الفصل التاسع

المفاوضات والائتلافات

خصَّص فون نيومان ومورجنسترن نصف كتابهما «نظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي» للألعاب الثنائية ذات المجموع الصفري. سنتحدَّث لأول مرة في هذا الجزء من الكتاب عن نظرية الألعاب «اللاتعاونية» التي درسناها حتى الآن. في هذه النظرية، تُستَكشف الفرص الاستراتيجية للَّاعبين بالتفصيل، وتُوضَع تنبؤات بسلوكهم باستخدام فكرة توازن ناش. أما النصف الآخر من كتاب فون نيومان ومورجنسترن، فيتناول نظرية الألعاب «التعاونية».

يثير هذا الاستخدام للكلمتين «تعاونية» و«لا تعاونية» قدرًا لا حصر له من الالتباس؛ لأن النقَّاد يفترضون خطأً أن نظرية الألعاب اللاتعاونية تدور حصريًّا حول النزاع، وأن نظرية الألعاب التعاونية تدور حصريًّا حول التعاون، وهم محقُّون في ذلك بالقدر الذي تعكس فيه نظرية الألعاب التعاونية الكيفية التي سيتعاون من خلالها الأشخاص العقلانيون. فما هي الائتلافات التي سيجري تكوينها؟ مَنْ سيحصل على المكسب؟ وكَمْ سيكون مكسبه؟ لكنهم انحرفوا عن المسار عندما تعاملوا مع نظرية الألعاب التعاونية والألعاب اللاتعاونية بوصفهما منظورَين متضادَّين، يظهر فيهما دكتور جيكل والسيد هايد كنموذجين يتنافسان على الحالة البشرية. وعلى الرغم من ذلك كله، فإن نظرية القطيع هي جزءٌ من نظرية الألعاب اللاتعاونية، لكنَّ اهتمامها الرئيسي يتمثَّل في توضيح كيفية الحفاظ على التعاون كسلوك يقود إلى التوازن في الألعاب المتكرِّرة.

تختلف نظرية الألعاب التعاونية عن نظرية الألعاب غير التعاونية في كونها تطرح جانبًا أيَّ زعمٍ حول توضيح «سبب» بقاء التعاون واستمراره في الجنس البشري. وتفترض بدلًا من ذلك أن اللاعبين في مقدورهم الوصول إلى صندوق أسود لا يعرضه النموذج، يحتوي على حلولٍ لكل مشكلات الالتزام والثقة التي كثيرًا ما تستحوذ على أذهاننا على مدار هذا الكتاب. وفي مَعرض هذا، يجب أن يحتوي الصندوق الأسود على توضيح للكيفية التي يمكن من خلالها أن تؤدِّي المفاوضات التمهيدية حول الطريقة التي ينبغي أن تمارس بها اللعبة إلى اتفاقٍ يتعامل معه اللاعبون على أنه اتفاق مُلزم دون شرط.

في التطبيقات الاقتصادية، يمكن للمرء أحيانًا أن يزعم أن الصندوق الأسود يحتوي على كل أجهزة النظام القانوني وأدواته. ومن ثَم، فإن اللاعبين يحترمون العقود التي يُبرمونها خشيةَ أن يتعرَّضوا للملاحقة القضائية لو لم يفعلوا ذلك. وفي التطبيقات الاجتماعية، ربما يحتوي الصندوق الأسود على أسبابٍ تفسِّر اهتمام اللاعبين بما قد يكون لتصرُّفهم على نحوٍ مخادع في الوقت الحاضر من تأثيرٍ على سُمعتهم فيما بعدُ بأن سلوكهم غير جدير بالثقة. بل ويمكن للمرء أن يزعم أن الصندوق الأسود يحتوي على النتائج المترتبة على أسلوب الثواب والعقاب المتَّبَع في تقويم السلوك لدى الأطفال، أو أحد أشكال الإعراض أو النفور الفطري من السلوك غير الأخلاقي.

إنَّ المغالطة المثالية هي أن تتخيَّل أن الصندوق الأسود لنظرية الألعاب التعاونية لا يحتوي على أكثر من مجرد الأمل البعيد المنال في أن النزاع سيختفي لو أن الناس فقط تصرَّفت بطريقة عقلانية. لا ننكر أن كثيرًا من النزاع في الحياة الواقعية يكون عقيمًا وبدافع الحمق والغباء، لكننا من غير المفترض أننا سنجعل الناس أقلَّ حمقًا وغباءً عن طريق تعليمهم أن قلوبهم أكثر عقلانيةً من عقولهم.

لكي نردَّ على هذه المغالطة المثالية، علينا أن نفتح الصندوق الأسود التعاوني ونُنعِم النظر في محتوياته الداخلية. لماذا من المنطقي أن يتصرَّف اللاعبون على أساس متبادَل من الثقة في بعض المواقف بينما لا يتصرَّفون كذلك في مواقف أخرى؟ لماذا لا يسعون وراء مصالحهم بدلًا من أن ينشُدوا مصالح المجموعة التي ينتمون إليها؟

عندما نسعى إلى الرد على هذه الأسئلة، لا يكون لدينا خيار آخر سوى أن نستخدم أساليب نظرية الألعاب اللاتعاونية. ومن ثَم، فإن نظرية الألعاب اللاتعاونية هي دراسة الألعاب التي يُفسَّر فيها أي مظهر من مظاهر التعاون المحتمَلة بالكامل عن طريق الاستراتيجيات التي يختارها اللاعبون. لكن هذا التفسير قد يكون صعبًا للغاية؛ لذا، تتجاهل نظرية الألعاب التعاونية جميع الأسئلة التعليلية الصعبة التي تبحث عن الأسباب على أمل تحديد الملامح البسيطة لشكل الاتفاق الذي سيتوصل إليه اللاعبون العقلانيون في نهاية المطاف.

(١) برنامج ناش

يدعونا «برنامج ناش» أن نفتح الصندوق الأسود التعاوني لمعرفة ما إذا كانت الآلية الموجودة داخله تجدي حقًّا على النحو الذي يفترضه حلٌّ تعاوني معين.

لاحظَ ناش أن أيَّ مفاوضات هي في حد ذاتها لعبةٌ من نوعٍ ما، تمثل فيها الحركاتُ أيَّ قول أو فعل قد يَصدر عن اللاعبين أثناء التفاوض. وبذلك، إذا أردنا أن نصمِّم نموذجًا لأي تفاوض يسبق ممارسة اللعبة، فستكون النتيجة هي لعبة مطوَّلة. ففي البداية، تخبر إحدى الاستراتيجيات المحتمَلة للُعبة التفاوض هذه لاعبًا ما بكيفية عقد المفاوضات التمهيدية، ثم بكيفية لعبِ اللعبة الأصلية بناءً على النتيجة المتمخضة عن هذه المفاوضات.

لا بد من دراسة ألعاب التفاوض من دون المفاوضات التمهيدية المفترضة مسبقًا؛ لأن النشاط التمهيدي المسبق برمته يكون مضمَّنًا بالفعل في قواعد تلك الألعاب. ومن ثَم، فإن تحليلها يندرج ضمن مهامِّ نظرية الألعاب اللاتعاونية؛ لذا، فإننا نبحث عن توازنات ناش لهذه الألعاب، آملين ألا يتبيَّن أن مسألة اختيار التوازن صعبة إلى درجة الاستحالة.

عندما نتمكَّن من حل ألعاب التفاوض بنجاح، سيكون لدينا وسيلة لدراسة نظرية الألعاب التعاونية بدقة. وإذا تنبأ المفهوم الموضوع لأحد الحلول التعاونية بتأثير أيِّ اتفاق عقلاني على طريقة لعبِ لعبةٍ ما، فينبغي أن يتوصل التحليل اللاتعاوني للُعبة التفاوض المطوَّلة إلى الإجابة نفسها.

تعامل ناش من ثَم مع نظرية الألعاب التعاونية وغير التعاونية باعتبارهما طريقتين متكاملتين لتناول نفس المشكلة. تُقدِّم نظرية الألعاب التعاونية تنبؤات سهلة التطبيق للاتفاقات العقلانية. وتُقدِّم نظرية الألعاب اللاتعاونية وسيلةً لاختبار هذه التنبؤات.

(٢) حل ناش لمسألة التفاوض

تبلغ قيمة منزل كبير في بيفرلي هيلز أربعة ملايين دولار بالنسبة إلى مالكه وخمسة ملايين دولار بالنسبة إلى أي مشترٍ محتمَل. وعندما يلتقيان معًا ويتفقان على صفقة البيع، يمكن أن يضع المشتري والبائع زيادةً قيمتُها دولار واحد. وتتحدَّد كيفية تقسيم هذه الزيادة بينهما عن طريق التفاوض. وثمة مثال بسيط يوضح جوهر مسألة التفاوض الأصلية هذه، يُعرف عادةً بتقسيم الدولار.

في الرواية المصاحِبة لهذا المثال، يعرض فاعل خير على أليس وبوب اقتسام دولار بينهما، شريطة أن يتمكَّنا من الاتفاق على طريقة تقسيمه بينهما. وإذا لم يستطيعا التوصل إلى اتفاق، يستعيد فاعل الخير الدولار مرةً أخرى. في هذه الرواية، يمثل الدولار الزيادة التي يتفاوض عليها وكيلان اقتصاديان. ويمثل شرط فاعل الخير بعدم توافر الدولار إلا إذا نجح كلٌّ من أليس وبوب في التوصل إلى اتفاق على كيفية تقسيمه، حقيقة أنه لن تكون ثمة أيُّ زيادة إذا لم يلتقِ الوكيلان معًا لوضعها.

عندما درس ناش هذه المسألة، رأى علماء الاقتصاد التقليديون أن العقلانية لا تمتُّ إلى المسألة بِصِلة؛ لأن النتيجة تعتمد على مدى مهارة أليس وبوب في التفاوض. ومن ثَم، نظروا إلى التفاوض باعتباره مسألة تتعلق بعلم النفس لا بعلم الاقتصاد. وقد أيَّد فون نيومان ومورجنسترن هذا الرأي في «نظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي». وعندما نتحدث عن التفاوض بعد مرور ٣٠ عامًا، أرى أن المقاطعين ما زالوا مقتنعين أن «التفاوض ليس جزءًا من الاقتصاد». وبتأمُّل الماضي، يبدو من المثير لنا أن مفهومًا غريبًا كهذا كان يحظى بهذا القبول الكبير، لكن الماضي حقًّا واقع غريب عنا.

(٢-١) حُجة ناش

بدأ جون ناش التفكير في التفاوض عندما حضر دورة اقتصادية حول التجارة الدولية كجزء من دراسته الجامعية. وفي النهاية، قَلَبَتِ الأفكارُ التي توصل إليها موازينَ النظرة التقليدية التي تقضي بأن التفاوض مسألة غامضة.

تذكَّرْ أننا نستطيع تمثيل المنفعة بالمال في حالة لاعب لا يتأثَّر بالمخاطر. إذا كان أليس وبوب لا يعبآن بالمخاطر في لعبة تقسيم الدولار، فمن البديهي إذن أن تتنبَّأ أنهما سيقتسمان الدولار بينهما بالتساوي إذا كان في إمكانهما الوصول إلى الفرص الاستراتيجية نفسها في لعبة التفاوض التي يلعبانها أيًّا كانت. لكن، افترِضْ أن لكلٍّ منهما موقفَه المختلف تجاه المخاطر. إذا كان بوب أكثر تجنُّبًا للمخاطر مقارنةً بأليس، فسوف يكون أكثر تخوفًا من عدم الاتفاق؛ لذا، سينتهي به الحال إلى قيمة أقل من الدولار. لكن أقل بكَمْ؟

يوضِّح شكل ٩-١ طريقة ناش في التوصل إلى الإجابة. تتمثَّل الخطوة الأولى في مطابقة كل صفقة متوافرة مع زوج المنافع الذي من المفترض أن يحصل عليه كلٌّ من أليس وبوب في حال تنفيذ الصفقة. ويُطلَق على نقطة الخلاف التي تحدث في حال عدم إبرام أي صفقة على الإطلاق «الوضع الراهن». ويكون شكل مجموعة الاتفاقات الممكنة محدَّبًا عندما يكون كلٌّ من أليس وبوب متجنِّبًا للمخاطر.
fig33
شكل ٩-١: حل ناش لمسألة التفاوض.

افترضَ ناش أن صفقةً عقلانية ستوجد في موضعٍ ما على حدود مجموعة الاتفاقات الممكنة، وإلا فمِن المفترض أن يتمكَّن اللاعبان من التوصل إلى اتفاق أكثر فاعليةً يفضِّله كلاهما (يُطلِق الاقتصاديون على هذه الملاحظة على نحوٍ مبهم نظرية كوس، على الرغم من أنها ليست نظرية ولا ترجع في الأصل إلى رونالد كوس الحائز على جائزة نوبل.) رسم ناش بعد ذلك مماسًّا مع حدِّ مجموعة الاتفاقات عند النقطة التي تمثل الصفقة العقلانية.

تتمثَّل الخطوة التالية في نقل الأصفار على مقياسَي المنفعة لأليس وبوب عند «الوضع الراهن». وتُعدَّل بعد ذلك الوحدات على مقياسَي المنفعة لكلا اللاعبَيْن؛ بحيث تصبح زاوية ميل المماس عند الصفقة العقلانية ٤٥ درجة. ويوضِّح الرسم البياني على الجانب الأيمن من شكل ٩-١ الوضع الجديد. لو اعتبرنا أن مجموعة الاتفاقات هي المثلث المظلَّل في هذا الرسم البياني، فلا بد إذن أن تكون الصفقة العقلانية هي نقطة المنتصف لوَتَر المثلث القائم (وذلك للسبب نفسه الذي اتفقنا على أساسه على أن الصفقة العقلانية ستكون بالمناصفة ٥٠ : ٥٠ في لعبة تقسيم الدولار عندما تكون أليس وبوب من النمط الذي لا يعبأ بالمخاطر).
تحاول الخطوة الأخيرة أن تبرهن أن الصفقة المنطقية يجب أن تظل كما هي عند إزالة كل النقاط في المثلث المظلَّل على الجانب الأيمن في شكل ٩-١ الواقعة خارج المنطقة المظلَّلة بلون داكن من مجموعة الاتفاقات. وأطلق ناش على هذه النقاط «البدائل غير المناسبة»؛ لأن أليس وبوب لم يختارا أيًّا منها عندما كانت متوافرة؛ لذا لا يوجد ما يدعو إلى تغيير اتفاقهما عندما تصبح تلك البدائل غير متوافرة.
بناءً على ذلك، لإيجاد حل ناش لمسألة التفاوض في الرسم البياني على الجانب الأيسر من شكل ٩-١، يلزمنا فقط أن نحدِّد موضع المماس الذي يلامس حدَّ مجموعة الاتفاقات عند نقطة المنتصف.

(٢-٢) مَن الذي ينبغي أن يؤدِّي أعمال المنزل؟ وما مقدار العمل الذي سيؤدِّيه؟

تهوى الصحف إشعال نار الحرب بين الجنسين عندما تعوزها موضوعات للنشر. وإليكم اقتباسًا مثاليًّا يُستشهَد به في هذا الصدد: «يتظاهر الرجال بتأييد المساواة في المنزل بينما يَدَعون النساء يؤدِّينَ ثلاثة أرباع الأعمال المنزلية.» وإنْ تساوت كل الأمور الأخرى، فإن حقيقة أن الزوجات يؤدِّينَ قدرًا أكبر من الأعمال المنزلية مقارنةً بالرجال من شأنها أن توضِّح بالتأكيد أن ميزان القوى في الزيجات منحاز إلى الرجال. لكن هل بقية الأمور متساوية؟

يستعد أليس وبوب للزواج، ولا يهتمَّان بأي فوائد للزواج سوى أن يتقاسما الأعمال المنزلية. وعلى الطريقة الحديثة، يتفقان على إبرام عقد زواج مُلزم يحدِّد عدد ساعات الأعمال المنزلية التي سيؤدِّيها كلٌّ منهما خلال أسبوع. ما الصفقة التي يتنبَّأ حلُّ ناش لمسألة التفاوض بتوصُّلهما إليها؟

في نسخة اللعبة الممثِّلة لهذه المسألة، ترى أليس أن على الزوجين أن يكرِّسا ساعتين يوميًّا للأعمال المنزلية، ويرى بوب أن ساعةً واحدة في اليوم تكفي. ويحصل كل لاعب منهما على فائدة مقدارها ١٠٠ يوتل في الأسبوع إذا تبيَّن أن عدد الساعات التي حدَّدها مناسِبة؛ وإلا فإنهما لا يريان أي فائدة على الإطلاق في أي عمل منزلي يؤدِّيانه.

لا يُحب أيٌّ من أليس وبوب القيام بالأعمال المنزلية. تخسر أليس ٥ يوتل أسبوعيًّا عن كل ساعة تؤدِّي فيها الأعمال المنزلية. ويخسر بوب ١٠ يوتل عن كل ساعة؛ لأنه يكره القيام بالأعمال المنزلية أكثر من أليس. في موقف «الوضع الراهن» قبل الزواج، تؤدِّي أليس الأعمال المنزلية لمدة ١٤ ساعة أسبوعيًّا؛ ممَّا يحقِّق لها منفعة مقدارها ٣٠ يوتل، ويؤدِّي بوب الأعمال المنزلية لمدة ٧ ساعات أسبوعيًّا؛ ممَّا يحقِّق له أيضًا منفعة مقدارها ٣٠ يوتل.

تشير نظرية كوس إلى أن نتيجة التفاوض ستكون فعَّالة؛ مما يعني أن أليس ستكون لها الغلبة في تحديد عدد الساعات التي سيقضيها الزوجان حديثَا الزواج في أداء الأعمال المنزلية. لإيجاد حل ناش لمسألة التفاوض، علينا إيجاد أقصى نتيجتين من شأنهما أن تجعلا الزواج أمرًا جديرًا بالاهتمام ومفيدًا لكلا الزوجين. تتحقَّق إحدى هاتين النتيجتين عندما تؤدِّي أليس كلَّ الأعمال المنزلية، وستحصل عندئذٍ على ٣٠ يوتل ويحصل بوب على ١٠٠ يوتل. وتتحقَّق النتيجة الأخرى عندما يكون بوب هو الذي يحصل على ٣٠ يوتل فقط، وسيؤدِّي عندئذٍ الأعمال المنزلية لمدة ساعة واحدة يوميًّا. وعلى أليس أن تتولَّى أداء الأعمال المنزلية خلال الساعة الأخرى؛ ليكون الإجمالي هو ساعتين يوميًّا، وهو ما تراه ضروريًّا. وبذلك، تكون قيمة المنفعة التي تحصل عليها هي ٦٥ يوتل.

نظرًا للتعديل الذي أُجري على المثال لجعل أليس وبوب من النمط الذي لا يعبأ بالمخاطر، فإن إيجاد حل ناش لمسألة التفاوض يكون بحساب متوسط هاتين النتيجتين. وعليه، سينتهي الأمر بحصول أليس على ٤٧٫٥ يوتل، وحصول بوب على ٦٥ يوتل أسبوعيًّا. للوصول إلى هذه النتيجة، سيكون على أليس أن تعمل لمدة ١٠٫٥ ساعات أسبوعيًّا، وأن يعمل بوب لمدة ٣٫٥ ساعات فقط أسبوعيًّا.

ومن ثَم، فإنه طبقًا لحل ناش لمسألة التفاوض، إذا كان كلٌّ من أليس وبوب يتفاوضان على أساسٍ متساوٍ، فسوف تفرض أليس رأيها من حيث عدد الساعات التي حدَّدتها لأداء الأعمال المنزلية أسبوعيًّا، لكن سيكون عليها أن تؤدِّي ثلاثة أرباع العمل. وإذا كانت الزوجات يؤدِّين حقًّا ثلاثة أضعاف الأعمال المنزلية التي تؤدِّيها المرأة غير المتزوجة، فإنه يتضح إذن من مثالنا الحالي أنه لا يتعيَّن بالضرورة أن يترتَّب على ذلك انحيازُ ميزان القوى داخل الزيجات لمصلحة الرجال. فمَنْ منهما سيؤدِّي الأعمال المنزلية؟ وكَمْ مقدار العمل الذي سيؤدِّيه في حال إغفال كل العوامل التي اتُّخذت في الاعتبار في هذا المثال؟ حتى إن كنتُ أعرف الإجابة، فلن أصرِّح بها!

(٣) نموذج التفاوض لروبنشتاين

وفقًا لبرنامج ناش، أثبت ناش حلَّه لمسألة التفاوض باستخدام نموذج تفاوض غير تعاوني، يُلزِم فيه كلٌّ من أليس وبوب نفسيهما في آنٍ واحد بقبول المطالب أو رفضها دون نقاش. لكن، نجح شيلينج فيما بعدُ في التشكيك في واقعية التسليم بالتزام اللاعبَين في ألعاب التفاوض.

على سبيل المثال، إذا استطاع بوب أن يسبق أليس إلى إبرام التزام غير قابل للرجوع فيه في لعبة تقسيم الدولار، فسيستطيع أن يحوِّل الموقف لمصلحته بأن يطلب ٩٩ سنتًا، تاركًا أليس أمام اختيار واحد: بنس واحد أو لا شيء. لكن كيف يقنع بوب أليس أنه ملتزم بذلك حقًّا؟ أي كيف يقنعها أنْ لا شيءَ مما يمكن أن تفعله بإمكانه أن يجعله يعيد النظر في طلبه؟ مَنْ بإمكانه أن يصدِّق شخصًا يزعم أنه يقدِّم الآن «عرضه الأخير والنهائي»؟ فحتى الأسعار الموضوعة على المواد الباهظة الثَّمن في المتاجر الفاخرة نادرًا ما تكون نهائية. سيحاول البائع أن يُشعرك أنك بخيل لاعتراضك على السعر، لكنَّ حكمة العامة مناسبة في هذا الموقف. فكلُّ شيء قابل للتفاوض، ولا تجعل الرفض أبدًا إحدى الإجابات المطروحة.

إنَّ إبرام الالتزامات أمرٌ صعب حقًّا. وفي بعض الأحيان ينجح بعض الأشخاص في بناء حياة مهنية من خلال الظهور بمظهر الشخص صعب المراس أو الغبي. ينجح أعضاء الاتحادات التجارية من حين لآخر في إلزام أنفسهم بالتصويت لمصلحة القادة المتصلبي الرأي. لكن فيما عدا هذه الظروف الخاصة، عادةً ما لا يزيد لفظ «التزام» عن كونه كلامًا مرسَلًا. لكن ما دامت كل التهديدات يجب اعتبارها جديرة بالتصديق، سنكون بحاجة إلى النظر إلى توازنات اللعبة الفرعية التامة.

ماذا يحدث إذن عندما يتعيَّن أن يكون صدق اللاعب في كل ما يقوله شرطًا سابقًا على تصديق اللاعب الآخر له؟ قاد هذا السؤال آرييل روبنشتاين إلى تقديم أهم إسهاماته على الإطلاق في برنامج ناش. ففي أقرب مثال غير تعاوني للتفاوض إلى الواقع، يتبادل كلٌّ من أليس وبوب الأدوار في تقديم العروض أحدهما للآخر حتى يتوصَّلا إلى اتفاق. وإذا افترضنا أنهما يفضِّلان إبرام أي صفقة معيَّنة الآن وليس آجلًا، فقد أوضح روبنشتاين أن نموذج العروض المتبادلة يحقِّق حالة فريدة من توازن اللعبة الفرعية التامة.

كان إسهامي في هذا الصدد هو توضيح أن نتيجة توازنِ اللعبة الفرعية التامة الفريدِ تقترب من نسخة غير متماثلة لحل ناش لمسألة التفاوض عندما يصبح الفاصل الزمني بين العروض المتتالية صغيرًا بما يكفي. في النسخة المتماثلة من حل ناش لمسألة التفاوض، تكون النسبة «ن ب/أ ن» تساوي واحدًا. وتساوي النسخة غير المتماثلة «ن ب/أ ن» نسبة معدلات تقليل الوقت لكلٍّ من أليس وبوب.

إذا جعلنا أليس تتحلَّى بقدر أكبر من الصبر وسعة الصدر عن بوب، فإن معدَّل خصمها سيقل؛ ومن ثَم تتنبَّأ النسخة غير المتماثلة من حلِّ ناش لمسألة التفاوض بأنها سوف تحصل على الجزء الأكبر من مبلغ الزيادة المتوافر لاقتسامه بينهما.

(٣-١) ما الأمور المهمة عند التفاوض؟

عندما التقيتُ آرييل روبنشتاين لأول مرة، أَخبَرَني أنه كان يباشر عمله في مسألة التفاوض دون أي نجاح. ونظرًا لأن نظريته أثبتتْ أنها محوريَّة في نقض المعتقَد التقليدي بأن مسألة التفاوض غامضة، كان ذلك رأيًا متواضعًا على نحوٍ غير ملائم. لكن تظل حُجَّته في الحكم على نفسه بهذه القسوة جيدةً وسديدةً. تَفترض كلُّ الأعمال المتعلِّقة بالتفاوض التي لُخِّصت حتى الآن أن المعلومات كاملة، لكن كَمْ مرة يكون فيها الأشخاص القائمون بالتفاوض في الحياة الواقعية على درايةٍ بتفضيل أحدهما الآخر؟

عندما تحاول أليس أن تبيع منزلًا إلى بوب، فإنها سترغب في معرفة معظم المبلغ الذي سيكون على استعداد حقًّا لدفعه، لكنه لن يخبرها. كما أنها لن تخبره بدورها بأقل سعر ستقبل به. وهذه الحالة من عدم تماثل المعلومات مهمةٌ للغاية، وتُخفق نظرية كوس في هذا الصدد على وجه الخصوص. فقد أوضح روجر مايرسون أنه إذا كان من المعروف عمومًا أن كلًّا من بوب وأليس يقدِّم تقديره على نحوٍ مستقل عن الآخر، وأنه على الأرجح يكون محصورًا بين أربعة ملايين دولار وخمسة ملايين دولار، فإن نتيجة التفاوض المثالي إذن لن تكون فعَّالة في حقيقة الأمر. وحتى عندما يقع الاختيار على عملية التفاوض لتعظيم الزيادة المتوقَّعة التي يمكن أن يحقِّقها المفاوضون العقلانيون، فإن المنزل لا يباع إلا عندما يكون السعر الذي يقدِّمه بوب تقديرًا للمنزل أكبر من السعر الذي تطلبه أليس بمبلغ ٢٥٠ ألف دولار!

تفُوق المعلومات في أهميتها كل الاعتبارات الأخرى، لكن لا أحدَ يعلم كيفية استخلاص تنبُّؤٍ فريدٍ من نموذج روبنشتاين للتفاوض عندما تكون المعلومات غير كاملة. ومن ثَم، فالمبادئ التالية لا تستند إلى حُجج وركائز راسخة إلا عندما يعجز المفاوضون عن حجب أي أسرار بعضُهم عن بعض.

(٣-٢) الالتزام

من مصلحة أليس أن تُقنع بوب أنها لا تستطيع أن تقبل أقل من السعر المطلوب حاليًّا، لكن عليها أن تنظر نظرة شكٍّ صارمة إلى أي محاولة من جانبه لزعم أنه قد أبرم التزامًا مماثلًا. ففي بعض الأحيان، يتضح في النهاية أن خصمك ضعيف. على سبيل المثال، عندما سألتُ ذات مرة موظفةً في مكتب لتأجير السيارات عن الخصومات المقدَّمة على السعر الذي ذكرته توًّا، أجابت بأن الخصم ٢٠٪.

(٣-٣) المخاطرة

تُحدِّد مواقف اللاعبين تجاه المخاطر شكل مجموعة الاتفاقات. كلما كنتَ عازفًا عن المخاطرة، تقل العوائد التي تحصل عليها. وبذلك، يؤثِّر بائعو السيارات المستعملة في الأشخاص الذين يخشون خسارة الصفقة. لكن كما أخبرَنا الإنجيل، رغم أن المشتري يبخس السلعة التي يريد شراءها ليحصل عليها بأقل سعر فيظلم صاحبها، فإنه يبتهج حين يفعل ذلك؛ لأنه استطاع بذكائه أن يخدع صاحب السلعة.

(٣-٤) الوقت

يحدِّد الصبر النسبي للَّاعبين مقدار عدم التماثل الذي يجب أن يتضمَّنه حل ناش لمسألة التفاوض. كلما قلَّ صبر اللاعب، يقل مقدار ما يحصل عليه من مكاسب. في دعوى قضائية حديثة كنتُ متورِّطًا فيها، حَكَمَت الهيئة المنظِّمة لقطاع الاتصالات أن شركة الخطوط الأرضية الأساسية يجب أن تعقد صفقةً مع الشركات الجديدة يتفقون فيها على الأسعار التي تنوي أن تفرضها مقابل ربط عملاء هذه الشركات بعملائها. لكن، مع غياب اتفاق حول «الوقت» الفعلي الذي ستكون هذه الصفقة ساريةً خلاله، من المفترض أن تتمتع شركة الخطوط الأرضية بصبر لا ينتهي؛ ومن ثَم تستولي على كل مكاسب التجارة.

(٤) هل تُمارَس الألعاب بعدل وإنصاف؟

إنَّ أيَّ كتاب من الكتب الأكثر مبيعًا في مجال التفاوض يغضُّ الطرف عن أي استخدام للاستراتيجية بوصفه خدعة غير شريفة. فعلى المرء حسبما يُفترَض أن يُصرَّ على ما هو عدل وإنصاف. وربما لهذا السبب وَضَعتْ دراسةٌ حول التفاوض الجماعي على الأجور في السويد ٢٤ تعريفًا مختلفًا لما يندرج ضمن التعاملات المنصفة والعادلة.

يمكن أن يكون لشيوع التعنُّت الديني أو الأخلاقي أهمية استراتيجية بكل تأكيد عند التفاوض. على سبيل المثال، تشرح رواية «التاجر الإنجليزي الكامل» لدانيال ديفو أنه ممَّا يتنافى مع التعاليم الدينية لجمعية الأصدقاء الدينية (الكويكرز) في عصره أن «يكذبوا» بأن يبحثوا عن صفقة أفضل مما هم على استعداد للقبول بها. ومن ثَم، كان أعضاء الجمعية مفاوضين ماهرين؛ لأنه كان من المعروف أن أول عرض لهم هو آخر عرض. لكن، ماذا لو أن المعارضة حاولت تنفيذ نفس تكتيك الالتزام؟ إنَّ الحرب هي النتيجة المعتادة عندما تُقصِي دولتان العقلانيةَ جانبًا على هذا النحو.

لا شيءَ ممَّا سبق يعني ضمنًا أن العدل غيرُ عقلاني بطريقة أو أخرى. بل على العكس، يبدو لي أن العدل هو أهم الأعراف التي يستخدمها البشر لحل مسائل اختيار التوازن في ألعاب التعاون اليومية. لكن بدلًا من النظر إلى العدل باعتباره بديلًا عن التسويات التي نصل إليها عن طريق التفاوض العقلاني، يتخذ جون رولس في كتابه «نظرية العدالة» من التفاوض العقلاني ركيزةً أساسية للتعريف الذي وضعه للنتيجة العادلة. يشبِّه رولس الصفقة العادلة بالاتفاق الذي من المفترض أن يصل إليه كلٌّ من أليس وبوب إذا تفاوضا من وراء «ستار من الجهل» يخفي هُويتهما خلال التفاوض. وعندئذٍ، لن يرغب أيٌّ منهما في الإضرار بأي شخص أو خداعه؛ لأنه ربما يتضح في النهاية أنهما الطرف المتضرِّر.

لقد كرَّستُ جزءًا غير قليل من حياتي لاستخدام نظرية الألعاب في فحص الآثار المترتبة على تعريف رولس. لماذا نُصدَم بكونها معقولة؟ هل تؤدِّي إلى نتيجة نفعية كما يدَّعي هارساني، أم نتيجة قائلة بالمساواة بين البشر كما يدَّعي رولس؟ مع ذلك، فإن الحياة قصيرة جدًّا بما لا يَسَع تفسير سبب اعتقادي أن رولس قد دافعَ عن حدس سليم بحُجَّة مغلوطة.

(٥) تكوين الائتلافات

كيف يمكننا تطبيق ما تعلَّمناه عن كيفية تفاوض شخصين عاقلين على المفاوضات التي تحدث عند تكوين الائتلافات؟ قدَّم فون نيومان ومورجنسترن أبسط مثال يشير إلى أهمية الائتلافات.

يلعب كلٌّ من أليس وبوب وكارول لعبة تقسيم الدولار. ويتحدَّد مقدار ما يحصل عليه كلٌّ منهم عن طريق التصويت بالأغلبية. وبذلك، يمكن لأي ائتلافٍ مكوَّن من لاعبيَن أن يتنازل عن الدولار أثناء عقد اختياراتهما. لكن ما شكل الائتلاف الذي سيجري تكوينه؟ مَن اللاعب الذي سيكون خارج الائتلاف؟ كيف سيُقسَّم الدولار؟

(٥-١) الخيارات الخارجية

إنَّ الخيار الخارجي لأليس عند التفاوض مع بوب هو أكثر ما تستطيع الحصول عليه في مكان آخر إذا فشلَتِ المفاوضات بينهما كليةً. وما زال اقتصاديو طبقة العمال يقعون في خطأ مساواة عوائد «الوضع الراهن» بالخيارات الخارجية للَّاعبين عند استخدام حل ناش لمسألة التفاوض للتنبؤ بنتيجة المفاوضات الخاصة بالأجور. على سبيل المثال، إذا كان بوب سيصير عاطلًا لو فشل في الوصول إلى اتفاق مع أليس، فسوف يُتخذ عائد «وضعه الراهن» باعتباره مستوى العائد الاجتماعي.

لمعرفة السبب في أنه من الخطأ عادةً استخدام حل ناش لمسألة التفاوض بهذه الطريقة، من الضروري تعديل نموذج التفاوض لروبنشتاين، بحيث تكون لدى أليس وبوب الفرصة دائمًا للأخذ بالخيار الخارجي المتاح أمامهما عند رفض العرض. ويتضح عندئذٍ أن الخيارات الخارجية تكون مناسبة لنتيجة التفاوض فقط إلى الحد الذي ينبغي علينا به رفض جميع أزواج العوائد من مجموعة الاتفاقات المعيَّنة التي تخصَّص لشخصٍ ما أقل من خياره الخارجي. ويجب مساواة «الوضع الراهن» بالعوائد التي يحصل عليها اللاعبان أثناء التفاوض. على سبيل المثال، إذا كان أليس وبوب يسعيان إلى التفاوض بشأن إنهاء الإضراب، فإن عوائد «الوضع الراهن» لهما ستكون دخل كلٍّ منهما «أثناء» الإضراب.

لكي يكون من الصائب مساواة عوائد «الوضع الراهن» بالخيارات الخارجية للاعبين، يجب أن يكون أي توقُّف في المفاوضات إجباريًّا لا اختياريًّا. ولتمثيل هذا التوقُّف الإجباري في نموذج روبنشتاين، يمكن للمرء أن يقدِّم حركة احتمالية تُنهي المفاوضات باحتمال صغير بعض الشيء بعد كل رفض. وسوف يقابِل هذا الحالةُ التي من المحتمَل أن يؤدِّي فيها أي تأخير في الوصول إلى اتفاق إلى سرقة مبلغ الزيادة الذي يتفاوض عليه كلٌّ من أليس وبوب من قِبل شخص آخر.

(٥-٢) خروج اللاعب المختلف

يمكن النظر إلى نسختنا الثلاثية من لعبة تقسيم الدولار باعتبارها ثلاثًا من مسائل التفاوض الثنائية التي يمكننا أن نطبِّق عليها نظرية التفاوض التعاونية لناش. عندما يتفاوض لاعبان حول الكيفية التي سيقسِّمان بها الدولار في حال اتفاقهما على تكوين ائتلاف حول كيفية التفاوض، فإن خياراتهما الخارجية ستكون الصفقات التي سيصل إليها كلٌّ منهما في حال إذا كانا يتفاوضان بطريقة خروج اللاعب المختلف بدلًا من ذلك.

بناءً على ذلك، يجب أن تتوقَّع أليس أن تحصل في حال نجاحها في تكوين ائتلافٍ مع بوب على نفس العائد تمامًا الذي كانت ستحصل عليه عند نجاحها في تكوين ائتلافٍ مع كارول، وإلا فسيكون عليها بموجب أحد الاتفاقات المحتمَلة أن تَقبل أقل من خيارها الخارجي في ذلك الموقف. تُخضِع هذه الحقيقة، بالإضافة إلى نظرية كوس، الصفقاتِ الثلاثَ المحتمَلة لشروطٍ معينة. وفي الحالة التي يكون فيها جميع اللاعبين من النمط غير العابئ بالمخاطرة، نُساق إلى الاستنتاج غير المفاجئ بأن الائتلاف الذي يتكوَّن سيقسِّم الدولار بالتساوي، تاركًا اللاعب الموجود خارج الائتلاف دون شيءٍ.

مِن المستحيل — نظرًا لتماثل المسألة — أن نحدِّد أيًّا من الائتلافات الثلاثة الممكنة سيجري تكوينه. مع ذلك، يخلُّ النموذج اللاتعاوني التالي بهذا التماثل عن طريق اشتراط تناوب كلٍّ من أليس وبوب وكارول على تحقيق طلبات العوائد. وعندما يحين دورك في الحركة، ربما تقبل أيَّ طلب قُدِّم من قبلُ أو تقدِّم طلبًا جديدًا خاصًّا بك. ويتنبَّأ توازنُ اللعبة الفرعية التامة الفريدُ بأن الفرصة الأولى لتكوين ائتلافٍ سيستحوذ عليها كلٌّ من أليس وبوب. ولكي يقترب نصيب كلٍّ منهما في الدولار من تَنبُّئِنا التعاوني، يجب أن يكون الفاصل الزمني بين الطلبات المتعاقِبة صغيرًا للغاية.

(٥-٣) الجوهر

ماذا عن كيفية تكوين الائتلافات في المواقف الأكثر تعميمًا؟ يتمثَّل أحد الاقتراحات في ضرورة رفض حجم العائد كأحد نتائج الحل المحتمَلة إذا كان من الممكن الاعتراض على ائتلافٍ ما بدعوى أنه لا يستطيع فرض حجم عائد بديل يفضِّله كل أعضائه. وتُعرف مجموعة أحجام العوائد التي لا يمكن أن نجد فيها مجالًا لهذا الاعتراض ﺑ «جوهر» اللعبة التعاونية.

يحبِّذ علماء الاقتصاد الفكرة؛ لأن جوهر أيِّ لعبةِ سوقٍ كبيرةٍ بما يكفي وتُقارِب ما سيحدث في حال تفاوُض المشترين والبائعين على أي سعر؛ يعادل العرض والطلب. ولكن تطبيق الفكرة على اللاعب الموجود خارج الائتلاف في الحالة التي يكون فيها كلُّ اللاعبين غير عابئين بالمخاطرة غيرُ مشجِّع للغاية.

لقد عرفنا أن إحدى نتائج الحل الممكنة في خروج اللاعب المختلف هي أن تكوِّن أليس وبوب ائتلافًا يستند إلى فكرة أنهما سوف يصوِّتان على تقسيم الدولار بحيث يحصل كلٌّ منهما على ٥٠ سنتًا. لكن هذه النتيجة لا يمكن أن تمثِّل الجوهر؛ لأن بوب وأليس يمكن أن يعترضا على أنَّ في مقدورهما فَرْضَ نتيجة يُفضِّلها كلاهما عن طريق التصويت على تقسيم الدولار، بحيث يحصل بوب على ٥١ سنتًا وتحصل كارول على ٤٩ سنتًا. ونظرًا لأنه من الممكن استخدام منطق مماثل لاستبعاد حجم أي عائد أيما كان، سيكون جوهر الشخص الخارج عن المجموعة فارغًا.

(٥-٤) مفارقة كوندورسيه

كان المركيز دو كوندورسيه ثوريًّا فرنسيًّا مثاليًّا، وقد اكتشف مسألة مشابِهة عندما كان يستكشف نُظم التصويت الممكنة. فإذا كوَّن كلٌّ من أليس وبوب ائتلافًا يؤثِّر بالسلب على كارول، فإنها ستعرض على مَنْ يستمع أكثر قليلًا مما يحصلان عليه حاليًّا. وإذا قَبِلَ بوب عرْض كارول وتخلَّى عن أليس، فسوف تصير أليس هي الطرف المتضرِّر، مع تولُّد حافز لديها لتَعرِض على كارول أكثر قليلًا مما ستحصل عليه. وإذا قَبِلتْ كارول، فإن بوب سيتقرَّب من أليس. وهكذا.

إنَّ نتائج ذلك في الحياة الواقعية يمكن أن تكون مدمِّرة. على سبيل المثال، الحدود بين إنجلترا وويلز حيث أعيش كانت ساحة قتال لقرون. فكان اللوردات الأقوياء على الجانب الإنجليزي، حسبما يُفترَض، يحرسون الحدود أو يزحفون لصدِّ غارات القبائل الويلزية، لكن كانت الحرب مستمرة في الواقع؛ حيث كان الويلزيون وملك إنجلترا ولوردات حراسة الحدود في هذه المنطقة يتناوبون التحالفات للاتحاد في وجه الطرف الأقوى حاليًّا بين ثلاثتهم أيًّا كان.

إنَّ كل ما نجحت حياة كوندورسيه أن تقدِّمه هو ضحايا النُّظم الاجتماعية غير المستقرَّة التي نجح في معرفة آليَّتها. كان يأمل أن يكوِّن مدينة فاضلة عن طريق التفكير الرياضي، بيدَ أنه حُكِمَ عليه بالإعدام بالمقصلة بدلًا من ذلك.

(٥-٥) المجموعات المستقرة

فَهِم فون نيومان ومورجنسترن أن بوب سيكون غير حكيم لو أنه استمع إلى كارول في نسخة خروج اللاعب المختلف عندما توضِّح أنه يمكن أن يحصل على ٥١ سنتًا بانضمامه إلى الائتلاف بدلًا من اﻟ ٥٠ سنتًا التي وعدته بها أليس. وإذا كان التخلِّي عن أليس عندما تتقرَّب إليه كارول فكرةً جيدة، فسيكون فكرةً جيدةً أن تتركه كارول عندما تتقرَّب إليها أليس.

لفهم هذه الفكرة، ابتكرَ فون نيومان ومورجنسترن مفهومًا يُعرف حاليًّا ﺑ «المجموعة المستقرة»، وذهبا إلى أن الاعتراضات التي ليست في حدِّ ذاتها نتائج حلٍّ ممكنة ينبغي تجاهلها. ويُستثنى مع ذلك كل ما هو خارج المجموعة المستقرة؛ نظرًا لإمكانية وجود اعتراض من داخل المجموعة المستقرة، لكن يجب أن يكون شيءٌ ما داخل المجموعة المستقرة محصَّنًا فقط ضد الاعتراضات الكائنة داخل المجموعة المستقرة.

كان المثال الأساسي الذي استندا إليه هو سيناريو خروج اللاعب المختلف عندما يكون جميع اللاعبين من النمط غير العابئ بالمخاطر. تتضمَّن إحدى المجموعات المستقرة النتائج الثلاث المحتمَلة التي يُقسَّم فيها الدولار بالتساوي بين اثنين من اللاعبين. ولكن، ثمة الكثير من المجموعات المستقرة الأخرى. على سبيل المثال، المجموعة التي تضم جميع النتائج التي تحصل فيها كارول على ٢٥ سنتًا ويُقسَّم المبلغ المتبقي من الدولار بكل الطرق الممكنة بين أليس وبوب؛ تكون مستقرة.

ليس من السهل فَهْم هذه المجموعات المستقرة الجديدة. ولا يوافق خبراء نظرية الألعاب الآخرون عليها، لكنني أعتقد أن معرض حديثهم يوضِّح ببساطةٍ أن فكرة المجموعة المستقرة ليست دقيقة بما يكفي؛ لذا، يوجد أحيانًا العديد من المجموعات المستقرة، لكن هذه هي أقل المشكلات التي نواجهها. اكتشف ويليام لوكاس لعبة تعاونية يشترك فيها الكثير من اللاعبين، لا تحتوي على مجموعات مستقرة على الإطلاق؛ لذا توجد أيضًا في بعض الأحيان مجموعات مستقرة قليلة للغاية.

(٦) قيمة شابلي

دُعيتُ ذات مرة للسفر إلى لندن بسرعة لشرح وجهة نظر الحكومة الفرنسية عندما اقترحَتْ أن تكاليف نفقٍ مقترَح أسفل القنال الإنجليزي ستُوزَّع على دول الاتحاد الأوروبي باستخدام قيمة شابلي. تُعتبر قيمة شابلي من بنات أفكار لويد شابلي، الذي كان أحد أفراد مجموعة الطلاب الخريجين البارعين الذين درسوا الرياضيات إلى جانب جون ناش في جامعة برينستون.

سار شابلي على نهج ناش باقتراح مجموعة من الافتراضات تحدِّد تنبؤًا فريدًا لنتيجة لُعبة تعاونية. لكن، على عكس ناش، لا تنطبق افتراضاته على ألعاب التفاوض الثنائية فحسب، بل أيضًا على أي لعبة تعاونية ذات «منفعة قابلة للنقل». وتتمثَّل الحالة الرئيسية موضع الاهتمام في الوضع الذي يكون فيه كل اللاعبين من النمط غير العابئ بالمخاطر وتُقاس العوائد بالدولارات. ويمكن عندئذٍ أن نقول إن كل ما له أهمية في الائتلاف هو ما أطلق عليه قيمة الائتلاف؛ أي أكبر عدد من الدولارات يمكن لهذا الائتلاف أن يضمن أن يكون متاحًا للقسمة بين أعضائه. وتشمل هذه العوائد أيَّ «دفعات جانبية» ضرورية لشراء ولاء أي عضو من أعضاء الائتلاف ربما يعتقد أن الوضع يبدو أفضل في مكان آخر.

على سبيل المثال، في نسخة خروج اللاعب المختلف، تبلغ قيمة كل ائتلافٍ مكوَّن من لاعبيَن دولارًا واحدًا، وتبلغ قيمة الائتلاف الأكبر للَّاعبين الثلاثة معًا دولارًا واحدًا أيضًا، وتبلغ قيمة الائتلاف المكوَّن من لاعب واحد فقط صفرًا. وتكون قيمة الائتلاف الفارغ الذي لا يتضمَّن أي لاعبين صِفرًا أيضًا.

يتضح من أسهل طريقة لإيجاد قيمة شابلي أن المقصود منا هو حساب «متوسط» كل الطرق الممكنة لتكوين الائتلاف. لتبدأ بالائتلاف الفارغ ثم تضيف لاعبين حتى نحصل على الائتلاف الأكبر. عندما تُضاف أليس إلى ائتلافٍ، اكتب مساهمتها الحدِّيَّة في الائتلاف، وهي المبلغ الذي تضيفه إلى قيمة الائتلاف بانضمامها إليه. وبذلك، يكون العائد المعيَّن إلى أليس بموجب قيمة شابلي متوسط جميع مساهماتها الحدِّيَّة السائدة على جميع الطرق المحتمَلة التي يمكن بها أن يضمَّ الائتلافُ الأكبر لاعبًا واحدًا في كل مرة.

يتضمَّن سيناريو خروج اللاعب المختلف ثلاثة لاعبين، وبذلك توجد ست طرق لترتيب اللاعبين: أ ب ج، أ ج ب، ب أ ج، ب ج أ، ج أ ب، ج ب أ. وتكون المساهمات الحدِّيَّة لأليس على التوالي: ٠، ٠، ١، ٠، ١، ٠؛ لذا، تعيِّن قيمة شابلي عائد ١ / ٣ دولار لأليس، وهو ما نرى أنها كانت ستحصل عليه في المتوسط في القسم السابق من الائتلافات.

إلى أي مدًى تُعتبر قيمة شابلي مفيدة؟ أعتقد أنها لا شك مهمة بالنسبة إلى تمارين المشاركة في التكاليف من النوع الذي اقترحته الحكومة الفرنسية، لكنها لا يكون لها مردود جيد عند اختبارها ببرنامج ناش. وعلى غرار الكثير ممَّا في نظرية الألعاب، يظل قدرٌ كبيرٌ ممَّا يتعلَّق بتكوين الائتلاف غيرَ مفهوم لنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤