بعض الاستنتاجات والأبحاث

لم تمضِ سوى نصف ساعة حتى كان الشاويش «علي» يقف على باب حديقة المنزل … ثم دخل في خطواته العسكرية القوية … ولم يتبادل مع المغامرين أيَّ حديث؛ فقد أخذ الرسم وخرج … وقال «تختخ» معلقًا: كان الشاويش متعاونًا معنا في القسم الأول من هذه المغامرة، ويبدو أنه ندم على ذلك.

لوزة: الشيء المدهش أنني أحب الشاويش «علي» برغم خشونته الظاهرة!

محب: إننا جميعًا نحبه … وأنا شخصيًّا أشتاق إليه، وكلما مرت بنا مغامرة دون أن أراه، أحس أن في المغامرة نقصًا.

عاطف: علينا إذن أن نوجِّه الدعوة للشاويش للحضور بمناسبة وجود لغز جديد مثلًا … أو بداية مغامرة … بل إنني أقترح أن نُرسل له باقة ورد بعد نهاية كل قضية!

تختخ: دَعْك من هذه الخرافات يا «عاطف» … وتعالوا نفكر في نقطة هامة، هل لاحظتم ما قاله المفتش «سامي» عن اختفاء الخواجة «هانز».

التفت المغامرون الخمسة إلى «تختخ» الذي لاحظ أن وجوههم لا تحمل أية إجابة.

فقال: لقد قال المفتش «سامي» … إن رجاله بحثوا على ضفتَي النيل عن الخواجة «هانز» دون جدوى … ونحن نفترض طبعًا أن رجال المفتش قد فتشوا جيدًا، وسألوا الناس الموجودين على الضفتَين.

محب: ماذا تقصد؟

تختخ: أقصد أن «هانز» … إذا لم يكن قد وصل إلى الضفتَين فليس أمامه إلا احتمالان … الاحتمال الأول أن يكون قد غرق في النيل … والاحتمال الثاني أن يكون قد وجد مَن ينقذه … أي وجد قاربًا مارًّا بالقرب منه فركب فيه سواء برضا صاحبه أو بالرغم منه.

بدا على وجه المغامرين الاقتناع بهذا الاستنتاج وقال «تختخ»: فإذا كان «هانز» قد غرق فقد أخذ سرَّه معه … ولم يبقَ لنا إلا إسدال الستار على القصة كلها … أما إذا كان حيًّا فعلينا ألَّا ننتظر تحريات المفتش «سامي» ورجاله عنه عند أطباء الأسنان.

لوزة: نسيت شيئًا يا «تختخ»، إن «هانز» لم يكن يعمل وحده، كان معه كما قالت «سماء» رجلان آخران.

تختخ: إنني لم أنسَ هذه النقطة … فنحن نعرف أن رجال الشرطة قبضوا على أفراد العصابة … ولم يكن بينهم أحد من الأجانب … بل كانوا جميعًا من المراكبية الذين يعملون على شاطئ النيل … فالرجلان إذن قد هربَا سواء مع «هانز» أو وحدهما، وقد تم استجواب المقبوض عليهم واتضح أنهم جميعًا لا يعرفون مهمة «هانز» الحقيقية.

نوسة: أظن أننا استنتجنا مع المفتش «سامي» ما هي مهمة «هانز»؟ إنها مهمة جاسوس.

تختخ: أظن ذلك!

ونظر «تختخ» إلى ساعته ثم قال: لقد تأخر بنا الوقت فلننصرف الآن وموعدنا غدًا في التاسعة صباحًا.

ووافق المغامرون … وبدءوا الانصراف … «محب» وشقيقته «نوسة» و«تختخ» ومعه «زنجر» … وعندما وصل «تختخ» إلى البيت وجد أن المفتش «سامي» قد اتصل به … فأسرع إلى التليفون وطلبه.

قال المفتش «سامي»: إن رجالي مسحوا كلَّ المناطق المحيطة بمكان فرار «هانز» وعصابته فلم يعثروا على أي شيء … وقد وصلتني النتيجة منذ دقائق وأردت أن أُحيطك علمًا بذلك، وفي الوقت نفسه نبحث عند أطباء الأسنان!

تختخ: كنت أتوقع شيئًا من هذا … ولكن هناك استنتاجات جديدة توصَّلْنا إليها أنا والمغامرون!

المفتش: ماهي؟

تختخ: إن استنتاجاتنا تقول إذا لم يلجأ «هانز» إلى الشاطئ بعد أن ألقى بنفسه في النيل، فهو إما مات غرقًا أو وجد مَن ينقذه.

المفتش: معقول جدًّا.

تختخ: وعلينا أن نعمل باحتمال أن «هانز» ما زال حيًّا، وأن شخصًا ما قد أنقذه، سواء أعرف حقيقته أم لا، وهذا الشخص حتمًا كان يمر بقاربه عندما عثر على «هانز» في المياه فأخذه معه!

المفتش: كل هذا معقول … ولكن كيف يمكن إثباته؟

تختخ: إنني أرجو أن يقوم رجالك بالبحث في أماكن تجمع القوارب على النيل … شمال وجنوب المعادي، وسؤال كل المراكبية عن «هانز» … ولا تنسَ أن الذين يساعدون «هانز» كانوا جميعًا من المراكبية!

المفتش: لا بأس … سنبحث في كل مرسًى على شاطئ النيل.

تختخ: هناك رجاء خاص!

المفتش: ما هو؟

تختخ: أريد أن تُوصيَ بي ضابط منطقة حلوان، إن عندي فكرة صغيرة أريد تنفيذها قد تبدو ساذجة … ولكن سأجربها وحدي!

المفتش: لا مانع عندي من توصية الضابط … إن اسمه «سيد هندي» وهو شاب ممتاز، سأتصل به تليفونيًّا.

تختخ: أشكرك كثيرًا يا سيدي … وسوف أذهب إلى مقابلته صباحًا.

ووضع «تختخ» السماعة، ثم تناول العشاء، وجلس يقرأ قليلًا ثم نام … استيقظ في السادسة صباحًا … كان يعرف أن المسافة إلى حلوان طويلة، وأراد أن يذهب قبل أن ترتفع الشمس … وهكذا قضى نحو نصف ساعة في الاغتسال والإفطار ثم لبس ثيابه وأسرع إلى الحديقة … وقد بدَت على «زنجر» الدهشة وهو يشاهد صاحبه في هذه الساعة المبكرة، وقال «تختخ»: تناولت إفطارك يا «زنجر»؟

هزَّ «زنجر» ذيلَه دليل أنه لم يفطر بعدُ.

واضطر «تختخ» إلى أن يعود إلى المطبخ ويحضر له إفطاره ثم جلس بجواره وأخذ يتحدث إليه … كان «زنجر» يفهم صاحبه … فقد ظلَّا صديقَين سنوات طويلة.

بعد أن تناول «زنجر» إفطاره قفزَا معًا إلى الدراجة، وأدار «تختخ» البدال وانطلقت الدراجة في الشوارع الخالية … وسرعان ما وصلَا إلى الكورنيش … وزاد «تختخ» من سرعته … مارًّا بكازينو «الجود شوط» ثم مرَّا بالكنيسة الصغيرة التي تقف على حافة النيل منذ عشرات الأعوام … ثم مجموعة أشجار الكافور الضخمة … كان «تختخ» مستمتعًا بهذه الرحلة الصباحية وخاصة أنه سيفقد بعض الشحم الذي يغطي جسمه … ووصلَا إلى طرة … ثم طرة الأسمنت … حيث ترتفع المداخن في مصانع الأسمنت وتملأ الجو بما يُشبه الضباب.

كان هدف «تختخ» شيئًا لا يتوقعه أحد … مجرد أمل في الحصول على شيء بسيط ولكن قد يؤدي إلى إمساك طرف الخيط في هذه المغامرة … إن العثور على رجل في القاهرة مثل العثور على حبة من الرمل في جبل … وأية محاولة مهما تكن غير مضمونة تستحق الإقدام.

مرت نصف ساعة … وأشرف أخيرًا على ركن حلوان … وتذكر «تختخ» مغامرته الليلية هناك والتي كانت بداية العثور على العصابة … هل يواتيه الحظُّ مرة أخرى ويصل إلى شيء؟

انحرف يسارًا ثم أخذ الطريق المجاور للسور المرتفع … كانت حلوان الصناعية على يمينه … مدينة لا تنام … وعلى يساره كانت حلوان الحمامات حيث المياه الجوفية التي تشفي الأمراض … وفي هذا الطريق اتجه … وسرعان ما كان يُشرف على المباني وسأل عن قسم الشرطة فلم يكن قد دخله في حياته ودلَّه الناس عليه … وعندما وقف بالباب أُعجب كثيرًا بنظافة المبنى … واستقبله جندي الشرطة فسأله عن الرائد «سيد هندي» فقال: إنه موجود، فقال له «تختخ»: من فضلك أخبره أن «توفيق خليل» يريد أن يراه.

لم يَغِب الجندي أكثر من نصف دقيقة وعاد قائلًا: تفضل … إن سيادة الرائد في انتظارك.

دخل «تختخ» بعد أن طلب من «زنجر» أن ينتظره خارج الباب بجوار الدراجة ووجد الرائد «هندي» في انتظاره مبتسمًا، وقال: صباح الخير … قال لي المفتش «سامي» إنك تريد أن تراني!

تختخ: نعم … لعلك تعلم بالأحداث التي جرت في المعادي، الخاصة بخطف التلميذة «سماء».

الرائد هندي: نعم … وقد اشتركتُ في الحملة التي طاردت العصابة ليلًا!

تختخ: إنني لم أرَكَ … كان الظلام كثيفًا، وقد غادرت المكان مع «سماء» لأنها كانت متعبة!

الرائد: على كل حال … أتمنى أن أتمكن من خدمتك!

تختخ: إنني أريد الاطلاع على المحاضر التي سجلها القسم خلال الأيام الماضية!

الرائد: هل تبحث عن شيء معين؟

تختخ: نعم … أنت تعرف أن زعيم العصابة «هانز» … قد ألقى بنفسه في النيل، ولم يُعثر له على أثر على ضفتَي النهر … فهو إما غَرِق أو أنقذه أحد!

الرائد: معقول جدًّا.

تختخ: إنني أتصور أن مثل هذا المجرم لا يترك أحدًا يراه ولا يعرف أين ذهب.

الرائد: وهذا أيضًا معقول.

تختخ: إذن فإنني أتوقع أن يكون قد حدث شيء له دلالة … شيء بسيط يكشف عما فعله «هانز».

قال الرائد «هندي» مبتسمًا: إنني لا أستطيع أن أتابعك في هذا الاستنتاج؟ فماذا تقصد بالضبط؟

تختخ: أقصد أنني أريد أن أعثر على حادث وقع في هذه المنطقة التي اختارها «هانز» لنشاطه يكشف عن مكان وجوده.

أخذ الرائد «هندي» يفكر لحظات ثم قال: على كل حال أنت تريد الاطلاع على محاضر الحوادث التي وقعت في دائرة القسم خلال الأيام الماضية.

تختخ: نعم … منذ تلك الليلة التي هرب فيها «هانز» ملقيًا بنفسه في المياه مستترًا بالظلام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤