الفخ

كانت فكرة «نازك» بسيطة، قالت للأصدقاء: إن عندي عقدًا من اللؤلؤ الصناعي أحضره لي أبي من «اليابان»، عندما كان في أحد المؤتمرت هناك، وهذا العقد معي الآن، فكيف يمكن تدبير فخ «للخنفس» عن طريق هذا العقد؟

أخذ الجميع يُفكِّرون، ولكنهم كانوا مقتنعين أن «تختخ» هو الذي سيضع الخطة، وأخيرًا قال «تختخ»: ستلبسين العقد، ثم نذهب إلى العجوز في المؤتمر حيث نتحدَّث أمامها عن العقد، ثم نذهب إلى مدينة الملاهي، حيث نلفت نظر «لعبة» و«حسبو» للعقد، وهم الثلاثة الذين على صلةٍ ﺑ «الخنفس»، وفي الليل نذهب إلى مدينة الملاهي، ومن المؤكَّد أن «الخنفس» سيُحاول الحصول على العقد هناك، وستكون «نازك» تحت رقابتنا الدقيقة، بحيث لا يستطيع «الخنفس» الحصول على العقد دون أن نراه، وسوف نتركه يأخذ العقد؛ فالمهم عندنا أن نعرف شخصيته، وبعد القبض عليه سنحصل على العقد مرةً أخرى.

وافق الأصدقاء على الفكرة بحماس، وأسرعت «نازك» إلى غرفتها، ثم عادت ومعها العقد. التفَّ الأصدقاء يتأمَّلونه، كان آيةً في الجمال ودقة الصناعة، ولم يكن في إمكان أحد أن يتصوَّر أن اللؤلؤ الجميل، هو لؤلؤ صناعي لا يُساوي سوى بضعة جنيهات. ولبست «نازك» عقدها، واتجه الجميع إلى المؤتمر.

كانت العجوز تجلس في مكانها المعتاد بجوار أقفاص الفئران، وكان بعض الزوَّار يتحدَّثون معها.

انتظر الأصدقاء حتى انصرف الزوَّار، واقتربوا من قفص الفئران، وأخذوا يتحدَّثون بحيث تسمعهم العجوز.

قال «تختخ»: إن عيون هذه الفئران تُشبه العقد الذي تلبسينه يا «نازك».

قال «مُحب»: ولكن ما الأغلى … العيون أم اللآلئ؟

قالت «نازك»: إن هذا من «اليابان»، وهو من اللؤلؤ الطبيعي، ويُساوي ثروة.

لوزة: وهذا الفأر لا يُساوي إلَّا بضعة قروش.

نوسة: وهل ستلبسين العقد عندما نذهب هذه الليلة إلى مدينة الملاهي؟

نازك: نعم؛ فأنا أحبه جدًّا، ولا أستطيع مفارقته، برغم أن والدي نبَّه عليَّ كثيرًا أن أُبقيه في البيت حتى لا يطمع فيه اللصوص.

كان «تختخ» يُراقب العجوز ليرى أثر هذا الحديث على وجهها، وكم أدهشه أن رأى وجهها جامدًا لا أثر للانفعال فيه، كما حدث قبل هذا عندما حدَّثها عن «الخنفس»!

عاد الأصدقاء إلى منزل «تختخ»، حيث اتفقوا على أن يتقابلوا في المساء للذهاب إلى مدينة الملاهي.

أمضى «تختخ» و«نازك» بقية اليوم يتحدَّثان عن المغامرة القادمة، وكان «تختخ» يخشى أن تتعرَّض «نازك» لحادثٍ أو للاعتداء عليها، ولكن «نازك» قالت: لا تخشَ شيئًا. إنني لست خائفةً من أي شيء، وسترى أنني مغامرة من نوعٍ ممتاز.

قال «تختخ»: آسف جدًّا لأنني في البداية لم أثق بك، ولكن لقد كنت ثرثارةً يا «نازك» عند حضورك، ولا أدري لماذا أصبحتِ الآن أقل كلامًا وأكثر لطفًا؟

ضحكت «نازك» ولم تُعلِّق بشيء، وفي المساء كانا مستعدَّين للذهاب إلى المدينة، فخرجا لمقابلة بقية الأصدقاء.

كانت ليلة الجمعة في مدينة الملاهي مزدحمةً بالزوار، ولم يكن هناك موضع لقدم، واتجه الأصدقاء إلى حيث يقف «حسبو» يحشو البنادق ويُطلقها، وحاولوا لفت نظره إلى عقد «نازك»، ولكن في وسط ضجة الضرب وصياح الناس، لم يكن هناك أي أمل في أن يلتفت إليهم «حسبو» مطلقًا، وهكذا انصرفوا من عنده إلى حيث كانت تقف «لعبة» بجوار العجوز، تعرضان على الناس لعبة «البخت»، ومرةً أخرى لم يلتفت إليهم أحد؛ فقد كان الكل مشغولًا بالفرجة، والضحك على الأرانب، وهكذا فشلت الخطة وبدأ الأصدقاء يُحسون أنهم كانوا واهمين، عندما تصوَّروا أنهم يمكن أن يُوقعوا «الخنفس» في فخٍّ ساذج كهذا الفخ، وقرَّروا أن يقضوا بقية الوقت في اللعب، ونسيان كل شيء يتصل ﺑ «الخنفس».

انهمك الأصدقاء في الجري وفي شراء الحلوى، ومضت ساعة أو أكثر وهم في غاية السعادة، وفجأةً انطفأت أنوار مدينة الملاهي كلها … وساد الظلام، وتوقَّف كل شيء، وفي اللحظات القليلة التي تبعت إطفاء الأنوار، سمع الجميع صرخةً قوية، ثم أُضيئت الأنوار مرةً أخرى، وكان «تختخ» أسرع الجميع إلى إدراك ما حدث؛ ففي الظلام امتدَّت يد مدرَّبة، خطفت عقد اللآلئ من صدر «نازك» واختفت في الظلام.

لم يعرف أحدٌ من زوَّار المدينة سر ما حدث؛ فقد ظنوا جميعًا أن الصرخة مصدرها طفلة تخاف الظلام، ولم يتصوَّروا أن حادث سرقة قد وقع، وهكذا عاد كل شيء إلى حاله، وعاد النشاط إلى أوصال المدينة المرحة.

أمَّا الأصدقاء فقد أحاطوا «نازك»، كان وجهها شاحبًا وأوصالها ترتجف، وقالت بصوتٍ مرتعد: لقد سرقوا العقد … سرقوه دون أن نرى أحدًا.

قال «تختخ» بصوتٍ حزين: إن «الخنفس» أبرع ممَّا تصوَّرنا بكثير، لقد حصل على العقد دون أن يراه أحد، لقد كان أبرع منا جميعًا!

مُحب: ولكن «الخنفس» لا يمكن أن يُطفئ النور ويخطف العقد في نفس الوقت، إن هناك من يُساعده.

تختخ: طبعًا، لقد قام أحد أعوانه بإطفاء النور من المصدر الرئيسي على مدخل مدينة الملاهي، وقام هو — وربما شخص آخر من أعوانه — بخطف العقد.

لوزة: وقد نسينا ما جئنا من أجله، وانهمكنا في اللعب دون أن ندري أن «الخنفس» كان يعد ضربته.

نوسة: والآن، ماذا سنفعل؟

تختخ: لم ينقضِ وقتٌ طويل بين إطفاء النور وسرقة العقد وإعادة إضاءة النور، ومعنى هذا أن اللص كان قريبًا جدًّا من «نازك»، فلم يحتج إلى وقتٍ طويل بعد إطفاء النور، ليقترب منها ويسرق العقد.

عاطف: وماذا يعني كل هذا؟

تختخ: يعني أن اللص كان على بُعد خطواتٍ قليلة منا، فهل شاهد أحدٌ منكم شخصًا له مواصفات «الخنفس» قريبًا من «نازك» ساعة إطفاء الأنوار؟

لم يتذكَّر أحدٌ من الأصدقاء أنه رأى شخصًا معيَّنًا قريبًا من «نازك» ساعة إطفاء النور، فعاد «تختخ» يقول: من هو أقرب شخص إلينا حاليًّا في مدينة الملاهي؟ نظر الأصدقاء حولهم، فإذا بهم قريبون جدًّا من السيدة العجوز، التي كانت مشغولةً في ألعاب الفئران، فقالت «لوزة»: ليس هناك سوى السيدة العجوز، وبالطبع فإنها لا تستطيع أن تجري بسرعةٍ كافية إلى مكان «نازك»؛ لتخطف العقد، ثم تعود إلى مكانها عندما أُضيئت الأنوار.

قال «تختخ»: أيها الأصدقاء سنعود الآن إلى البيت، إن عندي بعض الأفكار التي تحتاج إلى فحص، وأرجو أن أتمكَّن من حل هذا اللغز غدًا.

نظر الأصدقاء إلى «تختخ» في استفسار، وقالت «نازك»: لماذا لا تُشركنا معك في أفكارك؟

تختخ: إنني لست متأكِّدًا بعدُ من أفكاري، ولكن هذه الليلة سوف أجد وسيلةً للتأكُّد، هيا بنا.

وفي طريق العودة لم يتحدَّث «تختخ» مطلقًا، وعندما آوى إلى غرفته في هذا المساء، كان قد استقرَّ على رأي في لغز «الخنفس»، وفي صباح اليوم التالي كانت فكرته قد نضجت تمامًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤