السيدة العجوز والبهلوان

استيقظ «تختخ» مبكِّرًا في صباح اليوم التالي، وبعد الإفطار اصطحب الدكتور «الفار» و«نازك» إلى المؤتمر، وكما قرَّر «تختخ» ذهب إلى سكرتارية المؤتمر حيث حصل على كشفٍ بأسماء العلماء المشتركين في المؤتمر، وعندما دخل إلى القاعة الفسيحة التي تُلقى فيها المحاضرات، أخذ يُراقب كل شيء حوله، ويتفحَّص وجوه الأساتذة والمستمعين.

كانت محاضرة الدكتور «الفار» تدور حول نوع الفأر المنزلي المسمَّى «أتي أتي»، والفرق بينه وبين النوع المسمَّى «أتي نور فيجكسي»، وأحسَّ «تختخ» بصداعٍ شديد، وبرغبةٍ شديدة في النوم، بعد أن طالت المحاضرة وامتلأت بالاصطلاحات العلمية الجافة، فلم تكد المحاضرة تنتهي ويقف محاضرٌ آخر، حتى غادر قاعة المحاضرات، وتبعته «نازك».

قرَّر «تختخ» زيارة معرض الحيوانات الصغير الملحق بالمؤتمر، حتى تنتهي المحاضرات ويعود مع الدكتور إلى المنزل. كان المعرض يضم أنواعًا متعدِّدة من الفئران والأرانب الحية والمحنَّطة، وتذكَّر «تختخ» «الخنفس» عندما شاهد الفئران البيضاء التي كانت تدور وتلف في أقفاصها الصغيرة، وكم كانت دهشة «تختخ» عندما وجد أن حارسة الأقفاص سيدة عجوز، تلبس الطرحة السوداء، وقد امتلأ وجهها بالتجاعيد، فلم يكن يتصوَّر أن بين موظفي الدولة سيدة مثل هذه!

اقترب «تختخ» من أقفاص الفئران البيضاء وأخذ يُراقبها باهتمام، فقالت «نازك»: لقد وقع حادث في يوم الافتتاح نسيت أن أرويه لك؛ فقد انكسر قفص الفئران البيضاء لعدم وجود المختص برعايتها، وهربت الفئران، واضطُرَّت إدارة المؤتمر إلى استئجار قفص من هذه السيدة العجوز، ثم استأجرتها هي شخصيًّا لرعاية الفئران؛ لأن الموظَّف اعتذر عن المجيء بسبب مرضه.

قال «تختخ»: هذا يُفسِّر وجود هذه السيدة في المؤتمر، فليس من المعقول أن يكون بين موظفي الدولة سيدة تلبس الطرحة.

سمعت السيدة العجوز ملاحظة «تختخ» فقالت: إنني سيدةٌ محترمة، والملابس ليست فارقًا بين الناس، وليس عيبًا أن ألبس الطرحة وأجلس هنا في المؤتمر.

أحسَّ «تختخ» بالحرج فقال: آسف جدًّا فإنني لم أقصد إهانتك. لقد لفت نظري وجودك هنا.

شكر «تختخ» السيدة، ثم غادر المكان مع «نازك»، وجلسا في الاستراحة حتى انتهى الدكتور «الفار» من أعماله، وانصرف الجميع عائدين إلى المنزل.

عندما عاد الجميع إلى البيت، صعد «تختخ» إلى غرفته وأخذ يُعيد قراءة أسماء أعضاء المؤتمر، وهو يُفكِّر هل يمكن أن يكون «الخنفس» على قدرٍ من الذكاء والثقافة، بحيث يندس بين أعضاء المؤتمر؟ صحيحٌ أنها فرصةٌ طيبة للاختفاء عن أعين رجال الشرطة، ولكنها تحتاج إلى قدرٍ كبير من الجرأة والمعرفة.

أدرك «تختخ» أن «الخنفس» لا يمكن أن يندسَّ في المؤتمر، وأن المكان الطبيعي له هو مدينة الملاهي حيث الزحام، وحيث يعمل أشخاص مثله من الحواة ومدربي الكلاب والقرود، وعمَّال «المراجيح». واستقرَّ رأيه بعد أن يُقابل أصدقاءه هذا المساء، أن يذهب بنفسه غدًا إلى مدينة الملاهي، لعله يجد شيئًا جديدًا.

التقى الأصدقاء ﺑ «تختخ» في حديقة منزل «عاطف» في المساء، بعد أن استطاع «تختخ» التسلُّل من منزله دون أن تراه «نازك»، التي كانت تتبعه كظله طول النهار، وهي لا تكف عن أسئلتها المتعبة.

سأل «مُحب»: هل عثرت على شيءٍ في المؤتمر؟

تختخ بأسف: أبدًا، فليس بين من قابلت في المؤتمر من يمكن أن يكون «الخنفس»، كما أنني أستبعد أن يكون مثل هذا اللص قادرًا على أن يندس بين أعضاء المؤتمر، وكلهم من المشاهير المعروفين، ولم أُقابل شيئًا يلفت النظر إلَّا عجوزًا تقوم بالعناية بالفئران البيضاء؛ لغياب الموظَّف المختص بها … وهذا كل ما هنالك.

لوزة: للأسف أن مراقبتنا للرجل المسئول عن لعبة «النشان» وأخته لم تُسفر عن شيءٍ هام. لقد عرفنا أن اسمه «حسبو» وأخته اسمها «لعبة»، ولم يتردَّد عليهم أحد يمكن الاشتباه فيه … إلَّا …

قال «تختخ»: إلَّا من؟

لوزة: إلَّا المهرج.

قال «تختخ» باهتمام: المهرج؟! إن هذا شخصٌ يُثير الاهتمام حقًّا.

عاطف: إنه الوحيد الذي شاهدناه يتردَّد على «حسبو» وأخته أكثر من مرة.

سأل «تختخ»: وما هو شكله؟

نوسة: ككل المهرجين، يلبس الملابس الملوَّنة، ويُغطِّي وجهه بالأصباغ الفاقعة، ويلبس طرطورًا، له ذيلٌ طويل يتأرجح خلفه.

تختخ: إنني لا أقصد هذا، أقصد طوله … عرضه، شكله العام، هل يمكن أن نشتبه فيه؟

مُحب: إنه متوسِّط القامة، سريع الحركة، ولكن الأصباغ التي يُلوِّن بها وجهه لا تكشف عن طبيعة لونه، وبالطبع تُخفي أي «ندبة» تكون فيه، كما أنه يلبس قفَّازًا أبيض، فلا نستطيع أن نعرف إذا كانت يداه معروقتَين أم لا!

لوزة: آسفة لقطع حديثكما، ولكن ما معنى معروقة؟ لقد خجلت أن أسأل في البداية، ولكن هذا دليلٌ هام!

تختخ: أيتها المغامرة الصغيرة، كيف تخجلين من السؤال عن شيءٍ هام كهذا؟ معروقتان يعني تبرز فيهما العروق، وهذه صفة من صفات الأشخاص النحفاء والكهول.

سكت «تختخ» قليلًا، ثم عاد يقول: إن المهرِّج هو أول شخص يمكن الاشتباه فيه؛ فملابسه وتنكُّره يمكن أن يختفي خلفهما أي شخص، خاصةً «الخنفس»، وغدًا سوف نذهب معًا، ونُراقب هذا المهرِّج مراقبةً دقيقة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤