زنجر … كالعادة

كان متأكدًا أن الصوت الذي سمعه هو صوت «هانز» فقد كان يتحدث باللغة العربية، ولكنَّ هذا الصوت الأجش ذا النغمة العالية لا يمكن نسيانه … وكان الشخصان قد غادرَا الكازينو، ووقفَا يتحدثان عند المدخل الرئيسي، ووقف «تختخ» خلف سور الأعشاب العالي يرقبهما … كان «هانز» قد غيَّر من ملامحه كثيرًا … فقد صبغ شعره الأشقر بالأسود وأطلق شاربه وصبغه أيضًا ولبس نظارة سوداء … والذي يراه لا يشك لحظة أنه عربي أو مصري عريق …

وتذكَّر «تختخ» الرجل المصاب «وجدي الطيب» وتأكَّد أن «هانز» قد اقتبس شخصيته.

ركب الرجلان سيارة خضراء من طراز «شيفروليه كابري» الضخمة، وحرص «تختخ» على أن يلتقط الرقم ٥٧٤٩ القاهرة.

لم يكن في إمكانه في هذه اللحظة أن يفعل شيئًا … فلو حاول بمساعدة الناس القبض على «هانز»، واستطاع «هانز» وهو بالقطع مسلح، من الهرب … لما عثر عليه مرة أخرى.

أسرع يقفز إلى دراجته، وتذكَّر ما فعله بالجرسون، وفكَّر أن يعود … ولكنه فضَّل أن يذهب الآن إلى المنزل ليتحدث إلى المفتش «سامي» تليفونيًّا … وانطلق في الجو الحار عبر شوارع المعادي الخالية حتى وصل إلى المنزل … وقبل أن يشرب حتى كوبًا من الماء اندفع إلى التليفون وطلب المفتش «سامي» ورد عليه المفتش على الفور فقال:

تختخ: لفد رأيت «هانز» الآن!

لم يردَّ المفتش على الفور، كان واضحًا أنه مندهش، فمضى «تختخ» يقول: لقد غيَّر شكله تمامًا … ولم تَعُد الصورة التي عندنا لها أية قيمة … لقد صبغ شعره باللون الأسود وأطلق شاربه وصبغَه أيضًا … ووضع على عينَيه نظارة سوداء ليُخفيَ لون عينَيه!

قال «المفتش»: أين رأيته؟

رد «تختخ» رأيته منذ عشر دقائق فقط عند «الجود شوط» ولم يكن في إمكاني أن أفعل شيئًا، فقد فكرت أن أهاجمه وأستنجد بالناس … ولكني خشيت أن يقتل أحدًا فإنه مسلح وهو شديد الشراسة … كما أني إذا لم أنجح في القبض عليه فسوف تفلت فرصة العثور عليه مرة أخرى.

المفتش: وماذا حدث بعد أن رأيته؟

تختخ: خرج مع رجل آخر وركبَا سيارة خضراء من طراز «شيفروليه كابري» رقمها ٥٧٤٩ القاهرة.

المفتش: هذه معلومات على أكبر قدر من الأهمية.

تختخ: أريد أن أُضيف شيئًا آخر … هو أن وجود «هانز» في «الجود شوط» معناه أنه ما زال يعمل في هذه المنطقة.

المفتش: هذا صحيح!

تختخ: لقد قابلت الرائد «سيد هندي» وهو ضابط مهذب، ومتعاون تمامًا!

المفتش: لقد حدثني تليفونيًّا عنك، وهو معجب بك جدًّا. وقد روَى لي مجموعة الاستنتاجات التي قدمتها … وهي بلا شك تستحق التقدير …

تختخ: شكرًا لك … أنت الذي علمتني!

المفتش: هناك شيء هام … أريدك أنت والزملاء أن تقوموا بالبحث عن السيارة في الأماكن التي اعتدتم التجول فيها … إن في إمكانكم مساعدتنا.

تختخ: لقد فكرت في هذا … وسوف أتصل بالمغامرين فورًا!

المفتش: خذوا حذركم … لا أريدكم أن تهاجموا هذا المجرم أبدًا … إنه رجل في غاية الخطورة.

وضع «تختخ» السماعة وأحس أن لسانه كاد يلتصق بحلق فمه من فرط العطش. ونزل مسرعًا إلى المطبخ. كانت الخادمة «حسنية» تُعدُّ طعام الغداء وسأل «تختخ» عن نوع الطعام فقالت: بامية وفراخ!

قال «تختخ» وهو يفتح الثلاجة: بامية في هذا الحر … إنك تريدين قتلي!

ثم أخرج قطعة كبيرة من البطيخ المثلج وأخذ يلتهمها، ثم تردد قليلًا وقام فأخرج علبة الجبن، وأحضر رغيفًا وجلس يتغدَّى … وفجأة تذكَّر «زنجر» فعندما ركب دراجته من أمام «كازينو الجود شوط» لم يكن في سلَّته خلف الدراجة كما هي عادته … وأكمل طعامه على عجل ثم خرج إلى الحديقة، ولكن «زنجر» لم يكن موجودًا.

وقف «تختخ» حائرًا: أين ذهب ذلك الكلب المغامر؟

كانت الحرارة شديدة، فدخل مرة أخرى إلى الفيلا ثم صعد إلى غرفته فاغتسل ولبس جلبابه الواسع … واستلقى على فراشه يفكر، لم يكن الموعد مناسبًا للاتصال بالمغامرين … فهو موعد الغداء … والجو حار … وقرر أن يستسلم للنوم فترة … ثم يتصل بالمغامرين ويبدأ البحث عن السيارة الخضراء.

استسلم للنوم سريعًا؛ فقد كان متعبًا بعد رحلة حلوان الساخنة … وعندما استيقظ ونظر إلى ساعته وجدها قد تجاوزت الخامسة بعد الظهر … وعرف أنه نام طويلًا فتمطَّى وقام وطلب من «حسنية» أن تُعدَّ له كوبًا من الشاي، ثم فتح نافذة غرفته ونظر إلى حيث اعتاد «زنجر» أن ينام، في مثل هذه الساعة في ظل الشجرة الكبيرة في الحديقة … ولكن «زنجر» لم يكن قد عاد.

أحس «تختخ» بقلق خفي … لم يكن هناك سبب لغياب «زنجر» وأسرع يتصل «بعاطف» وسأله ألم يأتِ «زنجر» إليكم؟

عاطف: لا …

تختخ: على كل حال … أريد أن أعقد اجتماعًا هامًّا هذا المساء!

عاطف: هل هناك شيء جديد؟

تختخ: ليس شيئًا واحدًا. ولكن أشياء كثيرة.

عاطف: سأتصل ﺑ «نوسة» و«محب» … وسنراك في الموعد!

أسرع «تختخ» إلى ملابسه … ثم قفز السلالم نازلًا حتى وصل إلى الحديقة … وقبل أن يقفز إلى دراجته أخذ يبحث عن «زنجر» … ولكن عبثًا … كان الكلب الأسود قد اختفى تمامًا … وركن «تختخ» دراجته، وانطلق في طريقه إلى منزل «عاطف» وهو يفكر في كل ما حدث ويتخيل ما جرى ﻟ «زنجر» … ولكن لم يصل إلى شيء …

كان المغامرون الأربعة في انتظاره … وكانت أول مَن لاحظ غياب «تختخ» هي «لوزة» التي قالت: لماذا لم يأتِ «زنجر»؟

تختخ: لا أدري … لقد سألتُ عليه «عاطف» وهو مختفٍ منذ أكثر من ثلاث ساعات!

جلس المغامرون الخمسة … وبسرعة لخص لهم «تختخ» الأحداث التي مرت والاستنتاجات التي وصل إليها … ومقابلته مع الرائد «سيد هندي» ثم انتهى من حديثه قائلًا: وقد طلب مني المفتش «سامي» أن ننتشر للبحث عن السيارة رقم ٥٧٤٩ القاهرة!

محب: لن تكون المهمة شاقة بالنسبة للمعادي إذا كانت السيارة فيها فنحن نعرف كل الجراجات هنا … وسنسأل فيها.

تختخ: ربما لا تكون موجودة في جراج «عام» ربما تكون في جراج خاص في فيلا.

محب: في البداية سوف نسأل في الجراجات العامة … ثم بعد ذلك ستكون مهمتنا شاقة فالبحث في جراجات الفيلات ليس مسألة سهلة!

تختخ: لاحظوا أن الشرطة تبحث أيضًا!

قالت «لوزة» بحماستها المعهودة: لا بد أن نسبقهم!

ثم خفضت من صوتها وهي تقول: ولعلنا نجد «زنجر» أيضًا في أثناء بحثنا عن هذه السيارة!

تحدثت «نوسة» لأول مرة فقالت: أعتقد أن هناك علاقة بين اختفاء «زنجر» وبين هذه السيارة.

التفت إليها المغامرون الخمسة فقالت: هيا بنا … إن لكل دقيقة قيمتها!

وبسرعة اتفقوا على تقسيم المعادي إلى مناطق على أن ينتشروا للبحث فإذا لم يجدوا شيئًا يتقابلون في العاشرة … وإذا وجدوا شيئًا فعليهم أن يتصل بعضهم ببعض عن طريق التليفون على أن يكونوا جميعًا في منازلهم قبل الساعة العاشرة ليلًا.

بدأت الدراجات الخمسة تتحرك في اتجاهات مختلفة … وبدأ كلٌّ منهم أسئلتَه في الجراجات التي يعرفها … وكان من نصيب «عاطف» المنطقة الشرقية بجوار «الإستاد».

كان الظلام قد هبط وبدأت أنوار المصابيح تظهر … وبدأ «عاطف» بجراج ضخم على حافة الصحراء … كانت عشرات السيارات تتناثر أمامه وداخله … واختار «عاطف» ولدًا صغيرًا كان يغسل السيارات وابتسم له فابتسم الولد أيضًا … ولاحظ أن «عاطف» ينظر إلى السيارات الواحدة بعد الأخرى فقال له: يبدو أنك تحب السيارات!

رد «عاطف»: نعم إني أحب أن أعرف كل شيء عن السيارات.

قال الولد: إنني أستطيع أن أعرف طراز أي سيارة من نظرة واحدة … حتى لو رأيت فقط طرف الرفرف.

عاطف: إنك ولد ذكي … فما هو نوع السيارة التي تُفضلها؟

فكر الولد قليلًا ثم قال: الفولكس فاجن!

عاطف: إنني أفضل الشيفروليه!

الولد: إنها سيارة كبيرة … وتتكلف كثيرًا!

عاطف: أليست عندكم هنا سيارات شيفروليه؟

الولد: هناك أربع منها!

عاطف: عظيم … هل فيها واحدة ماركة «شيفروليه كابري»؟

الولد: لا … للأسف هناك أنواع أخرى!

أحس «عاطف» بالضيق … ولكن الولد أضاف فجأة: ولكني أشاهد في هذه الناحية سيارة من هذه الماركة … إنها تمر دائمًا من هنا!

عاد الأمل إلى نفس «عاطف» وقال: وما هو لونها؟

رد «الولد»: إن لونها أخضر …

وزادت ضربات قلب «عاطف» وفكر: هل تكون هي سيارة «هانز»؟ وابتسم للولد ابتسامة واسعة وهو يسأله: هل تعرف رقمها؟

الولد: لا …

عاطف: إلى أين تتجه؟

أشار الولد بيده ناحية حافة الصحراء وقال: إنها عادة تأتي وتمر من هنا وتذهب إلى خلف هذه المجموعة من المساكن.

شكر «عاطف» الولد … وانطلق في الاتجاه الذي حدده وقلبه يحدثه أنه قريب جدًّا من «هانز» ولكن أين؟

وجاء الرد بعد قليل … ومن حيث لا يتوقع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤