مؤتمر الأرانب

استيقظ «تختخ» على صوت والدته في الدور الأول وهي تُصدر أوامرها إلى الشغَّالين في البيت، وهكذا كان كل شيء في البيت يُعاد ترتيبه وتنظيفه.

وكان على «تختخ» أن يذهب مع والده إلى محطة السكة الحديد؛ لاستقبال صديق والده الدكتور «الفار» وابنته «نازك».

نزل «تختخ» إلى الدور الأرضي حيث أفطر هو ووالده ووالدته، وتبادلوا بعض الحديث حول الضيفَين القادمَين، فقال والده: لقد كان الدكتور «الفار» زميلي في الدراسة، وكنا نجلس على مقعدَين متجاورَين، وقد اتجه إلى دراسة الحيوان، وأصبح خبيرًا في علوم التشريح.

قال «تختخ» ضاحكًا: من المدهش أن يكون اسمه الدكتور «الفار»، وهو في نفس الوقت خبيرٌ في الحيوان. إن هذا ما يُسمَّى «اسم على مسمى».

ردَّ والده بابتسامةٍ قائلًا: في الحقيقة إن صديقي الدكتور «الفار» طالما تلقَّى التعليقات الضاحكة والنكات الساخرة على اسمه، وفي البداية كان يتضايق وكثيرًا ما تخانق وتعارك، ولكنه في النهاية أصبح يضحك معنا، كلما تلقَّى تعليقاتٍ ساخرةً على اسمه.

تختخ: ولكن ما أهمية هذا المؤتمر الذي يُعقد هنا في المعادي؟ إنني أرى الصحف تُبدي اهتمامًا كبيرًا به.

قال والده: إن بعض الحيوانات تمتاز بأن لها أجهزةً تُشبه أجهزة الإنسان مثل الفئران، والأرانب، والقرود؛ ولهذا يستخدمها العلماء والأطبَّاء لإجراء التجارِب عليها عند تحضير دواء جديد، أو إجراء عملية جراحية مبتكرة. وهذا المؤتمر يحضره عدد من أساتذة الجامعات المصرية والأطبَّاء المصريين؛ لإلقاء سلسلة من البحوث عن الأمراض، وعن الثروة الحيوانية في مصر.

تختخ: سوف تمتلئ المعادي بذوي النظارات، وذلك منظر مسلٍّ حقًّا.

قالت والدته: المهم بالنسبة لك أن تجعل إقامة «نازك» في المعادي ممتعة، إنها في مثل سنك، وهي ظريفة جدًّا، وقد أحببتها عندما زرت منزلهم في الإسكندرية، وقد أكرموني أنا ووالدك جدًّا، ويُهمُّني أن تضع لها برنامجًا لزيارة المعادي.

تختخ: من حسن الحظ أن هناك حديقة ملاهٍ مقامة قرب مكان انعقاد المؤتمر، وسوف أطلب من «نوسة» و«لوزة» اصطحابها للذهاب إلى هناك، وستسرُّها طبعًا هذه الزيارة.

ردَّت والدته معاتبة: قلت لك يا «تختخ» عشر مرات أن تهتم أنت بها. إنني أُريدها أن تشعر أنها في بيتها، وأنها موضع رعايتنا.

تختخ: لقد قلت لكِ بصراحةٍ يا ماما إنني لا أُحب إضاعة وقتي في اللعب والجري هنا وهناك. إن عندي بعض الكتب التي أُريد الانتهاء من قراءتها قبل موعد الدراسة.

الوالدة: إنك تتهرَّب من القيام بواجب الضيافة، وكل ما أرجوه منك أن تُقسِّم وقتك بين قراءتك وبين ضيفتك.

انتهى الإفطار، وخرج «تختخ» مع والده إلى المحطة لانتظار الضيفَين، وهو يشعر بالضيق لأنه مضطرٌّ للقيام بهذه الواجبات الثقيلة. وعندما وصلا إلى المحطة كان القطار قد أقبل من بعيد، فوقفا ينظران إليه حتى توقَّف، ثم تقدَّما إلى نافذةٍ في إحدى عربات الدرجة الأولى، كان يقف فيها الدكتور «الفار» وابنته.

كان الدكتور «الفار» رجلًا متوسِّط القامة، أسمر اللون، غزير شعر الرأس والشارب، يلبس نظارةً طبيةً سميكة، وبرغم حرارة الصيف كان يلبس بذلةً سوداء كاملة. أمَّا «نازك» فكانت فتاةً سمراء كوالدها، ولاحظ «تختخ» أن وجهها الصغير ينطق بالذكاء والشقاوة.

تبادل الأربعة التحيات، وحمل «تختخ» حقيبةً ثقيلة، ثم خرجوا جميعًا حيث ركبوا سيارة والده.

جلس «تختخ» و«نازك» في المقعد الخلفي معًا، في حين جلس الدكتور «الفار» بجوار والد «تختخ» في المقعد الأمامي، وكانت فرصةً متاحةً للحديث، وقد بدا واضحًا أن «نازك» قد انتهزت الفرصة فورًا؛ فقد انطلقت تسأل عشرات الأسئلة دون أن تنتظر الإجابة، فقالت: هل المعادي واسعة؟ وهل صحيح أن لكل منزلٍ فيها حديقة؟ وهل هناك أماكن للتفرُّج والنزهة؟ وهل صحيح أنك تشترك في مغامراتٍ بوليسية مع أصدقاء لك؟ لقد سمعت من والدتك أنك تُسبِّب لها متاعب كثيرةً باشتراكك في حل الألغاز الغامضة، فهل أنت تشترك الآن في حل لغز؟ إنني أُريد أن أشترك معكم، هل عندكم مانع؟

أدرك «تختخ» أن ضيفته من النوع الثرثار المزعج؛ فأحسَّ بالانزعاج من الأيام القادمة، وما سيحدث فيها، وعادت «نازك» إلى الحديث قائلة: لماذا لا ترد؟ لماذا أنت سارح؟ قال «تختخ» في صبر: سوف أُقدِّمك لأصدقائي «نوسة» و«مُحب» و«لوزة» و«عاطف»، وسوف تقضين معهم وقتًا مسليًا في النزهة والتفرُّج على المعادي.

لم تكتفِ الضيفة الصغيرة بهذا الرد فانطلقت تقول: ولكنك لم تردَّ على سؤالي المهم، هل ستُشركني في مغامرةٍ من مغامراتكم؟

تختخ: إن المغامرات لا تُباع في المحلَّات حتى أذهب وأشتري مغامرةً تشتركين فيها. إنها أشياءُ تحدث بالمصادفة، فإذا وقعت مغامرة وأنت موجودة فستشتركين فيها، إذا كان لك دور أو نحتاج إليك لعملٍ ما.

عادت «نازك» إلى الحديث السريع قائلة: إنني أفهم في الألغاز والمغامرات؛ فقد قرأت كتبًا كثيرةً عن المغامرين المشهورين، وأعرف كيف أجمع الأدلة، وأُرتِّب الحوادث، وأستخرج الاستنتاجات، وسوف أُساعدكم فعلًا.

ردَّ «تختخ» بكلمةٍ واحدة: عظيم.

كانت السيارة قد وصلت إلى الفيلا فنزلوا جميعًا، وحمل «تختخ» الحقيبة الثقيلة مرةً أخرى وهو متضايق، في حين مضت «نازك» تتحدَّث: إنها فيلا جميلة فعلًا، وبها حديقة ممتازة، ذلك شيءٌ يبعث على الابتهاج؛ فإننا نسكن في شقةٍ صغيرة مزدحمة، ولا أجد مكانًا ألعب فيه.

تختخ: إن الحديقة كلها لك، وفي إمكانك أن تقضي كل إجازتك فيها.

وكانت والدة «تختخ» تقف على السلم في انتظارهم، فرحَّبت بالضيفَين، وجلسوا جميعًا يتحدَّثون عن الرحلة، فانتهز «تختخ» الفرصة وتسلَّل صاعدًا إلى غرفته.

لم تمضِ دقائق على دخوله الغرفة حتى سمع نقرًا على الباب، ثم دخلت «نازك» قائلة: ماذا حدث؟ لقد تركتنا دون أن نُحس، هل أنت تعبان؟ هل تشعر بشيء؟ هل درجة حرارتك مرتفعة؟

ودون انتظار للرد تقدَّمت بسرعة، ثم وضعت يدها على جبهة «تختخ» وقالت: إن حرارتك عادية، فهل تشعر بصداع؟

قال «تختخ» وقد نفد صبره: نعم إنني أشعر بصداعٍ شديد، وأحتاج إلى الراحة.

قالت «نازك»: على العكس، إنك محتاجٌ إلى الحركة لتنسى الصداع، وسوف أُحضر لك قرصَين من الأسبرين وكوبًا من الماء، وسآتي فورًا. ثم انطلقت من الباب كالسهم، وسمع صوت قدمَيها على السلم وهي تنزل مسرعة.

أخذ «تختخ» يهز رأسه وهو يقول في نفسه: هذه كارثة حقيقية، مصيبةٌ نزلت على رأسي، ماذا أفعل الآن؟

وقبل أن يجد إجابة، كانت «نازك» قد عادت وبيدها الأسبرين والماء، ولم تنتظر كلمةً واحدة، لقد أسرعت تُناوله الأسبرين، وتضع كوب الماء على شفتَيه، وقبل أن يُدرك «تختخ» ماذا حدث كان قد ابتلع قرص الأسبرين، وهو يشعر أنه أشقى إنسانٍ في العالم!

قالت «نازك»: ستُصبح على ما يرام بعد قليل، والآن تعالَ نخرج قليلًا.

ردَّ «تختخ»: ألن ترتاحي قليلًا من السفر؟ إن أمامنا وقتًا طويلًا للخروج والنزهة.

نازك: إنني لا أُحب إضاعة الوقت، هيا بنا نزر أصدقاءك ونتعرَّف بهم.

كان هذا حلًّا معقولًا بالنسبة ﻟ «تختخ» يتخلَّص به من هذه الثرثرة القاتلة، فوافق على الفور ونزلا معًا، واتجها إلى منزل «عاطف» حيث كان الأصدقاء يجتمعون في الحديقة، في ظل الأشجار الكبيرة التي تتميَّز بها حديقة منزل أسرة «عاطف».

ووجدا الأصدقاء الأربعة هناك؛ «مُحب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة»، الذين استقبلوا «نازك» استقبالًا حافلًا، وجلسوا جميعًا يتحدَّثون، أمَّا «تختخ» فجلس صامتًا وهو يُفكِّر في الأيام القادمة، وفجأةً هبطت عليه فكرةٌ رائعة؛ إن «نازك» تُريد أن تشترك في حل لغزٍ غامض، أو في مغامرةٍ مثيرة، وهو سيُقدِّم هذا اللغز؛ سيُقدِّم لها لغزًا غامضًا وصعبًا تنشغل به، وتبتعد عنه، وابتسم «تختخ» لأول مرة في هذا اليوم، وبدأ يشترك في الحديث مع الأصدقاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤