محاولة للعثور على طرف الخيط

كان الاجتماع في حديقة منزل «عاطف» اجتماعًا هامًّا ومثيرًا … فقد حضره كلُّ المغامرين والمفتش «سامي» والشاويش «علي» و«زنجر» أيضًا الذي كان يعتقد أن له دورًا كبيرًا في المغامرة القادمة … لقد أدرك من المناقشات التي سمعها أن المغامرين في هذه المرة لا يبحثون عن مغامرة كالعادة … بل إن المغامرة موجودة.

وكان ذلك صحيحًا … فقد كان حديث المفتش «سامي» يدور حول اللغز الماضي والذي كان اسمه «لغز بلا نهاية» … وقال المفتش: نعم … فقد هرب زعيم العصابة في ذلك اللغز دون أن نقبض عليه!

قالت «نوسة»: إن لنا مغامرة سابقة استطاع فيها الزعيم أن يهرب … ولكننا عثرنا عليه بعد ذلك!

المفتش: نعم … إن كثيرًا من حوادث الحياة تتكرر … ولذلك يقولون: إن التاريخ يعيد نفسه.

تختخ: أعتقد أننا إذا لخصنا اللغز الماضي، وبحثنا في التفاصيل، ربما استطعنا أن نجد خيطًا يقودنا إلى الرجل الذي هرب.

المفتش: اللغز الماضي يتلخص في أن رجلَين مجهولَين خطفَا صديقتكم «سماء»؛ لأنها سمعت منهما حديثًا لم يكن لها أن تسمعه … وشاهدت شيئًا لم يكن لها أن تراه.

لوزة: لقد تم ذلك بالمصادفة!

المفتش: نعم … ظلام السينما … وقد خطفوها من السينما بطريقة مبتكرة، وقد استطاعت أن تترك مع بائع اللب الجالس أمام السينما بضعَ كلمات قادَتْنا إلى ركن حلوان حيث عثرنا على أول أثر لهذه العصابة، وقد استعدنا «سماء» التي كانت تعيش في يخت على مياه النيل. ولكن زعيم العصابة الذي يسمونه «الخواجة» استطاع الفرار بأن ألقى بنفسه في النيل … وبرغم أننا بذلنا جهدًا كبيرًا في البحث عنه فإننا لم نعثر عليه.

عاطف: ولكن قبضتم على بعض أفراد العصابة؟

المفتش: نعم … ولكن هؤلاء لا يعلمون شيئًا عن «الخواجة» … أكثر من أنه استعان بهم في إخفاء «سماء» … وقد ظنوا أنها جريمة خطف … ولكن الذي أعتقده أنا أنها قضية جاسوسية من الدرجة الأولى.

محب: إن ما شاهدته «سماء» في السينما كان شيئًا يُشبه السهم، ولكن بشكل معقد … فهل هذا الشيء هو ما تظن أنه يدل على قضية جاسوسية؟

المفتش: تمامًا … إن اهتمام العصابة بخطف «سماء» يدل على أهمية الشيء الذي شاهدته.

محب: هل هو مثلًا نموذج لصاروخ؟

المفتش: هذا ممكن جدًّا … فهناك تجارب الآن تُجرَى على صواريخ حربية، وقد يكون هذا الجاسوس قد حصل على نموذج مصغر لها … وفي هذه الحالة فإن أمامنا واجبًا قوميًّا يُحتِّم علينا القبض عليه ومنعه من مغادرة البلاد!

نوسة: هل قمتم بالبحث على شواطئ النيل؟

المفتش: بالطبع … لقد فتشنا الناحيتَين … فلم نعثر للرجل على أثر.

وسوف نعتمد على ذاكرة «تختخ» في رسم صورة له … فقد شاهده «تختخ» في الصالون داخل اليخت … أليس كذلك يا «توفيق»؟

رد «تختخ»: نعم … وسوف أقوم بمحاولة مع «عاطف» الذي يجيد الرسم، وعندما ننتهي من الصورة سأحدثك تليفونيًّا!

المفتش: اتفقنا … وسنوزع نُسَخًا من الصورة على جميع رجالنا للبحث عنه! وقام «المفتش» واقفًا، وانتهى الاجتماع الهام … وخرج المغامرون الخمسة يودِّعون صديقهم الكبير حتى باب الحديقة، وعندما عادوا إلى أماكنهم أسرع «عاطف» يحضر حامل الرسم ووضع عليه بعض الأوراق السميكة البيضاء … وجلس «تختخ» وحوله بقية المغامرين وقال: وجه الرجل قصير … أقرب إلى أن يكون مربعًا … وبدأ قلم «عاطف» يعمل على الورق، وكلما انتهى من جزء من الوجه سأل «تختخ» رأيه فيه … حتى اقتربت ساعة الغداء، فانفض الجميع على أن يعاودوا المحاولة في المساء … واتجه «تختخ» وخلفه «زنجر» على الدراجة إلى منزله … ولم يكَد يدخل حتى دقَّ جرس التليفون، وكانت المتحدثة هي «سماء».

قالت «سماء»: إن والدتي ووالدي يدعوانكم جميعًا إلى تناول الشاي معنا اليوم في السادسة.

فكر «تختخ» قليلًا ثم قال: إن هذا يُسعدنا … وبالمناسبة نحن نُعدُّ رسمًا لوجه زعيم العصابة التي اختطفتك، وسيكون من المفيد جدًّا أن تُلقيَ عليه نظرة … فأنت رأيته فترة طويلة … ويمكنك أن تُدليَ ببعض الأوصاف الدقيقة.

سماء: نعم … بالطبع يجب أن أساعدكم في القبض عليه … إن لديَّ معلوماتٍ عنه قد تهمُّكم، سمعتُها في أثناء فترة الخطف!

تختخ: عظيم … عظيم جدًّا … لقد كان مفيدًا أن تتصلي … وسنكون عندكم في السادسة تمامًا … فإلى اللقاء.

اتصل «تختخ» ببقية المغامرين، وروى لهم ما دار بينه وبين «سماء»، وطلب منهم أن يكونوا عند فيلا «سماء» في السادسة … وفي الموعد المحدد كان المغامرون الخمسة هناك … ومعهم «زنجر» الذي كان صاحبَ الفضل في اكتشاف أول أثر أدَّى إلى العثور على «سماء»، وعندما دخل المغامرون الحديقة كانت مفاجأة لهم أن وجدوا حفلًا رائعًا قد أُعدَّ … كانت الحديقة جميلة كأنها لوحة رسمها فنان عظيم … والموسيقى الخفيفة تنبعث من بين الأشجار … وفي ركن منها وُضعت مائدة مستديرة عليها عشرات من أصناف الجاتوهات والكعك والتورتة والفاكهة حتى لقد أحسَّ «تختخ» بمعدته تتقلص … ولم يَفُت «محب» أن يغمزه بإصبعه في بطنه وهو يقول: ستخرج من هنا ضعف حجمك الحالي!

قال «تختخ» متضايقًا: إنك لا تدَع فرصة تمر دون أن تشير إلى هذا!

محب: أراهنك على أنك لا تستطيع أن تتوقف عن الأكل حتى نخرج!

قطع الحوارَ ظهورُ «سماء» في فستان أبيض أنيق ومعها صديقتها «نسمة» التي كانت أول مَن اتصل بالمغامرين للاشتراك في إنقاذ «سماء».

وظهر والد «سماء» ووالدتها … ورحبوا جميعًا بالمغامرين الخمسة، وقالت الأم: إنني لن أنسى لكم هذا الجميل أبدًا … إنكم أولاد في منتهى الذكاء … وقد أنقذتم «سماء» من براثن هذا الرجل.

وأضاف الأب: نعم … إننا أسرَى فضلكم.

ردَّت «نوسة»: إن «سماء» أختنا وما كنا نتأخر عن المساهمة في إنقاذها!

أشارت الأم إلى المائدة العامرة وقالت: تفضلوا …

كان «عاطف» يحمل ما رسمه … فوضعه جانبًا، واتجه الجميع إلى المائدة، وسرعان ما كانت الشوك والسكاكين تعمل بانتظام بين قطع الجاتوه اللذيذة وأفواه المغامرين … ونظر «محب» إلى «تختخ» فوجده يضع قطعة ضخمة من التورتة في فمه، وتلاقَت نظراتهما وابتسم «محب».

وبعد نحو ساعة انتهوا جميعًا من تناول الشاي والجاتوه … وقاموا … ولاحظ الجميع أن «تختخ» ما زال منهمكًا في الأكل … وأسرعت «نوسة» إليه وهمست في أذنه: يكفي هذا يا «تختخ»!

ونظر «تختخ» حوله فلم يجد سواه على المائدة، فأسرع بالقيام وهو يُتمتم بكلمات الاعتذار.

ودخلوا إلى الفيلا، وكان الظلام قد بدأ يهبط … وفي غرفة الصالون الواسعة نصب «عاطف» أدوات الرسم … ثم أخذ يعرض عليهم ما فعله … وأخذت «سماء» تتأمل ما رسمه بدهشة ثم قالت: لقد استطعت أن ترسم ﻟ «هانز» صورة جيدة!

قال «تختخ» مندهشًا: هانز؟!

ردَّت «سماء»: نعم … كانوا ينادونه «هانز».

تختخ: مَن هم؟

سماء: الرجلان اللذان اختطفاني … أما بقية الرجال وهم جميعًا من أصحاب القوارب فلم يكونوا يرونه … فقط كانوا يُطلقون عليه اسم «الخواجة»!

تختخ: هذا كلام هام جدًّا!

أشارت «سماء» إلى أُذُنَي الرجل وقالت: كانت أُذُناه أكبر من هذا … ومائلة إلى الأمام …

علَّق والدها قائلًا: هذا ما يسمونه بالأُذُن الخفاشية نسبة إلى الخفاش!

زاد اهتمام «تختخ» بحديث «سماء» وأخذ «عاطف» يضيف ما طلبته إلى الرسم ووقف الجميع يرقبون ما يحدث باهتمام … لقد أضيف إلى العينين حول خفيف وإلى الشفتين إضافة بسيطة في الارتفاع … وبعد نحو ساعتين كان عند المغامرين صورة واضحة جدًّا ﻟ «هانز»!

وشكر المغامرون «سماء» ووالدَيها على الحفل الجميل … ومشَت معهم «سماء» تُودِّعهم حتى الباب الخارجي … وبينما كان «تختخ» يصافحها قال: هناك شيء بسيط آخر لا أدري ما إذا كان يهمُّك؟!

تختخ: كثيرًا ما تكون أتفه الأشياء في الألغاز والمغامرات من أهم ما يكون!

سماء: لقد كان «هانز» يشكو من أسنانه … كان طوال الوقت يتألم ويتأوه!

توقف «تختخ» عن السير وقال: هذه معلومات هامة جدًّا!

سماء: وكان أحد الرجلين الآخرين يُدعَى «جاك» يعرج في مشيته …

تختخ: هذا كلام شديد الأهمية، هل هناك شيء آخر؟

سماء: لا أتذكر الآن شيئًا آخر … إذا تذكرتُ شيئًا فسوف أخبرك به.

وركب الأصدقاء دراجاتهم بعد أن شكروا «سماء» ووالدَيها على الدعوة الكريمة … واتجهوا إلى حديقة منزل «عاطف» … كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة مساءً فقال «محب»: هل عندنا ما نفعله؟

تختخ: لا شيء إلا إخطار المفتش «سامي» بأننا أعددنا صورة «هانز» … وأن هناك معلومات جديدة … هي أن «هانز» كان يعاني من أسنانه وأن المدعو «جاك» كان يعرج!

عاطف: سأحضر لك التليفون وأخبر المفتش بذلك!

وأحضر «عاطف» التليفون … وسرعان ما كان «تختخ» يتصل بالمفتش «سامي» الذي قال: إنها معلومات هامة حقًّا … فمن المؤكد أن «هانز» لا يستطيع علاج أسنانه بنفسه … ولا بد أنه لجأ أو سيلجأ إلى طبيب أسنان للعلاج … وهذه فرصتنا لنضع يدَنا على طرف جديد للخيط قد يؤدي إلى العثور عليه!

تختخ: والصورة؟ متى أُرسلها لسيادتك فهي أولى خطواتنا في العمل؟!

المفتش: سأرسل لكم الشاويش «علي» لأخذها … وإرسالها لي … وسوف تطبع منها كميات نوزعها على رجال الشرطة وأطباء الأسنان في كل مكان!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤