اللعب بالديناميت

أحدثَت الرصاصةُ دويًّا كبيرًا في المخزن ولكنها مرت بجوار رأس «عاطف» دون أن تُصيبَه … وكان المصباح ما زال مضاءً في يده فأطفأه … وأخذ يزحف في اتجاه الباب وسَمِع صوتَ أقدام مقبلة … وأدرك أنه وقع في فخ … فعاد إلى داخل المخزن … وأسرع إلى أحد البراميل واختفى داخله …

سمع الرجلين يتحدثان … كان القادم يصيح: ماذا جرى يا «هاتش»؟

رد «هاتش»: هناك شخص هنا …

الأول: وأين «هانز»؟

هاتش: إنه تحت …

الأول: سأذهب لإحضار بعض الأدوات لإصلاح النور … قف عند الباب فلا بد أنه ما زال موجودًا …

هاتش: من المؤكد أنه ما زال هنا …

الأول: إذن خذ حذرك … وسوف أعود فورًا …

كان «عاطف» يُنصت إلى الحوار وذهنه يعمل بسرعة خارقة … كان عليه أن يتصرف الآن أو ينتهيَ كلُّ شيء … ولكن ماذا يفعل؟

قضى لحظاتٍ يفكر ثم قرر الخروج من البرميل … تحرك زحفًا على يدَيه وقدمَيه، وفجأةً وجد شيئًا يتحرك مندفعًا بين قدمَيه … ولم يستطع تمالك نفسه … فسقط على جنبه ومرق فأرٌ ضخم هاربًا … وتحرك البرميل وانطلقت رصاصة أخرى اخترقَت جدار البرميل ولكن لحسن الحظ مضت بعيدًا … وسمع «عاطف» صوت «هاتش» وهو يقول: لا تحاول الهرب … سوف أضربك بالرصاص!

لم يستسلم «عاطف» أمام هذا التهديد … وقرر أن يدحرج البرميل في اتجاه الفتحة التي دخل منها … وخرج بهدوء … وتسلل خلف البرميل ثم أخذ يُديره بسرعة منتهزًا فرصة الظلام قبل أن يَصِل الرجل الآخر، وانطلقت ثلاث رصاصات أصابت البرميل كله … ولكن لم تُصِب «عاطف» الذي أدرك أن المسدس لم تبقَ به سوى رصاصة واحدة … دفع البرميل دفعة قوية في اتجاه «هاتش» الذي أطلق رصاصته الأخيرة … واندفع «عاطف» ناحية جدار المخزن وهو يُطلق شعاع البطارية … وعثر على الفتحة التي مر منها … واندفع إليها ودخل بجانب جسده وأخذ يجتهد للمرور … وفي هذه اللحظة كان «هاتش» قد وصل إليه وأمسك بذراعه ولواها بكل عنف حتى أحس «عاطف» أن عظامه تتكسر وقال «هاتش»: سأكسرها إذا لم تدخل …

ولم يكن أمام «عاطف» ما يفعله … فقد كان «هاتش» قويًّا كالثور … ولو ضغط زيادة لكسر ذراعه فعلًا …

وصل الرجل الآخر … وقال «هاتش»: لقد وقع في يدي يا «جاك»!

جاك: اذهب به إلى المكتب … سوف أُخطر «هانز»!

مشى «عاطف» وما زال «هاتش» ممسكًا بذراعه … ومرَّا في دهليز أُضيء بنور ضعيف حتى وصلَا إلى باب يخرج منه نور قوي … دفع «هاتش» ﺑ «عاطف» إلى الداخل ثم ألقاه على أحد الكراسي … وأطلق ذراعه … كان «عاطف» يحس بآلام لا تُطاق في كتفه وكوعه … وخُيِّل إليه أن ذراعه قد أُصيبت بالشلل فأخذ يحركها يمينًا ويسارًا …

كان «هاتش» يملأ مسدسه … وجلس على كرسي في مقابل «عاطف» وقال:

ما هي الحكاية بالضبط أيها الصبي؟ لقد قال لي «هانز» إن ولدًا سمينًا هو الذي اقتحم عليه اليخت وأنقذ الفتاة … ما هي حكايتكم؟

لم يردَّ «عاطف»، فمضى «هاتش» يقول: إننا سوف …

ولكنه لم يُكمل جملته … فقد سمعَا في أول الدهليز صوتَ أقدام … وعرفَا أن «هانز» و«جاك» قادمان …

دخل «هانز» محتقنَ الوجه وعيناه تقدحان شررًا، وقال: ماذا جرى؟ هل نحن مطاردون من عصابة أولاد؟

ثم التفت إلى «عاطف»، وقال: تحدَّث بسرعة … مَن أنتم؟ وماذا تعرفون عنا؟

عاطف: حتى لا أُضيعَ وقتك فأنت لن تحصل مني على إجابة من أي نوع …

قفز «هانز» في اتجاه «عاطف» كالمجنون ورفع يده ليضربه … ولكن «جاك» الأعرج أسرع إليه وأمسك بذراعه قائلًا: لحظة واحدة يا «هانز» سوف أجعله يتكلم.

كان «جاك» أكبر الرجال الثلاثة سنًّا … وأكثرهم تمالكًا لأعصابه … التفت «جاك» إلى «عاطف» وقال: اسمع يا بني … إن حياتنا نحن الثلاثة معلقة بكلمة تخرج من فمك ولسنا على استعداد لخسارة حياتنا …

لم يردَّ «عاطف» … كان حديثُ الرجل معقولًا جدًّا … ولكن لم يكن من الممكن أن يكشف «عاطف» عن حقيقة المغامرين الخمسة … وما يعرفونه عن «هانز» … فقال: أُكرِّر أسفي … ولكني لن أتحدث!

هاج «هانز» مرة أخرى ولكن «جاك» قال: اذهب أنت إلى أسفل … إن موعد الرسالة قد أزف!

وخرج «هانز» وهو يرمق «عاطف» بنظرات قاتلة … على حين كان «عاطف» يفكر في الرسالة التي أشار إليها «جاك» … وكان متأكدًا أنها رسالة لاسلكية … ويعني أنه الآن في وكر للتجسس …

اقترب «جاك» من «عاطف» وقال: والآن تحدث يا بني!

كان الموقف حرجًا … فقد كان موقف «جاك» موقفًا طيبًا، ولكنه في النهاية رجل من رجال العصابات يعمل ضد مصر … ولا يمكن التعاون معه … حتى ولو كان الثمن هو الحياة … لهذا قال «عاطف» بصلابة: إنني لن أتحدث مطلقًا …

بدَا على «جاك» الارتباك فقد تحمل مسئولية دفع «عاطف» إلى الكلام … ولكنه لم يتكلم … ولم يَعُد أمامه إلا أن ينتظر عودة «هانز» أو إجبار «عاطف» على الحديث … وفي هذه اللحظة سمعوا وَقْعَ أقدام مسرعة … ثم دخل «هانز» شاحب الوجه لاهث الأنفاس وقال: هيا بنا … لقد أتتنا تعليمات أن نغادر «مصر» فورًا …

هاتش: ولكن هناك أشياء لا بد من إعدامها قبل أن نغادر المكان!

هانز: لا وقت عندنا، ضع بعض الديناميت لنسف المكان كله!

جاك: وهذا الولد؟

نظر «هانز» إلى «عاطف» ثم قال: اربطوه هنا … وسوف يتكفل الديناميت بالقضاء عليه …

أسرع «هاتش» يُحضر حبلًا … وأخذ يربط «عاطف» وأسرع «جاك» يفتح خزانة في الجدار ويخرج منها كمية كبيرة من أصابع الديناميت ومجموعة من الأسلاك وأخذ يعمل بسرعة ومهارة في وضع الديناميت ومد الأسلاك … ثم خرج من الغرفة ليضع الديناميت في أماكن متفرقة من الفيلا … وفي هذا الوقت كان «هانز» يُعدُّ حقيبته التي وضع فيها مجموعة من الأوراق، ثم أخرج من حقيبة صغيرة جدًّا شيئًا جعل قلب «عاطف» يدق بسرعة عندما رآه، كان هذا الشيء هو السهم الفضي الذي رأته «سماء» ذات ليلة في السينما عندما اضطرت العصابة إلى خطفها …

وأخذ «عاطف» يَرمُق السهمَ الفضيَّ باهتمام شديد … وكم كانت دهشتُه عندما وجَد «هانز» يُدير السهمَ فينقسم إلى نصفين … وإذا به من الداخل محشوٌّ بالأسلاك الرفيعة وخلايا الترانزستور الصغيرة … وأخرج «هانز» مفكًّا رفيعًا أخذ يُديره في مكان ما من السهم الفضي ثم أعاد ربْطَ الجزأين أحدهما بالآخر … وأعاد وضْعَ السهم الفضي في الحقيبة …

بعد أقل من نصف ساعة كان رجال العصابة الثلاثة يستعدون لمغادرة المكان، وكان «عاطف» مقيدًا بحبل متين في الكرسي الذي يجلس عليه … وأمامه على المكتب الذي يتوسط الغرفة ساعة دقاقة قد اتصل بها طرفُ جهاز التفجير … وقد ضبط «جاك» الساعة على ثلاثين دقيقة ينفجر بعدها الديناميت محطمًا كل شيء بما في ذلك «عاطف» …

بعد لحظات سمع «عاطف» الباب الخارجي يُفتح ويُغلق … وأدرك أن الرجال الثلاثة قد غادروا الفيلا … وسمع صوت محرك السيارة يدور … ثم سارت السيارة … وسكن كل شيء … وارتفعت دقات الساعة في الغرفة المغلقة وأخذت الدقائق تمضي تباعًا …

اضطرب «عاطف» في البداية … ولكنه تمالك أعصابه وأخذ يفكر بهدوء … كان يعرف أن لكل دقيقة قيمتها القصوى … وأنه إذا أضاع دقيقة في التوتر العصبي فسوف يفقد فرصة النجاة … ولكن هل كانت هناك فرصة للنجاة؟! إنه يفكر في شيء واحد … أن يحاول الوصول إلى الساعة الدقاقة ويفصل عنها جهاز التفجير … وكيف يستطيع أن يَصِل إلى المكتب؟ وهل نَزْع جهاز التفجير من الساعة مسألة آمنة أو أن الديناميت قد ينفجر إذا أمسك بجهاز التفجير؟ وكيف يمكنه إمساك الجهاز ويداه مقيدتان؟

وكانت الإجابة عن كل سؤال من هذه الأسئلة مشكلة … وكان عليه إذا شاء إنقاذ حياته أن يحلَّها … وبدأ أولًا بمحاولة فكِّ الرباط الذي على فمه … لقد فتح فمه حتى نهايته ثم أعاد إغلاقه وكرر ذلك بضع مرات … وكانت هذه هي وسيلته الوحيدة لمحاولة زحزحة الرباط عن مكانه … وشيئًا فشيئًا بدأ الرباط يتحرك … فتركه مكانه بعد أن أحسَّ بالألم في فكَّيه … ثم بدأ محاولة الزحف بالكرسي إلى الأمام … كان حريصًا على ألَّا يتحرك بسرعة … فقد يسقط على وجهه وتضيع الفرصة إلى الأبد … كان يرتكز على قدمَيه ثم يتقدم … سنتيمترًا بعد سنتيمتر … وكان المجهود شاقًّا … وعضلات ساقَيه وفخذَيه تتوتر وتؤلمه … ولكنه كلما نظر إلى الساعة ووجد الدقائق تمضي تباعًا بذل مجهودًا أكثر وتحمَّل آلامًا أشد … وشيئًا فشيئًا بدأ يقترب من منتصف الغرفة … وكانت هناك مائدة صغيرة تعترض طريقه … وبذل مجهودًا جبارًا وهو يحاول زحزحتها بطرف قدمَيه … وفي النهاية استطاع أن يقلبها … ثم عاود الزحف مرة أخرى وأخذ يقترب من المكتب … كان جسدُه كلُّه يرتعش بعد المجهود الذي بذله … وكان العرق يتصبَّب من جسده … ولكنه استطاع في النهاية أن يَصِل إلى الساعة، وعاود محاولة إسقاط الرباط عن فمه … وكاد الرباط يسقط عندما سمع صوتًا … توقَّف عن المحاولة وأخذ يستمع … نعم … هناك صوت أقدام تتحرك في حذر شديد … هل عاد رجال العصابة مرة أخرى؟ لماذا؟ وسمع صوتًا ضعيفًا يقترب من الباب … ثم شاهد أكرةَ الباب تدور في حذر شديد وتدفع البابَ قليلًا إلى الداخل …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤