الفصل الثاني

المشهد الأول

مرفأ في قبرس ورواق

(يدخل منتانو ووجيهان)

منتانو : ماذا تتبين في البحر من جهة الرأس؟
أحد الحاضرين : لا أتبين شيئًا. البحر مضطرب جدًا ولا أستطيع أن أرى شراعًا بين السماء والماء.
منتانو : أجد أن الريح قد أزعجت الأرض ولا أظن أن إعصارًا كان أشد على حصوننا وممتنعاتنا من هذا الإعصار. على أنه إذا كان هذا ما فعله في البحر فأية الأشجار استطاعت أن تبقى في منابتها عندما تحاذفت عليها جبال الأمواج. أي شيء سيجيئنا من أخبار هذه العاصفة.
الوجيه الثاني : تفرّق أسطول الأعداء. انظر من الشاطئ المضطرب ترَ الأمواج الثائرة كأنها واثبة لتضرب السحاب، بل كأنها هاجمة بعُفُراتها١ الرائعة المتعالية لتلقي ماءً على النار المتّقدة في نجوم الدُّب ولتطفئ تلك الثوابت من حراس القطب. ما رأيت عمري غَضْبَةً للبحر الهائج كهذه الغضبة.
منتانو : إذا كان أسطول العدو لم يلجأ إلى الموانئ فإنه لغريق وتستحيل عليه المقاومة.

(يدخل وجيه ثالث)

الوجيه الثالث : أخبار جديدة يا أولادي. انتهت الحرب لأن هذه العاصفة الجموح تركت أساطيل الأعداء مكسورة الأجنحة وقد رأى غرقها وتحطمها مركب قادم من البندقية.
منتانو : يا للعجب أصدقٌ ما تقول؟
الوجيه الثالث : المركب قد دخل المرفأ ونزل منه فيروني٢ يدعى ميشيل كاسيو. هو ملازم المغربي الباسل عطيل. ومن قوله إن عطيلًا في العباب الآن وإنه موفد إلينا ليكون آمرًا مطلقًا في قبرس.
منتانو : أنا مسرور به لأنه حاكم جدير بهذا المقام.
الوجيه الثالث : غير أن كاسيو هذا على ما جاءنا به من الأنباء الطيبة عما حل بالأعداء لا يبدو عليه الارتياح بل هو كئيب يدعو الله لنجاة المغربي لأن العاصفة بشدتها فرّقت بينهما.
منتانو : لنضرعْ إلى الله أن يسلمه فقد خدمت تحت إمْرَتِه وهو قائد لا عيب فيه. هلم إلى الشاطئ لنرى المركب الذي وصل ونرقب بأعيننا مقدم عطيل. ولنلبث ناظرين من موقفنا حتى تختلط في أبصارنا خضرة البحر وزرقة الهواء.
الوجيه الثالث : لنفعل ذلك فإنه يرجى في كل دقيقة طروق فوج من الوافدين.

(يدخل كاسيو)

كاسيو : حمدًا لك أيها الباسل حاكم هذه الجزيرة لذكرك المغربي بمثل هذا المديح. لعل الله يقيه فقد ضللت عنه في بحر زاخر بالأخطار.
منتانو : أتقول سفينته صالحة للمقاومة؟
كاسيو : سفينته متينة البناء ودليله ملاح مشهود له بالمهارة، لهذا لم يضعف أملي بمجيئه.
صوت (من الخارج) : شراع. شراع. شراع.
كاسيو : ما هذا النداء؟
الوجيه الرابع : خلت المدينة من أهلها وجميعهم على الشاطئ يصيحون: هذا شراع.
كاسيو : قلبي يحدثني بأن هذا مجيء الحاكم.

(قصفة مدفع)

الوجيه الثاني : تلك قصفات وداد فلا بد أن القادمين من أوليائنا.
كاسيو : هلا ذهبت يا سيدي فأخبرتنا من القادمون؟
الوجيه الثاني : أنا ذاهب.
منتانو : أقائدك متزوج أيها الملازم الكريم؟
كاسيو : صادفته العناية فملك قلب فتاة لا يحيط بجمالها الوصف ولا المبالغة. فتاة تفوق بمحاسنها الفطرية أبرع ما يتخيله الكاتبون وأبدع ما يصوّره المصوّرون.

(يعود الوجيه الثاني)

كاسيو : بشّرنا مَن دخل المرفأ؟
الوجيه الثاني : رجل يدعى ياجو حامل علمَ القائد.
كاسيو : وفق في سفره وسبق الأوان. فلا ريب أن العواصف نفسها، والبحار الثائرة، والرياح الزائرة، والصخور التي تعترضها الأمواج والرمال المتراكمة الخائنة التي تتصيد المركب البريء قد داخلها شبه رقة للجمال فتحولت عن طبائعها المهلكة، لتفسح سبيلًا أمينة تمر منها ديدمونه.
منتانو : من هذه الإنسانة؟
كاسيو : هي التي كنت أذكرها لك. هي قائدة قائدنا العظيم. جاءت يرعى طريقتها الباسل ياجو الذي وصل بها قبل الموعد بسبعة أيام. أيها المشتري الأكبر مالك البحر أيّدْ عطيلًا واملأ شراعه بنسمتك القديرة ليشرّف هذا المرفأ بزيارة مركبه الجميل ولينعم بقرب ديدمونه وليذكي في قلوبنا ما خَبَا من ضَرَم٣ الشجاعة وليمنح قبرس الأمن والسكون.

(تدخل ديدمونه وإميليا وياجو وردريجو وبعض الأتباع)

كاسيو : انظروا هذه كنوز المركب قد نزلت إلى البرّ. يا سكان قبرس سجودًا لديها. تحية وسلامًا أيتها السيدة ولتُحِطْ بكِ النعَم من كل جانب.
ديدمونه : شكرًا لك يا كاسيو المقدام. ما عندك من أخبار سيدي؟
كاسيو : لم يصل بعد ولكنه بخير فيما أعتقد. وسيكون ههنا عما قليل.
ديدمونه : أواه، أنا خائفة. كيف لا تكون مصاحبه؟
كاسيو : فرقت بيننا مكافحة الماء والسماء. لكن سمعًا هذا شراع.
صوت (من الخارج) : شراع.

(قصفة مدفع)

الوجيه الثاني : قصفات تحية للقلعة، هؤلاء هم أيضًا أصدقاء.
كاسيو : وافِنا بالنبأ (يخرج الوجيه) يا حامل العلم الكريم مرحبًا بك (إلى إميليا) وأهلًا بك أيتها السيدة. يا صديقي ياجو، لا تحْنَقْ إذا تماديت في مجاملتي لامرأتك فإن الأدب الذي رُبيت عليه هو الذي يحملني على تجاوز اللائق.

(يقبّل إميليا)

ياجو : لو أعطتك من شفتيها مقدار ما تعطيني من لسانها لاكتفيتَ سريعًا.
ديدمونه : أسفي عليها لقلّما تتكلم.
ياجو : وذمتي إنها لتتكلم فوق الكفاية. أشعر بذلك كلما جاءت ساعة الرقاد. لا جرَمَ أنها في حضرتك الآن تضع شيئًا من لسانها في قلبها ولكنها تختصمني في فكرها.
إميليا : لا سبب يدعوك لمثل هذا اللمز.
ياجو : كيف لا؟ كيف لا؟ وأنتنّ النساء حور حين تكنّ خارج البيوت، وأجراس حين تكنّ في الخدور، وهِرَر برية في المطابخ، وقدّيسات حين تتصدَّينَ لإهانة أحد، وشياطين حين يجرؤ أحد على تكديركن، وبواهل٤ عواطل حين تجب خدمة المنزل، ونشيطات مشتغلات بأمور المنزل حين تدخلن الأسرّة.
ديدمونه : ويَحٌ لك من نمام …
ياجو : لست بنمام، هي الحقيقة أو أنتسب لأعداء بلادي إنكن إن تنهضن فللتنزه أو تدخلن الأسرة فللاشتغال بمسائل البيوت.
إميليا : لو ابتغيت مادحًا لما استعنت بك.
ياجو : أولى لكِ ثم أولى!
ديدمونه : ولو كلّفت بمدحي ما تقول؟
ياجو : أيتها السيدة الشائقة لا تكلفيني عملًا كهذا لأنك إن طلبتِ مني غير الهجو صيّرتني إلى عدم.
ديدمونه : خالفْ طبعك وجرّبْ. أذهب أحد إلى الميناء؟
ياجو : نعم يا سيدتي.
ديدمونه : لست منشرحة الصدر لكنني أخادع حالة بضدها. أجبني كيف تمتدحني …؟
ياجو : أفكر في ذلك فما أجد فكري ينطلق من يافوخي٥ إلا وهو منتزع دماغي وسائر ما هناك كما يفعل الغراء بالوبر الطويل وقد علق به، غير أنه إذا كان لا بد لقريحتي أن تتمخض فها ما تلده: «إذا كانت المرأة جميلة وذكية فجمالها لخدمة الآخرين وذكاؤها لاستخدام الجمال».
ديدمونه : أحسنت. فإذا كانت المرأة سوداء وذكية؟
ياجو : إذا كانت المرأة سوداء وذكية وجدت رجلًا أبيض لا يرى سوادها سوادًا.
ديدمونه : انتقلنا إلى أقبح مما سبق.
إميليا : فإذا كانت جميلة وحمقاء؟
ياجو : لا حماقة مع الجمال لأن الجمال يُعينها على إيجاد وارث لها.
ديدمونه : هذه سفاسف قديمة قيلت لإضحاك البلهاء في الخمارات فإن استزدنا فأي شيء تقوله في البشعة الحمقاء؟
ياجو : مهما تكن بشعة وحمقاء فإنها ترتكب من الغوايات ما ترتكبه الحسناء الفطنة.
ديدمونه : ما أكثف هذا الجهل! تصف أقبح النساء بأحسن ما عندك. والآن كاشفنا برأيك في امرأة فاضلة واثقة من شرف خلالها بحيث لا تخشى اللوم ولا التثريب.
ياجو : المرأة التي عاشت جميلة ولم تتكبر، التي لزمت حد الكلام الحر في مناسبته ولم تجاوزه إلى الطنطنة، التي توفّر الذهب بين يديها ولم يُطِشْ قلبها، التي استمالت الغرام فلم تملْ وهي قائلة في نفسها لو شئت لاستطعت، التي غيظت وملكت الانتقام فأسكتت غيظها وسامحت في ألمها، التي لم تضعف عندها الحكمة حتى ترضى بذَنب كلب البحر بديلًا من رأس المرجانة، التي ذكا فكرها ولكنها لم تتجه به إلى كشف محاسن نفسها، التي لمحت المحبين يهرعون وراءها ولم تلتفت. تلك إنسانة لو وجدت ومثلها لا يوجد …
ديدمونه : لو تسنّى وجود تلك الموصوفة فما تقول فيها؟
ياجو : أقول إنها كانت أصلح النساء لإطعام الأغبياء وتدبير حسابات الفنادق.
ديدمونه : بشت النتيجة العرجاء الكسيحة. لا تتعلمي منه هذا العلم يا إميليا ولو أنه قرينك. ما رأيك فيه يا كاسيو أليس هجّاءً شديد الاستباحة عن غير خبرة؟
كاسيو : يتكلم بلا تصنّع يا سيدتي ولكنه يعجبك بسيفه أكثر مما يعجبك بلسانه.
ياجو (على حدة) : وضع يده في يدها. أحسنت أحسنت. ناجها همسًا. متى وجدتُ مصيدة من نسيج العنكبوت رقيقة كهذه الحاشية لم يصعب عليّ أن آخذ بها ذبابة لو بلغ حجمها حجم كاسيو. نعم ابتسمي له. تمتّعْ سأتصيدك بليونة أدبك. كل ما تقوله صحيح. بلا ريب وذمتي. كان خيرًا لك وأنت عازم على استبقاء منصبك ألا تجعل أصابعك الثلاثة في فمك تُوسعها تقبيلًا لترى الحسناء أنك شاب جميل. أحسنت. هكذا لثم الأصابع ما ألطف هذه المجاملة … في الغاية في الغاية … ما هذا؟ أتعيد أصابعك إلى فمك مرة أخرى؟ ما أشوقني لرؤية تلك الأصابع تتحول عند حاجتك إلى أنابيب محقنة. (يسمع بوق عسكري) لقد جاء المغربي عرفت بوقه.
كاسيو : نعم هو هوَه.٦
ديدمونه : بَدارِ٧ لملاقاته.
كاسيو : بل قد أقبل.

(يدخل عطيل ورهط من أتباعه)

عطيل : يا حبيبتي الشجاعة.
ديدمونه : يا حبيبي عطيلًا.
عطيل : لا يعادل سروري بلقائك إلا إعجابي بأن أراكِ تقدمتني يا بهجة حياتي، لو كانت جميع العواصف تنتهي إلى مثل هذا الصفاء فليت الرياح تزأر حتى توقظ الموتى وليت فُلكي وهي تعاند المعاطب ترتفع بها جبال من الأمواج عالية كالأولمبس٨ ثم تنحدر بها إلى الحضيض البعيد بُعْد جهنم عن السماء! أما والذي بيده نفسي لوددت أن أموت الآن من فرط ما أنا فيه من السعادة المطلقة التي أخشى ألا يعاودني مثلها في المستقبل المجهول!
ديدمونه : أعفانا الله من أن يُنْتَقَص حُبُّنا وهناؤنا قبل أن يحين أجلنا.
عطيل : أجيب بآمين على هذا الدعاء يا أيتها السماوات الرحيمة، لا أستطيع الإفصاح عما أنا فيه من الغبطة كما أتمنى. يكاد السرور لشدته يقطع عليّ أنفاسي، لتكن هذه القبل (يقبّلها) غاية ما يبلغه قلبانا من الخصام والشقاق.
ياجو : أنتما الآن على أتم اتفاق ولكن أقسم بنزاهتي إلا ما أرخيت الأوتار التي تخرج هذه النغمات المؤتلفة.
عطيل : هلّم بنا إلى القصر، أنا حامل إليكم بشرى يا أصحابي. انتهت حروبنا بغرق الأعداء، كيف حال الذين عرفناهم قبلًا من أهل هذه الجزيرة؟ أي حبيبتي سيقيمون لك أفراحًا عظيمة في قبرس ولي عند ساكنيها مودّة أعتد بها، أي حبيبتي إنني أُكثر من الكلام بغير ما يجب وأكاد أهذي من وفرة ابتهاجي، أرغب إليك يا أميني ياجو أن تذهب فهو ذو براعة فوجب له الإكرام. تعالي يا ديدمونه، على الرحب والسعة نزولك في قبرس.

(يخرج عطيل وديدمونه)

ياجو (مخاطبًا ردريجو) : إصحبني حالًا إلى المرفأ، تقدمْ إن كنت شجاعًا، يزعمون أن سفلة الناس متى عشقوا اكتسبوا من شرف النفس ما يفوق فطرتهم، فأصغِ إليّ: الملازم يسهر الليلة بين الحرس واعلم أن ديدمونه مغرمة متيّمة به.
ردريجو : مغرمة به؟ هذا غير ممكن.
ياجو : أقفلْ شفتيك بإصبعك هكذا وتعلم … ألم تلمح بأية قوة أحبّت المربي ابتداءً وذلك لمفاخراته والأكاذيب الوهمية التي قصّها عليها؟ أتُراها تحبه أبدًا لأمثال هذه الثرثرات؟ ستتوق عينها إلى منظر جميل، وأي شعاع تجده حينئذ برؤية ذلك الشيطان متى بَرُد الدم بعد جُهد المداعبة الغرامية كان لا بد لإيقاده ثانية ولإدخال جوع شديد على الشبع من جاذب في الملامح، وتناسب بين العمرين، وتوافق في العادات، وتشاكل في المحاسن، والمغربي خُلْوٌ من هذه الأشياء وأمثالها، فأما وهذه المشوّقات مفقودة منه فمن المحقق أن تلك النفس الرقيقة سترى كيف خدعها ولا تلبث أن يأخذها الفُواق تقزازًا منه، وأن تلاه وتبغضه، فحينئذ تندفع بدافع الطبيعة إلى رجل آخر تؤثره. فإذا ثبتَ هذا يا سيدي وهو تقدير بديهي لا شبهة فيه بقي أن الرجل الذي في طريق السعادة إنما هو كاسيو ذلك الضُّحَكَةُ العَشَّاقُ الذي لا يتسع ضميره لأكثر من تزويق شكله بمظاهر الأدب والحشمة يخفي بها ما تحتها من أهوائه الفاسدة المنحرفة، وايمُ الحق إنه لفي أحسن جادّة تبلغه هذه الغاية خصوصًا مع ما هو عليه من الليونة والتلطف لمقاصده ومن التعود على انتهاز الفرص السانحة التي ربما خلقها بدقة نظره ورشاقة حيلته فهو هُزَأة رجيم وفوق ذلك شاب وجميل إلى سائر الصفات التي تُختَلب بها ألباب مجنونات الغرام ثم إنه يتصل كالمرض المُعدي وحسبك منه أن المرأة قد لمحته.
ردريجو : لا أصدق ما تدّعيه لأنها ميّالة إلى الفضيلة كل الميل.
ياجو : كلمني عن فضيلتها وأكلمك عن أذناب التين، لو كانت كما تتوهم لما أحبّت المغربي. بل إن بها صلاحًا ولكنه صلاح القطعة من حلوى البودنج. ألم ترَها لاعبة بمقبض يده، ألم ترها؟
ردريجو : بلى رأيتها غير أنها مجاملة لا شبهة معها.
ياجو : قسمًا بيدي لا مجاملة، ولكن مغازلة. لم تكن السبابة أول الدهر إلا المستهلة الخفية لتاريخ الأفكار الأثيمة والمحرمات الشهوية. أوشك ثغراهما أن يلتقيا وتلاثم نفساهما. ذلك من ضروب من الشروع في الجريمة يا ردريجو، وأمثال هذه المجالات متى افتتحت السير ففي العادة أن يتبعها القائد ومعظم الجند على الأثر والعاقبة الالتحام. خَلّ عنك هذا يا سيدي ودعني أقُدْك بما أنني أحضرتك من البندقية. كن في عَسَس هذا الليل وسأُسِرُّ إليك الشعار.٩ كاسيو لا يعرفك وأنا أكون قريبًا منك. استنبط وسيلة لإغضاب كاسيو سواء بمخاطبته جهرًا أم بالسخرية من نظامه أو بأي سبب آخر تختاره والأسباب ستكون متوافرة في تلك الساعة.
ردريجو : سأفعل.
ياجو : إنه يا سيدي غضوب وله مفاجآت في كدره وربما ضربك. حرّكه حتى يفعل وعندئذ أنتهز الفرصة أنا لإثارة فتنة بين شعب قبرس تكون خاتمتها لا محالة عزل كاسيو وهكذا يُختصر سفرك إلى غايته بما أكيده من المكايد لتحقيق هذه الأمنية ويزول من وجهك هذا الحائل الذي لا ندرك مع وجوده مرامنا.
ردريجو : إذا سنحت فرصة لم أتردد.
ياجو : ستجد الفرصة عن يقين. إلحقْ بي إلى القلعة بعد هنيهة وأنا ذاهب إلى المرفأ لأبعث إليه بثِقَله.١٠ إلى اللقاء.
ردريجو : أن يحبها كاسيو ذلك صحيح وأعتقده وأن تحب هي كاسيو ذلك محتمل وسهل التصديق. المغربي — على كرهي له — شريف الخلق ثابت في حبه ولعله يكون لديدمونه بعلًا وفيًا ولكن أنا الآن أحبها أيضًا لا لشهوة تُقضى — وإن كان الإحساس الذي يدفعني إليها لا يقلُّ عن ذلك إجرامًا — بل لأنها تهيئ لي سبيل انتقامي ذلك لأنني أظن أن المغربي الفاسق قد اندسّ في فراشي وهو تخمين يأكل الأمعاء أكل السم المعدني ولا شيء يُرَفّه عن نفسي إلا أن أجعله عديلي، امرأة بامرأة، فإن لم أستطيع فأن أُثير فيه من نار الغيرة ما لا يقوى عليه العقل. ولإدراك هذا المرام أرجو أن يطاوعني ذلك النشّاق١١ الحاذق الذي جلبته من البندقية بلا كمامة، فإذا تبع الأثر جيدًا لم ألبث أن أملك ميشيل كاسيو عاجلًا من كليتيه وأن أسوّد وجهه في نظر المربي تسويدًا تامًا لأنني أخشى أيضًا أن يكون بين كاسيو المذكور وبين القبّعة التي ألبسها للنوم عداوة يسعى لإزالتها١٢ ثم أريد أن يحبني المغربي وأن يشكر لي بالحمد والمكافأة جعلي إياه جحشًا بيّنًا وإقلاقي راحته وإفسادي سعادته إلى أن يُجَنَّ جنونًا. هذا مبدأ الخطة التي رسمتها هنا (يشير إلى جبهته) لمكيدتي. هي خطة لا تزال بجملتها مبهمة ولكن وجه الخديعة لا ينكشف إلا إذا أتمّت الخديعة فعلها.

المشهد الثاني

طريق

(يدخل منادٍ بيده قرطاس والشعب يتبعه)

المنادي : اقتضت مشيئة عطيل قائدنا الشريف الباسل بناءً على ما ورد من الأنباء المحققة بدمار أسطول الأعداء أن يعيّد الأهلون سرورًا بهذا الحادث، بعضهم بالرقص وبعضهم بإطلاق السهام النارية وكلٌ بالملاهي والألعاب التي يؤثرها. ذلك لأن هذا اليوم عدا ما جاء فيه من الأخبار السارة يومُ الاحتفال بقرانه. وقد أمرنا بإبلاغ الشعب أيضًا أن جميع مطاعم القصر ومقاصفه مفتوحة ولمن يشاء أن يأكل فيها ويشرب منذ هذه الساعة الخامسة إلى أن يُقرع جرس الساعة الحادية عشرة. بارك الله في جزيرة قبرس وفي قائدها الشريف عطيل.

المشهد الثالث

ردهة في القصر

(يدخل عطيل وديدمونه وكاسيو ونفر من الحاشية)

عطيل : يا عزيزي ميشيل ارقبُ الحرس الليلة ولنعين لمسرّاتنا المدى الذي يقتضيه العقل لئلا نتجاوز نحن الحدّ الذي يجيزه التصوّن.١٣
كاسيو : أُمِرَ ياجو بما يجب وسأرقب العسس بنفسي.
عطيل : ياجو أمين جدًا، طاب ليلكم، نلتقي بكرة غد يا ميشيل لحاجة بي اليك … (إلى ديدمونه) تعالي يا غرامي لنذوق من جنى ما كسبنا ذلك النعيم الذي لم نذُقهُ إلى الآن، طاب ليلكم.

(يخرج عطيل وديدمونه والحاشية)

(يدخل ياجو)

كاسيو : مرحبًا بك يا ياجو، علينا الحراسة.
ياجو : لم تجيء الساعة العاشرة أيها الملازم وإنما صرفنا قائدنا الليلة قبل الأوان من أجل غرامه ولا ملام عليه لأنه لم يقضِ إلى الآن ليلة كاملة مع ديدمونه على كونها قطعة تليق المشتري.١٤
كاسيو : إنها لسيدة شهية جدًا.
ياجو : ومحبة للّعب. أحلف لها على ذلك.
كاسيو : وعندي أنها أنضر المخلوقات وأرقها.
ياجو : ثم إن لها نظرة إليك أدعى ما تكون إلى البراز.
كاسيو : نظرة إقبال ولكن عن سلامة.
ياجو : وإذا تكلمت ألا يُخال من صوتها أن ديانا١٥ تضرب نغمة الغرام على توقيع حربي.
كاسيو : هي الكمال مجسمًا ولا مراء.
ياجو : لندع السعد يتبطن لحافهما وتعال أيها الملازم ندخل إلى هذا المكان فقد خبأتُ فيه إبريق نبيذ وهناك بعض الكرام القبرسيين يُسَرُّون بشرب نخب في صحة عطيل الأسود.
كاسيو : لا أشرب الليلة أيها العزيز ياجو لأن رأسي من أضعف الرؤوس وأقلها تحملًا للخمر وكان بودي لو أن الأدب اخترع لنا وسيلة غيرها للتودد والتجامل.
ياجو : الضيوف من أصدقائنا ولا تشرب إلا كوبًا واحدًا، بل أشربه عنك.
كاسيو : ما تعاطيت الليلة إلا كوبًا واحدًا مقتولًا (بالمزج) ومع ذلك قد بدا عليّ أثره. إني أسيف لهذا الضعف ولا أجرؤ أن أحمل نفسي كوبًا آخر.
ياجو : أتصرّ على الامتناع أيها الصديق والليلة ليلة عيد وأصدقاؤنا يتمنون مساقاتنا النخوب؟
كاسيو : أين هم؟
ياجو : بالباب أرجو أن تذهب وتدعوهم.
كاسيو : سأفعل ذلك على أنه لا يعجبني.
ياجو : إذا استطعتُ أن أسقيه كأسًا غير التي شربها قبلًا امتلأ من الخصومة والسباب كامتلاء الكلب الذي تَعُوله مولاتي الجميلة … ومن جهة أخرى فإن ردريجو رفيقي المريض الأبله الذي قلب الحب دماغه قد شرب الليلة كأسًا بعد كأس تكريمًا لديدمونه وسيكون مع العسس، وهناك أيضًا ثلاثة من فتية قبرس كرماء النفوس شديدو التحمس في مسائل الشرف لو اندفعوا في كريهة اندفع معهم جميع سكان قبرس الشجعان قد سقيتهم إلى الشَّرَق وسيكونون من الحراس. بقي عليّ أن أستفز كاسيو بين هذا القطيع من السكارى المدمنين لإتيان أمر يعتدونه مهينًا للجزيرة وأهلها، لكن أراهم قادمين، ولئن طابقت النتائج مقدمات تدبيري سارت سفينتي على ما أشتهي بمعونة المد وموافقة الريح.

(يدخل كاسيو ثم منتانو ثم أعيان آخرون ثم خدم يحملون آنية للشراب)

كاسيو : لقد أوصلوني إلى جد النشوة.
ياجو : هاتوا خمرًا (يتغنى):
دعوني أرنّن الدنّ١٦
دعوني أرنّن الدنّ
ما الجندي إلا إنسان
ما العمر إلا دقّات
خلوا الجندي يشرب ما شاء
هاتوا نبيذًا يا أولادي
كاسيو : بالله انشودة جميلة.
ياجو : تعلمتها في إنجلترا التي أهلها أقدر الناس على تفريغ الدّنان بلا نزاع، أما الدانمركيون والألمان والهولنديون ذوو البطون الكبيرة. هاتوا خمرًا. فإنهم لا شيء في مقابلة الإنجليز.
كاسيو : وهل الحقيقة على ما تصف؟
ياجو : الواحد منهم يعاطي الدانمركي حتى يدعه ميتًا من السكر وهو لم يتعب، كما أنه يغلب الألماني في هذا المجال ولا يَعْرق، فإذا ناظر الهولندي أرسله يتقايأ قبل أن يملأ الزق١٧ الثاني.
كاسيو : في صحة قائدنا.
منتانو : اشرب هذا النخب أيها الملازم وأنا قريعك مهما ترفع الكأس.
ياجو : واهًا لإنجلترا الشائقة (ينشد):
كان الملك إتيين نبيلًا شريفًا
يشتري سراويلاته بتاج١٨
ويظنه مغبونًا بستة بنسات من الثمن نقدًا
يلقب الطرْزي١٩ بالضحكة
كان شابًا بعيد الشهرة
وأنت لست إلا رجلًا دنيئًا
الكبرياء مضيعةً للأمم
فقم وتدثّر بدثارك العتيق
(نبيذًا يا غلمان).
كاسيو : بذمتي لهذه الأغنية ألطف من الأولى.
ياجو : أتريد أن أعيدها عليك؟
كاسيو : لا. لأنني أعتقد أن من يعمل مثل هذه الأعمال غير جدير بمنصبه. على أن الله فوق العباد والعباد فريقان يوم الدين ناجون وغير ناجين.
ياجو : هذا حق أيها الملازم الكريم.
كاسيو : أما أنا فأرجو أن أكون ناجيًا ولا يؤاخذني في ذلك القائد ولا أي رجل ذي مكانة.
ياجو : وأرجو النجاة لنفسي مثلك.
كاسيو : نعم ولكن بعدي لأن الملازم يجب أن ينجو قبل حامل العلم، لكن حسبنا حديثًا في هذا المعنى … لنلتفت إلى شؤوننا. اللهم اغفر لنا خطايانا. أيها السادة لنلتفت إلى شؤوننا. لا تظنوا أني سكران يا سادتي، هذا حامل حامل علمي، وهذه يمناي وهذه يسراي، لست سكران البتة. أستطيع الوقوف قويمًا والتكلم حسنًا.
الجميع : حسنًا جدًا.
كاسيو : على المرام. إذن لا ينبغي أن تظنوني سكران.
منتانو : إلى الرواق يا سادتي نرتب العسس.

(يخرج كاسيو)

ياجو : أنتظر هذا الرفيق الخارج الآن؟ هو جندي لائق للخدمة تحت إمرة قيصر ولتولي القيادة العامة. إلا أنه مصاب بهذه الآفة كما ترى وهذه الآفة بالغة منه مبلغ فضله فهو بينهما شطران مستويان. غبن عظيم. وإني لأخشى أن تكون الثقة التي لعطيل به سببًا في زلزلة الجزيرة إذا حمله السكر يومًا على منكرة من منكراته.
منتانو : أكثيرًا ما يكون على مثل هذه الحالة؟
ياجو : هذه الحالة تكون على الدوام مقدمة لمنامه. وإذا لم تُرقده النشوة فقد يقضي يومه بليله مستيقظًا.
منتانو : يحسن أن يُنبّه القائد إلى هذه الخَلّة فقد لا يراها فيه وقد تكون الفضائل التي يجدها عنده حاجبةً نظرَه عن عيوبه. ألا؟

(يدخل ردريجو)

ياجو (مخاطبًا إياه على حدة) : ما أتى بك يا ردريجو؟ إذهب عَدْوًا وأدرك الملازم. إذهب.

(يخرج)

منتانو : من الحيف أن يعرّض المغربي العظيم للخطر منصبًا ذا بال كمنصب نائبه بتركه إياه بين يدي رجل مصاب بآفة كهذه لا يرجى شفاؤه منها، ومن المرؤة أن يفاتح في هذا الشأن.
ياجو : أنا لا أفعل ولو أعطيت هذه الجزيرة كلها بدلًا من إقراري لأنني أحب كاسيو وبودي لو أستطيع شفاءه مهما أبذل فيه من مرتخص وغال لكن أسمع صوتًا … ما هذه الجلبة؟

(يعود كاسيو دافعًا أمامه ردريجو)

كاسيو : يا خسيس. يا نذل.
منتانو : ماذا جرى يا ملازم؟
كاسيو : غبيٌ يعلمني واجبي، سأضربه ضربة تسحقه حتى يدخل في زجاجة.
ردريجو : تسحقني؟
كاسيو : أتثرثر يا دنيء؟
منتانو : حلمًا يا سيدي الملازم، أضرع إليك! اكفف يدك.
كاسيو : دعني، أنت يا سيدي، وإلا كسرت فكّك.
منتانو : كفى كفى أنت سكران.
كاسيو : سكران؟

(يتضاربان بالسيوف)

ياجو (مخاطبًا ردريجو على حدة) : طِرْ وصِحْ: فتنة فتنة (يخرج ردريجو) حلمك أيها الملازم الكريم. أسفًا يا أيها السادة. المعونة يا للناس. سيدي الملازم. سنيور منتانو. المعونة. نعم الحراس (يقرع جرس الخطر) مَن يقرع هذا الجرس؟ قف. ستستيقظ المدينة. يا قوة الله. هدّئ غضبك أيها الملازم، ستلحق بنفسك عارًا خالدًا.

(يدخل عطيل يليه نفر من الحاشية)

عطيل : ماذا يجري هنا؟
منتانو : تالله إن دمي ليسيل بلا انقطاع، وإني لجريح جرح الموت.
عطيل : كفّا إن كنتما تأبهان للحياة.
ياجو : حسبك يا ملازم، حسبك يا منتانو، أنسيتما أين أنتما، وما يجب عليكما؟ قِفا، إن القائد يخاطبكما، اخجلا وقفا.
عطيل : كفوا هذا القتال البربري، ومن اجترأ منكم أن يخطو خطوة بعد لشفاء غليله فنسفه لا قيمة لها عنده وإني لمورده حتفه لأول حراك يبدو منه، أسكتوا هذا الجرس الذي يفزع الجزيرة ويوقظها في هلع. ماذا يا سادة؟ أنت يا ياجو الأمين الذي شُحبت شحوب الموت من الحزن، تكلم من البادي بهذه الخصومة؟
ياجو : ما أدري. كانوا أصفياء منذ هنيهة كأصفى ما يكون العروسان حين يخلعان ملابسهما لدخول السرير، فما شعرت إلا وكأن سيارة من السماء بذرت بينهما الشقاق فانتضيا سيفيهما وتهاجما يتثاخنان. كيف كان مبدأ هذه المبارزة؟ لا أعرف. ولكنني كنت أود لو فُقدتْ ساقاي في حرب شريفة ولم تحملاني إلى هذا المشهد.
عطيل : أي شيء يا ميشيل أنساك الواجب إلى هذا الحد؟
كاسيو : عفوك يا سيدي لا أستطيع التكلم.
عطيل : يا منتانو الشريف أنت متعود اجتناب المُزريات وكنت في أيام شبابك ساكنًا وقورًا يجلّك الناقدون الحازمون، فما دعاك لإلقاء هذه الشبهة على سمعتك واستبدال لقب «معربد ليلي» بما كان لك من الكرامة العزيزة؟ أجبني.
منتانو : أي عطيل الشريف، لقد جُرحت جِرحًا موبقًا يجهدني معه الكلام وإن ضابطك ياجو ليقدر على إنبائك بكل ما أعلم. على أنني لم أقل الليلة ولم أفعل شيئًا ألام عليه، إلا إذا كان رفقُنا بنفسنا في بعض الأحيان عيبًا، وكان دفاعنا حين يُعتدى علينا إثمًا.
عطيل : بالله العظيم لقد أخذ دمي يملك عليّ جوانحي بدل الرويّة والتؤدة وطفق الرجز يتغشى بصيرتي ويدفعني إلى ما أكره، ولو خطوت خطوة أو حرّكت هذه الذراع لسقط خيركم يتخبط تحت غضبي. نبئوني كيف ابتدأت هذه الخصومة القبيحة ومن أثارها؟ فلئن كان شقيقي وتوأمي الذي وُلد ساعة مولدي، لأقصيَنّه عن نعمتي. يا عجبًا!! أيدار قتال في موقع حربي لا يزال أهله في تأثر شديد وخوف مرهق؟ ومتى؟ في ظلام الليل. وأين؟ بين فصيلة الحرس. إنه لأمر فظيع، أي ياجو من بدأ هذه الخصومة؟
منتانو : إذا لم تقل الحقيقة مراعاة منك للصحبة أو للمزاملة فلست بجندي.
ياجو : لا تحرجوني بهذه القوة، خير لي أن يُنزع لساني من التفوه بلفظة تكدر ميشيل كاسيو، غير أنني واثق من أن الذي سأذكره لا يُضرّ به فتيلا. فاسمع ما جرى أيها القائد: بينما كنا نتسامر أنا ومنتانو دخل رجل يستغيث وكاسيو متبعًا إياه يريد ضربه بسيفه المسلول فتصدّى هذا الشريف لكاسيو يلتمس منه العفو عنه، وتبعت أنا ذلك الرجل المستصرخ لمنعه من اهتياج الأهلين بصيحاته كما فعل، على أن الرجل كان أسرع مني عَدْوًا فما لبثت أن تركته ورجعت، فإذا أنا بنصْلتين تتلاقيان وتَصِلان وبكاسيو يقذع٢٠ بألفاظه قذعًا ما سمعته منه قبل الآن، على أنني ما كدت أبلغهما حتى كانا قد تركا النصلين وشرعا يتراكلان، ولا أقدر أن أقول شيئًا آخر عن هذه المسألة غير أن الرجال إنما هم رجال وخيرهم قد يسهو ويخطئ، فلئن كان كاسيو قد أهان هذا الرجل الكريم، ومع الغضب ربما ضرب الإنسان أصدق الناس مودة له، فلا بد أن كاسيو قد لقي من الرجل الذي هرب إهانة بشعة ذهبت بصبره.
عطيل : يا ياجو إن نزاهتك وصداقتك تحملانك على تلطيف الأمر ليكون أقل وقرًا على كاسيو، ولكن اعلم يا كاسيو أنني أحبك وأنك لن تكون ضابطي أبد الدهر.

(تدخل ديدمونه وحاشيتها)

عطيل : انظروا إن حبيبتي وخالبةُ لبّي قد استيقظت بسبب الجلبة. (إلى كاسيو) سأجعلك عبرة وعظة.
ديدمونه : ما الذي حدث؟
عطيل : كل شيء على ما يرام الآن يا حبيبتي، عودي إلى سريرك (إلى منتانو) سأكون بنفسي آسي٢١ جراحك، انقلوه (ينقل منتانو) إذهبْ يا ياجو وطُف المدينة وأمّن الخائفين. تعالي يا ديدمونه. من حياة العسكري أن يستيقظ من منامه على جلبة القتال.

(يخرجون إلا كاسيو وياجو)

ياجو : ما بالك؟ أأنت جريح يا ملازم؟
كاسيو : نعم وبغير شفاء.
ياجو : لا سمح الله.
كاسيو : سمعتي سمعتي، فُقد الجزء الخالد مني، وبقيت البقية الحيوانية. سمعتي، ياجو، سمعتي!
ياجو : ظننت وايمُ نزاهتي، أنك أصبت بجرح بدني، ذلك أشد خطرًا من الإصابة بجرح في السمعة، وما السمعة على الحقيقة إلا أكذوبة باطلة تنال في الأكثر بغير جدارة وتفقد لغير ما سبب. فلستَ بفاقد سمعتك إلا إذا أذعت أنك فقدتها. تنبّه يا صاحبي. لا تزال لك وسيلة لاستعادة رِضا القائد فقد عزلك في ساعة غضب لا عن سياسة ولا عن مكر بل كما يفعل الذي يضرب كلبه ولا يذنب، ليُرْهِب أسدًا هصورًا. استعطفه عليك ينعطف.
كاسيو : أفضّل أن ألتمس من الناس تحقيري على خديعة مثل هذا القائد العظيم بأن أعرض عليه أن يستعيد ضابطًا نزقًا سكيرًا قليل الاحتراس في هذا الحد.
ياجو : أنت وكل حيّ عرضة للسكر في ساعة ما أيها الصديق. خذ عني الآن ما ينبغي لك عمله. إن امرأة قائدنا هي التي أصبحت قائدنا. لأنه قد انصرف كل الانصراف إلى تمتيع نظره وقلبه بمحاسنها ومكارم أخلاقها … فاذهب إليها وأقرِرْ بذنبك صريحًا والتمس منها بإلحاح وإلحاف أن تعينك على العَوْد إلى منصبك فلا تلبث أن تشفع لك عنده إذ أن سماحة فطرتها تجد من الرذيلة عدم الإجابة إلى أكثر مما يطلب منها.
كاسيو : أسديتني خير نصيحة.
ياجو : كن واثقًا أنها نصيحة خُلوص وحسن نية.
كاسيو : أنا واثق مما تقول وسأذهب من بكرة غد إلى ديدمونه الطاهرة وأبتهل إليها أن تتولى أمري فإذا لم يسعدني الحظ مع وساطتها فقدت كل رجاء.
ياجو : إنك لفي المنهاج السويّ. طاب ليلك أيها الملازم. يجب أن أسهر في العسس.
كاسيو : طاب ليلك أيها الصفي ياجو.
ياجو : هل لجريء أن يزعم أنني أمكر مكرًا سيئًا حين أنصح نصيحة كهذه خالصة صريحة سهلة التحقيق لا وسيلة لكسر شرّة المغربي واستعطافه؟ أو هل أكون غدّارًا حيث أشير على كاسيو بالخطة التي توصله توًا إلى فائدته؟ إيه يا آلهة سقر متى أراد الزبانية الإيعاز بأشنع الخطايا صوّروها في المبدأ بأبدع الصور السماوية كما أفعل الآن، لأنه بينما ذلك الأبله السليم الطوية يسعى لدى ديدمونه لاستعادة مكانته، وبينما هي تشفع له عند المغربي بقوّة، أدسُّ أنا في أذن عطيل سُمّ الريب في حقها بما أُدخله على قلبه من أن رِقّتها لكاسيو ليست عن مبرّة ولكن عن شغَف أثيم. بقدر ما تزداد إلحاحًا في التماس الرأفة له يزداد تأييدها لسوء الظن بها عند المغربي، وهكذا آخذها في فخِّ فضيلتها وأستخرج من مروءتها الفخّ الذي أوقعهم فيه جميعًا.

(يخرج)

١  عفرات: شعر القفا من الأسد.
٢  فيروني: نسبة إلى مدينة فيرونا بإيطاليا.
٣  ضرم: لهب.
٤  الباهل: المتردد بلا عمل.
٥  يافوخ: أعلى الرأس ملتقى عظام الرأس.
٦  هذه الهاء توضع للوقف.
٧  بدار: أسرع.
٨  الأولمبس: اسم جبل شهير ببلاد اليونان.
٩  سأقول لك كلمة المرور في المرور العسكرية.
١٠  ثقله: محمول المسافرين من ملابس ونحوها.
١١  يصف ردريجو بصفة الكلب.
١٢  إشارة إلى اشتباهه في ريبة ينويها كاسيو لامرأة ياجو.
١٣  التصون: صون النفس عما لا يحمد.
١٤  المشتري: كبير الآلهة عند اليونانيين الأقدمين.
١٥  ديانا: إلهة الصيد.
١٦  الدن: وعاء كبير فخاري.
١٧  الزق: وعاء من الجلد.
١٨  تاج: نوع من العملة.
١٩  الطرزي: خياط الملابس.
٢٠  يقذع: يشتم.
٢١  الآسي: الطبيب المداوي للجراح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤