ضيف غير منتظر

انفتح الباب … وظهر وجهان في وقت واحد … وجه «تختخ» … ووجه آخر هو وجه «زنجر» … وتلاقَت عينَا «تختخ» بعينَي «عاطف» … وعرف «تختخ» على الفور أن الطريق آمن … فأسرع يدخل … وأخذ بأصابع مرتعدة يفك وثاق «عاطف» قائلًا: ماذا حدث؟ … هل هو «هانز»؟ هل أنت بخير؟ رد «عاطف» بطريقته الساخرة بعد أن أزال «تختخ» الرباط من على فمه: بضعة أسئلة أخرى حتى نُعطيَ الديناميت الفرصة للانفجار …

قال «تختخ» مرتاعًا: ديناميت …

عاطف: لم يبقَ سوى ثلاث دقائق ونذهب إلى الآخرة …

وحاول «عاطف» الوقوف وأحس بآلام في جسده كله … وقال: هذه الساعة التي على المكتب متصلة بجهاز التفجير … والفيلا كلها ملغمة بالديناميت …

نظر «تختخ» إلى الساعة ثم قال: إنها تعمل بالتيار الكهربائي … ومن الأفضل فصل التيار أولًا … ثم نزع جهاز التفجير …

عاطف: هيَّا إذن بسرعة … إن الوقت ثمين … ولم يبقَ سوى دقائق قليلة …

أضاء «عاطف» بطاريته الصغيرة وكذلك فعل «تختخ» وانطلق في أرجاء المنزل يبحث عن لوحة الأزرار الكهربائية … كان الوقت ضيقًا وأعصابه متوترة … وكان في استطاعتهما أن يغادرَا المكان ويتركاه يُنسَف … ولكن ذلك سوف يؤدي إلى اختفاء كل الأدلة التي تدين عصابة «هانز»، وأخذ «تختخ» يبحث حتى وجد لوحة الأزرار وأسرع ينزعها واحدًا واحدًا وساد الظلام … ثم تلمَّس طريقه على ضوء البطارية ودخل الغرفة، ووجد «عاطف» يحاول فكَّ جهاز التفجير، وبعد لحظات كانَا قد انتهيَا من هذه المهمة … وعاد «تختخ» إلى لوحة الأزرار، فأعادها إلى مكانها وعاد النور مرة أخرى …

جلس «تختخ» إلى المكتب وأخذ ينظر حوله … ويقول لا بد أن هناك أدلة تهمُّ العصابة وإلا ما حاولوا نسْفَ الفيلا … وفي الوقت نفسه كان «عاطف» يجلس على الأرض محتضنًا «زنجر»؛ فقد كان متأكدًا أن هذا الكلب الأمين هو الذي أنقذ حياته … فبرغم الجراح المصاب بها … وبرغم تعبه وجوعه أحضر «تختخ» في مدة قياسية … ولو تأخر لحظات لكانت العاقبة سيئة وانتهت حياته تحت الأنقاض …

قال «عاطف»: هل أكل «زنجر»؟

رد «تختخ»: لقد رفض أن يتناول أيَّ شيء حتى أصحبه ونأتي إليك …

أسرع «عاطف» إلى مطبخ الفيلا ووجد الثلاجة حافلة بالأطعمة … فأخرج قطعة كبيرة من اللحم المشوي سخنها على البوتاجاز وعاد بها سريعًا إلى «زنجر» ووضع أمامه إناء من الماء … وانهمك «زنجر» في الطعام … وانهمك «تختخ» و«عاطف» في البحث عن الأدلة في الغرفة وفي بقية أنحاء الفيلا حتى وصلَا إلى المخزن … وقال «عاطف»: هناك مخبأ تحت المخزن كان «هانز» يستخدمه في نشاطه السري …

وأخذ الصديقان يعملان في إزاحة البراميل يمينًا ويسارًا حتى استطاعَا الوصول إلى فتحة المخبأ السري … وبعد محاولات عديدة استطاعَا فتح الباب … ونزل «عاطف» على سُلَّم من الحديد وأخذ يتلوَّى به حتى وجد نفسه على قاعدة السلَّم الخراسانية … ودقَّ على السلَّم الحديد بمصباحِه … وسمع «تختخ» رنة الدقة فعرف أن الطريق آمن … ونزل هو الآخر على السلَّم …

كان المخبأ السري عبارة عن غرفة صغيرة … قد امتلأت بأجهزة الاتصال اللاسلكي الدقيقة … وأخذ «تختخ» يبحث عن جهاز التهوية حتى وجد أنبوبة طويلة تمتد خلال الجدار في اتجاه سطح الأرض … وعرف أن «الإيريال» موجود داخل هذه الأنبوبة … وأحس بخطورة ما يفعله «هانز»، وأخذ يفحص الأجهزة واحدًا بعد الآخر، ولاحظ أن أحدها ينقصه الجزء الأخير … فقال ﻟ «عاطف»: لقد أخذوا بقية هذا الجهاز معهم …

عاطف: هذه ملاحظة هامة … إن ما تصوَّرَتْه «سماء» أنه سهم فضي ليس إلا هذا الجزء من الجهاز، ويبدو أنه جهاز ثمين جدًّا … حتى يحرص «هانز» على أخذه معه ولا يتركه للتدمير … كبقية الأجهزة …

تختخ: لقد ظنناه أولًا جهازًا خاصًّا بتطوير الصواريخ … ولكن قد عرفنا الآن أنه جزء من جهاز اللاسلكي الرئيسي في هذا المخبأ …

عاطف: يجب أن نبلغ المفتش «سامي» فورًا …

تختخ: نعم … والشيء المدهش أنني لم أرَ جهازًا للتليفون في هذا المكان مطلقًا.

عاطف: وأنا أيضًا … ويبدو أنهم اختاروا هذه الفيلا دون تليفون حتى لا يستطيعَ أحد مراقبة مكالماتهم التليفونية …

تختخ: في هذه الحالة يجب أن نعود إلى المنزل فورًا لنتحدث إلى المفتش …

عاطف: لقد تجاوزت الساعة الثانية صباحًا … وسنجد المفتش نائمًا …

تختخ: حتى ولو كان نائمًا المسألة أهم من شيء آخر … هيا بنا … برغم أنني كنت أتمنى أن أقضيَ بعض الوقت في هذا المكان فمن المؤكد أن هناك أدلة كثيرة يمكن أن تقودنا إلى «هانز» ورجاله …

عاطف: يمكن أن نأتيَ في الصباح … فأنا مرهق جدًّا!

تختخ: آسف جدًّا … لقد نسيت كم عانيتَ هذه الليلة … وقد انتظرناك في الموعد وأحسسنا بالقلق البالغ عليك … لولا حضور «زنجر» …

وقام الصديقان … وبدأ «عاطف» الصعود … وكانت في انتظاره أسوأ مفاجأة في حياته … كان الباب المؤدي إلى النفق السري مغلقًا … ومد «عاطف» يده وحاول إزاحة الباب … ولكن دون جدوى كان الباب يُغلق أوتوماتيكيًّا …

صاح «عاطف» بضيق: «تختخ» هناك كارثة في انتظارنا …

ورنَّ صوتُه العالي في أرجاء النفق وتردَّد الصدى في جوف الليل الساكن وعاد ينزل … كان «تختخ» في انتظاره وقد ضاقَت عيناه غضبًا، وقال: إننا حماران كبيران …

عاطف: لا تظلم الحمير بهذا التشبيه …

تختخ: سأحاول أنا … لعل هناك فتحة أو شيئًا من هذا القبيل …

عاطف: حاول ولكني أظن أننا سجينان هنا … ربما بقية العمر …

تختخ: لا تكن متشائمًا إلى هذا الحد. لا تنسَ أن «زنجر» ما زال فوق …

ابتسم «عاطف» بالرغم منه … صحيح أن «زنجر» ما زال موجودًا … وكما أحضر «تختخ» لإنقاذه … فسوف يُحضر بقية المغامرين …

وصَعِد «تختخ» السلَّمَ ببطء حتى وصل إلى نهايته وأخذ يبحث عن أي شيء يمكن أن يفتحه ولكن بلا فائدة … وتأكَّد أن «هانز» كان معه مفتاح؛ لأنه وجد ثقبًا في طرف الباب لم يشكَّ لحظة واحدة أنه ثقب المفتاح.

أخذ «تختخ» يدق الباب بكل قوته … كان يريد أن يلفت انتباه «زنجر» إليهما فقد يظن «زنجر» أن صديقَيه يقومان بعمل وعليه أن ينتظرهما … وأخذ «تختخ» يدق وينادي في الوقت نفسه: زنجر … زنجر …

ولم تمضِ سوى لحظات قليلة وسَمِع نباحَ الكلب الذكي قريبًا من الباب المغلق … صاح «تختخ»: اذهب يا زنجر. فورًا … أحضر «محب» …

عاد الكلب إلى النباح الحزين … ثم دقَّ بقدمَيه فوق الباب الحديدي المغلق ثم انطلق خارجًا … ونزل «تختخ» السلَّم مرة أخرى … كان «عاطف» يفتش كلَّ ركن في المخبأ السري بحثًا عن أدلة … جمع أعقاب السجائر … وكانت كلها من ماركة «ميريت»، وهو نوع من السجائر لم يسمع عنه من قبل … ولاحظَ وجود بصمات على بعض الأجهزة … وقال «تختخ» أظن من الأفضل ألا نعبث بهذه الأجهزة فهناك بصمات واضحة عليها …

تختخ: ليس هذا فقط … ولكن قد يستطيع رجال المفتش «سامي» معرفة الجهات التي كان يتحدث إليها «هانز» بوساطة الموجات … فإذا كانت أطوال الموجات …

قبل أن يُتمَّ «تختخ» جملتَه سمع الاثنان معًا صوتَ ضفدعة واضحًا في الدهليز الرطب، كانت الضفدعة قد دخلت من فتحة التهوية وأخذَت تقفز داخله … كانت ضفدعة ضخمة … فقال «عاطف»: إن الحشائش النامية في الحديقة الرطبة مأوًى لهذه الأنواع من الضفادع الضخمة …

تختخ: وربما …

ومرة أخرى لم يُتمَّ جملته … فعلى أسمنت فتحة التهوية انساب ثعبان ضخم رافعًا رأسه … وكان واضحًا جدًّا أن الثعبان كان يطارد الضفدعة وأنه زحف خلفها من الحديقة إلى فتحة التهوية … وقال «تختخ» بهدوء برغم خطورة الموقف: انظر إلى فتحة التهوية يا «عاطف» …

وكان «عاطف» قد ترك النظر إلى الضفدعة وأخذ يعاود البحث عن الأدلة … ولكنه لم يرفع رأسه وقال: ماذا هناك؟

رد «تختخ»: ثعبان ضخم …

والتفت «عاطف» سريعًا … ورأى الثعبان وقد توقَّف أمام الضوء وأخذ يهزُّ رأسه يمينًا ويسارًا، وقال «عاطف»: إنه جائع جدًّا، وأعتقد أنه لن يتردد في الهجوم.

تختخ: لا تخف … إن ٩٥ في المائة من الثعابين ليست سامة … وحتى لو كان سامًّا فإنه لن يهاجمنا إلا إذا هاجمناه …

أخذت الضفدعة تقفز هنا وهناك … وانساب الثعبان من فتحة التهوية ونزل إلى أرض الدهليز … ووقف الصديقان وقد ارتفعت دقاتُ قلبَيهما … فبرغم حديث «تختخ» المطمئن … فإن وجود ثعبان مع شخص في مكان مغلق ليس مسألةً سهلة …

زحف الثعبان في اتجاه قدمَي «تختخ» حيث كانت الضفدعة تقف هناك … وهي تفتح فمها وتغلقه … وأحس «تختخ» بالرعشة تسري في ساقَيه … إنه لا يريد أن يقفز حتى لا يهيجَ الثعبان … وفي الوقت نفسه لا يستطيع أن يقف ساكنًا والثعبان يقترب منه … وتحرك بهدوء في اتجاه الكرسي الذي يتوسط الغرفة ثم صعد عليه بخفة لا تتناسب مع وزنه الثقيل ولكن الضفدعة اللعينة أخذت تقفز حتى وصلت إلى الكرسي أيضًا، وقال «تختخ» حانقًا: يا لَها من ضفدعة سخيفة … لماذا تطاردني؟ …

لم يتمالك «عاطف» نفسه، وقال بسخريته المعهودة … لعلها تريد أن تقنع الثعبان أنك أوفر منها لحمًا وألذ طعمًا …

تختخ: أنت أسخف من الضفدعة … هل هذا وقت هزار؟! …

وبدأ الثعبان يقترب ويقترب … كان طوله نحو متر ونصف … أسود اللون، ولسانه المشقوق يسبقه كأنه رادار يقود حركته …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤