّع بهذا، كان بحاجةٍ إلى الحصول على شِعار النَّبالة من مجمع شعارات النَّبالة؛ إذ سيعمل شعار النَّبالة على تأكيد مكانته في مُجتمعه وتقويتها ودعمها.

لكن ماذا بالضبط كانت تعني هذه المكانة؟ شرَح ويليام هاريسون هذا في كتابه «وصف إنجلترا» (١٥٧٧):
نحن في إنجلترا نُقسِّم شعبنا عادةً إلى أربع فئات: النُّبلاء، والمواطنين أو السكان، والفلَّاحين، والحِرفيِّين أو العُمَّال. وضِمن فئة النبلاء يأتي أولًا وعلى رأسها (بعد الملك) الأمير والدُّوقات والماركيزات والإيرلات والفيكونتات والبارونات؛ ويُسمَّى هؤلاء نُبلاء من النوع رفيع المستوى، أو (كما يُقال في استخدامنا الدارج للغة) اللُّوردات وكبار النُّبلاء؛ ويليهم الفرسان والسادة، وأخيرًا، الذين يُطلَق عليهم فحسْب النُّبلاء.2

يُوجَد في قاع هذا التسلسُل الهرَمي هؤلاء الذين «ليس لديهم صوت ولا سُلطة في المجتمع، ولكن يُفترض بهم أن يكونوا مَحكومِين وليس حاكمِين.» في الواقع، كان الأقل أهمية بين طبقة النُّبلاء «النُّبَلاء العاديِّين»؛ أي هؤلاء الذين لم يكن لدَيهم أيُّ لقبٍ أو مُؤهِّلٍ إضافي، أو كما يصِفهم هاريسون «الذين كان يُطلَق عليهم فحسْب النبلاء.» وعلى الأرجح كانت الخطوة الأولى لتسلُّق السُّلَّم الاجتماعي هي الأصعب؛ فبالنسبة للذين كانوا في المستويات المُرتفعة من النظام الاجتماعي، بالكاد كان لقب «النبيل العادي» علامةً على التميُّز. وعلى الرغم من هذا، حَدثَت فجوةٌ واسِعة بين عامَّة الشعب وتلك الفئة من النبلاء. ومع ذلك كان التحوُّل من كون المرء «بلا صوت أو سُلطة»، على حدِّ وصف ويليام هاريسون للأغلبية غير المميزة، إلى مكانة النُّبلاء «العادية» والبسيطة هذه؛ كان معناه اجتياز المرء لأكبر انقسامٍ اجتماعي في إنجلترا، وهو أمرٌ لا يُمكن التعبير عن مدى أهميته.

كان لدى شكسبير شعورٌ شديد بأهمية أن يُصبح فردًا «ذا رُتبة»، الذي كان يعني في هذه الفترة تمتُّع هذا الفرد بمكانةٍ اجتماعية، فكان من المعروف ضمنيًّا أن الذين ليس لدَيهم رُتبة، هذه العلامة الأساسية على الهُوية، يفتقِرون للأهمية الاجتماعية وحتى الإنسانية؛ فتُخبِرنا الأخبار التي وَردَت من الحرب في بداية مسرحية «ضجةٌ كبيرة حول لا شيء» أن الخسائر كانت طفيفة؛ إذ مات «قليلٌ من مُختلِف الرُّتب.» و«لَمْ نفقِد من العِلية أحدًا.» (الفصل الأول، المشهد الأول، السطر ٦).3 ثَمَّةَ كلمتان هنا تُشيران إلى المكانة، «رُتَب» sort و«عِلية» name؛ فعلى عكس فِكرنا المُعاصر، الذي قد يرى معنى هذا «لم نفقِد أحدًا على الإطلاق»، كانت كلمة sort في لغة أوائل العصر الحديث تعني «رُتبة»، بينما لم تكن كلمة name تُشير فحسب لطبقة النُّبلاء، بل لأنواع التمييز الاجتماعي المُرتبِطة بامتلاك شعار النَّبالة، الذي يُعَدُّ التعبير المرئي عن مكانة المرء، و«الدليل البصري» («عطيل»، الفصل الثالث، المشهد الثالث، السطر ٣٦٣)4 على هويته الاجتماعية. وكان هؤلاء الذين ليسوا من «العِلية»، الذين يُمثِّلون الغالبية العُظمى، هم «وقود المدافع» («هنري الرابع (الجزء الأول)»، الفصل الرابع، المشهد الثاني، السطران ٦٥-٦٦)؛5 فلا قيمة لحياتهم، ويمكن التخلُّص حرفيًّا من جُثَثهم، التي «لا بأس من إلقائها» (الفصل الرابع، المشهد الثاني، السطر ٦٥) في المقابر الجماعية التي كانت إحدى السمات الأساسية في أراضي المعارك في أوائل العصر الحديث. وفي مسرحية «هنري الخامس»، استُخدِمت أيضًا عبارة «لا أحد آخر غيرهم من العِلية»6 في نهاية معركة أجينكور عند حساب «عدد قَتلانا من الإنجليز»، وقُدمت ورقة للملك بتفاصيل الضحايا:
إدوارد دوق يورك، وإيرل سافك،
والسير ريتشارد كيثلي، والسيد ديفي جام،
ولا أحد آخر غيرهم من العِلية، ومن سائر الرُّتَب الأخرى ليس أكثر من خمسة وعشرين.
(الفصل الرابع، المشهد الثامن، الأسطر ١٠٤–١٠٧)
وعلى عكس الرسول في مسرحية «ضجَّةٌ كبيرة حول لا شيء»، يرى هنري، على الأقل، أنَّ من المُناسِب عدَّ القتلى من بين الذين سِمَتُهم المُميِّزة الافتقار إلى «الرتبة»، والذين تكون الخسائر فيهم غير ذات أهمية، لا لأنهم قِلَّة، بل بسبب عدَم أهمية حياتهم من منظور من هُم في أعلى السُّلَّم الاجتماعي الإليزابيثي. وكان إعلان عدد القتلى يحدُث وفقًا لترتيب المكانة؛ لأنَّ الرُّتبة العسكرية في هذه الفترة كانت تتحدَّد بالكامل وفقًا للمكانة الاجتماعية؛ فكان القتلى الذين يسقطون في المعارك من النُّبلاء يُعلَن دومًا عن أسمائهم؛ ولم يحدُث هذا مع أسماء الجنود العاديِّين. ويضع شكسبير هؤلاء الذين ليس لديهم رُتبٌ في مُقارنةٍ واضحة مع الذين «حظُوا بشرفٍ عظيم» («ضجةٌ كبيرة حول لا شيء»، الفصل الأول، المشهد الأول، السطر ١٠). وفي أعمال شكسبير يكون هذا التمييز دومًا أمرًا ذا حدَّين، مِثلما حدَثَ حينما زرَع وصول ماكبث في مسرحية «ماكبث» إلى مكانة سيِّد كودور بذور جريمة قتْل الملك. وبالمِثل في مسرحية «ضجَّةٌ كبيرة حول لا شيء»، وما إن تسلَّم كلاوديو التكريم العسكري حتى كاد يقتُل خطيبته من خلال تقديم ادِّعاءاتٍ لا أساسَ لها ضِدَّها. ومرةً أخرى، في قصيدة «اغتصاب لوكريس»، يظهَر اغتصاب السيدة العقيلة الرُّومانية النبيلة على أنه نتيجةٌ مُباشرة ﻟ «شعار النَّبالة الظاهر على وجه لوكريس» (البيت ٦٤).7 ويرجِع هذا إلى أنه يُثير لدى مُغتصِبها الطُّموح للوصول، حتى وإن كان بأكثر الطرق عنفًا، إلى الشرَف المُتمثِّل رمزيًّا عليها.

يرجِع شعار النَّبالة، وهو الرمز المنقوش على درع الفارس، إلى الفَهم في العصور الوسطى للمكانة أو «الدرجة» الاجتماعية؛ فكان شعار النَّبالة أحد بقايا تشكيل الطبقة الإقطاعية، الذي كان يُمنح في العصور الوسطى لدى ذهاب الفُرسان إلى المعركة وهم يحملون حرفيًّا أسلحةً ودروعًا مُزخرفةً بشعارات النَّبالة الخاصَّة بهم. اختفى عالم الفروسية هذا من الوجود، وإن كانت الفوارق الطبقية التي خَلقَها بقِيَت على حالها بالكامل. وكان يتولَّى رئاسة مجمع شعارات النَّبالة الإيرل مارشال، الذي كان في وقت تقدُّم شكسبير بطلَب الحصول على شعار النبالة هو روبرت ديفيرو، إيرل إسيكس الثاني. هذا وقد حاكى التسلسُل الهرَمي في المجمع إلى حدٍّ كبير تَدرُّجات المكانة؛ أي الفوارق العديدة وسط طبقة النُّبلاء التي تُراقبها وتُنتِجها. ويأتي تحت الإيرل مارشال مباشرةً كبير مسئولي منح شعارات النبالة، الذي كان حينئذٍ ويليام ديثيك، الذي تعامَلَ مع طلَب شكسبير وأشرَفَ على كافَّة العمليات داخل المجمع. بالإضافة إلى هذا، كان (ولا يزال) ثَمَّةَ مسئولون عن منح شعارات النبالة في مناطقَ جغرافيةٍ مُحدَّدة؛ مثل المسئول عن نوروي وكلارينسو، والمسئول عن يورك، والمسئول عن تشيستر، وعدد من المسئولِين الآخرِين، بما في ذلك طبقة من «البورسويفونت» الذين كانت لهم ألقابٌ فرنسية قديمة تستحقُّ الاستخدام في إحدى ألعاب الفيديو، على سبيل المثال: المِشبك الحديدي، والصليب الأحمر، والتِّنِّين الأحمر، والعباءة الزرقاء، والوردة الحمراء.

إذن، مع وصول جون شكسبير إلى أعلى المناصب في ستراتفورد وعمله قاضيًا للصُّلح، اتَّخَذ في عام ١٥٦٨ تقريبًا خطوةً بالغة الأهمية حينما تَقدَّم لمَجمع شعارات النَّبالة بطلبٍ للحصول على شعار النَّبالة. ولو حصل عليه، فإنَّ جون شكسبير الذي حقَّق بعض الثروة كان سيُصبِح «جون شكسبير، النبيل»؛ ومن ثَمَّ كان سيتخطَّى حدَّ المكانة الاجتماعية الذي قسَّم إنجلترا بالكامل إلى قِسمَين؛ النُّبلاء من ناحية، والغالبية العُظمى — عامة الشعب — من ناحيةٍ أخرى. لم تكن هذه المكانة أمرًا معنويًا على الإطلاق. على سبيل المثال، في حالة تعادُل النتيجة في إحدى المُنافسات، يفوز المُتنافِس الحاصل على أكثر الأصوات من «النبلاء».8 ويُقال إن الامتيازات الأقلَّ أهميةً لهذه المكانة كانت حقَّ ارتداء الحرير واللون الأُرجواني، كجُزءٍ من نظام «قوانين ضغط الإنفاق»، الذي كان يُمثِّل قواعدَ خاصةً بالملابس يمكن من خلالها تمييز المكانة الطبقية والتعرُّف عليها بمُجرَّد النظر إلى المرء. وفي حين كانت هذه القواعد مُحترمةً بقَدْر ما يحدُث من خَرقٍ في التقيُّد بها في العاصمة (خاصة بين مُرتادي المسرح المُترَفِين الذين يتأنَّقون ليُثيروا الإعجاب)، ظلَّ الوضع أن الفوارق الاجتماعية كان يُقصَد أن تبقى واضحةً وظاهرة للعيان.
من الواضح أنَّ طلَب جون شكسبير الأَوَّل لمجمع شعارات النَّبالة حقَّق قدْرًا من التقدُّم قبل تَعرُّضه للرفْض، لأنه في أثناء إحدى جولات «عملية الفحص» (وهو ما كان يُطلَق على جولات التحقُّق التي يتأكَّد فيها المسئولون عن منح شعارات النَّبالة من مدى أهليَّةِ المُتقدِّمِين بطلباتٍ للحصول على شعارات النَّبالة) أُرسِل إليه «نموذج»؛ بمعنى رسمٍ مبدئي لشِعار النَّبالة الخاص به.9 ومع ذلك، كان لا بُدَّ من خَوض العديد من المراحل الأخرى التي تفرض تكاليفَ أكبر بكثيرٍ قبْلَ منْح الشعار. ولأسبابٍ غيرِ واضحة، رغم أنَّها على الأرجح كانت مُرتبطة بقلَّة المال، توقَّفَت هذه العملية؛ ففي وقتٍ ما في عام ١٥٧٦ تقريبًا تَعرَّضَت ثروة جون شكسبير؛ ومن ثَمَّ مُستقبَل أُسرته، إلى تدهوُرٍ بالغ، فتَوقَّف عن حضور اجتماعات المجلس المحلي بحلول هذا التاريخ، وبعد عشر سنوات فقَدَ مكانه كعضوٍ في هذا المجلس. وفي عام ١٥٩١، كما أشرْنا في الفصل السابق، توقَّف عن حضور قُدَّاس الكنيسة «خوفًا من المُلاحقة بسبب الديون»، حذرًا من تعقُّب الدائنِين له.10
من المُحتمل للغاية أن تكون مشروعاته التجارية قد تَعرَّضَت للفشل؛ فقد كانت هذه فترةً تتعرَّض فيها كافة الأعمال التجارية للمخاطر؛ فأي شخصٍ كان يسعى للتربُّح فيها كان عليه، على حد قول شكسبير في مسرحية «تاجر البندقية»، «أن يُعطي ويُغامر بكل ما لديه» (الفصل الثاني، المشهد السابع، السطر ١٦).11 لم تكن هذه المُخاطرة نتيجةً فقط للكوارث الطبيعية؛ مِثل الطاعون أو المجاعة أو تحطُّم السفن، بل كان أيضًا نتيجةً للتقلُّبات الكبيرة وغير المُتوقَّعة في عملية العرْض والطلَب. بالإضافة إلى هذا، في هذه المرحلة من النمو الاقتصادي، كانت التعامُلات التجارية مُعتمِدةً بدرجةٍ كبيرة على «الثقة»، ممَّا أدَّى إلى تعقيدٍ بالِغٍ في سلاسل الإقراض والائتمان التي يُمكنها تعريض ثروات عددٍ كبيرٍ للغاية من الناس للخطر.12
وَهنَتْ طموحات جون شكسبير الاجتماعية حتى أعاد ابنه إحياءها بتقديمه لطلبٍ جديد في لندن. تَقدَّم شكسبير باسم والده، لا لأن جون شكسبير كان أكبر الذكور في أُسرته، ولكن أيضًا لأن، كما يشير صامويل شونباوم، «كانت مكانة المأمورِين السابقِين أعلى من الكُتاب المسرحيِّين.»13 وعلى الرغم من عدَم قُدرة جون شكسبير على توقيع اسمه، فقد تولَّى مناصبَ عامةً ذات «مكانة وقُدسية»14 لم تُتحْ لابنه قَط، ولم تترُك مَسيرة والده خلفَها أثرًا ورقيًّا إلَّا بسبب المكانة التي وَصَل إليها، على الرغم ممَّا اتَّسمَت به من عدم استقرار؛ وعليه، حصل جون شكسبير على هذا الشعار في عام ١٥٩٦، ووَرِثه شكسبير ببساطة عند وفاةِ والده في عام ١٦٠١. وهكذا، استطاع شكسبير، على الرغم من أنه لم يكن قط «نبيل المولد»، أن يُصبِح رجلًا نبيلًا من الجيل الثاني، وإن كان بالكاد يتمتَّع بسلالةٍ مُتأصِّلة وشرفٍ موروث. وقُرب نهاية حياة شكسبير المِهنية، في مسرحية «حكاية الشتاء»، نجِده يسخَر من راعي الغنم الذي تَرقَّى في مُستواه مؤخرًا، والذي يقول بفخرٍ لابنه، المُهرِّج: «إن أولادك وبناتك سيكونون نُبلاءَ بالمولِد» (الفصل الخامس، المشهد الثاني، السطران ١٢٤-١٢٥).15 وبالطبع «لن» تُصبح البنات من النُّبلاء تحت أيِّ ظرف، وحتى الارتقاء في المستوى الاجتماعي لن يُغيِّر الحقيقة الثابتة للمَولِد المُتواضِع.

حصل شكسبير على صكِّ شعار النَّبالة بعد أربع سنواتٍ فقط من تسجيله لأول مرة ككاتبٍ مسرحي في لندن في عام ١٥٩٢. كان حديثَ عهدٍ بالثراء الذي كوَّن ثروة وبسرعة. ومع صكِّ شِعار النَّبالة، حصل على شعار النَّبالة نفسه؛ كان عبارة عن تَورية من الأشكال لاسم شكسبير — رُمح ذهبي — أعلاه صقرٌ فِضِّي وهناك عبارة تقول: «ليس من دون حق.» كانت هذه العبارة مكتوبةً بالفرنسية القديمة، مِمَّا أشار أيضًا إلى أنه ذو أصلٍ نورماندي قديم. وتحمِل هذه العبارة ضمنيًّا أيضًا معنى الحُجَّة الدفاعية لشخصٍ طَموح اجتماعيًّا وحديث العهد بالثراء.

ولا عجب إذن أن يظهَر في أعمال شكسبير ألفةٌ كبيرة بالعبارات المجازية في تصميم شعارات النَّبالة، والتنسيق المُنظَّم للعبارات المجازية على الدروع — عبارات التخصيص على شعار النَّبالة، والمساحات المُخصَّصة للشعار، والكلمات الفرنسية القديمة المُستخدَمة لتحديد الألوان على الدرع: gules (الأحمر)، وazure (الأزرق)، وsable (الأسود)، وهكذا — ففي مسرحية «هاملت» يصِف شكسبير بيروس عند حرْق طروادة بأنه يُزيِّن سلاحه الأسود بالدماء:
بشارة أشدُّ شؤمًا بكثير، من فرْعِه حتى القدَم
راح بالدم القاني يتزيَّن، يا لهولي!
بدم الآباء والأمَّهات، والبنات والبنين.
طلاءً كالقِشرة السَّميكة في الطُّرقات اللاهِبة …
(الفصل الثاني، المشهد الثاني، الأسطر ٣٩٤–٣٩٧)16 [ترجمة جبرا إبراهيم جبرا]
إنَّ «يتزين» كلمةٌ مُتخصِّصة تُستخدَم للإشارة إلى الرسم المبدئي لشعار النَّبالة حيث يُشار إلى الألوان بالرموز. تتأكَّد المكانة هنا، لكن فقط على شكل الدماء المُتخثِّرة للعداوة.17 إن هذا الثمن أعلى من أي ثمنٍ دفعه شكسبير من أجل الحصول على شِعار النَّبالة الخاص به، على الرغم من أنَّنا لا نعرِف كم كلَّفه هذا في عام ١٥٩٦؛ فنجد أن سولجاديو في مسرحية بن جونسون «كلُّ امرئ خارج مزاجه» يدفع ٣٠ جنيهًا من أجل شِعاره، وتُخمِّن كاثرين دنكان-جونز أن شكسبير ربما يكون قد دفَع ما يقرُب من ١٠٠ جنيه.18 في الواقع، لقد دفع شكسبير مُقابل مكانته ومكانة والده. ومع ذلك، في عالمٍ تسُودُه الرشاوي والعمولات، التي كانت عادةً ما تُسهِّل أعمال البيروقراطيِّين في أوائل العصر الحديث، لم يكن هذا أمرًا غريبًا؛ فقد حاوَلَ توماس، الدُّوق الرابع لنورفك (١٥٣٨– ١٥٧٢)، تنظيم الإجراءات في مجمع شعارات النَّبالة للتأكُّد من امتلاك المُتقدِّمِين ﻟ «دليلٍ حقيقي» يدلُّ على استحقاقهم لهذه المكانة، ولكن نظرًا لِتعرُّضه، في ظلِّ الأوضاع السياسية المُتغيِّرة في العصر الإليزابيثي، للإعدام بتُهمة الخيانة، لم تُطبَّق إصلاحاته قَط.19
بدأ المال بدلًا من النَّسَب يُشكِّل تأثيرًا أكبر بكثيرٍ في عالم شكسبير؛ حيث ظَهرَت تناقُضاتٌ شديدةٌ وغموضٌ بالِغٌ بشأن ما يجعل المرء شخصًا نبيلًا. وفي مسرحية «تاجر البندقية» يُصِرُّ شكسبير على التلاعُب بالألفاظ بشأن العلاقة بين كَون المرء «نبيلًا» gentle (نزيهًا ورحيمًا ومسيحيًّا)، وكونه «غير يهودي» gentile، ويظهَر أنَّ العلاقة بين الرحمة والسلوك المسيحي مُتوتِّرة إلى حدِّ الانهيار في عالم التجارة؛ حيث يكون المال وليس الدم هو نظام القِيَم السائد (يظهر هذا عرضيًّا أيضًا في الفِكرتَين الرئيسيتَين في المسرحية — تعطُّش شيرلوك لدم أنطونيو والقِيَم الائتمانية التي تكتنِفُهما). ظاهريًّا كانت مكانة النُّبل مسألة تتعلق بالنَّسب و«تأتي» من الدم. ويُفترَض بمجمع شعارات النَّبالة أن يحتفِظ بسجلٍّ دائمٍ لسُلالة نَسَب جميع العائلات من أجل إثبات مكانة النُّبل هذه وإقرارها بناءً على هذه الأُسُس. ومن أجل أن يُصبِح المُتقدِّم مُؤهَّلًا للحصول على شعار النَّبالة، عليه أن يُثبِت هذا النَّسَب — بمعنى أن يُثبِت أنَّ مُتطلَّبات مكانة النُّبل التي يسعى كثيرون للحصول عليها تنطبِق عليه. بنى جون شكسبير مُطالَبَتَه بمكانة شِعار النَّبالة على هذه الأُسُس (فقد قاتَلَ جدُّه لصالح هنري السابع)، بالإضافة إلى زواجه من ماري أردين. تاريخيًّا، كانت عائلة أردين أُسرةً مرموقةً وأحد مالكي الأراضي في ووريكشير. وبالكاد غَطَّى هذا المُبرِّر المتعلِّق بالنَّسَب على حقيقة أنه في عام ١٥٩٦ كان مُؤهِّل شكسبير الأساسي للحصول على مكانة النُّبلاء هو المال.
بالإضافة إلى هذا، كانت ثَمَّةَ أعدادٌ مُتزايدة من الناس الذين امتلكوا من المال ما يُمكِّنهم من أن يصيروا نُبلاء؛ فكانوا يستطيعون، على حدِّ قول ويليام هاريسون، تحمُّل «تكلفة ومُقابل» الحصول على مكانة النَّبيل، حتى مع عدَم امتلاكهم لأيٍّ من المُؤهِّلات الأخرى. لم يمُرَّ هذا التطوُّر دون الاعتراض عليه؛ فكان السير توماس ويلسون واحدًا من بين كثيرٍ من الأصوات التي ارتَفعَت اعتراضًا على مِثل هذه المُمارَسات؛20 فكانت إحدى الأفكار الأساسية بشأن المكانة الاجتماعية أن «هيئة النبيل» كانت تتطلَّب العيش، على حدِّ قول ويليام هاريسون، «دون مُمارَسة عملٍ يدوي.»21 ومع ذلك، حتى هذه الفكرة الأساسية المتمثلة في أن مكانة النبل كانت تمنع العمل اليدوي منعًا باتًّا، صارت حينذاك موضع شك؛22 فمن الواضِح أنَّ جون شكسبير لم يترُك عمله اليدوي كصانع قُفَّازات في ستراتفورد، لا حينما تَقدَّم بطلَبِه الأَوَّل ولا عند تقدُّم ابنه بالطلب للمرة الثانية. وهكذا الحال بالنسبة لجون دادلي، طاهي المُعجَّنات لدى إليزابيث الأولى، أو «رقيب المُعجَّنات» كما كان يُطلَق عليه، أو الطاهيَين الملكيَّين الآخرَين اللذَين حصلا على صكِّ النَّبالة معه؛ فكان هذا مجتمعًا يتعرَّض فيه التمييز الأزلي بين الذين يُمارسون العمل اليدوي والذين لا يُمارسون العمل اليدوي إلى الاختفاء سريعًا. وحتى المُحامون والأطباء وجيلٌ جديد من المُتعلمِين، الذين لم تكن ثرواتهم تأتي من امتلاكهم لأراضٍ، قد مارسوا ضغطًا أكبر على تصنيفات المجتمع المُتوتِّرة بالفعل، والتي لم تُخلَق لاستيعابهم.
ظلَّ مجمع شعارات النَّبالة، الذي تقدَّم شكسبير بطلبه إليه، في الموقع نفسه في لندن منذ عهد ماري تيودور، وازدادت أهميته في هذه الفترة بوصفه أداةً أساسية وفعَّالة في تكوين الطبقات؛ فكان مسئولو مجمع شعارات النَّبالة مَنوطًا بهم منح الاعتراف الرسمي — كما لو أنه وضعٌ قائم — إلى الذين كانوا نُبلاء بالأساس (في الأصل بسبب النَّسَب وأحيانًا بسبب الوظيفة)، ولكن لم يكن مُعترفًا بهم ببساطةٍ على هذا النحو. وعلى الرغم من الإجراءات المُنمَّقة التي تُشير لعكس ذلك، كان هذا الاعتراف المزعوم بمكانة النُّبلاء، في الواقع، مرادفًا لصُنعها.23 وقد اتَّخذ هذا «الاعتراف» شكل منح شعار النبالة؛ فكان يُسمح للحاصل على هذا الاعتراف وورثته، نظرًا لوصولهم إلى مثل هذه المكانة النبيلة التي ينشُدُها كثيرون، بأن يُطلِقوا على أنفسهم لقَبَ النبيل؛ ومن ثَمَّ، ورَدَ اسم «ويليام شكسبير، النبيل»، أو كما ظهر اسمه على صفحة عنوان «المَطوية الأولى» بلقب «السيد ويليام شكسبير»، كما سُمِح له بإظهار شارة وشعار النَّبالة، بالإضافة إلى رمز النُّبل الخاص به وما شابَهَ على الزجاج المُلوَّن، والنُّصُب التَّذكارية المدنية، وبالتطريز على الملابس، وفي الصور الشخصية، وعلى الرايات وما شابه. وبالتبعيَّة كانت الزَّوجات والبنات يحصُلنَ على لقب «ليدي» أو «نبيلة» — وليس بالطبع لقب نبيل، كما تَصوَّر راعي الغنم في مسرحية «حكاية الشتاء». يقول الدعيُّ في مسرحية «الملك جون» (الفصل الأول، المشهد الأول، السطر ١٨٤): «حسنًا، يُمكنني الآن جعل أي جوان سيدةً نبيلة.»24 كان اسم جوان مرادفًا للسيِّدات من الطبقات الاجتماعية المُنخفِضة، وكان شكسبير نفسه لدَيه، كما رأينا، أُختان بهذا الاسم، تُوفِّيت أولاهما في طفولتها. كانت مكانة النُّبل تزيد من الثروة والمُمتلكات، وكانت هذه أهم الأمور في حياة المرء في العالَم الذي عاش فيه شكسبير.
سَعتِ السلطة الحاكمة إلى مُراقبة عدد الحاملِين للقب «نبيل» ومن أجل تحقيق هذا الهدف أرسلت بانتظامٍ مسئولين صغارًا وكبارًا من مجمع شعارات النَّبالة في زياراتٍ رسمية لكلِّ مُقاطعة في إنجلترا. وتمثَّل الأمر الاستثنائي في عصر شكسبير في العدد غير المَسبوق الصادر من شعارات النَّبالة، ممَّا أدَّى إلى شكاوى من المُعاصرِين له بشأن فشَل مسئولي المجمع — ومن بينهم وعلى وجه الخصوص ويليام ديثيك الذي منح شكسبير شعار النَّبالة — في الحفاظ على الحدود الفاصلة في التسلسل الهرَمي الأساسي، لا سيما بين العامَّة والسادة، التي يعتمد عليها النظام الاجتماعي. كان الجميع يعرِف — وإن كان هذا غير رسمي — أنَّ «أحد الأغراض الرئيسية لمنح شعار النَّبالة كان إعطاء مكانةٍ رفيعة للأفراد الذين كانت مكانتهم مشكوكًا فيها.»25 كان مسئولو المجمع في زيارتهم يَسعَون إلى «التخلُّص من الشعارات الزائفة وتلك المصنوعة دون تصريح.» وإلى «تسجيل الأحفاد».26 وفي عام ١٥٨٠، وُضِع ويليام دوكينز في هيكل التعذيب الخشبي وقُطِعَت أُذناه بسبب انتحاله شخصية مسئول بالمجمع واختلاقه لأنسابٍ مُزيَّفة،27 ولكن هذا لم يَثنِه عما يفعل، وفي عام ١٥٩٧ وُصِف في أمر اعتقال بأنه «معروف بالتجارة في شعارات النبالة وتزييف الأنساب.»28 زوَّر دوكينز هذه الشعارات لمائة أُسرة تقريبًا في إسيكس، وهارتفوردشير، وكامبريدجشير.29 ومع ذلك، في عالَمٍ لم يعُد فيه المكانة والمال مُتلازِمَين بقوَّةٍ كما كان الحال في إنجلترا الإقطاعية، كان من المُمكن تزييف الأنساب وشِراء الألقاب الشَّرَفية وبيعها، لا من أمثال دوكينز فقط، ولكن أيضًا من المجمع نفسه. وفي كتاب «الجمهورية الإنجليزية» ادَّعى توماس سميث أنَّ مكانة النُّبلاء «أَصبحَت مُستباحةً في إنجلترا؛ فكان أحد المسئولين بمجمع شعارات النَّبالة يُعطي المرء أيضًا في مُقابل المال شعاراتٍ مُزيَّفة ومصنوعة حديثًا، ويَدَّعي أنه وجَدَ عند بحثِهِ في السجلَّات القديمة أنَّ أسلاف هذا الشخص في أوقاتٍ مضَتْ كانوا يحملونها.»30 كان مجمع شِعارات النَّبالة بحاجةٍ إلى التأكُّد من أنه — وليس المُحتالين أمثال دوكينز — هو الذي يُجيز هذه العملية؛ ومن ثَمَّ يستفيد منها.
كان منح مكانة النَّبالة مجالًا تجاريًّا مُربحًا للغاية، وهو مجال كان يزدهر في القرن السادس عشر مع زيادة شعارات النَّبالة الممنوحة عن أي وقتٍ مضى؛ نظرًا لزيادة الذين كان باستطاعتهم دفع الرسوم المطلوبة من المجمع ذي الصِّلة، تلك التي زادت بالطبع نتيجة للرشاوي والإكراميات؛ فتَمثَّلَت القاعدة، التي كان اختراقُها يفوق الالتزام بها، في أن «الحاملِين لشِعارات النَّبالة بسبب انحِدارهم من الأُسَر القديمة، يجِب أن يكونوا قادرِين على تتبُّع نسبٍ لا ينقطع لأحد أجدادهم الذي سُمِح له بحصوله على هذا الشعار من قِبَل مسئولي المجمع، وسُجِّل هذا في هذه الوثائق، وهؤلاء فقط يُمكنهم استخدامها.»31 اتُّهِم كلٌّ من ويليام ديثيك (الذي شغل كبير مسئولي المجمع فيما بين عامَي ١٥٨٦–١٦٠٦) وروبرت كوك (الذي شغل مسئول منح الشِّعارات في كلارينسو فيما بين عامي ١٥٦٦–١٥٩٣) بأخذ رشاوى من أجل منح شعارات النَّبالة. بالإضافة إلى هذا، يُقال إن أوراق اعتماد نَبالة كوك نفسها مشكوكٌ فيها بدرجةٍ كبيرة؛ على الأقل في نظر أعدائه، بسبب عمل والده بالدِّباغة.32 لم يتعرَّض كوك قطُّ للإدانة الرسمية، على الرغم من اتِّهام السير ويليام سيجار (خليفة ديثيك) له بأنه «أَقَرَّ ومنَح عددًا لا حصر له من الشعارات والشارات إلى أفرادٍ وَضيعين ولا يستحقُّون من أجل مكسبه الخاص فقط دون عِلم الإيرل مارشال.»33 كانت الاتهامات تأتي وتذهب، وحينما خدع رالف بروك السير ويليام سيجار من أجل منح شعارات أراجون وبرابانت لجريجوري براندون، جلَّاد لندن (الذي يُعتقَد أن ابنه ريتشارد هو الذي أعدم تشارلز الأول)، استشاط الملك جيمس الأول غضبًا وحبسهما هما الاثنَين.34 وأمَّا بالنسبة لديثيك، ففي عام ١٥٩٧؛ أي بعد عامٍ واحد فقط من منح شكسبير شِعار النَّبالة، اكتشف اللُّورد بيرلي أنه أعطى نسَبًا مُزيَّفًا لجورج روذرام يُخوِّله الحصول على شِعار نَبالة اللورد جراي أوف روثين.35 حتى إنه اتُّهِم بوقائعِ تزييفٍ أكثرَ فداحة؛ مثل تزوير «نسب أكثر زيفًا» لجون روبرتس من كارديف «إذ كان والد روبرتس بائعًا ودعيًّا.»36 وأخيرًا في عام ١٦٠٢، أُقيل ديثيك من وظيفته، ولكنه رفض ببساطةٍ ترْكَها واستمرَّ في التمسُّك بقراره نظرًا لاحتياطه بتزوير خطابِ تعيينه المختوم بختْم الدولة، الذي يُقِرُّ تعيينه، ونفَّذ الأمر ببراعةٍ بالِغةٍ لدرجة أنَّ لون الشمع فقط هو الذي فضَح حقيقة أنه ليس أصليًّا.37 على أي حال، كان شعور ديثيك بالخِزي شعورًا مُؤقَّتًا وتبِعه حصوله على مكانة الفروسية في العام التالي؛ فكان هذا أسلوب تعبير جميس الأول عن امتنانه لمساعي ديثيك الحميدة في عام ١٥٨٧ حينما ساعد في تنظيم جنازة والدة الملك المعدومة، ماري ملِكة اسكتلندا المَوصومة بالعار.

ما نراه هنا هو تَسلسُلٌ هرَمي يئنُّ في كل موضع؛ فكان من المُستحيل تقريبًا التأكُّد من صحة الأنساب، وبدأت أشكالٌ جديدة من المكانة الاجتماعية تتنافَس معها. كان الهدف الأساسي والمهمة الرئيسية لمجمع شعارات النَّبالة هي فصل العامَّة وغير المُستحقِّين للمكانة المُرتفِعة عن باقي الأفراد، وبما أنه، رسميًّا، كانت مهمَّة مسئولي المجمع تتمثَّل في حماية أنساب العائلات والحفاظ عليها، فمن الواضح أنهم فشِلوا في أداء وظيفتهم. ومع ذلك، عَكسَت — ببساطةٍ — الأزمة في مجمع شعارات النَّبالة إجمالًا، الأزمة الاجتماعية في المكانة والطبقات التي نَشأَت بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الجديدة وغير المسبوقة؛ فلم يعُد هذا عالمًا تُمثِّل فيه الأرض المصدر الوحيد للثروة؛ ومن ثَمَّ يمكن للثروات الجديدة أن تتفوَّق بسهولةٍ على السُّلالات القديمة، على الأقل من حيث القِيمة النقدية، وإن لم يكن من حيث مسألة «الشرف» فائقة الوصف. وعلى قول فولستاف في مسرحية «هنري الخامس»، الشرَف أمرٌ غيرُ ملموس، وفي مجتمعٍ يزداد اهتمامه بالرِّبح المادي الضخم، كان ثَمَّةَ العديد من النقاط في النظام الاجتماعي؛ حيث أصبح الخطُّ الفاصل بين النُّبلاء والعامَّة في واقع الأمر رفيعًا للغاية.

تَناحَر مسئولو مجمع شِعارات النَّبالة فيما بينهم على غنائمِ وظيفتهم وعلى أمورٍ تتعلق بالاختصاص والبروتوكول. وتَعرَّض منح شعار النَّبالة لشكسبير للخطر بسبب جدالٍ داخلي حينما ادَّعى أحد هؤلاء المسئولين، وهو رالف بروك، أن الأفراد «الوُضَعاء» [الحقيرين، والعاديِّين] أصبحوا يحصلون على شِعارات النَّبالة، فاتَّهم ديثيك على وجه الخصوص بالفساد المهني وطالَبَ بإلغاء الشعارات الممنوحة على نحوٍ غيرِ مُستحَق. لم يعترِض بروك على الشعار الممنوح لشكسبير فحسب؛ بل ادَّعى أيضًا حصول مُبيِّض بالجِبس من العامة على شعارٍ يُشبِهُ تمامًا الشعار الملكي. وبجوار الرسم المبدئي لشعار شكسبير الذي منحه له ديثيك، كبير مسئولي المجمع، كتب باستهزاءٍ مُعبِّر: «شكسبير المُمثِّل، من مسئول المجمع.» ومن الواضح أنَّ المُبيِّض بالجبس والمُمثِّل كانا يُعتبَران مُتساوِيَين اجتماعيًّا. هذا وقد أشار إلى جوهر هذه المشكلة السير هنري بيتشام في كتابه «الرجل النبيل الكامل» في فصل يحمل العنوان الطنَّان إلى حدٍّ ما «عن شعارات النُّبل مع عراقة مسئولي مجمع شعارات النَّبالة وكرامتهم»؛ فبالنسبة لبيتشام كان من المُهمِّ «تمييز ومعرفة الشخص مُحدَث النعمة المُتطفِّل، الذي نما وكبُر مِثل عيش الغراب المزروع الليلة الماضية، عن الرجل النبيل عريق النَّسَب والمُستحِق للَّقب.»38 هذا ويُطالب بيتشام ﺑ «تدارُك هذا التجاوُز الذي لا يُحتمَل.» وكان شكسبير «الغُراب المغرور» بالضبط من نَوع مُحدَثي النعمة الذي «نما وكبُر مِثل عيش الغراب المزروع الليلة الماضية.» الذي قصدَه بيتشام؛ فقد ظهر اسمُه في قائمة بروك للألقاب المُخالِفة، بسبب حصوله، رغم كونه مُجرَّد مُمثِّل، على شعارٍ يُشبِهُ كثيرًا الشعارات التي كانت تُمنح لكبير نُبلاء المنطقة، اللُّورد مولي، حتى إن كانت هذه السلالة قد اضمحلَّت منذ وقتٍ طويل إلى حدِّ الانقراض بسبب افتقارها إلى الوَرَثة الذُّكور، وكان آخِر لورد مولي قد تُوفِّي في عام ١٤١٥.39

كان هذا هو حقل الألغام الخاص بالتمييز الاجتماعي الذي تمكَّن مجمع شعارات النَّبالة من اجتيازه وكان يُمارس فيه صفقاته ومُساوماته؛ فكان رئيسه، الإيرل مارشال، أيضًا رئيسًا للمحكمة العُليا للفروسية، التي كانت تُعرَض عليها القضايا المُتنازَع عليها؛ لذا على الرغم من اعتراضات بروك، فلم تصِل قضية شكسبير لهذه المحكمة قَط، ربما لأنَّ ديثيك — كبير مسئولي المجمع والذي لم يكن يرأسه إلَّا مُساعد الإيرل مارشال والإيرل مارشال نفسه — كان في أعلى التسلسُل القيادي بحيث يصعُب تَحدِّيه.

يُمكن معرفة الكثير عن عمل مجمع شعارات النَّبالة من ويليام ديثيك، المُوظَّف الأساسي في حالة شكسبير؛ فيرتكِز نسَب ديثيك نفسه على قصةٍ خيالية مصنوعة بمهارةٍ أكثر من الوراثة والدم؛ فقد كان جَدُّه مُهاجرًا ألمانيًّا، ووصل والده إلى أعلى المناصب في مجمع شعارات النَّبالة بادِّعاء انحِداره من أُسرةٍ من النبلاء تحمل الاسم نفسه في داربيشاير. تَزوَّج ديثيك من توماسين يانج، ابنة بائع أسماك في لندن. كذلك مارس انتهاكًا سافرًا لفكرة أن مكانة النُّبلاء تقتضي مجموعة من السلوكيات الحميدة، أو كما ذكرها شكسبير بسُخرية في حديثه عن مُهرِّجَي البلاد المُرتَقِين حديثًا في المكانة الاجتماعية في مسرحية «حكاية الشتاء»: «علينا التصرُّف بنُبل الآن بما أنَّنا أصبحنا من النُّبلاء» (الفصل الخامس، المشهد الثاني، السطران ١٤٩-١٥٠). اشتُهر ديثيك بعُنفه؛ فقد اعتدى على زوجة أحد زملائه من مسئولي المجمع، وعلى قِس، وعلى والده هو شخصيًّا، وكان الاعتداء الأول هذا عنيفًا للغاية لدرجة أنه كُوي بقضيبٍ من الحديد الساخن كنوع من العقاب. كان الوَسْم علامةً مرئية ودائمة على إساءة التصرُّف، تمامًا مِثلما كان شِعار النَّبالة علامةً مرئية ورمزية على الشرَف. ويُقال إن إيرل إسكيس النبيل، الذي لم يكن إلَّا إيرل مارشال مجمع شعارات النَّبالة، عندما طُلب منه طاعة مسئول مجمع شعارات النَّبالة، في أثناء انقلابه الفاشل في عام ١٦٠١، هاجمه بسبب هذا قائلًا: «لا أرى أيَّ مسئول مثل هذا هنا إلَّا هذا الموسوم، الذي لا أعتبِرُه هكذا.»40
ربما ينعكِس الجدَل حول منح شكسبير شِعار النَّبالة في عمله «السونيتات» في تأمُّلاته حول الوسم: «هكذا لحِقَت باسمي تلك الوصمة» (السونيتة ١١١، البيت ٥).41 يعني هذا البيت أنَّ اسمه هو الذي تَشوَّه وليس جسمه؛ نظرًا لأنَّ الشاعر هنا يتحدَّث لا عن الوسم بالقضيب الحديدي الساخن، ولكن بالأحرى النُّسخة الشرفية من وَسمِ المُجرمِين. اشتمل هذا على وضْع خطٍّ أو شريطٍ أسود على شعار النَّبالة يُشير إلى سليلٍ غير شرعي لأُسرةٍ مُستحِقَّة لشعار النَّبالة؛ فبالأساس، يعني بيت «هكذا لحِقَت باسمي تلك الوصمة.» معاناته بالضرورة من أسوأ إساءة للسُّمعة على الإطلاق؛ فكما علِم شكسبير من عرْضِه لشخصية دون جون الدعيِّ في مسرحية «ضجة كبيرة حول لا شيء»، وإدموند في «الملك لير»، والدعيِّ في «الملك جون»، كان وضع الأبناء غير الشرعيِّين يُمثِّل وصمةً اجتماعية عميقة لا يمكن مَحْوُها بمجرَّد حقيقة انتسابهم بيولوجيًّا لعائلة من النُّبلاء؛ فعندما دُفن الابن غير الشرعي لأخي شكسبير إدموند في فناء كنيسة القديس المُخلِّص، ذُكر في سجل الأبرشية على أنه «وضيع المَولد». لم تكن كلمة «وضيع» تعني «خارج إطار الزَّواج» فحسْب، بل كانت العكس أيضًا من «نبيل»؛ ومن ثَمَّ، كان «خِزي الأدعياء» الذي وَردَت مُعاناة الشاعر منه في «السونيتات» يُمثِّل أسوأ أنواع التَّشويه لسُمعة الشاعر.
في الواقع، في العصر الإليزابيثي والعصر اليَعقوبي في إنجلترا ربما كان تعرُّض النبيل لِوَسمِ المُجرِم يُمثِّل عائقًا اجتماعيًّا أخفَّ وطأةً من فقدان الاسم والسمعة؛ فقد تعرَّض بن جونسون الكاتب المسرحي المعاصر الشهير لشكسبير للوسم في إبهامه حينما أُدين بقتل زميله الممثل جابريل سبنسر. ونجا جونسون من الشنْق بسبب قُدرته على تلاوة «آية التوبة»، وهي الآية الأولى من المزمور الحادي والخمسين؛ ومن ثَمَّ، طالَب ﺑ «الحصانة الإكليريكية». لم يكن لهذه المِحنة أي تأثيرٍ ملحوظ بأيِّ نحوٍ على مسيرته الأدبية؛ فقد كان جونسون حاصلًا على شعارِ نبالةٍ اسكتلندي من جانب والِدِه البيولوجي. وإن لم يكن هذا كافيًا، فقد كان حصوله على درجة الماجستير الشَّرَفية من جامعة أكسفورد (فهو مثل شكسبير لم يلتحق قَطُّ بالجامعة) يستوفي أيضًا مؤهلًا آخر من مُتطلَّبات مكانة النبلاء، الذي افتقر شكسبير إليه أيضًا. ونظرًا لتمتع جونسون بامتياز النَّبالة منذ مولده، فلم يكن بحاجة إلى السعي للحصول عليه من مجمع شعارات النَّبالة. وفي الحقيقة، في مسرحيته «كل امرئ خارج مزاجه»، التي عُرضت في عام ١٥٩٩، سَخِر من طموحات شكسبير الاجتماعية في شخصية رجلٍ قروي ساذج يُدعى سوجلياردو، الذي باع أرضه حتى يشتري ملابسَ أنيقة وشعار النَّبالة. بالإضافة إلى هذا، كان من الواضح أن شعار سوجلياردو «ليس من دون خردل» سخرية من شعار شكسبير «ليس من دون حق». والخردل؛ هذا النوع من البُهارات ذو اللون الأصفر الزاهي المُستخدَم في الأطعمة العادية أو «المأكولات الشائعة»، هو بمنزلة اللَّون الذهبي لشعارات النَّبالة لفردٍ من العامة. في الواقع، كان أحد أوجه التمييز الأساسية بين الناس في إنجلترا في أوائل العصر الحديث يتمثل فيما يتناولونه، وبالأساس، ما يستطيعون تحمُّل نفقة تناوُله؛ فيصِف ويليام هاريسون «النظام الغذائي القاسي والقارص»،42 والذي كان يتكون من الخُبز والجبن وزجاجةِ جعةٍ صغيرة مع أعشابٍ خضراء، وندرة الطعام لنسبةٍ كبيرة من السكان. ويرى جونسون أن الخردل يُمثل حليةً مناسبة لسمعة المُمثِّل أكثر من اللون الذهبي لشعار النَّبالة. وفي مسرحية «الشويعر» يسخر جونسون من المُمثِّلِين من العامَّة، الذين على الرغم من تصنيف القانون لهم على أنهم من المَعدومِين، يطمحون للحصول على امتياز نبالة: «نسُوا أنهم يندرجون تحت تصنيف الرعاع، فوصْفُهم، وتصويرهم، هم وأنسابهم يُوجد هناك؛ لذا، فهم ليسوا بحاجة إلى تمييزٍ أكثر من ذلك، بحسب اعتقادي.»43
مع ذلك، يُوضِّح جونسون أيضًا على نحوٍ ما تعقيدات المكانة الاجتماعية في إنجلترا في أوائل العصر الحديث لأنه، بينما كان ينتمي إلى طبقة النُّبلاء منذ مولده، وإن كان قد وُسِم لارتكابه جريمة، فإنه قضى مُعظم حياته المهنية ككاتبٍ مسرحي وشاعر وعضوٍ يدفَع رسومًا من أجل العضوية في شركة زوج والدتِهِ النقابية التي تعمل في مجال البناء، بريكلايرز. بالإضافة إلى هذا، كافة الشركات في لندن، التي كان يُنظَّم من خلالها التصنيع والتجارة في المدينة، كانت حاصلةً أيضًا على شعارات نَبالة، وكانت هذه الشعارات، مِثل الممنوحة للأُسَر، يمنَحُها مجمع شعارات النَّبالة نفسه الذي مَنحَ شكسبير نسَبَه الذي سعى طويلًا وراءه. وربما بسبب الجوانب الفنية والمُتعلِّقة بالتصميم المَطلوبة في وظيفتهم، كان كثيرٌ من العاملِين في المجمع هم أنفسهم أعضاء في شركة بينترز آند ستينرز الخاصة بالرسامِين والصبَّاغِين؛ ومن ثَمَّ كان الحدُّ الفاصل بين النَّبالة والتجارة أقلَّ وضوحًا مما نتخيَّل عادةً. وعلى نحوٍ مُتزايد أيضًا، ظَهرَت في هذه الفترة مزاعم تُعبِّر عن كون العمل الشريف يُعبِّر عن نَبالة الشخص؛ ففي مسرحية «إلى الشرق، هيا!»، يظهر «العمل الشريف» بوصفه مصدرًا للشَّرَف الحقيقي:
أيًّا كان ما قد يُطلِق عليه بعض الشباب المُتكبرِين خِزيًا،
فإنَّ عائد العمل الشريف لا يُعتبَر وضيعًا أبدًا؛
فمن التجارة، ومن الفن، ومن البسالة، ينبُع الشَّرَف؛
فهذه الأشياء الثلاثة هي حقًّا ينابيعُ لِشَيمِ النُّبَلاء والملوك.
(الفصل الأول، المشهد الأول، الأسطر ١٧٢–١٧٥)44
بالمِثل، كانت صناعة الأحذية تُعرَف ﺑ «الحرفة النبيلة»، وهي فكرةٌ استعرَضَها توماس مِيدلتون في مسرحيَّتِه الكوميدية «عطلة إسكافي». هذا وتُمثِّل مسرحية فرانسيس بومونت «فارس المِدقَّة المُشتعِلة» مُحاكاةً ساخرة لمزاعم الفروسية للمُتدرِّبِين الحرفيِّين؛ فالمِدقَّة هي إشارة إلى مُحضرِي الأدوية و«المِدقَّة المُشتعِلة»، أو العضو الذكري، هي مزحة عن متاعِب الأمراض التناسُلية؛ حتى إنَّ شكسبير نفسه استعرض موقفًا تخيليًّا ذا صِلة متعلقًا بالمكانة، لكنه كان، في الواقع، مناسبًا أكثر لا لوضعه فقط بل لوضع كثيرٍ من أبناء النُّبلاء الأصغر سنًّا، الذين بسبب نظام البُكورة، الذي يرِث بموجبِهِ الابن الأكبر كلَّ شيء، اضطُرُّوا إلى الالتحاق بالتدريب المهني في الأعمال التجارية؛ فأورلاندو في مسرحية «كما تشاء» هو ابنٌ أصغرُ محروم (في هذه الحالة من أخيه الأكبر) من حقِّهِ في مكانة النُّبل وشَرعَ في مُمارسة عملٍ حقير: «ولكن رُوح أبي استَيقظَت فيَّ، ولن أتحمَّل هذا طويلًا. خَصِّص لي إذَن التمارين التي تليق برجلٍ نبيل» ((الفصل الأول، المشهد الأول، السطران ٦٦-٦٧).45
مع ذلك، كان شكسبير على دراية، تمامًا مِثل جونسون، بِحُمق هَوَس الحصول على شعارات النَّبالة الذي ساد في أواخر القرن السادس عشر؛ فيسخَرُ من كون المناصب القضائية أحد مُؤهِّلات الحصول على مكانة النُّبلاء والداعمة لها في مسرحيته «زوجتا وندسور المرحتان»؛ حيث كان «روبرت شالو، السيد» يعمل أيضًا قاضي صُلح، وقاضي سِجلَّات، وكان «نبيلًا بالمولد» ولدَيه «اثنتا عشرة من أسماك البيقة» التي يُمكن وضعُها على شِعارات النَّبالة لأحفاده. إن شالو، كما ورَدَ في مسرحية «هاملت»، فيما يتعلق بالنَّبالة «مُؤهَّل بموجب القانون والمكانة» (الفصل الأول، المشهد الأول، السطر ٨٦) إلى حدِّ الإفراط الهزلي. وربما كان شكسبير يَسخَر من نفسه ومن ادِّعاءات النَّسَب من أجل الحصول على المكانة، حينما جعل في مسرحيته «ترويض النمرة» كريستوفر سلاي، أحد أبناء بورتون هيث (بارتون-أون-ذا-هيث)، وهي قرية بالقُرب من ستراتفورد، يدَّعي انتسابه لأُسرة الملك النورماندي المذكور اسمه على نحوٍ خاطئ «ريتشارد [ويليام] الفاتح». والأهم من ذلك أنَّ شكسبير يتساءل أيضًا عن الأساس المفاهيمي للمكانة في حدِّ ذاتها؛ ففي مسرحية «الملك لير»، تكسو الإنسانيةُ البدائية، «الحيوانُ العاري، الذي يُشبِهُ الشوكة [يسير على قدمَين]» (الفصل الثالث، المشهد الرابع، السطر ١٠٦)، المقصود به الإنسان، نَفسَها بملابس الثراء والمناصب في محاولةٍ لا طائل منها لإنكار ضَعفِها الفِطري المُتمثِّل في طبيعتها الفانية، التي يكون الجميع عُرضةً لها، بصرْف النظر عن مركزهم. في مسرحية «الملك لير» يكون إنكار مِثل هذا القاسم المُشترَك مصدرًا للفساد الأخلاقي؛ فيكون «النبيل العادي» مقبولًا اجتماعيًّا أكثر من «الحيوان العاري، الذي يُشبِه الشوكة». وورد على لسان حفَّار القبور في مسرحية «هاملت» ملحوظةٌ مُتطرِّفة مُشابِهة حينما ادَّعى أن آدم كان «أول نبيل»، فقال: «فليس في العالم أعرق نَسَبًا من الزُّرَّاع والحفَّارين وصانعي القبور» («هاملت»، الفصل الخامس، المشهد الأول، السطران ٢٩-٣٠).46
كانت ألوان شعارات النَّبالة أيضًا أحد الأشكال الزُّخرفية الزاهية ذات الاستهلاك الملحوظ؛47 فربما كان الأفراد غير القادرِين على تبرير طلَبهم المُتقدِّمِين به لمجمع شعارات النَّبالة للحصول على شعار النَّبالة، أو غير الراغبين في ذلك، بسبب المشقَّة والنفقات، يَشرعون على أي حالٍ في تزيين منازلهم ومُمتلكاتهم دون تصريح. احتجَّ هنري بيتشام بشِدَّة على هذه الممارسة، لا سيما حينما وجد شعار نبالة من سلالة النُّبلاء الفرنسية منسوخًا بفخرٍ على باب أحد التجار، فقال: «وحتى قصصهم المُلفَّقة لا يُمكن أن تُرضيهم، فإن رأَوا في أي أرضٍ أو مكان يُسافرون إليه شعارًا أجمل من شعارهم (إذ إنهم يُقيِّمون جمال الشعارات أو حُسنها، كحَمقانا، بحسب تنوُّع ألوانها)، فإنهم حين عودتهم يصنعون منه نسخةً زجاجية منها ليستخدموها هم وورثتهم.»48 فكان عرض الشعارات دون وجه حق، أو اقتراض ألوان الشعارات الأجنبية لأنها أجمل — مثلما تُعبِّر الإضافة الساخِرة لكلمة «حمقى» أو المُتَّسمِين بالبلاهة فطريًّا هنا — يُمثِّل انتهاكًا واضحًا للقانون، ومع ذلك يبدو أنها كانت ممارسةً شائعة للغاية بحيث كان يصعُب على مجمع شعارات النَّبالة القضاء عليها بالكامل.
أيًّا كانت الاعتراضات على حصول شكسبير على شِعار النَّبالة، فعلى الأقل لقد حصل عليه عبر القنوات الرسمية. ولم يكن عام ١٥٩٦ هو العام الوحيد الذي تعامَلَت فيه أسرة شكسبير مع مجمع شعارات النَّبالة؛ فقد تَقدَّم جون شكسبير مرةً أخرى في عام ١٥٩٩، بعد عامٍ واحد من تأليف «هاملت»، بطلبٍ من أجل أن يُجرى «تربيع» أو «دمج» شعار نَبالته مع شعار نبالة أردين، نَسَب شكسبير من جهة والدته. هذا وسيُظهِر شعار النَّبالة المُقسَّم إلى أربعة أجزاءٍ الصِّلة الأرستقراطية المزعومة بأُسرة إيرلات ووريك من خلال تقسيم الشِّعار رأسيًّا، مع وضع شعار شكسبير في النصف الأيمن، ووضع شعار أردين في النصف الأيسر. وفي مسرحية «حلم ليلة منتصف صيف» تصِف هيلينا قُربها من هيرميا قائلة: «… لكنهما تفترِقان فتتوحَّدان … كاللتَين تعلُوان درع النبالة، تنتميان لرجلٍ واحد، وتعلوهما ريشةٌ واحدة» (الفصل الثالث، المشهد الثاني، الأسطر ٢١٠–٢١٤)49 [ترجمة د. محمد عناني]. وفي رأي هنري بيتشام لم تكن هذه الممارسة أكثر من مُجرَّد شكلٍ آخر من أشكال سُوء الاستِعمال: «إنَّ هذا خلْط (أو أكاد أجزم أنه تنافُر) في الشعارات؛ فهذا تطفُّل على العائلات والمنازل القديمة بالإضافة إليها أو الإزالة منها.»50 وفي هذا الالتماس التالي للمجمع، على الأرجح خرَج الأمر عن سيطرة أُسرة شكسبير نظرًا لتعرُّض التصميم الأصلي للإلغاء لصالِح أُسرة أردين الأقلَّ مكانة، وفي النهاية لم تحصل الأُسرة على الشعار الجديد على الإطلاق.51 والمُثير للاهتمام أيضًا استمرار وصف جون شكسبير بأنه أحد مُلَّاك الأراضي — لكن ليس نبيلًا — في يناير عام ١٥٩٧ حينما باع جزءًا من الأرض لجورج بادجر. ربما كان جون شكسبير أحد هؤلاء الأشخاص المزعومِين الشاعرِين بالخِزي، الذين امتدَّ طموحهم الاجتماعي إلى أَبعدَ بكثيرٍ من إمكانياتهم. وكان تعليق ويليام هاريسون أنَّ هؤلاء الناس لم يكونوا أهلًا لمراكزهم، بل كانت مُؤهِّلاتهم أقلَّ منها؛ «فهُم على الأرجح كانوا يرتدون أحذيةً عالية الرَّقبة أكبرَ ممَّا تتَّسِع له أرجُلُهم.»52
ربما بسبب الاضطراب الذي حدَث في التَّسلسُل الاجتماعي عقب تدفُّق الثروات الجديدة وتطوير لندن، ظهر سوقٌ جديد للكُتُب عن شعارات النَّبالة، كان أبرزها كتاب بيتشام بالإضافة إلى كتاب لأوجستين فينسينت، الذي عرَض، بالطبع، مكانته بألوانٍ برَّاقة على صفحة العنوان: «بارون أبتون، جيرارد لي، السيد فيرن، السيد جيليم (بورسويفونت المِشبك الحديدي سابقًا).» في الواقع، نشَرَ أيضًا ويليام جاجارد، المسئول عن طباعة «المطوية الأولى» لشكسبير، العديد من الكُتُب عن شعارات النَّبالة، وتَزامَن وقتُ طباعة «المطوية الأولى» تقريبًا مع طباعة كتاب فينسينت.53

باختصار، كان تعليق مسئول مجمع شعارات النَّبالة بروك التهكُّمي على شكسبير بقوله «المُمثِّل»، على الرغم من نجاحه المسرحي الهائل في لندن، علامةً مُهمَّة على طريقة قراءة مسألة المكانة والتسلسُل الهرَمي في هذا المُجتمع. «نحن» نُقدِّر شكسبير أكثر من اللورد مولي، أمَّا «هم»، فلا؛ فلم يكن أحد في إنجلترا في العصر الإليزابيثي يُمكن أن يتخيَّل أنه بعد أن تهدأ مُجريات التاريخ، سيبرُز ويليام شكسبير، «المُمثِّل»، على كلِّ أقرانه بوصفه أشهر رعايا الملِكة.

هوامش

(1) M.R. Macdonald, “Clopton, Hugh (c.1440–1496),” ODNB.
(2) Harrison’s Description of England in Shakespeare’s Youth. Being the Second and Third Books of His Description of Britaine and England. Edited from the first two editions of Holinshed’s Chronicle, A.D. 1577, 1587, by Frederick J. Furnivall, pt 1 (London: The Shakespeare Society, 1877) pp. 128-9 (spelling modernized).
(3) All references to Much Ado About Nothing are from William Shakespeare, Much Ado About Nothing: The Arden Shakespeare, ed. A.R. Humphreys (London: Methuen Drama, 1981).
(4) William Shakespeare, Othello, ed. E.A.J. Honigmann (Walton-on-Thames: Thomas Nelson and Sons, 1997).
(5) William Shakespeare, King Henry IV. Part I: The Arden Shakespeare, ed. A.R. Humphreys (London: Methuen Drama, 1960).
(6) William Shakespeare, Henry V, ed. T.W. Craik (New York: Routledge, 1995).
(7) References to Shakespeare’s poems are from William Shakespeare, Shakespeare’s Poems: Venus and Adonis, The Rape of Lucrece and the Shorter Poems, ed. Katherine Duncan-Jones and H.R. Woudhuysen (London: Arden Shakespeare, 2007).
(8) Sir John Ferne, The Blazon of Gentrie (1586) STC/10824; Sir John Ferne, The Blazon of Gentrie (1586), STC/10824; Katherine Duncan-Jones, Shakespeare’s Life and World, London: The Folio Society, 2004), p. 117. See also Raymond Carter Sutherland, “The Grants of Arms to Shakespeare’s Father,” Shakespeare Quarterly 14 (1963): 379–85 at 383.
(9) See Sutherland, “Grants of Arms,” p. 383
(10) For the documents bearing out these facts, see David Thomas, ed., Shakespeare in the Public Records (London: Her Majesty’s Stationery Office, 1985), p. 5.
(11) William Shakespeare, The Merchant of Venice: The Arden Shakespeare, ed. John Russell Brown (Walton-on-Thames: Thomas Nelson, 1998).
(12) Keith Wrightson, Earthly Necessities: Economic Lives in Early Modern Britain (New Haven: Yale University Press, 2000), p. 191.
(13) Samuel Schoenbaum, William Shakespeare: A Documentary Life (New York: Oxford University Press, 1975), p. 227; Sutherland, “Grants of Arms,” pp. 379–85.
(14) Sir John Ferne, The Blazon of Gentry (1586); quoted in Samuel Schoenbaum, William Shakespeare: A Compact Documentary Life (New York: Oxford University Press, 1987) at p. 38. For a list of the offices in the College of Arms see G.E. Aylmer, The King’s Servants: The Civil Service of Charles I, 1625–1642 (London: Routledge and Kegan Paul, 1961), p. 482.
(15) William Shakespeare, The Winter’s Tale: The Arden Shakespeare, ed. John Pitcher (London: Arden Shakespeare, 2010).
(16) William Shakespeare, Hamlet: The Texts of 1603 and 1623, ed. Ann Thompson and Neil Taylor (London: Arden Shakespeare, 2006).
(17) See Margreta de Grazia, Hamlet without Hamlet (Cambridge: Cambridge University Press, 2007), p. 94.
(18) Katherine Duncan-Jones, Ungentle Shakespeare: Scenes from His Life (London: Arden, 2001), p. 85.
(19) See Anthony Wagner, Heralds of England (London: HMSO, 1967), p. 215, and, on Shakespeare, p. 203.
(20) Wrightson, Earthly Necessities, p. 22.
(21) Harrison, Description of England, p. 128.
(22) See Thomas Woodcock and John Martin Robinson, The Oxford Guide to Heraldry (Oxford: Oxford University Press, 1990), pp. 35–8.
(23) Sutherland, “Grants of Arms,” p. 382.
(24) William Shakespeare, King John: The Arden Shakespeare, ed. E.A.J. Honigmann (London: Methuen and Co., 1954).
(25) Wagner, Heralds of England, p. 204.
(26) Woodcock and Martin, Oxford Guide to Heraldry, p. 145; see also Aylmer, King’s Servants, p. 43.
(27) A.L. Rowse, The England of Elizabeth: The Structure of Society (New York: Macmillan, 1951), p. 247; Wagner, Heralds of England, p. 237.
(28) Wagner, Heralds of England, p. 237.
(29) Wagner, Heralds of England, p. 238.
(30) Quoted in Felicity Heal and Clive Holmes, The Gentry in England and Wales, 1500–1700 (Stanford: Stanford University Press, 1994), pp. 29, 390.
(31) Frederick Wilson Kittermaster, Warwickshire arms and Lineages: Compiled from the Heralds’ Visitations and Ancient MSS (London: 1866), p. viii.
(32) Mark Noble, A History of the College of Arms (London: J. Debrett, 1804), p. 169.
(33) Wagner, Heralds of England, p. 207.
(34) See Wyman H. Herendeen, “Brooke, Ralph (c.1553–1625),” ODNB and Basil Morgan, “Brandon, Richard (d. 1649),” ODNB.
(35) Wagner, Heralds of England, p. 215.
(36) Wagner, Heralds of England, p. 205.
(37) I am grateful to Nigel Ramsey for this information.
(38) Henry Peacham, The Compleat Gentleman (London: 1622), p. 138.
(39) For complaints about the College of Arms, see William Smith, Rouge Dragon, “A Brief Discourse of the Causes of Discord Amongst the Offices of Armes,” MS. Folger V.a.157; MS V.a.199. The scribal copy is dedicated to Elizabeth’s chief minister, Lord Burghley.
(40) Katherine Duncan-Jones, Ungentle Shakespeare, p. 102; Noble, History of the College of Arms, p. 199.
(41) William Shakespeare, Shakespeare’s Sonnets: The Arden Shakespeare, ed. Katherine Duncan-Jones (London: Methuen Drama, 2010).
(42) Quoted in Wrightson, Earthly Necessities, p. 33.
(43) Schoenbaum, Compact Documentary, pp. 229-30.
(44) George Chapman, Ben Jonson, and John Marston, Eastward Ho! ed. R.W. Van Fossen (Manchester: Manchester University Press, 1999).
(45) William Shakespeare, As You Like It: The Arden Shakespeare, ed. Juliet Dusinberre (London: Arden Shakespeare, 2006).
(46) Noble, History of the College of Arms, p. 33.
(47) Peacham, Compleat Gentleman, pp. 142, 145.
(48) Peacham, Compleat Gentleman, p. 150.
(49) Schoenbaum, Compact Documentary Life, p. 230; William Shakespeare, A Midsummer Night’s Dream: Texts and Contexts, ed. Gail Kern Paster and Skiles Howard (Boston: Bedford/St. Martin’s, 1999).
(50) Peacham, Compleat Gentleman, p. 39.
(51) Schoenbaum, Compact Documentary Life, p. 230.
(52) Quoted Wagner, Heralds of England, p. 187; Harrison, Description of England, pp. 128-9 (spelling modernized).
(53) Edwin Eliott Willoughby, A Printer of Shakespeare: The Books and Times of William Jaggard (P. Allan, London: 1934), pp. 267–75.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤