الفصل السابع

الثَّعْلَبُ ريدي يَسْمَعُ وَلَكِنْ مُتَأَخِّرًا

كَانَ نَقَّارُ الْخَشَبِ درامر يَنْقُرُ بِإِشَارَةِ الْخَطَرِ بِسُرْعَةٍ وَقُوَّةٍ هَائِلَتَيْنِ؛ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهُ الْأَحْمَرَ كَانَ يَتَحَرَّكُ بِسُرْعَةٍ فَائِقَةٍ وَلَا يَكَادُ يُرَى. كَانَ درامر يَنْقُرُ: رَاتْ، تَاتْ، تَاتْ، تَاتْ! عَلَى جِذْعِ الشَّجَرَةِ الْعَجُوزِ عَلَى حَافَةِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. وَعِنْدَمَا تَوَقَّفَ لِالْتِقَاطِ أَنْفَاسِهِ، نَظَرَ لِأَسْفَلَ لِيَرَى وَجْهَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون الْغَاضِبَ، الَّذِي كَانَ يَخْتَبِئُ وَرَاءَ جِذْعِ الشَّجَرَةِ الْعَجُوزِ.

لَمْ يُحِبَّ درامر نَظْرَةَ الْغَضَبِ تِلْكَ، كَمَا لَمْ يُحِبَّ مَنْظَرَ الْبُنْدُقِيَّةِ الَّتِي يَحْمِلُهَا ابْنُ الْمُزَارِعِ براون. كَانَ درامر يَعْلَمُ أَنَّهُ يَخْتَبِئُ لِيُصِيبَ الثَّعْلَبَ ريدي، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَخَافُ أَنْ يُخَمِّنَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون مَعْنَى كُلِّ هَذِهِ الضَّوْضَاءِ وَأَنَّهُ تَحْذِيرٌ لِلثَّعْلَبِ ريدي. وَإِذَا خَمَّنَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون، فَيَا لَلْهَوْلِ! عَلَى أَيِّ حَالٍ، يَبْدُو أَنَّ الْجِهَةَ الْمُقَابِلَةَ لِلشَّجَرَةِ مَكَانٌ أَفْضَلُ لِلنَّقْرِ؛ لِذَلِكَ تَسَلَّلَ نَقَّارُ الْخَشَبِ درامر إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَفِي غُضُونِ دَقِيقَةٍ كَانَ يَنْقُرُ أَقْوَى مِنْ ذِي قَبْلُ، وَعِنْدَمَا كَانَ يَتَوَقَّفُ لِيَلْتَقِطَ أَنْفَاسَهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي أَرْجَاءِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ لِيَرَى إِنْ كَانَ ريدي قَدْ سَمِعَ إِنْذَارَهُ.

وَلَكِنْ حَتَّى إِنْ سَمِعَهُ ريدي فَلَمْ يَكُنْ لِيُعِيرَهُ انْتِبَاهَهُ. انْتَظَرَ رِيدِي حَتَّى كَادَ كَلْبُ الصَّيْدِ باوزر يَلْحَقُ بِهِ لِيَتَبَاهَى قَلِيلًا أَمَامَ أَهْلِ الْمَرْجِ الصَّغِيرِ وَالْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. ثُمَّ بِحَرَكَةٍ شَقِيَّةٍ بِذَيْلِهِ، بَدَأَ يَسْتَعْرِضُ سُرْعَتَهُ، وَقَدْ كَانَ سَرِيعًا جِدًّا بِالْفِعْلِ. كَانَ يَجْعَلُ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر يَبْدُو بَطِيئًا وَهُوَ يُلْصِقُ أَنْفَهُ بِالْأَرْضِ وَيُسْرِعُ فِي أَثَرِ ريدي مُصْدِرًا ضَوْضَاءَ هَائِلَةً بِصَوْتِهِ.

كَانَ ريدي قَدْ غَدَا مُهْمِلًا مَعَ ازْدِيَادِ جُرْأَتِهِ؛ فَبَدَلًا مِنَ النَّظَرِ أَمَامَهُ بِتَرْكِيزٍ، كَانَ يَنْظُرُ لِيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ لِيَرَى مَنِ الَّذِي يُشَاهِدُهُ وَيُعْجَبُ بِهِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يُلَاحِظْ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ، وَاتَّجَهَ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ نَحْوَ جِذْعِ الشَّجَرَةِ الْعَجُوزِ الَّذِي كَانَ نَقَّارُ الْخَشَبِ درامر يَنْقُرُ فِيهَا لِإِنْذَارِهِ.

لَا شَكَّ أَنَّ الثَّعْلَبَ ريدي كَانَ يَمْتَلِكُ عَيْنَيْنِ حَادَّتَيْنِ وَأُذُنَيْنِ سَرِيعَتَيْنِ. أَمَّا الْآنَ فَيَبْدُو ريدي كَالْأَصَمِّ وَكَأَنَّ أُذُنَيْهِ مَحْشُوَّتَانِ بِالْقُطْنِ. كَانَ يَضْحَكُ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ يُفَكِّرُ فِي طَرِيقَةِ خِدَاعِ كَلْبِ الصَّيْدِ باوزر، وَكَيْفَ سَيَظُنُّ الْجَمِيعُ أَنَّهُ شَدِيدُ الذَّكَاءِ! وَفَجْأَةً، سَمِعَ نَقَّارَ الْخَشَبِ درامر يَنْقُرُ: رَاتْ، تَاتْ، تَاتْ، تَاتْ! وَعَرَفَ أَنَّهَا تَعْنِي خَطَرًا!

بَدَا الثَّعْلَبُ ريدي وَكَأَنَّ قَلْبَهُ تَوَقَّفَ عَنِ الْخَفَقَانِ لِثَانِيَةٍ. لَمْ يَتَمَكَّنْ ريدي مِنَ التَّوَقُّفِ عَنِ الرَّكْضِ لِأَنَّ كَلْبَ الصَّيْدِ باوزر كَانَ قَرِيبًا جِدًّا مِنْهُ. لَاحَظَتْ عَيْنَا ريدي الْحَادَّتَانِ نَقَّارَ الْخَشَبِ درامر بِالْقُرْبِ مِنْ قِمَّةِ جِذْعِ الشَّجَرَةِ الْعَجُوزِ، وَلَاحَظَ أَنَّ درامر يَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ مَا فِي الْأَسْفَلِ. نَظَرَ ريدي بِسُرْعَةٍ إِلَى أَسْفَلِ الْجِذْعِ وَرَأَى بُنْدُقِيَّةً مُوَجَّهَةً نَحْوَهُ وَخَلْفَهَا وَجْهُ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون. لَهَثَ ريدي مِنَ الْخَوْفِ وَحَوَّلَ اتِّجَاهَهُ بِسُرْعَةٍ فَجْأَةً حَتَّى كَادَ يَسْقُطُ، ثُمَّ بَدَأَ يَرْكُضُ بِسُرْعَةٍ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا فِي حَيَاتِهِ. بَدَا وَكَأَنَّ أَقْدَامَهُ تَطِيرُ وَبِالْكَادِ تَلْمِسُ الْعُشْبَ. كَانَتْ عَيْنَاهُ تَدُورَانِ مِنَ الْخَوْفِ وَهُوَ يُحَاوِلُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ سُرْعَتِهِ فِي كُلِّ قَفْزَةٍ.

بُومْ! بُومْ! ظَهَرَتْ وَمْضَتَانِ مِنَ النَّارِ وَنُفِثَ دُخَانٌ مِنْ خَلْفِ جِذْعِ الشَّجَرَةِ الْعَجُوزِ. أَطْلَقَ نَقَّارُ الْخَشَبِ درامر صَرْخَةَ رُعْبٍ وَطَارَ إِلَى عُمْقِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ. تَمَدَّدَ الْأَرْنَبُ بيتر تَحْتَ شُجَيْرَةِ عُلَّيْقٍ، وَقَفَزَ الْخُلْدُ جوني إِلَى مَنْزِلِهِ.

أَطْلَقَ الثَّعْلَبُ ريدي صَرْخَةً حَادَّةً مِنَ الْأَلَمِ وَبَدَأَ يَعْرُجُ فَجْأَةً، وَلَكِنَّ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ. كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي التَّصْوِيبِ، وَتَذَمَّرَ قَائِلًا:

«سَأَنَالُ مِنْ ذَلِكَ الثَّعْلَبِ لِسَرِقَتِهِ دَجَاجَتِي!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤