أول خطوة في قلب المغامرة!

في الموعد المحدد كان الشياطين في طريقهم للقاء عميل رقم «صفر»، كان مكانُ اللقاء في النقطة «م». عندما ظهر المكان من بعيد، كانت هناك سيارة بيضاء تقف عند تقاطُع شارعَين. أعطَت السيارةُ إشارةً ضوئية، فَهِمها الشياطين؛ فاتجهوا إليها. وعندما اقتربوا منها أسرع «عثمان» بمغادرة السيارة إلى سيارة العميل، الذي سلَّمه مظروفًا مغلقًا، ثم غادر المكان بسرعة. وعندما استقر «عثمان» داخل سيارة الشياطين سلَّم الرسالة ﻟ «أحمد» الذي فتحها بسرعة، وقرأ محتوياتها التي لم تكن تزيد عن خريطة للمنطقة حول منزل «إيفانز» ونُقَط وجود أفراد عصابة «سادة العالم». بعد أن تأمَّل «أحمد» الخريطة فترة، قال: لا بأس، قد يكون الصدام عنيفًا، لكنه في النهاية سوف يُعطينا فرصةً لإثبات قوة الشياطين.

أوقف «رشيد» سيارةَ الشياطين على جانب الطريق، فبسط «أحمد» الخريطة وأخذوا يدرسونها.

فجأةً، قال «عثمان»: ينبغي أن نعود إلى الفندق؛ إن المسألة تحتاج إلى خطة يجب أن نفكِّر فيها.

وافق «أحمد»، و«رشيد» … وبسرعة أخذوا طريقَهم إلى الفندق. عندما دخلوا، كانت السيدة «روز» تقوم بتنظيف الصالة، ولم يكن أحدٌ موجودًا بها. نظرَت إليهم مبتسمةً، وقالت: إنني أحتاج مساعدتكم.

ردَّ «أحمد»: نحن تحت أمرك.

قالت «روز»: إنَّ نُزَلاءَ جُدُدٌ سوف يَصِلون بعد قليل، وليسَت لديَّ أماكنُ خالية، غير أن عندي مخزنًا يمكن أن يتحول إلى حُجرة جيدة تتَّسِع لثلاثة أسِرَّة.

صمتَت «روز»، فسأل «رشيد»: وما هو المطلوب منَّا؟

ابتسمَت «روز» وهي تقول: سوف أمنحكم تسعة جنيهات عن الساعة، ما رأيكم؟

ابتسم «عثمان»، وقال: نحن لم نحضر للعمل، إننا نقوم بسياحة في مدينتكم الجميلة.

ردَّت «روز»: لا بأس من أن تعمل، وتربح، وتقوم بالسياحة!

أجاب «رشيد»: هذا شيء طيب بالتأكيد، لكننا لسنا في حاجة للعمل، أو للنقود.

سكتَت لحظة، فظهر اليأسُ على وجه السيدة «روز»، إلا أن «رشيد» أسرع يُكمل كلامَه: إننا نستطيع أن نؤدِّيَ خدمة بلا مقابل، ونحن تحت أمرك بهذا الشرط.

امتلأ وجهُ «روز» بابتسامة عريضة، وقالت: لا أدري بالضبط ماذا يمكن أن أقول، ولكن دعوني أرد لكم الخدمة بطريقتي.

قال «أحمد»: لا بأس. وهيَّا إلى العمل سريعًا؛ لأن لدينا موعدًا هامًّا، من الضروري أن نلحقَه.

تقدَّمتهم «روز» بسرعة، واجتازَت بهم طُرْقة متوسطة الطول، ثم وقفت أمام غرفة مفتوحة، وقالت: هذا هو المخزن.

سأل «أحمد»: وأين يمكن أن ننقل محتوياتِه؟

قالت: سوف نوزِّعها في المكان.

نظر «رشيد» حوله قليلًا ثم قال: أظن أننا نستطيع أن نستفيد من الحديقة الصغيرة الموجودة خلف المبنى؛ فتوزيع محتويات المخزن مهما كانت صغيرة سوف تشوِّه المكان.

فكَّرَت «روز» لحظة، ثم قالت: هذه فكرة جيدة فعلًا، ولو أني أخشى أن نؤذيَ النباتات الموجودة في الحديقة!

قال «رشيد»: سوف نحاول أن نفعل ذلك بأقل الأضرار الممكنة.

وبدأ العمل … اختار الشياطين مساحةً جانبية في الحديقة وقدَّروا كيف يمكن نقل الأشياء إليها … ولم تنقضِ ساعة، حتى كان كلُّ شيء قد انتهى.

وقفت «روز» بينهم قائلة: أنتم تُقدِّمون نموذجًا ممتازًا لمعاونة الإنسان لأخيه الإنسان …

أرجو أن تقبلوا دعوتي لعشاء خاص الليلة.

شكرها الشياطين، وانصرفوا. وعندما ضمَّتهم غرفتُهم عقدوا اجتماعًا سريعًا بسط «أحمد» الخريطة، وبدءوا يُحدِّدون حركتَهم حول المبنى الذي يسكنه «د. إيفانز»، كان المبنى مكوَّنًا من طابقَين؛ الطابق الأول لعمل التجارب والمكتب والمطبخ وغرفة الطعام، أما الطابق الثاني فهو للنوم فقط. وحول المبنى تدور حديقةٌ واسعة مزروعة بعناية … يبدو هذا من تخطيط الخريطة التي أوضحَت كلَّ التفاصيل حتى أماكن الأشجار وأحواض الزهور. عند باب الحديقة توجد غرفة الحراسة … وبينما كان «أحمد» و«عثمان» منهمكَين في تفاصيل الخريطة.

فجأةً، دقَّ جرس التليفون أسرع إليه «عثمان» وكان المتحدِّث عميل رقم «صفر» الذي قال: إن معلوماتٍ جديدةً قد ظهرت، وسوف تَصِل إليكم حالًا.

عندما نقل «عثمان» معنى الرسالة إلى «أحمد» و«رشيد»، توقَّفا قليلًا، وقال «رشيد»: هذا يعني أننا يجب أن ننتظر؛ فقد تُفيد هذه المعلومات خُطَّتنا، أو قد تُغيِّر فيها.

ترك الشياطين الخريطة … فقال «أحمد»: إن أمامنا، كأول خطوة، أن نتصل بدكتور «إيفانز»، إنني أعتقد أن الحديث معه يمكن أن يختصرَ الطريق ويجنِّبَنا الصدام مع العصابة.

ردَّ «رشيد»: أخشى أن يكون العكس، وفي هذه الحالة سوف تتعقد الأمور أكثر إن لم نفقده إلى الأبد، وتفشل المغامرة.

قال «عثمان»: ما دامت العصابة قد نشرَت رجالها حول مكان إقامة «د. إيفانز»، فإن هذا يعني أن التفاهم معه أجدَى؛ فإذا فَشِلنا في التفاهم معه فلن يكون أمامنا سوى الصدام.

قال «أحمد»: إن المسألة لن تكون الصدام في حدِّ ذاته، إن المهم هو نقل «د. إيفانز» إلى المقر السري، ولا تنسَ أننا أمام عصابة «سادة العالم»!

تساءَل «رشيد»: هل هذا يعني أن نطلب انضمامَ فريقٍ آخر من الشياطين؟

ردَّ «أحمد»: لقد فكَّرت في ذلك فعلًا.

فجأةً، أعطى جهاز الاستقبال إشارة ضوئية … فعرف الشياطين أن هناك رسالةً هامة. أخذ «أحمد» يتلقَّى الرسالة، وكانت بطريقة الشفرة.

كانت الرسالة: «۷۰ – ۳۰ – ۲ –٦٠»، وقفة «٢١ – ٦ – ٦٠ – ۷۰»، وقفة «۲ – ۳۰ – ۱۲ – ۲ – ١٤»، وقفة «٦٠ – ۲ – ٤٠ – ٥٠ – ۷۰»، وقفة «٤ – ۲۲ – ١٦ – ۲۸»، وقفة «٤٠ – ۲٤ – ١٤ – ۸»، وقفة «۲ – ۲۸ – ۲۳ – ۲ – ۳۰– ١٥» انتهى.

فكَّ «أحمد» رموزَ الشفرة الجديدة التي اتفق عليها مع رقم «صفر»، ثم نقل الرسالة ﻟ «رشيد» و«عثمان» …

فقال «رشيد»: هذا يعني أن محادثة «د. إيفانز» أصبحت ضرورية، فهو يستطيع أن يكشف أيَّ غريب يدخل مقرَّه.

استغرق «أحمد» قليلًا في التفكير، ثم قال: إنني أعرف هذا النوع الحديث من شبكات الإنذار. فهو يعتمد على الموجات الكهربية التي يُرسلها الجسم البشري، والتي تختلف من واحد إلى آخر، فهي مجهَّزة على مَن يتعامل فقط مع «د. إيفانز»، سواء في مقرِّه أو خارجه، هذا النوع يتحكم فيه صاحبه فقط، والمؤكد أن هذه الشبكة سرية ولا يعلم بها إلا «إيفانز» نفسه.

أكمل «رشيد»: هذا يعني أنه لا يستطيع أحد الدخول إليه إلا بعد علمه.

أجاب أحمد: هذا صحيح.

أضاف «عثمان»: إذن، ليس أمامنا إلا التحدُّث معه.

استغرق الثلاثة في صمت، قطعه «عثمان» بعد قليل: حتى لا نضيعَ وقتًا، ينبغي أن نقوم بجولة أولًا حول مقرِّ «د. إيفانز».

لم تمضِ نصف ساعة حتى كان الشياطين يقتربون من مقر «د. إيفانز». كان المبنى، كما جاء في الخريطة تمامًا؛ داروا حوله دورتين، ثم عادوا إلى فندق «سكاي» … عندما دخلوا من الباب، كانت السيدة «روز» تستقبل بعض النزلاء؛ كانوا خمسة من الرجال تبدو عليهم الغلظة والقوة. نظرت لهم «روز»، وابتسمت … وأشارت إشارة خفيفة، فهموا منها أنهم النزلاء الجُدد، ألقى «أحمد» نظرة فاحصة عليهم، بينما كانوا مشغولين في كتابة استمارات الفندق.

أخذ الشياطين طريقَهم إلى حجرتهم، كانوا صامتين تمامًا، فحتى الآن لم يكونوا قد استقروا على خطوتهم القادمة، وعندما ضمَّتهم حجرتهم، قال «رشيد»: ينبغي أن نتحدث إلى «د. إيفانز» حالًا، إن الوقت يمرُّ، وقد تسبقنا العصابة في خطفه.

قال «أحمد»: هذا صحيح!

أمسك «أحمد» التليفون، وكان رقم تليفون «د. إيفانز»، قد نُقش في ذاكرته، أدار القرص، ثم انتظر لحظة، جاءه صوتٌ نسائي من الطرف الآخر يسأل: مَن المتحدث؟

ردَّ «أحمد»: «جون لانج»، باحث من أفريقيا الوسطى، جاء للقاء الدكتور.

سأل الصوت: هل هناك موعد؟

رد «أحمد»: لا.

سأل الصوت مرة أخرى: هل حدَثت مكاتبات من قبل؟

رد: لا يا سيدتي.

انتظر الصوت لحظة، ثم قال: من أين تتحدث الآن؟

فكَّر «أحمد» بسرعة، ثم قال: من فندق «سكاي».

جاء الصوت يقول: هذا قريب منَّا؟

مرَّت لحظة قبل أن يقول الصوت النسائي: أعطني رقم تليفونك، ورقم غرفتك، ثم انتظر حتى أتحدَّث إلى الدكتور، وأُعيد الاتصال بك.

أعطاها «أحمد» رقم تليفون الفندق، ورقم الحجرة، ثم شكَرها، ووضع السماعة …

نظر إلى «رشيد» و«عثمان»، ثم قال: فكَّرتُ أن أعطيَها رقم تليفون عميل رقم «صفر»؛ فقد كنت أخشى أن ينكشف وجودُنا هنا.

ردَّ «رشيد»: لا بأس، لا أظن أن أحدًا يرصد مكالمات الفندق.

قال «عثمان»: مَن يدري، لعل العصابة قد أخذت كلَّ الاحتياطات.

مرَّت دقائق، ثم فجأةً دقَّ جرس التليفون، فرفع «أحمد» السماعة بسرعة، فجاء الصوت النسائي يقول: السيد «لانج» … الدكتور سوف يتحدث إليك الآن.

لمعَت عينَا «أحمد»، بينما كان «رشيد» و«عثمان» يَرقُبانِه؛ فقد كانت هذه المكالمة تعني للشياطين أول خطوة في قلب المغامرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤