الفصل الثالث

كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر لَا يَنْخَدِعُ

كَانَ الثَّعْلَبُ ريدي قَدْ تَعَلَّمَ الْكَثِيرَ مِنَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ، وَقَدْ بَدَأَ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ حَكِيمٌ جِدًّا وَمُهِمٌّ جِدًّا. كَانَ ريدي ذَكِيًّا بِالْفِطْرَةِ، وَسَرِيعًا جِدًّا فِي تَعَلُّمِ حِيَلِ الْجَدَّةِ الْعَجُوزِ، وَلَكِنَّ الثَّعْلَبَ ريدي كَانَ مُخْتَالًا. كُلَّ يَوْمٍ كَانَ يَتَبَخْتَرُ فِي الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ مُتَفَاخِرًا بِذَكَائِهِ، وَقَدْ سَئِمَ الْغُرَابُ بلاكي مِنْ تَفَاخُرِهِ.

سَأَلَهُ بلاكي: «إِذَا كُنْتَ بِهَذَا الذَّكَاءِ، فَلِمَاذَا تَبْتَعِدُ عَنْ أَنْظَارِ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر؟! مِنْ جِهَتِي أَعْتَقِدُ أَنَّكَ لَسْتَ بِالذَّكَاءِ الْكَافِي لِخِدَاعِهِ!»

سَمِعَ الْكَثِيرُ مِنْ سُكَّانِ الْمُرُوجِ مَا قَالَهُ بلاكي، وَكَانَ ريدي يَعْلَمُ ذَلِكَ، كَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُثْبِتْ خَطَأَ بلاكي فَسَيَكُونُ مَحَلَّ سُخْرِيَةٍ إِلَى الْأَبَدِ. فَجْأَةً تَذَكَّرَ الْخُدْعَةَ الَّتِي قَامَتْ بِهَا الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ مَعَ الْكَلْبِ الصَّغِيرِ عَلَى جِسْرِ السِّكَّةِ الْحَدِيدِيَّةِ. لِمَاذَا لَا يَقُومُ بِنَفْسِ الْخُدْعَةِ مَعَ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر وَيَقُومُ بِدَعْوَةِ بلاكي لِمُشَاهَدَتِهِ؟ سَيَقُومُ بِذَلِكَ بِالْفِعْلِ.

قَالَ ريدي: «إِذَا حَضَرْتَ عِنْدَ جِسْرِ السِّكَّةِ الْحَدِيدِيَّةِ عِنْدَ ظُهُورِ الْقِطَارِ بَعْدَ ظُهْرِ الْيَوْمِ، فَسَأُرِيكَ كَمْ هُوَ سَهْلٌ خِدَاعُ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر.»

وَافَقَ بلاكي عَلَى الْحُضُورِ، وَانْطَلَقَ ريدي بَحْثًا عَنْ باوزر. أَخْبَرَ بلاكي كُلَّ مَنْ يَلْتَقِي بِهِ كَيْفَ وَعَدَهُ ريدي بِخِدَاعِ باوزر، وَكَانَ يُقَهْقِهُ كُلَّ مَرَّةٍ يَقُولُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ أَظْرَفَ طُرْفَةٍ سَمِعَهَا أَحَدُهُمْ.

حَضَرَ الْغُرَابُ بلاكي فِي مَوْعِدِهِ تَمَامًا وَجَاءَ مَعَهُ قَرِيبُهُ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي، وَمَا لَبِثَا أَنْ شَاهَدَا الثَّعْلَبَ ريدي وَهُوَ يُسْرِعُ عَبْرَ الْحُقُولِ وَيُطَارِدُهُ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر بِشَرَاسَةٍ. وَمِثْلَمَا فَعَلَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ مَعَ الْكَلْبِ الصَّغِيرِ، سَمَحَ الثَّعْلَبُ ريدي لِلْكَلْبِ باوزر بِالِاقْتِرَابِ مِنْهُ، وَعِنْدَ قُدُومِ الْقِطَارِ بِصَفَّارَتِهِ قَامَ بِالرَّكْضِ سَرِيعًا عَبْرَ الْجِسْرِ الطَّوِيلِ أَمَامَهُ؛ فَقَدْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر سَيَكُونُ عَازِمًا عَلَى الْإِمْسَاكِ بِهِ، وَمِنْ ثَمَّ فَلَنْ يُلَاحِظَ الْقِطَارَ حَتَّى يُصْبِحَ عَلَى الْجِسْرِ وَيَفُوتَ الْأَوَانُ، كَمَا حَدَثَ مَعَ الْكَلْبِ الصَّغِيرِ؛ وَعِنْدَئِذٍ سَيَقُومُ باوزر بِالْقَفْزِ فِي النَّهْرِ السَّرِيعِ أَوْ يَصْدِمُهُ الْقِطَارُ.

بِمُجَرَّدِ عُبُورِ ريدي لِلْجِسْرِ، قَفَزَ مِنْ فَوْقِ الْقُضْبَانِ وَالْتَفَتَ لِيَرَى مَا حَدَثَ لِكَلْبِ الصَّيْدِ باوزر. كَانَ الْقِطَارُ فِي مُنْتَصَفِ الْجِسْرِ وَلَا وُجُودَ لِباوزر. لَا بُدَّ أَنَّهُ قَدْ قَفَزَ بِالْفِعْلِ. جَلَسَ ريدي وَعَلَى وَجْهِهِ ابْتِسَامَةٌ عَرِيضَةٌ تَنُمُّ عَنِ الرِّضَا.

مَرَّ الْقِطَارُ الطَّوِيلُ بِهَدِيرِهِ، وَأَغْمَضَ ريدي عَيْنَيْهِ بِسَبَبِ الْغُبَارِ وَالدُّخَانِ، وَمَا إِنْ فَتَحَهُمَا حَتَّى وَجَدَ نَفْسَهُ يَنْظُرُ مُبَاشَرَةً إِلَى فَمِ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر الْمَفْتُوحِ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ، الَّذِي كَانَ عَلَى بُعْدِ أَقَلَّ مِنْ عَشْرِ أَقْدَامٍ.

زَمْجَرَ باوزر: «هَلْ كُنْتَ تَظُنُّ أَنَّهُ يُمْكِنُكَ خِدَاعِي بِهَذِهِ الْحِيلَةِ الْقَدِيمَةِ؟!»

لَمْ يَقِفْ ريدي لِيَرُدَّ، بَلِ انْطَلَقَ بِأَقْصَى سُرْعَتِهِ، وَيَا لَهُ مِنْ ثَعْلَبٍ صَغِيرٍ خَائِفٍ!

فَكَمَا تَبَيَّنَ، كَانَ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر عَلَى دِرَايَةٍ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ، وَقَدِ انْتَظَرَ حَتَّى يَعْبُرَ الْقِطَارُ، ثُمَّ رَكَضَ عَبْرَ الْجِسْرِ خَلْفَهُ مُبَاشَرَةً.

وَبَيْنَمَا كَانَ الثَّعْلَبُ ريدي يَرْكُضُ نَحْوَ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ وَأَنْفَاسُهُ مُتَقَطِّعَةٌ لِيَطْلُبَ مِنْهَا أَنْ تُسَاعِدَهُ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر، إِذْ سَمِعَ صَوْتًا جَعَلَهُ يَكَزُّ عَلَى أَسْنَانِهِ.

«هَاوْ، هَاوْ، هَاوْ! كَمْ نَحْنُ أَذْكِيَاءُ!»

كَانَ ذَلِكَ صَوْتَ الْغُرَابِ بلاكي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤