الفصل السادس والعشرون

سرعان ما نشرت السيدة جريبل هذا الخبر الثاني.

صحيح أنَّ الناس كثيرًا ما كانوا يشتكون من تنصُّتها، ويقسمون أنهم لا يصغون إلى نميمتها، لكن القصص التي كانت تنشرها كانت تثبت صحتها على الدوام (باستثناء إحدى المرات في يوم كذبة أبريل، حين أعطاها شخصٌ ما حكايةً زائفة عن عربة قطار مليئة بمجموعة من الغجر ينصبون مخيمًا في بلدة بوكتاون)، وشاع وصفها آنذاك بأنها مُنادية المقاطعة.

وهكذا، بحلول وقت العشاء، صار الجميع يعرفون أنَّ توبي ليس مسئولًا عن فقدان روث لعينها. وأصبح البعض يشك في صِدق ادِّعاء بيتي بأنَّه دفعها في البئر. لكنَّ الشك وحده لم يكُن كافيًا.

قال العريف: «يحق لأيِّ هيئة مُحلفين أن تشك إذا شاءت. ولكن تظل الشرطة مُلزَمة بالعثور على الرجل.»

كان جالسًا في مطبخنا مع والدي وجَدِّي، وحتى جيمس، الذي كان جالسًا إلى الطاولة وليس تحتها للمرة الأولى في حياته.

كانت الكلاب قد قادت فريق البحث إلى داخل الحظيرة ثم إلى خارجها، وبعدئذٍ عبر المراعي وحول المنزل، ثم إلى آخِر الزقاق وعادت إلى أوله مرَّة أخرى، وبعدها إلى داخل الأدغال والبساتين، قبل أن تستقر أخيرًا على مسار يمتد بعيدًا عن تلالنا، غربًا، نحو أوهايو، التي لم تكُن بعيدة جدًّا عنَّا.

تعقَّبت الكلابُ الرائحةَ ميلَين، أو ربما أكثر، ثم أعلن الضابط كولمان أنَّ هذا أثر مؤكَّد، ومن المستبعد أن ينقلب في الاتجاه المعاكس.

قال أبي وهو يحكي ما حدث: «عندئذٍ صَرَفنا وطلب منَّا العودة إلى المنزل. ما يزالون يتعقبون الأثر، وسيظلون هكذا إلى أن يتلقوا عونًا من المزيد من الكلاب والرجال.»

كان العريف أولسكا يبدو منهكًا، وغير آسفٍ إطلاقًا على انتهاء دوره في عملية البحث. قال: «من المؤكد أنهم سيدركون توبي في غضون يوم أو اثنين، إلَّا إذا وجد سيارة تُقِلُّه.»

فسأله والدي: «هل تظن أنهم سيدخلون أوهايو لمواصلة تعقُّبه؟»

«أجل، أظن ذلك، أو سيُسلمون زمام المسألة إلى شرطة أوهايو. ولكن عندما يسمعون نشرة آني الأخيرة — وسيسمعونها حتمًا، إنْ لم يكونوا قد سمعوها بالفعل — سيكونون مستعدين للتنحي قليلًا عن المطاردة.»

استدار لينظر إليَّ. وقال: «أظن أنَّ تنصُّت السيدة جريبل على تلك المكالمة التي أجريتها مع آندي كان مفيدًا.» لم يكُن مبتسمًا وهو يقول ذلك، لكنه لم يكُن موبِّخًا أيضًا. وأضاف: «أستطيع تخيلها وهي تفعل ذلك.»

فقال والدي لي: «أمَّا أنا، فأتخيَّلك و«أنتِ» تفعلين ذلك.»

قلت له: «هل أنت غاضب؟» كنت مستعدة لتقبُّل غضب الناس مني، مع أنَّ ذلك لم يكُن مهمًّا كما كان من قبل.

قال أبي: «لستُ غاضبًا.»

وقال جدي: «وأنا لستُ غاضبًا إطلاقًا.» ابتسم لي من طرف الطاولة الآخَر الذي كان قاعدًا عنده. وأضاف: «فالنباهة وروح المبادرة خصلتان جيدتان، إذا أردتِ رأيي.»

قالت أمي وهي تزلق مقلاةً من شرائح لحم الخنزير إلى داخل الفرن: «والاجتهاد أيضًا. يا أنابل، هذه الجزرات لن تُقشِّر نفسها.»

فقال هنري وهو يقوم من كرسيه: «سأقشرها أنا.» لم ينظر إليَّ وهو يأخذ مكاني المعتاد عند الحوض، لكني كنت أعرف أنه كان يراني على أيِّ حال. كان لدينا اليدان ذاتهما. والأصابع الطويلة ذاتها. وكنا نمسك السكين بالطريقة ذاتها.

قال جيمس: «كيف لهنري أن يساعد وأنا لا؟»

فقالت له أمي: «أنت محق تمامًا.» وأعطته قِدرًا صغيرًا. وقالت: «يُمكن أن تبدأ بوضع كوب من الحليب في هذا القِدر.»

دخلت العمة ليلي المنزل آنذاك بالضبط لترى هنري وجيمس يساعدان في إعداد العشاء، بينما كنتُ أنا جالسةً إلى الطاولة مع الرجال.

قالت: «هل أنا في المنزل الصحيح؟» خلعت معطفها وعلقته في خزانة غرفة الوحل. وسألتني: «أنابل، هل شُلَّت ساقاكِ؟»

فقال لها والدي وكأنها حصانة هائجة: «اهدئي يا ليلي. لقد كان يومًا طويلًا.»

فقالت: «وكأنني لا أعرف ذلك بالفعل. هل لديك أي فكرة عن عدد الرسائل والطرود التي تأتي عبر مكتب البريد ذاك؟ من العجيب أنَّ الناس يستطيعون إنجاز أي شيء آخَر هنا، مع كل هذه الرسائل التي يكتبونها.»

صبَّت لنفسها فنجانًا من القهوة وجلست إلى الطاولة في مكان أمي.

كنت أظن أنَّ خبر موت بيتي قد فاتها بطريقة ما؛ ولذا أخبرتُها. «بيتي جلينجاري ماتَت صباح اليوم، يا عمتي ليلي.»

فقالت: «سمعتُ هذا بالفعل من عشرة أشخاصٍ على الأقل اليوم. فأنا لا أعمل في مكتب بريد تمبكتو. إنْ كان يوجد شيء كهذا أصلًا.»

أردتُ أن أرميها بشيء. قلت: «كنت أظن أنكِ ربما لا تعرفين.»

«لماذا، لأنني لا أشهق وأتعرض للإغماء ككل السُّذَّج الآخَرين؟» نظرت إليَّ من فوق نظارتها. وأضافت: «الرب يُسيِّر الدنيا بطُرُق غامضة يا أنابل. لديه أسبابه التي لا نعرفها.»

دخلت جدتي المطبخ في تلك اللحظة ذاتها وسمعت ذلك. فقالت: «أسباب لماذا؟»

«لأخذِ بيتي إلى دارها الأبدي.»

هزت جدتي رأسها. وقالت: «لا أعرف من أين لكِ بهذا القلب الجامد يا ليلي.»

«ليس جامدًا. لكنه ليس ليِّنًا أيضًا. يوجد هنا من القلوب اللينة ما يكفي وزيادة بالفعل.»

ارتأيتُ أنني إن استمعت إلى العمة ليلي دقيقةً أخرى، فسأتحول إلى حجر. فقلت: «بما أنَّ الولدَين يساعدان في إعداد العشاء، فهل لي أن أصعد إلى غرفتي بعض الوقت؟»

قالت أمي: «لوقت قصير. سأناديكِ حين أحتاج إليكِ.»

قال جيمس: «أستطيع تهيئة الطاولة.»

فقالت جدتي بنبرة مُدلِّلةٍ حنونٍ وهي تنكش شَعره: «بالطبع تستطيع. مَن قال عكس ذلك؟»

•••

صعدتُ إلى غرفة نومي، ومن هناك، كنت أسمع الآخَرين في الطابق السفلي. صوت القدور والمقالي. أطباق وأدوات مائدة. أصوات أشخاص. واحتكاك الكراسي بالأرض.

كل ذلك جعلني أشد شعورًا بالوحدة.

تبيَّن لي بعدما استدرجتُ آندي إلى الاعتراف، على أمل أن تكون الشرطة أكثر تساهلًا مع توبي إذا قبضوا عليه، أنَّ ذلك لم يُجدِ نفعًا كبيرًا.

أخذتُ معطف جدي من خزانة ثيابي، وارتديتُه منزلقًا على جسدي بكل سلاسة. كان يَسع داخله شخصَين بحجمي.

استلقيتُ على فراشي، وطويتُ ركبتيَّ داخل المعطف، وغرقت في نوم عميق.

لم أسمع أمي وهي تدعوني إلى الأسفل لأتعشى.

ولم أسمعها وهي تفتح باب غرفة نومي، وتطفئ النور.

ولم أشعر بها وهي تشد الغطاء على جسدي.

ولم أستيقظ بعدئذٍ في تلك الليلة على صوت رنين الهاتف.

•••

ولأنني نمتُ في مثل هذا الوقت المبكر، فقد استيقظتُ قبل الآخَرين كلهم تقريبًا بوقتٍ طويل.

وجدتُ أمي في المطبخ، تُخمِّر القهوة، لكني لم أجد أحدًا مستيقظًا سواها. كانت الدنيا مظلمة خارج النوافذ.

وقفتُ أتأملها بُرهةً. كانت تبدو مختلفة، غير داريةٍ بوجود أحدٍ غيرها، كانت متجهة بذاتها إلى الداخل، مثلما كنتُ أنا على الممشى عندما التقط توبي صورة لي.

خَطَر ببالي أن أعود إلى الفراش قبل أن تراني.

ربما كان الحزن البادي عليها، مع أنني لم أكُن أرى وجهها، هو الذي حثَّني على أن أعود إلى فراشي، بسرعة، لعلِّي أحظى بساعة أخرى — أو ربما اثنتَين — قبل أن أعرف سببه.

كنت ما أزال مكتسية بثيابي التي كنت أرتديها في اليوم السابق، وكنت ما أزال مرتدية معطف جدي.

ولا بد أنَّني بدوتُ سخيفة جدًّا عندما استدارت نحوي، مُمسكة بكوب من القهوة، وتوقفَت بَغتة فاندفعت القهوة إلى حافة الكوب وانسكبت على الأرض.

قالت وهي تمد يدها لتلتقط خِرقة: «أنابل، لقد أفزعتني. ما الذي أيقظك في هذا الوقت المبكر جدًّا؟»

«لم أعُد أستطيع مواصلة النوم.» جلست إلى الطاولة. وسألتها: «هل وجدوا توبي بعد؟»

فقالت: «هل سمعتِ رنين الهاتف؟»

هززتُ رأسي بالنفي، وأنا أشعر بقلبي ينقبض. وسألتها: «مَن الذي اتصل؟»

غسلت أمي الخرقة، وقعدَت أمامي على الجانب المقابل. ثم وضعت كوبها على الطاولة بحرص.

قالت: «اتصل العريف. كان قد تلقَّى خبرًا من الضابط كولمان للتو، وارتأى أننا قد نريد معرفة ما حدث.»

لم أكُن أدرك كَم كانت أمي جميلة، حتى رأيتُها في تلك اللحظة وهي تستجمع قواها لتخبرني بأنَّ توبي قد مات.

أبقيتُ يديَّ داخل كُمَّي معطف جدي، بينما كانت تحكي لي أنهم لحقوا به قُبيل الحدود المؤدِّية إلى أوهايو مباشرة، حيث كان نائمًا تحت جسر نهر ماهونينج.

أخبرَتْني بأنَّ الكلاب البوليسية، عندما وصلت إليه، استلقَت وسط أوراق الشجر المتساقطة على طول حافة النهر، ولم تهتمَّ بالرجل نفسه، الذي نهضَ واقفًا عندما صاح أفراد الشرطة مُنادين باسمه.

قالت إنه ربما أراد أن يكون واقفًا على قدمَيه عندما يحين الجزء التالي؛ لأنهم عندما أمروه بأن يستلقي مجددًا على وجهه ويضع يدَيه خلف ظهره، رفض.

وعندما أشهروا مسدساتهم وأمروه بذلك مرَّة ثانية، حرَّك إحدى بندقيتَيه الطويلتَين بسرعةٍ من على ظهره ليُشهرها، فأطلقوا النار عليه.

قالت بهدوء: «لم يكونوا يعرفون أنَّ بندقيته عديمة الجدوى. لم يكونوا يعرفون أيَّ شيءٍ عمَّا حدث هنا. كلُّ ما كانوا يعرفونه أنهم من المفترض أن يقبضوا على رجلٍ خَطِر ويقتادوه إلى الحجز.»

أخرجتُ يديَّ من كُمَّي المعطف الطويلَين، وجففتُ بهما وجهي.

قلت: «لماذا فعل ذلك؟ لماذا أمسك بندقيته هكذا؟ لم تكُن تعمل أصلًا. وما كان توبي ليطلق النار عليهم بأيِّ حال. ما كان ليفعل ذلك إطلاقًا.»

تنهَّدت أمي. وقالت: «أنا أيضًا لا أظن ذلك. ولا أعرف لماذا فعل ما فعله. باستثناء أنه ربما قد سئم هذه الدنيا يا أنابل.»

«بعد كل هذا الوقت من التعايش مع حزنه الشديد؟ قرَّر أنه لا يستطيع البقاء في الدنيا «الآن»؟ عندما أصبحنا أهله وعائلته؟»

هزَّت أمي رأسها. وقالت: «لا أعرف يا أنابل. ولكن تذكري شعوركِ حين تكون يداكِ باردتَين جدًّا حتى إنهما تصبحان خدرتَين. تذكري أنكِ لا تدركين حجم الألم فيهما إلَّا عندما يبدأ الدفء يدبُّ فيهما.»

ظللتُ بعض الوقت أنظر إلى يديَّ وأنا أفكِّر فيه. قلت: «قال إنه كان يتمنى أن تكون لديه ابنة مثلي.»

ابتسمت أمي. وقالت: «أي شخصٍ سيتمنى ذلك.»

تذكَّرتُ الليلة التي أخذتُ فيها توبي إلى الحظيرة لأخبئه. وقلت لها: «هل كنتِ تعرفين أنه يخشى الأماكن المرتفعة؟»

هزَّت رأسها بالنفي.

«لكني عيَّرته بذلك حتى حملته على تسلُّق سلم العلية، ولم يتردد قَط في تسلُّقه بعدئذٍ. أصبح يتسلقه بكلِّ سهولة.»

قامت أمي وصَبَّت لي كوبًا صغيرًا من القهوة، ووضعت عليه الكثير من القشدة والسكر. وقالت: «يبدو أنكِ كنتِ تعرفينه بقدرٍ أكبر مما ظننتُ.»

«لقد عرفني قبل أن أعرفه.»

احتسينا قهوتنا في صمت، بينما تسللت أشعة الشمس من خلال النوافذ، حاملةً معها كل الألوان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤